فيما عدها مراقبون «إشارات جديدة للمضيّ في مسار التطبيع بين مصر وتركيا»، تحدث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مجدداً عن «محادثات (رفيعة المستوى) مع مصر»، إذ أفاد في تصريحات إعلامية مساء (الاثنين) بأنه «لا يوجد ما يمنع إجراء محادثات (رفيعة المستوى) مع مصر من أجل تطبيع العلاقات التي لا تزال الجهود بشأنها تراوح مكانها منذ أكثر من عام على إطلاق (المحادثات الاستكشافية) بين البلدين العام الماضي ورغبة أنقرة في تسريعها». وعلق دبلوماسيون مصريون على تصريحات الرئيس التركي بقولهم: إن «القاهرة (تترقب خطوات على الأرض، وتنتظر مزيداً من التدابير)».
وكان إردوغان قد ذكر في مقابلة مع التلفزيون الرسمي التركي ليل (الاثنين)، أن «المحادثات بين أنقرة والقاهرة تسير عند المستوى الأدنى، وليس هناك ما يمنع ارتقاءها إلى مستوى رفيع، ويكفي أن يكون هناك تفاهم متبادل بين البلدين». وأضاف أن «الشعب المصري مسلم وشقيقنا، يكفي أن نقود المرحلة بشكل لا يسيء فيه أحدنا إلى الآخر بتصريحات بعضنا ضد بعض». لكنّ ذلك لم يلقَ تعليقاً رسمياً من القاهرة التي غالباً ما اتسمت ردود أفعالها في الملف بـ«التحفظ والهدوء الشديدين».
تصريحات إردوغان جاءت بعد أيام من تصريحات وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو، التي لفت فيها إلى أن عملية تطبيع العلاقات مع مصر تسير بشكل «بطيء نسبياً»، بعدما قال في مايو (أيار) الماضي إننا «سنعمل على اتخاذ خطوات إضافية مع مصر».
وبدأ البلدان العام الماضي «محادثات دبلوماسية استكشافية»، مثّلت أول اتصال رفيع المستوى من نوعه بينهما منذ عام 2013 عندما توترت العلاقات إثر عزل الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي المنتمي لـ(الإخوان) الذي تصنفه السلطات المصرية «تنظيماً إرهابياً».
«المحادثات الاستكشافية» بين البلدين كانت برئاسة مساعدي وزيري الخارجية. الأولى احتضنتها القاهرة، فيما جرت الثانية في أنقرة. وقال ممثلو البلدين حينها، إن «المحادثات كانت صريحة ومعمّقة، وتناولت القضايا الثنائية، والقضايا الإقليمية». وخلالها اتفق الطرفان على «مواصلة المشاورات، وتأكيد رغبتيهما في تحقيق تقدم بالموضوعات محل النقاش».
وفي مايو الماضي، أعلن إردوغان «إمكان (تطوير الحوار) وتطبيع العلاقات مع مصر، على غرار الخطوات التي اتخذتها بلاده مع إسرائيل ودول أخرى في المنطقة»، مبرزاً حينها أن «الحوار مع مصر قد يتطور إلى أعلى المستويات».
ورأى وزير الخارجية المصري سامح شكري، في وقت سابق، أن «هناك بوادر على رغبة تركيا في تغيير مسارها تجاه مصر، خصوصاً في المجال الأمني». ولفت إلى «وجود مجموعة من التصريحات التركية التي أظهرت تحولاً في مسار التصرف التركي بعيداً عن التدخل بالشؤون المصرية أو رعاية عناصر (متطرفة معادية) للقاهرة».
وقال السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، إن «الجانب التركي يريد في إطار ما هو قائم، تحسين علاقاته مع الدول، ونجح في ذلك مع دول الخليج، ولا يبقى سوى تحسين العلاقات مع مصر»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك مشكلة بشأن الدور التركي في ليبيا، لم يتم الاتفاق عليه، فتركيا جلبت (مرتزقة) وهذا وضع بالنسبة لمصر (غير مقبول)، وبالتالي هناك مشكلة، إلى جانب بعض الأوضاع الخاصة بعناصر تنظيم (الإخوان)، فما زالت عناصر التنظيم تعقد اجتماعات ولقاءات في تركيا وإن كانت بشكل غير مُعلن، صحيح هناك بعض (المنصات الإعلامية) أوقفت تحريضها ضد مصر، وهذه (خطوة إيجابية)، لكن المشكلة الأكبر خاصة بليبيا، وهو الأمر الذي يُعرقل مسيرة العلاقات».
وأضاف حسن أن «هناك اتصالات بين مصر وتركيا، والعلاقات التجارية في نمو؛ لكن العلاقات السياسية في (حالة انتظار)، والمشهد في حالة (سكون)»، لافتاً إلى أنه «ما زالت هناك (خطوات) لا بد أن تتخذها تركيا، لأن التصريحات وحدها لا تكفي، ومطلوب (خطوات على الأرض)»، موضحاً أن «الأزمة في الأساس هي النقاط المتبقية».
من جهته، قال السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، إن «مصر منفتحة على جميع الدول». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أنه «سبق أن جرت محاولات لتعميق العلاقات بين مصر وتركيا في إطار (المحادثات الاستكشافية)»، لافتاً إلى أن «مصر مرحِّبة؛ لكن ينبغي أن تكون هناك بوادر من تركيا»، موضحاً أنه «في ملف (الإخوان) ما زالت هناك عناصر من التنظيم، تقيم في تركيا، تقوم بالتحريض ضد مصر، خصوصاً أن مصر تصنف (الإخوان) تنظيماً (إرهابياً)».
واتخذت تركيا خلال الأشهر الماضية، خطوات وصفتها القاهرة بـ«الإيجابية»، وتعلقت بوقف أنشطة «الإخوان» الإعلامية والسياسية «التحريضية» في أراضيها، ومنعت إعلاميين تابعين للتنظيم من انتقاد مصر. وفي نهاية أبريل (نيسان) الماضي أعلنت فضائية «مكملين» وهي واحدة من ثلاث قنوات تابعة لـ«الإخوان» تبث من إسطنبول، وقف بثها نهائياً من تركيا.
وشرح السفير علي الحفني، نائب وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون الأفريقية، الموقف الحالي بقوله: إن «العلاقات بين مصر وتركيا تأثرت بفعل عدد من العوامل، ربما تكون الدولتان قد قررتا أن يكون هناك حوار بينهما لبحث هذه العوامل والأسباب، والتوصل لتفاهم بشأنها»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أنه «لو كان تم التوصل لتفاهم بشكل كامل، كان سيتم الإعلان عن هذا، وكانت ستتبع هذا سلسة من التدابير التي ستتفق عليها الدولتان ويتم الإعلان عنها».
مصر وتركيا... إشارات «حائرة» بين التقارب والاستكشاف
القاهرة «تنتظر مزيداً من التدابير»... وأنقرة تستعجل محادثات «رفيعة المستوى»
مصر وتركيا... إشارات «حائرة» بين التقارب والاستكشاف
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة