قصة قصيرة: لماذا تبكي كلما رأيت زهرة الأقحوان؟

قصة قصيرة: لماذا تبكي كلما رأيت زهرة الأقحوان؟
TT

قصة قصيرة: لماذا تبكي كلما رأيت زهرة الأقحوان؟

قصة قصيرة: لماذا تبكي كلما رأيت زهرة الأقحوان؟

كان يسير مع صديق له في حديقة عامة، استوقفه رصيف زهور الأقحوان، متفتحاً رياناً بألوانه البهيجة المشعة تحت الشمس، طال وقوفه بعض الشيء فاستحثه الصديق للسير، كانت عيناه قد اغرورقتا بالدمع كما في كل مرة، وكان صديقه الذي يلازمه كظله أو كنفسه ذاتها يرقبه ويلحظ ارتباكه وندى عينيه كلما مر برصيف ورد الأقحوان المنتشرة صفوفه كالسجاد في هذه البلدة السويدية البحرية، سأله مبتسماً كأنه يداعبه:
ــ لماذا تبكي كلما رأيت زهرة الأقحوان؟
لكنه وجد السؤال جدياً، بل أكثر ثقلاً، أحسه يسقط في أحشائه شفرة حادة. ندت عنه همهمة خافتة، وهزة رأس خفيفة، أظهر ابتسامة خفيفة، قال مرتبكاً وكأنه يعتذر:
ــ حقاً، أعرف، ولا أعرف!
ومع أن كلماته كانت قليلة لكنه ندم عليها، كيف أطلقها وكان دائماً يكتمها؟ وغص بآلامه. فوجئ الصديق بدموعه وما غشى وجهه من حزن؛ فلم ينتظر إجابة. جذبه إلى تجمع لناس كثر في الحديقة، ملتفين حول مسرح رخامي يقدمون فيه عروضاً هزلية يتعالى حولها ضحك أطفال وصبيان وأمهات وجدات!
ظل هو غائباً عما يتعالى حوله من ضحك وصيحات الممثلين والمهرجين والمعجبين ومستحثي الاستعادة، وشغله سؤال صديقه، أمر غريب حقاً، رجل تجاوز السبعين يبكي عند رؤيته زهرة الأقحوان؟ ربما ظن صديقي أنها زهرة حب قديم محطم، حسناً هي كذلك ولكنها لحب آخر أيضاً! ربما هو الأعظم! وتعالت حوله الضحكات والصيحات المرحة!
وكأنه طار من هذه الحديقة الكبيرة في المدينة التي يسكنها منذ عقود من السنين، إلى تلك الشقة الصغيرة قبل أكثر من عشرين عاماً، قرب نافذة تطل على عتمة مساء، ودنيا في ذبولها أو أفولها! من حقك يا صديقي أن تستغرب ذلك! سأحاول أن أهبط الوادي أمامك، لأجمع ذكرياتي المبعثرة هناك، أعني أحاول جذب قلبي من تحت الصخرة التي سقطت عليه منذ زمن بعيد! ومع ذلك القصة بسيطة يا صديقي، ليست كبيرة، ولا هامة، ولا معقدة، بقدر ما هي أليمة، هل حدثتك عن أمي؟ كنت أنا قد غادرت البلاد قبل سنوات مضطراً محملاً بهم سياسي كبير، تركتها وحيدة، يومها قلت لها بصفاقة وقسوة: «سألحق بقضيتي فهي عندي أهم من كل شيء!» طبعاً هي بقلب الأم لم تتصور أنني يمكن أن أقول إن قضيتي السياسية أهم منها وهي الأم التي ضحت كثيراً من أجلي وسأتركها وحيدة، لا معيل لها غيري! كان والدي قد توفي منذ زمن بعيد.
حاولت التواصل معها من حيث حللت في هجراتي. ولم أستطع إعانتها إلا بالقليل، ليت الأمر اقتصر على ذلك، فقد صادر الحاكمون بيتي بسبب نشاطي ضدهم! وجدت أمي العجوز نفسها شريدة دون بيت، تتقاذفها بيوت الأقارب! بعد سنوات طويلة من استقراري في السويد وجدت أنني أستطيع أن آتي بها لتقضي بقية حياتها بيننا أنا وعائلتي! بعد جهود كثيرة أفلحت في ذلك، جاءت الأم إلى السويد وأضحت لاجئة مثلي! منحتها البلدية شقة صغيرة، وحرصت أن تكون في العمارة التي أعيش فيها مع زوجتي وأطفالي الثلاثة، سكنت شقة صغيرة في الطابق ما قبل الأخير من العمارة، والمصعد جاهز دائماً يسهل تنقلنا ولقاءاتنا! قضت نحو ثلاث سنوات معنا، حاولت فيها أن أعوضها عن عقوقي لها وأنا مستغرق في قضيتي السياسية التي فشلت بها، أو فشلت معي أيضاً! أحس بالذنب دائماً، أتيت بها من أرض وأناس آلفتهم وكانت تحبهم، جعلتها تسكن أرض البرد والظلام والصمت، أأنا من سبب لها كل ذلك؟ كان بالكاد يسمع أعماقه فقد كانت أصوات المهرجين والأطفال والصبيان يتعالى تصفيقهم الحاد؟ كأنهم يصفقون ساخرين مما حدث له!
آخر أيامها معنا، أتذكر ذلك تماماً، أتيتها بسندان فيه نبتة بلاستيكية لزهرة أقحوان حمراء فاتحة. وضعتها على قاعدة نافذة حجرة الجلوس، ونسيت أن أحدثها حولها، لكنني لاحظت بعد أيام أنها أخذت تسقيها ووضعت قارورة ماء بجانبها! لا أدري لماذا تركتها في وهمها؛ ربما لأنني رأيته وهماً جميلاً، قد يخفف رتابة منفى أقحمتها فيه!
بدت لي فرحة تعتقد، أن أوراقها لم تتساقط بفضل رعايتها لها! لكن ذلك المساء المشئوم جاءتني ابنتي التي في التاسعة تقريباً لتقول لي ضاحكة:
ـــ بابا، رأيت جدتي تسقي الزهرة البلاستيكية!
خفق قلبي متوجساً، أضافت:
ــــ قلت لها لماذا تسقينها؟ فأخذت تبكي
من قال إن براءة الأطفال دائماً حسنة؟
وصعدت إلى شقتها الصغيرة، وجدتها تبكي، كعادتها أحنت رأسها قائلة كأنها تعتذر عن ذنب:
ـ لم أكن أعرف!
طبعاً لم أسألها لماذا لم تلمسينها، أعرف أنها تخشى أن تلمس وردة.
وظلت صامتة برهة، رفعت رأسها محبطة حزينة؛ وراحت كما في كل مرة تردد:
ـــ ليتني أموت قبل العمى!
كانت تشعر أن السكري وقد تفاقم لديها مذ فارقناها، سيصيبها بالعمى لا محالة، عبثاً حاولت طمأنتها، كانت تبكي بصمت،
ـ لا أريد أن أكون عالة عليكم!
كانت حزينة محطمة وكأن آلام وأحزان عمرها قد هاجمتها دفعة واحدة. قررت أن أبقى بجانبها! في منتصف الليل استيقظت هلعاً على صراخها وهي تمسك رأسها بكلتا يديها، أصيبت بجلطة دماغية، نقلناها إلى المستشفى وبعد أيام من الغيبوبة، توفيت!
بقيت كلما رأيت زهرة أقحوان تعتريني رجفة، أفكر، لو كنت أعلمتها أنها اصطناعية، لو كانت الأقحوانة طبيعية وفي ترابها ما كان موتها يحدث هكذا. هل لي يد بذلك؟ طبعاً! ولكن لا الآن ولا فيما بعد أستطيع أن أجيب صديقي على سؤاله مازحاً أو جاداً بتفاصيل ما حدث فهي ليست هامة له أو خطيرة، وربما لا تقنع أحداً غيري!
عاد لصمته الطويل، اقترب من صديقه الذي وجده مندمجاً بأجواء الغناء والموسيقى الصاخبة والضحك والمرح وصار يرقص مثلهم ويحاول رغم تجاوزه السبعين مغازلة أو مداعبة العجائز، وقد التفت نحوه قائلاً:
ــ ما لك يا رجل؟ هيا معنا! ارقص! ارقص!


