قبل نحو خمس سنوات، أثار وزير الإعلام السوداني الأسبق أحمد بلال الجدل، بقوله إن فرعون موسى الذي ذكر في القرآن الكريم كان «سودانيا»، ومؤخرا تم نفي الجنسية المصرية مرة أخرى من خلال تصريحات للداعية الإسلامي الشيخ أسامة الأزهري.
التباين في الهدف بين المحاولتين كان واضحا، إذ جاءت المحاولة الأولى في إطار حديث بلال عن أن «تاريخ السودان تعرض لكثير من الزيف»، معددا وقتها بعض الأدلة التي تؤيد جنسية فرعون السودانية، ومنها ما ذكره القرآن من قول فرعون تجبرا (وهذه الأنهار تجري من تحتي)، ومصر ليس فيها سوى نهر واحد، بينما السودان بلد الأنهار.
وجاءت المحاولة الثانية من الأزهري، في إطار مناسبة دينية، وهي الاحتفال بذكرى يوم عاشوراء، الذي يحتفل فيه المسلمون بنجاة نبي الله موسى عليه السلام من فرعون وجيشه، وغرق الأخير في البحر.
وقال الأزهري، الذي يعمل مستشاراً للشؤون الدينية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأستاذاً مساعداً في «جامعة الأزهر»، في لقاء إذاعي: «هناك بحث تاريخي - وهو الأصح - أن فرعون لم يكن مصريا أصيلا، بل كان من الهكسوس، لأن المصري لا يصل لهذا الحد من البعد عن الله بأي حال من الأحوال».
هذا البحث الذي استند إليه الأزهري، يرجع للمهندس عاطف عزت، ونشره في كتابه «فرعون موسى من قوم موسى»، والذي مال فيه إلى أن «فرعون كان من الهكسوس»، استنادا إلى بعض الأدلة، من بينها، أن القرآن الكريم لم يذكر فرعون معرّفًا بـ(ال)، مما يدل على أنه «اسم لشخص وليس لقبا»، وفقا لعزت، الذي يقول في بحثه إن «المقابر الملكية، ومنها 63 مقبرة في وادي الملوك تضم خراطيش ملكية ليس عليها لقب فرعون، وكان الأحرى أن يقال إن فرعون قام بكذا».
وأشار عزت إلى أن «اسم فرعون جاء في القرآن ملازمًا لشخصين من الأعلام مرة قبلهما، ومرة بينهما، في قوله تعالى، في سورة غافر آيات 23 – 24: (ولَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ)، كما جاء مصحوبًا بياء النداء، في الآية 104 من سورة الأعراف، (وَقَالَ مُوسَىٰ يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِين)، وياء النداء تأتي مع أسماء الأعلام».
وخلص عزت في بحثه إلى أن «فرعون كلمة عربية، ولفظ عربى صميم جاء مع الهكسوس، عبرانيين أو أعرابا، بشهادة أهل اللغة، ورجال الآثار»، مبرهنا رأيه بنص من التوراة يقول إن «الرجل الذى قتله موسى من العبرانيين، كما ورد في سفر الخروج 2 /13، (ثم خرج موسى في اليوم التالي وإذا رجلان عبرانيان يتخاصمان)».
كما استند عزت إلى قوله تعالى في الآية 38 من سورة القصص: (فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَى)، والتي تؤكد أن «بني إسرائيل والعبرانيين هم من تفوقوا في البناء بالطوب اللبن، أمّا قدماء المصريين فقد بنوا أهرامهم ومعابدهم بالحجارة، لذلك فإن فرعون ليس مصريا»، على حد قوله.
من جانبه، يرفض الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، كل ما جاء في بحث عزت، مؤكدا أنه «غير صحيح تماما»، ويفند في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، ما سرده عزت من أدلة، بقوله إن «المصري القديم برع فى البناء بالطوب اللبن، بل إنه سخّر بنى إسرائيل للقيام بذلك، وكان طلب فرعون من بين إسرائيل بالبناء بالطوب اللبن إذلالًا لهم».
وتعجب ريحان من الاستناد لواقعة الرجل الذي قتله موسى، والواردة في سفر الخروج، مع أن النص القرآني كان «واضحا»، حيث يقول الله تعالى في الآية 15 من سورة القصص: «وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ»، ويقول ريحان إن «هذه الآية تؤكد أن المقتول من قوم غير قومه، فقد ذكر القرآن أحدهما من شيعته وطبيعي أن الآخر من غير ذلك»، مشددا على أن «فرعون موسى كان ملكًا من ملوك مصر القديمة، وأن كلمة فرعون ليست اسما لشخص، وإن كان لا يوجد دليل أثرى واحد يحدد شخصية هذا الملك حتى الآن».
وكان ريحان قد انتقد كل الآراء التى زعمت أن فرعون موسى، هو أحمس، أو حتشبسوت، أو حور محب، أو سيتي الثاني، أو رمسيس الثاني، أو مرنبتاح، وتناول في كتابه «التجليات الربانية بالوادي المقدس طوى»، قصة بني إسرائيل منذ دخول يوسف، وأهله إلى مصر، حتى ولادة نبي الله موسى، وتربيته فى بلاط أحد ملوك مصر، وخروجه الأول وحيدًا إلى مدين، وعودته وخروجه الثاني مع بني إسرائيل إلى سيناء.
ومن جانبه، لا ينفي الدكتور زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق، الجنسية المصرية عن فرعون موسى، لكنه يختلف مع كل الآراء السابقة التي تربط الآثار بالدين.
ويقول حواس في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إنه «ليس هناك دليل واحد لدينا يحدد شخصية فرعون موسى، وهناك آلاف الآراء الخاطئة حول هذا الموضوع»، موضحا أن «الدليل الأثري الوحيد على دخول اليهود إلى مصر، هو لوحة في المتحف المصري تسمى (لوحة إسرائيل)، أو (لوحة النصر)، أو (لوحة مرنبتاح)»، مشيرا إلى أن «هذه اللوحة لشاعر يمجد في الملك مرنبتاح، ابن الملك رمسيس الثاني، وفي نهايتها يقول إن شعب إسرائيل أبيد وانتهت بذرته».
ويضيف: «في مصر القديمة لا يوجد شاعر يمجد في الملك بعد وفاته، وهذا يعني أن تلك اللوحة كانت في حياة الملك مرنبتاح، وهو ما يعني أيضا أنه لم يكن فرعون موسى، وأن فرعون موسى كان قبل عهد مرنبتاح، لكن لا يوجد لدينا أي دليل يشير إلى شخصية فرعون موسى». ووصف حواس كل الآراء التي تقال في هذا الموضوع بأنها «خاطئة، وأقوال مرسلة تفتقد إلى الدليل العلمي».
جدل مصري حول إسقاط الجنسية عن «فرعون موسى»
خبراء يؤكدون هويته ويرفضون تحديد شخصيته
جدل مصري حول إسقاط الجنسية عن «فرعون موسى»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة