مومياء «السيدة الغامضة»: السرطان سبب محتمل للوفاة

عالمة الأنثربولوجيا مارزينا أواريك زيلكي مع الباحث الرئيسي فويتشخ إجسموند (الفريق البحثي)
عالمة الأنثربولوجيا مارزينا أواريك زيلكي مع الباحث الرئيسي فويتشخ إجسموند (الفريق البحثي)
TT

مومياء «السيدة الغامضة»: السرطان سبب محتمل للوفاة

عالمة الأنثربولوجيا مارزينا أواريك زيلكي مع الباحث الرئيسي فويتشخ إجسموند (الفريق البحثي)
عالمة الأنثربولوجيا مارزينا أواريك زيلكي مع الباحث الرئيسي فويتشخ إجسموند (الفريق البحثي)

توصل الفريق البحثي البولندي صاحب اكتشاف «المومياء الحامل»، الذي أحدث جدلاً قبل شهور، إلى أن السرطان قد يكون سبباً محتملاً لوفاة المومياء التي توجد في متحف وارسو الوطني، وتحمل لقب «السيدة الغامضة».
ومنذ نشر الفريق البحثي الذي يرأسه فويتشخ إجسموند، من معهد الثقافات المتوسطية والشرقية بالأكاديمية البولندية للعلوم، وقائد الفريق البحثي البولندي، دراسة وثقوا فيها لأول اكتشاف لمومياء حامل، كان السؤال الأكثر شيوعاً عن سبب وفاتها، وكانت المفاجأة التي وجدها الفريق البحثي، والتي سيتم نشرها قريباً في دراسة علمية، هي أن السرطان قد يكون سبباً محتملاً للوفاة.
وشخص الباحثون سبب الوفاة من خلال آثار غير عادية على عظام جمجمتها، ويأمل العلماء أن يساهم تحليل المومياء في تطوير علم الأورام الحديث.
ويقول إجسموند في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، إن هذا الاكتشاف الجديد يعود إلى ملاحظات مارزينا أواريك زيلكي، وهي عالمة في الأنثربولوجيا بقسم طب الأورام بكلية الطب في جامعة وارسو الطبية، وتعمل مديراً مشاركاً للبحوث متعددة التخصصات حول المومياوات المصرية بالمتحف الوطني في وارسو، حيث لاحظت زيلكي، تغييراً مرضياً في «مدار العين» اليمنى، ربما يشير إلى أن هذه السيدة المصرية القديمة عانت من سرطان البلعوم الأنفي.
والمدار هو التجويف العظمي في الجمجمة الذي يضم كرة العين (مقلة العين)، والعضلات التي تحرك العين، والغدة الدمعية، والأوعية الدموية والأعصاب اللازمة لتزويد هذه الهياكل.
ورغم أن الفحص التشريحي المرضي ضروري لتأكيد السرطان تماماً، لكن التغييرات الملحوظة في العظام تجعله مرجحاً للغاية، كما يؤكد رفائيل شتيك، الأستاذ بقسم طب الأورام بكلية الطب في جامعة وارسو الطبية، والباحث المشارك في الدراسة.
ويضيف في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»: «نخطط لأخذ عينات من الأنسجة وتحديد سبب المرض، وستتم مقارنة البيانات بعد ذلك مع تلك الموجودة في عينات السرطان الأخرى الموجودة في المومياوات المصرية».
ويأمل الباحثون أن تكون نتائج التحليل الإضافي للمومياء مصدراً قيماً لاختصاصي الأورام، من خلال مقارنة «التوقيع الجزيئي» للسرطان الذي يمكن مقارنته بالسرطانات الحالية، وقد تزود هذه المعرفة الباحثين بمعلومات قيمة عن تطور السرطان، وقد تشير إلى مزيد من الاتجاهات البحثية في كل من تشخيص السرطان وعلاجه.
والمومياء التي سجلت هذا الاكتشاف أهديت لجامعة وارسو في عام 1826، وسجلت في البداية على أنها امرأة؛ وفي عشرينيات وستينيات القرن الماضي، قرأ علماء المصريات النقوش الهيروغليفية والديموطيقية على التابوت، التي أشارت إلى أنها تخص أحد الكهنة، وساد الاعتقاد فيما بعد أن المومياء بالداخل كانت جسده، غير أن علماء مشروع بحوث المومياوات المصرية بمتحف وارسو الوطني، أثبتوا لاحقاً أن المومياء لامرأة، وليس ذلك فحسب، بل أثبتوا أيضاً أنها حامل، لتكون أول حالة منشورة لمومياء مصرية قديمة حامل.
ومنذ تم نشر دراسة عن هذه الحالة في أغسطس (آب) من العام الماضي بـ«مجلة العلوم الأثرية»، حتى أحدث الاكتشاف جدلاً بين العلماء، حيث شككت فيه سحر سليم، الأستاذة بقسم الأشعة بكلية طب قصر العيني جامعة القاهرة، التي لها تاريخ طويل في فحص المومياوات بالأشعة، ونشرت انتقادها لهذا الاكتشاف في مقالة علمية نشرتها في عدد شهر يناير (كانون الثاني) الماضي من الدورية نفسها، التي أعلن فيها الفريق البحثي البولندي اكتشافه. وقالت سليم في انتقادها، «إن الباحثين استندوا في التشخيص إلى المظهر الخارجي لكتلة الحوض التي تشبه جنيناً ملفوفاً، لكن دون الكشف عن أي تكوين تشريحي أو عظام».
وزعمت أن «ما اعتقد الباحثون أنه جنين قد يكون عبوات حشوية أو مواد تحنيط مكثفة أو ورماً متكلساً في الحوض»، ودعتهم إلى إعادة إجراء التصوير المقطعي المحوسب للمومياء باستخدام البروتوكول المناسب الذي يشرف عليه اختصاصيو الأشعة المعنيون بفحص المومياوات. وقال إجسموند حينها في الرد على سليم أنه ليس شرطاً وجود تكوين عظمي للقول بأن ما في أحشاء المومياء جنيناً، وقال إن «الجنين المشار إليه يمكن تشبيهه بـ(المخلل)، واختفت عظامه وفق نظرية (وضع البيضة في وسط حمضي)».
وشرح ما يعنيه قائلاً إنه مع «انخفاض درجة حموضة الدم في الجثث، بما في ذلك محتوى الرحم، بشكل ملحوظ، تصبح بيئة الرحم أكثر حمضية، وتزداد تركيزات الأمونيا وحمض الفورميك مع مرور الوقت، ويؤدي وضع الجسم وتعبئته بـ(بيكروبنات الصوديوم) من أجل التحنيط، إلى الحد بشكل كبير من وصول الهواء والأكسجين، والنتيجة النهائية هي رحم محكم الإغلاق يحتوي على الجنين، مثل الإناء محكم الإغلاق الذي يحتوي على الخضراوات المراد تخليلها، وأدى التحول من البيئة القلوية إلى البيئة الحمضية إلى تحلل جزئي لعظام الجنين، لا سيما أن تمعدن العظام يكون ضعيفاً جداً خلال الثلثين الأولين من الحمل، ويتسارع لاحقاً».
ويضيف: «يمكن مقارنة عملية نزع المعادن من العظام في البيئة الحمضية بتجربة البيضة التي يعرفها أغلب طلاب المدارس، فعند وضع بيضة في إناء مليء بحمض، يذوب قشر البيض، ويتبقى فقط داخل البيضة (الزلال والصفار)».


مقالات ذات صلة

مصر تستعيد مجموعة قطع أثرية من آيرلندا

شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) يصافح رئيس الحكومة الآيرلندية سيمون هاريس خلال زيارة إلى دبلن (أ.ف.ب)

مصر تستعيد مجموعة قطع أثرية من آيرلندا

أعلنت وزارة الخارجية المصرية استعادة مجموعة من القطع الأثرية من آيرلندا، وذلك عقب الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة الآيرلندية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي رئيس الوزراء المصري يستعرض إجراءات تخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير

رئيس الوزراء المصري يستعرض إجراءات تخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير

عقد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء المصري اجتماعاً، الأحد، لاستعراض إجراءات الطرح العالمي لتخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق إناء شرب على شكل رأس بيس من واحة الفيوم في مصر يعود إلى العصر البطلمي - الروماني (القرن الرابع قبل الميلاد - القرن الثالث الميلادي)... (جامعة جنوب فلوريدا)

كوكتيلات مخدرة وطقوس سحرية: كشف أسرار أكواب المصريين القدماء

كشف الباحثون عن استخدام أكواب خاصة لتقديم مزيج من العقاقير المخدرة، والسوائل الجسدية، والكحول.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مشهد من جامع بيبرس الخياط الأثري في القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بعد 5 قرون على إنشائه... تسجيل جامع بيبرس الخياط القاهري بقوائم الآثار الإسلامية

بعد مرور نحو 5 قرون على إنشائه، تحوَّل جامع بيبرس الخياط في القاهرة أثراً إسلامياً بموجب قرار وزاري أصدره وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
يوميات الشرق كلب ضال أمام هرم خوفو في منطقة أهرامات الجيزة (أ.ف.ب)

بفضل «أبولو»... «كلاب الأهرامات» تجذب السياح وتنشِّط المبيعات

مقطع مصور غير اعتيادي لكلب يتسلق الهرم يجذب الزوار والسائحين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الجزائر تتهم المخابرات الفرنسية بـ«زعزعة استقرارها»

عنوان صحيفة «المجاهد» حول احتجاج الجزائر على الاستفزازات الفرنسية (الشرق الأوسط)
عنوان صحيفة «المجاهد» حول احتجاج الجزائر على الاستفزازات الفرنسية (الشرق الأوسط)
TT

الجزائر تتهم المخابرات الفرنسية بـ«زعزعة استقرارها»

عنوان صحيفة «المجاهد» حول احتجاج الجزائر على الاستفزازات الفرنسية (الشرق الأوسط)
عنوان صحيفة «المجاهد» حول احتجاج الجزائر على الاستفزازات الفرنسية (الشرق الأوسط)

إذا كان معروفاً بأن العلاقات الجزائرية - الفرنسية، تمر بأسوأ حالاتها منذ أشهر، فإن اتهامات جديدة صدرت عن الجزائر ضد باريس، تزيدها توتراً وتصعيداً، خصوصاً أنها تزامنت مع «قضية سجن الكاتب بوعلام صنصال» التي ما زالت تثير خلافاً حاداً بين ضفتي المتوسط، استدعي إليها التاريخ و«الحنين إلى الجزائر الفرنسية» ومواقف اليمين المتطرف من الهجرة.

ونشرت صحيفة «المجاهد» الفرنكفونية، أكبر الجرائد الحكومية في البلاد، بموقعها الإلكتروني، ليل السبت - الأحد، خبر استدعاء السفير الفرنسي لدى الجزائر ستيفان روماتيه، الأسبوع الماضي، «حيث تم توجيه تحذير شديد له، بعد الكشف عن معلومات خطيرة تتعلق بتورط جهاز الأمن الخارجي الفرنسي، في حملة لتجنيد إرهابيين سابقين في الجزائر، بهدف زعزعة استقرار البلاد».

السفير الفرنسي لدى الجزائر ستيفان روماتيه (حسابه الخاص بوسائل التواصل الاجتماعي)

ونقلت الصحيفة خبر استدعاء السفير عن «مصادر دبلوماسية موثوق بها»، مشيرة إلى «قضية المدعو عيساوي محمد الأمين»، وهو شاب ثلاثيني أكد في تصريحات بثتها قناة تلفزيونية عمومية، الخميس الماضي، أن مكتب المخابرات الفرنسية بالسفارة «وظفه لنقل معلومات إليه تخص الجهاديين الجزائريين بالعاصمة، الذين عادوا من مناطق الصراع في سوريا، ومعطيات عن شبكات الهجرة السرية بوهران»، بغرب البلاد.

وأكدت صحيفة «المجاهد»، أن مسؤولي وزارة الخارجية الجزائرية «أبلغوا السفير الفرنسي الرفض الصارم للسلطات العليا في البلاد لسلسلة الاستفزازات والأعمال العدائية الفرنسية تجاه الجزائر». كما نقلت عن المصادر نفسها أن السلطات تقول إن «هذه التصرفات لا يمكن أن تمرَّ دون عواقب». وحرصت الصحيفة على تأكيد أن حديث السلطات مع ستيفان روماتيه، بخصوص الموضوع «كان حازماً وقاطعاً».

وتناولت الصحيفة نفسها أحداثاً تؤكد، حسبها، «الاستفزازات الفرنسية تجاه الجزائر»، ومن بينها مصادرة أسلحة وذخيرة بميناء بجاية (250 كلم شرق العاصمة)، الصيف الماضي، قالت أجهزة الأمن يومها، إنها «جاءت من ميناء مرسيليا» بالجنوب الفرنسي، وبأنها كانت موجهة إلى عناصر تنظيم يطالب بالحكم الذاتي في القبائل الجزائرية (شرق العاصمة). وتتهم الجزائر باريس بـ«إيواء» رأس هذا التنظيم، المعروف اختصاراً بـ«ماك»، اللاجئ السياسي فرحات مهني، الذي تطالب الجزائر باعتقاله لاتهامه بـ«الإرهاب».

الرئيسان الجزائري والفرنسي على هامش قمة «السبعة» الكبار بإيطاليا في 14 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)

ونقلت صحيفتا «الخبر» بالعربية، و«لوسوار دالجيري» بالفرنسية، أيضاً، خبر استدعاء السفير وتأنيبه، وبقية التفاصيل عن المآخذ الجزائرية ضد الفرنسيين.

وضمت «أدلة الإدانة»، وفق ما ذكرت «المجاهد»، قضية اعتقال وسجن الكاتب الجزائري الفرنسي، بوعلام صنصال»، المتهم بـ«المس بالوحدة الوطنية وبالسلامة الترابية للبلاد»، إثر تصريحات أطلقها في فرنسا، عدَّ فيها أن مناطق واسعة من غرب البلاد، «اقتطعها الاستعمار الفرنسي من المغرب». وجرى اعتقال صنصال بمطار الجزائر العاصمة، يوم 16 من الشهر الماضي، بينما كان عائداً من باريس.

ولفتت الصحيفة نفسها إلى «هجوم إعلامي منسَّق في فرنسا ضد الجزائر»، بعد سجن الروائي السبعيني، مشيرة إلى «تصريحات مهينة تجاه المسؤولين الجزائريين، من طرف شخصيات فرنسية»، أظهرت تعاطفاً مع صنصال، وطالبت بالإفراج عنه، عادَّة إياه «سجين رأي».

الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

وأكدت صحيفة «المجاهد» على لسان «المصادر الدبلوماسية الموثوق بها»، أن الجزائر «لن تبقى متفرجة على هذه الهجمات المتتالية التي تستهدف سيادتها؛ فهي مصممة على الحفاظ على كرامتها، وستتخذ الإجراءات اللازمة لمواجهة محاولات التدخل هذه». ويُفْهم من حدة اللهجة التي تضمنها المقال أن الخطاب نابع من أعلى سلطة في البلاد، ويرجَّح أنها الرئاسة.

وكانت الجزائر سحبت سفيرها من باريس في 30 يوليو (تموز) الماضي، «بشكل فوري» بعد إعلانها دعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية، علماً أن الجزائر تساند «بوليساريو» في مطلبها «تقرير مصير الصحراء عن طريق استفتاء تنظمه الأمم المتحدة»، وترفض بحدة الحل الذي تقترحه الرباط.