بعدما حظيت الطائرة التي أقلّت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان، بأكبر عدد من متتبّعي مسار الطائرات في العالم، وسط مخاوف من أزمة كبرى جديدة، حطت طائرتها «العسكرية الخاصة» في مطار العاصمة تايبيه؛ حيث حظيت باستقبال رسمي من كبار المسؤولين التايوانيين، على رأسهم وزير الخارجية جوزيف وو.
الزيارة عُدّت «نقطة» لمصلحة الولايات المتحدة التي قررت عدم الرضوخ للتهديدات الصينية التي كانت قد هددت بـ«استخدام ما يلزم من الأدوات لمنعها»؛ إذ رفضت ما سمته «قعقعة السيوف» الصينية غير الضرورية، بحسب منسق الاتصالات الاستراتيجي في مجلس الأمن القومي جون كيربي.
وصلت بيلوسي إلى تايبيه قادمة من ماليزيا، ثاني محطة من جولتها الآسيوية التي ستقودها أيضاً إلى كوريا الجنوبية واليابان. وفور وصولها، قالت في بيان صدر عنها وعن الوفد المرافق لها، إن زيارتها «لا تتعارض بأي شكل من الأشكال، مع سياسة الولايات المتحدة طويلة الأمد»؛ لكنها أكدت أن دعم واشنطن لشعب تايوان «أكبر من أي وقت مضى»، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن التهديدات التي توجه لتايوان «الديمقراطية القوية والنابضة بالحياة، مهددة». وقالت بيلوسي إن تعزيز الصين لإجراءاتها العسكرية: «دفع (البنتاغون) لاستنتاج أنها تستعد لحالة طوارئ لتوحيد تايوان بالقوة». وأكدت أن مناقشاتها مع القيادة التايوانية: «ستركز على إعادة تأكيد دعمنا لشريكنا، والتزام واشنطن الثابت بدعم الديمقراطية فيها، وتعزيز مصالحنا المشتركة».
في المقابل، وصفت وزارة الخارجية الصينية الزيارة، بأنها «بلطجة» أميركية، محذرة من أن «النهاية لن تكون جيدة للأميركيين»، ومؤكدة أن الصين «لن ترضخ أبداً لمثل هذه التحركات في تايوان». وأضافت أن الولايات المتحدة باتت أكبر تهديد للسلام في العالم، في ترداد لموقف روسي مماثل.
ونبهت الخارجية الصينية بأن الأميركيين «يلعبون بالنار في قضية تايوان»، وبأن الزيارة «تمثل انتهاكاً خطيراً لمبدأ الصين الواحدة، ولها تأثير شديد على الأساس السياسي لعلاقتنا مع واشنطن»، مضيفة أن الزيارة «استفزاز سياسي، ورد فعلنا سيكون مبرراً».
وقبيل وصول طائرة بيلوسي إلى تايبيه، أغلقت الصين المجال الجوي قرب مضيق تايوان، بينما حلّقت طائرات مقاتلة من طراز «سو-35». وذكرت مصادر إعلامية صينية أن الجيش الصيني سيقوم بمناورات بالذخيرة الحية في 6 مناطق حول تايوان، قد تكون مواقع محتملة لأي غزو.
وقال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، الثلاثاء، إن الصين «ستتحمل المسؤولية إذا اتخذت إجراءات ضد تايوان»، مؤكداً في الوقت نفسه أن الولايات المتحدة: «لا تسعى إلى التصعيد، وتحتفظ بحقها في الدفاع عن مصالحها، والبقاء متيقظة حيال ما ستفعله الصين في الأيام المقبلة». وأضاف أن زيارة بيلوسي «ليس فيها تهديد لسيادة الصين، ولن تخيفنا تهديداتها».
وكان منسق الاتصالات الاستراتيجي في مجلس الأمن القومي، جون كيربي، قد أعلن في مؤتمر صحافي قبيل وصول بيلوسي إلى الجزيرة، أن واشنطن لن تتأثر بأي جهد صيني لزيادة التوترات بشأن الزيارة، وأنها «لن تأخذ الطُّعم، ولن تشارك في قعقعة السيوف، وفي الوقت نفسه لن نخاف». وأضاف كيربي أن لرئيسة مجلس النواب «الحق في زيارة تايوان، وقد زارها رئيس مجلس النواب من قبل (في إشارة إلى زيارة نيوت غينغريتش عام 1997) من دون وقوع حوادث، كما فعل عديد من أعضاء الكونغرس». وأكد كيربي أنه «لا يوجد سبب لبكين لتحويل زيارة تتفق مع سياسة الولايات المتحدة طويلة الأمد إلى نوع من الأزمة أو الصراع، أو استخدامها كذريعة لزيادة النشاط العسكري العدواني في مضيق تايوان أو حوله».
وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكن إن هناك سوابق لزيارة بيلوسي، وحض الصين على عدم المبالغة في رد الفعل. وأضاف: «يذهب عديد من أعضاء الكونغرس إلى تايوان، بما في ذلك هذا العام. وهكذا إذا قررت رئيسة مجلس النواب الزيارة، وحاولت الصين خلق نوع من الأزمات أو تصعيد التوترات، فسيكون ذلك بالكامل على عاتق بكين. نحن نتوقع أن يتصرفوا بمسؤولية، وعدم الانخراط في أي تصعيد في المستقبل».
