بروفايل: وجه السعودية الأممي في نيويورك... سفيرٌ وُلِدَ دبلوماسياً

عبد العزيز الواصل... 23 عاماً بين دهاليز «الخارجية» وسفاراتها

بروفايل: وجه السعودية الأممي في نيويورك... سفيرٌ وُلِدَ دبلوماسياً
TT

بروفايل: وجه السعودية الأممي في نيويورك... سفيرٌ وُلِدَ دبلوماسياً

بروفايل: وجه السعودية الأممي في نيويورك... سفيرٌ وُلِدَ دبلوماسياً

هناك نوعان من البراعة في الدبلوماسية: الأول في العلاقات الثنائية حين يُبعث السفير لدى دولة واحدة، والثاني في العلاقات متعددة الأطراف وهي المنظمات الدولية والأممية وغير الحكومية الدولية والإقليمية، كالأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي أو الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي أو الاتحاد الأوروبي. الدكتور عبد العزيز بن محمد الواصل، يعد خليطاً من هذا وذاك؛ فبعد مشوار طويل في السلك الدبلوماسي، شغل منصب نائب سفير في لندن، ثم كان مندوباً دائماً للسعودية في عاصمة العمل الإنساني جنيف. وفي مطلع أغسطس (آب) 2022 قدم أوراق اعتماده مندوباً سعودياً دائماً في عاصمة القرار السياسي الأممي في نيويورك. يصعب اختزال أدوار الواصل والحديث عنها في قصة؛ فالدبلوماسي المخضرم يتكئ على 23 سنة من الخبرة، موظفاً وقيادياً بين دهاليز الخارجية السعودية ودوائرها وأقسامها، ومارس العمل في العلاقات متعددة الأطراف، وتوسد مهام لا تقل صعوبة عن التحدي الجديد.

لم يستغرب السعوديون تلك الإطلالة التي رافقت أول ظهور أممي للمندوب السعودي الجديد لدى الأمم المتحدة، الدكتور عبد العزيز الواصل، على المنبر الأممي في نيويورك مطلع أغسطس (آب) 2022.
كانوا يتابعونه بشغف إبان ظهوره اللافت في جنيف، ويعيدون تغريدات تحمل مقاطع فيديو انتشرت بشكل واسع، ويتذكرون جيداً كلماته التي تميزها مخارج الحروف الواضحة، ووجه خالي الملامح باستثناء نظارة عصرية ذات إطار داكن.
لقد كان عبد العزيز الواصل يذود عن بلادهم تارة، يدافع عن جيرانهم وجيران جيرانهم وقضاياهم تارة أخرى، يظهر الموقف الحازم الحاسم لبلاده تارات وتارات.
الدكتور الواصل اليوم في محطة جديدة على خط مسيرته. يسمي الدبلوماسيون نيويورك «عاصمة القرار السياسي» لمنظمة الأمم المتحدة؛ فيها مجلس الأمن، والجمعية العامة، ومئات الاجتماعات والقضايا والأشخاص الذين يترقبون المندوب الجديد. وسيتحتم عليه خلال الشهر المقبل حضور العرس الأممي السنوي المتمثل بالجمعية العامة، بما في ذلك عشرات الاجتماعات والكلمات والخطابات والمؤتمرات.

سيكون الواصل هذه المرة على رأس الوفد السعودي، وسيكون أمامه سيل من التحديات. فالعالم هذا العام، ليس كما كان العام الماضي، وإن استمرت وتكررت جل القضايا والهموم الدولية والإقليمية، إلا أن أزمة أوكرانيا ستحمل العديد من الإثارة والكر والفر السياسيين داخل ردهات مبنى المنظمة الدولية العتيد في نيويورك.
هناك أيضاً تحديات الطاقة، والمماحكات والتحركات الواسعة التي من المرتقب أن تلقي بظلالها على السياسة والسياسيين، وستجد نصيباً من اللقاءات والخطابات.

- خلافة المعلمي
سيخلف الواصل في هذا الموقع مندوباً كان يصنع العناوين، ويتمتع بحضورجاذب ونسق مميز وهو المهندس عبد الله المعلمي بأدائه طيلة العقد الماضي. هذا تحدٍ آخر يواجه السفير الذي تعمل بلاده مع نحو 23 وكالة وصندوقاً وبرنامجاً كلها تابعة للأمم المتحدة بما في ذلك المكاتب الإقليمية.
وحقاً، تنتظر الأوساط الدبلوماسية من المندوب الدائم الجديد مهمة غير عادية، وفترة تمثيل ستملؤها الإثارة والمتابعة، وسيعود السعوديون والعرب لتداول مداخلاته وكلماته وحواراته، كما كانوا يفعلون قبل ذلك، فالأحداث والمنصب والشخصية المقبلة ستكون مدعاة للاهتمام.

- «عاصمة العمل الإنساني»
المندوب الدائم الجديد دبلوماسي هادئ وحكيم، يستطيع بناء شبكات من العلاقات مع مختلف الشخصيات. وصقل لديه هذه الميزةَ عملُه في جنيف ما أهّله للتعامل مع عشرات المنظمات والاتحادات... من ملكية فكرية إلى اتحاد اتصالات، ومن تجارة وتنمية إلى منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر واتحاد الصليب الأحمر والهلال الأحمر، ومن مجلس حقوق إنسان إلى اتحاد نزع السلاح، فضلاً عن منظمات الهجرة والعمل وحتى الأرصاد.
صحيح أن غالبية تلك المنظمات تتعاطى فنياً مع نظيراتها من المؤسسات السعودية، لكن في صميم مهام المندوب في جنيف أن يحضر ويتفاعل ويتعاطى مع مختلف الملفات.
لقد كانت جنيف بالنسبة للدكتور الواصل محطة لافتة، ليس لأنها آخر محطات الواصل فحسب، بل إن مشواره كان مثيراً قبل أن يبدأ، وكان عند الموعد.
وهنا يقول الدكتور عبد العزيز المزيني، سفير اليونيسكو لدى مصر وجامعة الدول العربية لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أرى ذلك الرجل الذي يملأ ردهات مكاتب الأمم المتحدة في جنيف أثناء عملي هناك سفيراً لليونيسكو. لقد كان يمثل بلاده لدى أكبر ورشة عمل فنية أممية مليئة بالمنظمات واللقاءات والمواضيع المتشعبة التي تتطلب جهداً واسعاً».
ويضيف السفير المزيني: «لقد وجدت شخصية استثنائية تتمتع بصفات الدبلوماسي المحترف، كالهدوء وحسن اختيار العبارات، وإجادة العمل ضمن منظومة علاقات متعددة الأقطاب. هذه الصفات الاحترافية تحلق حولها عقلية متفتحة، وثقافة واسعة في السياسة والفلسفة والتاريخ الإسلامي، والأدب العربي».
ثم يتابع قائلاً: «لم أجد نشاطاً لسفير عربي أو دولي يضاهي ذلك النشاط، ومن دون مجاملة، أستطيع القول إن عبد العزيز الواصل وُلِدَ دبلوماسياً... حتى في أكثر المواقف الحساسة، لا يتراجع الواصل ولا يتردد عن الحديث مع أي شخص مهما كان، ويجد دائماً الوقت للإصغاء والاتصال».

- القوة الصلبة
يتحدث كثيرون من المهتمين بالعلاقات الدولية عن «القوة الناعمة» المتمثلة بالإعلام والمنظمات غير الحكومية والبرامج الثقافية وغير المباشرة، ومدى تأثيرها، وانتشارها وتوسعها، إلا أن بعض هؤلاء ينسون «القوة الصلبة»، وهي التأثير المباشر للدول والقدرة على الوصول والتواصل والانخراط الإيجابي الهادئ والحازم في الوقت نفسه. ولن يكون مندوب دولة بحجم السعودية وتأثيرها الدولي وقوتها الصلبة فقط حارساً لمصالح بلاده، بل سيكون أيضاً قائداً لمجموعات خليجية وعربية وإسلامية ودولية؛ إذ تتلاقى الاهتمامات السعودية مع اهتمامات تلك المجموعات والدول، ولكنها تتقاطع أيضاً وأحياناً تتناقض، وهنا يأتي دور رجل الوساطات والتوافقات.
عند هذه المحطة، يتذكر مراقبون كيف لعب عبد العزيز الواصل دوراً لافتاً في توحيد مواقف دولية فيما يعرف داخل أوساط مفوضية حقوق الإنسان بأزمة «المشروع الهولندي» التي شهدت تبايناً عربياً - غربياً داخل أروقة الاجتماعات عام 2017.
خلال عام 2021 حملت كلمته حججاً مقنعة ووقعاً هائلاً، حين انتقد الواصل فريق لجنة خبراء حقوق الإنسان الذي استعان بتقارير حوثية وتجاهل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 في تقاريره. لقد لعب الدبلوماسي السعودي المحنك وزملاؤه، بقيادة الخارجية السعودية وتعاون الدول الصديقة لليمن، دوراً فاعلاً في إنهاء تلك الأزمة، وجرى حل اللجنة التي جنت على اليمن واليمنيين، من منطلق دور السعودية القيادي.
وهكذا، أثبت الواصل أنه يحسن ارتداء قلنسوة رجل المطافئ أحياناً... لكنه لا يتردد في ارتداء رداء المحامي إذا لزم الأمر.

- مُلهم ومحفز
تاريخ الدكتور الواصل مع زملائه في جنيف، وما قبلها، يشي بدبلوماسي من قماشة فريدة. ولا يكل الموظفون الذين سبق لهم العمل تحت إدارته من التباهي بأنهم عاصروا تلك «الكاريزما» والطاقة المحفزة التي يزرعها داخل فريق العمل.
إتقانه اللغة العربية لا يُعزى إلى إعجابه الشديد بشاعر العرب أبو الطيب المتنبي فحسب، بل أيضاً لغزارة الاطلاع التي يتمتع بها ولا يخبئها عن زملائه ومن يعمل إلى جانبه. وهم يتذكرون كيف كان يستقطع من وقته ليشرح مسائل لغوية عند كتابة الخطابات أو الرسائل ويوليها عناية واسعة. كما أن العبارات البليغة التي قد تخرج أحياناً من زملائه تستوقفه، حتى إن كان الأمر خارج العمل، يبقى تذوقه للغة وجمالها وتفاصيلها إحدى خصاله وهواياته.
أيضاً، يتداول الدبلوماسيون الذين عملوا مع الواصل مقولة تحمل بعض المجاملة، لكن وقعها مثير وهي: «من لم ينجح مع الواصل سيكون من الصعب أن ينجح مع غيره». ويبرر ذلك حرصه على التحفيز والتطوير وإلهام كل من يعمل تحت إدارته، كونه يتقبل الأفكار ولا يوصد باب المبادرات، «بل يتحول الأمر إلى أن يلاحق أصحاب المبادرة أو الفكرة ويطالبهم بمستجداتها ويتابعها حتى تنضج».
وفي الإطار ذاته، يتفق عدد من زملاء الواصل ونظرائه، على قدرته الفائقة على الإنصات، فهو «ينصت لدرجة تجعل المتحدث يعيد ويكرر ويوغل في التفصيل لينجح في إيصال فكرته، ثم يتفاجأ بأن الدكتور عبد العزيز لم يستوعب الفكرة وحسب، بل بدأ فعلاً بتكوينها بعمق والإلمام بأبعادها وتحدياتها».
أحد الدبلوماسيين الذين عملوا مع السفير، وفضّل حجب اسمه، قال: «حتى عند رفع التقارير الرسمية، يحرص الواصل على تذييل الرسائل باسم صاحب المبادرة. لديه قدر هائل من التصالح مع ذاته لدرجة أنه يدفع بالمبادرين والحريصين على الاجتهاد في العمل إلى أعلى درجة ممكنة من النجاح والسطوع، لهذا السبب يجري العمل معه أشبه بكسر للرتابة والروتين، رغم بيروقراطية العمل الحكومي، والالتزام والمساحات المحسومة مسبقاً التي تحملها وظيفة الدبلوماسي.
وحقاً، يترك الواصل لدى من عمل معهم من الموظفين أثراً جيداً تظهر صوره جلية عند مشاركتهم في الاجتماعات. وهو يقدر انخراطهم في العمل ومثابرتهم لتحقيق مصالح بلادهم، لكنه أيضاً دقيق في المواعيد وحريص على الإنجاز، وأشد حرصاً على التحضير الجيد لأي لقاء مهما كان من وجهة نظر آخرين عادياً.
أخيراً، يفخر كثيرون بِسِمات الدكتور الواصل، ويتداولون قصصه معهم كأنها حكايات خارجة من كتاب، وليست جزءاً من مهام العمل اليومية؛ فـ«كاريزما» الرجل وحكمته ممزوجتان بالتواضع والحسم عند الحاجة. وقد تكون هذه روايات تحكى، لكنها أيضاً واقع؛ إذ يعتبر كل من عمل مع الواصل أن تأثيره كان فائق الإيجابية على أدائهم وتحفيزهم. وتجسد ذلك في مختلف البعثات التي كان الدبلوماسي المخضرم - الذي وُلِدَ دبلوماسياً - جزءاً منها.

  • سيرة شخصية

- من مواليد جلاجل في وسط المملكة العربية السعودية، شمال غربي الرياض
- متزوج وأب لثلاث بنات وولدين
- تلقى تعليمه الجامعي في المملكة، وحاز شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة أستراليا الوطنية في العاصمة الأسترالية كانبرا
- التحق بالسلك الدبلوماسي عام 1999 حيث عمل في إدارة المنظمات الدولية بوزارة الخارجية في الرياض
- عام 2001 انتقل إلى سفارة المملكة العربية السعودية في كانبرا عاصمة أستراليا. وكان بين المهام التي تولاها القائم بالأعمال
- عام 2007 عاد إلى ديوان وزارة الخارجية، ثم انتقل إلى البعثة الدائمة للمملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحدة بجنيف، حيث تولى ملف حقوق الإنسان لمدة تزيد على أربع سنوات ونصف
- عام 2013 انتقل إلى السفارة في لندن عام 2013، وكُلف بالعمل نائباً لرئيس البعثة، ومكث في بريطانيا حتى صدور قرار تعيينه سفيراً ومندوباً دائماً للمملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحدة بجنيف عام 2016
- قبل انضمامه إلى السلك الدبلوماسي، عمل في وظائف مُختلفة في القطاعين العام والخاص، بما في ذلك العمل مُحاضراً في كلية الملك عبد العزيز الحربية بالرياض، ومُساعد مُحاضر في قسم العلوم السياسية بجامعة مارشال في الولايات المتحدة


مقالات ذات صلة

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
الخليج السعودية تطلق خدمة التأشيرة الإلكترونية في 7 دول

السعودية تطلق خدمة التأشيرة الإلكترونية في 7 دول

أطلقت السعودية خدمة التأشيرة الإلكترونية كمرحلة أولى في 7 دول من خلال إلغاء لاصق التأشيرة على جواز سفر المستفيد والتحول إلى التأشيرة الإلكترونية وقراءة بياناتها عبر رمز الاستجابة السريعة «QR». وذكرت وزارة الخارجية السعودية أن المبادرة الجديدة تأتي في إطار استكمال إجراءات أتمتة ورفع جودة الخدمات القنصلية المقدمة من الوزارة بتطوير آلية منح تأشيرات «العمل والإقامة والزيارة». وأشارت الخارجية السعودية إلى تفعيل هذا الإجراء باعتباره مرحلة أولى في عددٍ من بعثات المملكة في الدول التالية: «الإمارات والأردن ومصر وبنغلاديش والهند وإندونيسيا والفلبين».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق «ملتقى النقد السينمائي» نظرة فاحصة على الأعمال السعودية

«ملتقى النقد السينمائي» نظرة فاحصة على الأعمال السعودية

تُنظم هيئة الأفلام السعودية، في مدينة الظهران، الجمعة، الجولة الثانية من ملتقى النقد السينمائي تحت شعار «السينما الوطنية»، بالشراكة مع مهرجان الأفلام السعودية ومركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء). ويأتي الملتقى في فضاءٍ واسع من الحوارات والتبادلات السينمائية؛ ليحل منصة عالمية تُعزز مفهوم النقد السينمائي بجميع أشكاله المختلفة بين النقاد والأكاديميين المتخصصين بالدراسات السينمائية، وصُناع الأفلام، والكُتَّاب، والفنانين، ومحبي السينما. وشدد المهندس عبد الله آل عياف، الرئيس التنفيذي للهيئة، على أهمية الملتقى في تسليط الضوء على مفهوم السينما الوطنية، والمفاهيم المرتبطة بها، في وقت تأخذ في

«الشرق الأوسط» (الظهران)
الاقتصاد مطارات السعودية تستقبل 11.5 مليون مسافر خلال رمضان والعيد

مطارات السعودية تستقبل 11.5 مليون مسافر خلال رمضان والعيد

تجاوز عدد المسافرين من مطارات السعودية وإليها منذ بداية شهر رمضان وحتى التاسع من شوال لهذا العام، 11.5 مليون مسافر، بزيادة تجاوزت 25% عن العام الماضي في نفس الفترة، وسط انسيابية ملحوظة وتكامل تشغيلي بين الجهات الحكومية والخاصة. وذكرت «هيئة الطيران المدني» أن العدد توزع على جميع مطارات السعودية عبر أكثر من 80 ألف رحلة و55 ناقلاً جوياً، حيث خدم مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة النسبة الأعلى من المسافرين بـ4,4 مليون، تلاه مطار الملك خالد الدولي في الرياض بـ3 ملايين، فيما خدم مطار الأمير محمد بن عبد العزيز الدولي بالمدينة المنورة قرابة المليون، بينما تم تجاوز هذا الرقم في شركة مطارات الدمام، وتوز

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم (الخميس)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف في السودان، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضه. وأكد الأمير فيصل بن فرحان، خلال اتصال هاتفي أجراه بغوتيريش، على استمرار السعودية في مساعيها الحميدة بالعمل على إجلاء رعايا الدول التي تقدمت بطلب مساعدة بشأن ذلك. واستعرض الجانبان أوجه التعاون بين السعودية والأمم المتحدة، كما ناقشا آخر المستجدات والتطورات الدولية، والجهود الحثيثة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
TT

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ مستوياتها منذ تفكّك الاتحاد السوفياتي السابق، وجرى تقويض كل قنوات الاتصال السياسية والدبلوماسية والأمنية. وحتى «الخط الساخن» الذي طالما عوّل عليه البلدان لمواجهة الظروف الطارئة وتجنّب الانزلاق إلى احتكاكات مقصودة أو غير مقصودة، جرى تجميده كلياً. كانت تلك، وفقاً لمسؤولين روس، أسوأ أربع سنوات في العلاقات، ولقد تحوّلت فيها الولايات المتحدة إلى خصم مباشر، و«شريك رئيس في الحرب الهجينة ضد روسيا». ولم ينعكس التدهور فقط في ملفات أوكرانيا والأمن الاستراتيجي والوضع في أوروبا - وهي القضايا المركزية التي تشغل بال الكرملين - بل أيضاً امتد في تأثيره بعيداً عن الجغرافيا الحيوية لروسيا... ليصل إلى الملفات الإقليمية الساخنة في الشرق الأوسط التي شهدت تصعيداً متواصلاً فاقم تأجيج الأزمة في العلاقات.

بمجرد اتضاح نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، بدأ محللون روس في وضع «سيناريوهات» للتقارب مع الإدارة الجمهورية الجديدة في واشنطن. ولطالما كان ينظر في موسكو للرئيس المنتخب دونالد ترمب على أنه «قادر على إعادة تشغيل العلاقات مع موسكو»، والتوصل إلى تسويات أو «صفقات» حول القضايا الأكثر خلافية.

بيد أن الكرملين كان قد خاض تجربة مريرة مع ولاية ترمب الأولى، عندما بدا الرئيس - المتهم بالتعاون سرّاً مع روسيا - عاجزاً عن مواجهة تركة باراك أوباما الثقيلة في العلاقة مع موسكو. لذلك لم ينجح التفاؤل الروسي في حينه، ولا الخطوات المحدودة التي انتهجها ترمب في تحسين العلاقات جدياً، ووضع «سيناريوهات» للتعاون في ملفات دولية أو إقليمية. بل بالعكس من ذلك، فقد واجهت روسيا في ولاية ترمب السابقة أضخم رُزم عقوبات فرضتها واشنطن. ومن ناحية ثانية، فشل الطرفان أيضاً في تحسين شروط التعاون حيال ملفات إقليمية مهمة، فتدهور الوضع حول إيران بعد انسحاب ترمب من الاتفاقية النووية، وتراجع الأخير عن تنفيذ تعهد الانسحاب من سوريا.

ثلاثة أفخاخ

بناءً عليه، بدت موسكو أكثر حذراً هذه المرة وهي تستقبل أنباء فوز ترمب الساحق. وحقاً، تجنّبت تعليق آمال جدية، بانتظار ما ستقدم عليه الإدارة الجديدة من خطوات عملية فور تسلم الرئيس منصبه رسمياً في يناير (كانون الثاني) المقبل.

لكن هذا لم يمنع التوقّعات المتشائمة، التي غلبت على العلاقة، من البروز بشكل مباشر أو غير مباشر. والحال أن موسكو تبدو حالياً ضعيفة الثقة بقدرة «ترمب الجديد» على تجاوز التغيّرات الكبرى التي شهدتها الأوضاع الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة. وفي هذا الإطار، أجمل أليكسي بوشكوف، عضو مجلس الشيوخ الروسي وأحد خبراء السياسة المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين، المأزق الذي يواجه ترمب بأنه يشتمل على «ثلاثة أفخاخ صعبة».

الفخ الأول، بطبيعة الحال، هو ملف أوكرانيا: فلقد استثمرت الولايات المتحدة بالفعل الكثير في أوكرانيا لدرجة أنها ما عادت تعرف كيفية الخروج من هذه الأزمة. وهنا لا تتوقف موسكو كثيراً عند الوعود الانتخابية لترمب بإنهاء الحرب في 24 ساعة. ويتساءل بوشكوف: «هل ستتخلى واشنطن عنها مثل أفغانستان؟ لم يعد يمكنها ذلك». أو تكمل ما بدأته الإدارة الديمقراطية؟ عندها... وكما حذّر ترمب بحق، فإن هذا قد يؤدي إلى صراع نووي مع روسيا. تدرك موسكو حجم الصعوبات التي تواجه ترمب في هذا الملف.

أما الفخ الثاني، فهو شرق أوسطي. وهنا - حسب بوشكوف - «لا يمكن لترمب التراجع عن دعم إسرائيل بسبب وجود لوبي قوي جدّاً مؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة. لكنه لا يستطيع دعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علناً في كل ما يفعله، لأن هذا يضرّ بمكانة الولايات المتحدة في العالم العربي (...) ولأن المخطط الأميركي لمصالحة إسرائيل مع جيرانها ما زال موضع شك. لقد حاولت الولايات المتحدة إخراج إسرائيل من عزلتها في المنطقة... لكن هذا المدخل لم يعد يعمل. وعلاوة على ذلك: يُصرّ العالم العربي على إقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما ترفضه إسرائيل بشكل قاطع. إذن فهذا أيضًاً فخ».

وأما الفخ الثالث فهو تايوان. ووفقاً لبوشكوف: «من الممكن أن تصبح قضية تايوان فخاً كبيراً للولايات المتحدة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ستدعم أوروبا الأميركيين إذا دخلت الولايات المتحدة في صراع مع الصين؟ لقد قوّضت أوروبا نفسها اقتصادياً بشدة بالفعل بسبب انفصالها عن روسيا. وإذا فتحت أيضاً معركة مع الصين، التي يبلغ حجم تجارة الاتحاد الأوروبي معها تريليون دولار أميركي، فمن المرجح أن ينهار الاقتصاد الأوروبي ببساطة».

قنابل موقوتة

السياسي الروسي يرى أن «الأفخاخ الثلاثة» تمثل قنابل موقوتة بالنسبة إلى دونالد ترمب... مهما كانت طبيعة التركيبة النهائية لفريقه الرئاسي، أو خطواته الأولى على صعيد السياسة الخارجية.

فضلاً عن ذلك، يرى بوشكوف، أن ترمب الذي تعهد بإيلاء القدر الأكبر من الاهتمام للإصلاح الداخلي، سيواجه صعوبة كبرى في إيجاد توازن بين الانكفاء إلى الداخل من أجل تحسين الأداء الاقتصادي ومواجهة الهجرة و«إعادة أميركا عظيمة» بقدراتها واقتصادها ومستوى المعيشة لشعبها، وبين العمل بسرعة لتنفيذ وعود انتخابية بإنهاء حروب وتقليص التوتر في أزمات خارجية. ويضيف متسائلاً: «كيف يمكن أن تكون أميركا عظيمة مجدّداً... وهي تنكفئ في السياسة الدولية؟».

تبدو موسكو حالياً ضعيفة الثقة بقدرة «ترمب الجديد» على تجاوز

التغيّرات الكبرى التي شهدتها الأوضاع الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة

تباين حيال التسوية في الشرق الأوسط

لا يبدو أن موسكو تثق كثيراً بقدرة ترمب على لعب دور نشط لإنهاء الحرب على غزة ولبنان، ودفع الإسرائيليين إلى التوصّل لحلول سياسية تعيد الهدوء - ولو نسبياً - إلى الشرق الأوسط.

وهنا، يذكر خبراء أن المدخل الأميركي السابق قام على أساس تعزيز اتفاقات تطبيع وفرض سلام من نوع خاص، لا يؤدي إلى تسوية سياسية حقيقية تنهي العنف في المنطقة وتنزع ذرائعه.

وترمب نفسه أعرب خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى عن نيته التوسط في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكنه أظهر لاحقاً التقارب مع إسرائيل من أجل كسب دعم المانحين الرئيسيين والناخبين الرئيسيين، وخاصة الصهاينة المسيحيين الإيفانجيليين.

بحسب خبراء، هذا الموقف يتوافق مع النهج القائل: «أميركا تفعل ما تريد، وبالتالي أصدقاء أميركا يفعلون ما يريدون». مع الإشارة هنا إلى أن هذا النهج المائل إلى عقد «صفقات» ينصّ على «امتيازات خاصة للحلفاء كدفعة مقابل الأمن». غير أن موسكو ليست مقتنعة بأن هذا المدخل سيعزّز طريق الحلول النهائية للمنطقة.

ومقابل القناعة الروسية بالعودة إلى الآليات التي توافر عليها نوعٌ من الإجماع الدولي، كإحياء «الرباعية الدولية» وتوسيعها بضم بعض الأطراف الإقليمية المهمة (المملكة العربية السعودية ومصر وجامعة الدول العربية)، وأيضاً العودة إلى مبادئ التسوية القائمة على أساس رفض التوسّع الجغرافي للاحتلال، وإعلاء «مبدأ حل الدولتين» ووضع خرائط طريق جديدة بينها «المبادرة العربية للسلام»، فإن مدخل ترمب يقوم على عقد صفقات سريعة للتهدئة، وترك المناطق أمام «برميل بارود» قابل للانفجار مجدداً في أي وقت.

في هذا الإطار لا يتوقّع خبراء روس أن تكون التسوية في الشرق الأوسط بين أولويات الحوار المنتظر مع الإدارة الأميركية الجديدة، بالنظر إلى أن هذا الموضوع فيه تباعد واسع في وجهات النظر، ولا يدخل ضمن الملفات التي قد يكون بوسع الطرفين التوصل إلى صفقات حولها.

وفي الوقت ذاته، ترى موسكو - وفقاً لتحركات محدَّدة برزت في سوريا، ومن خلال حوارات مكثفة أجريت غالباً خلف أبواب مغلقة مع الجانب الإسرائيلي - أن بوسعها لعب دور أساسي في تأكيد دورها بضمان أمن إسرائيل من جهة سوريا وإيران مستقبلاً. وهو ما يعني أن هذا الموضوع قد يكون جزئياً على طاولة حوار روسي - أميركي في وقت لاحق.

تأهب للحوار حول سوريا

في هذه الأثناء، لدى الأوساط الروسية نظرة إيجابية، ولكن حذرة، بشأن احتمالات سحب ترمب القوات الأميركية من سوريا إبان ولاية ترمب الجديدة.

موسكو تتذكر الإرادة الأميركية في الانسحاب من سوريا إبان ولاية ترمب السابقة، لكن يومذاك كان التهديد الإرهابي ما زال نشطاً، والخطوط الفاصلة ومناطق النفوذ لم تكن قد تبلورت بشكل شبه نهائي. لذا يرى خبراء روس أن ترمب عندما يتكلّم عن سحب القوات حالياً فهو ينطلق من واقع ميداني وسياسي جديد. وبالتالي، سيكون حذراً للغاية عند مناقشة هذه المشكلة مجدداً.

أيضاً، ونظراً لوعود ترمب الانتخابية المتكررة، يُرجح أن ترغب واشنطن في سحب قواتها من سوريا، لكن لا يبدو لموسكو أن هذه القضية ستكون مُدرجة على جدول الأعمال ضمن أولويات التحرك الأميركي حالياً.

لقد قوبلت خطط ترمب لسحب القوات في السابق بمقاومة مفتوحة، خاصة من «القيادة الوسطى» الأميركية وشخصيات، مثل بريت ماكغورك، الذي عمل مبعوثاً خاصاً لمكافحة «داعش» حتى أواخر عام 2018، واستقال قبل شهرين من انتهاء فترة ولايته، مباشرة بعد قرار إدارة ترمب سحب القوات من سوريا في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018. بعدها عيّن جو بايدن، الرئيس الأميركي المنتخب، عام 2020، ماكغورك منسقاً لمجلس الأمن القومي الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واكتسبت سياسة واشنطن في سوريا لدعم حزب العمال الكردستاني «وحدات حماية الشعب» زخماً.

حالياً يعود الملف إلى دائرة النقاش، ولقد برز بشكل واضح خلال اجتماعات «جولة آستانة للحوار» التي انعقدت أخيراً. وأكد المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف إلى سوريا في ختام الاجتماعات أن موسكو منفتحة على الحوار مع الإدارة الأميركية الجديدة فور تشكيلها، لبحث الملفات المتعلقة بسوريا. وقال الدبلوماسي الروسي: «إذا كانت هناك مقترحات، فإن الجانب الروسي منفتح، ونحن على استعداد لمواصلة الاتصالات مع الأميركيين».

وفي هذا المجال، تنطلق موسكو من قناعة بأنه لا يمكن التوصل إلى بعض الحلول الوسط إلا من خلال المفاوضات المباشرة. وهي هنا مستعدة للاستماع إلى وجهات النظر الأخرى، وربما تقديم بعض الضمانات التي تحتاج إليها واشنطن لتسريع عملية الانسحاب ودعم التسوية في سوريا برعاية روسية تضمن مصالح الأخيرة.