واعتبر وزير الخارجية الصيني وانغ يي أن «خيانة الولايات المتحدة بشأن مسألة تايوان مهينة»، في تعليقات وردت على موقع وزارته الثلاثاء، من دون ذكر اسم بيلوسي بشكل مباشر.
كما اعتبرت روسيا أمس أن زيارة بيلوسي ستشكّل «استفزازاً صرفاً». وشدد الكرملين على «تضامن روسيا المطلق» مع الصين، متهماً الولايات المتحدة بـ«زعزعة استقرار العالم» من خلال إحداث توترات بشأن تايوان. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحافيين: «كلّ ما هو مرتبط (...) بزيارة محتملة إلى تايوان هو استفزاز صرف. هذا يفاقم الوضع في المنطقة ويعزّز التوترات».
وكانت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، قد أعلنت عبر تطبيق «تلغرام»، أن «واشنطن تزعزع العالم. لم يحل أي نزاع في العقود الأخيرة؛ بل تم التسبب في نزاعات كثيرة»، بحسب قولها.
وأشارت عدّة مقالات في الصحف الدولية إلى أن الزيارة خُطّط لها بالفعل. وتطرّقت «فايننشيال تايمز» إلى لقاء بين بيلوسي ورئيسة تايوان الأربعاء. ونقلت صحيفة «ليبرتي تايمز» التايوانية عن مصادر أن بيلوسي ستلتقي الرئيسة تساي إنغ-وين الأربعاء، قبل أن تغادر في فترة بعد الظهر.
وحذرت الصين مراراً من زيارة بيلوسي لتايوان التي تعتبرها جزءاً من أراضيها، وعمدت إلى زيادة نشاطها العسكري البحري والجوي في المنطقة، وخصوصاً في مضيق تايوان، وبالقرب من منطقة دفاعها الجوي.
ونقلت وكالة «رويترز» عن مصدر مطلع، أن السفن والطائرات الحربية الصينية «ضغطت على خط الوسط» في المضيق، صباح الثلاثاء، في خطوة غير معتادة، وصفها بأنها «استفزازية للغاية». ولفت إلى أن المقاتلات الصينية أجرت مراراً مناورات تكتيكية لامست خلالها لفترة وجيزة خط الوسط، وحلقت عائدة إلى الجانب الآخر من المضيق صباح الثلاثاء، في حين كانت الطائرات التايوانية في حالة تأهب على مقربة. ولا تعبر طائرات أي من الجانبين عادة خط الوسط.
وكانت وزارة الدفاع التايوانية قد أكدت في بيان الثلاثاء، أنها على دراية تامة بالأنشطة العسكرية قرب تايوان، وستنشر القوات على نحو ملائم رداً على «تهديدات العدو».
وذكرت وكالة الأنباء المركزية الرسمية في تايوان، الثلاثاء، نقلاً عن مصادر لم تحددها، أن الوزارة «عززت» مستوى الاستعداد القتالي صباح الثلاثاء حتى ظهر الخميس.
وبينما يعد أغلبية المحلّلين خطر نشوب نزاع مسلّح ضئيلاً، كشف مسؤولون أميركيون «أنهم يتأهّبون لاستعراض قوّة محتمل من الجيش الصيني، يقوم مثلاً على إطلاق صواريخ في مضيق تايوان أو خروقات جوية واسعة النطاق في محيط الجزيرة».
وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أنها ستقوم بتوفير الحماية لطائرة بيلوسي، وتكثيف مراقبتها للتحركات الصينية.
وتمركزت 4 سفن حربية أميركية، بينها حاملة طائرات، في المياه شرق تايوان في عمليات انتشار «اعتيادية». وأكد مسؤول في البحرية الأميركية لـ«رويترز» أن حاملة الطائرات «رونالد ريغان» عبرت بحر الصين الجنوبي، وهي حالياً في بحر الفلبين شرق تايوان، والفلبين، وجنوب اليابان. وترافق الحاملة المتمركزة في اليابان، سفينة الصواريخ الموجهة «أنتيتام» والمدمرة «هيغينز».
كما أشار إلى أن سفينة الهجوم البرمائي «تريبولي»، موجودة أيضاً في المنطقة، في إطار انتشار بدأ في أوائل مايو (أيار) من مينائها الأصلي في سان دييغو، بولاية كاليفورنيا. وقال: «في حين أن تلك القطع قادرة على التعامل مع أي احتمال، فهذه عمليات انتشار اعتيادية»، رافضاً التعليق بشأن مواقع محددة.
ويرى مراقبون أن حصول الزيارة يعد «إشارة إيجابية»، ويعزز من صدقية الولايات المتحدة تجاه الالتزام بحماية حلفائها، ليس فقط تايوان؛ بل ودول عديدة في المنطقة، من بينها اليابان.
وقال أحد المحللين اليابانيين: «إذا لم تذهب إلى تايوان، فسوف يُنظر إلى هذا في الدوائر السياسية اليابانية على أن الولايات المتحدة تقول شيئاً وتفعل شيئاً آخر... وكمؤشر على أن الولايات المتحدة ليست ملتزمة بشدة بالدفاع عن تايوان أو اليابان».