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

«بوابة البوابات»... معاذ العوفي وتصوير تاريخ باب البنط بجدة

تفاصيل جمالية في المبنى القديم (الشرق الأوسط)
تفاصيل جمالية في المبنى القديم (الشرق الأوسط)
TT

«بوابة البوابات»... معاذ العوفي وتصوير تاريخ باب البنط بجدة

تفاصيل جمالية في المبنى القديم (الشرق الأوسط)
تفاصيل جمالية في المبنى القديم (الشرق الأوسط)

«بوابة البوابات» معرض يُقام حالياً بجدة يقدم مشروعاً بصرياً من تصوير الفنان السعودي معاذ العوفي وتنسيق الكاتب فيليب كاردينال يستكشف مبنى «باب البنط»، قبل إعادة تأهيله وتجديده وتحويله إلى متحف للبحر الأحمر.

«باب البنط» هو اسم المبنى الواقع في جدة القديمة، تميز المبنى بمعمار اعتمد على الأقواس الخرسانية، وظل عبر السنين محافظاً على طرازه المعماري الفريد مقاوماً حركة البنيان الحديثة. يحمل المبنى من التاريخ الكثير، نستشف بعضه من خلال الصور القديمة الأرشيفية التي يقدمها المتحف عن تاريخه كمكان لاستقبال سفن الحجاج والزوار القادمين لجدة في طريقهم لمكة والمدينة.

تظهر الصور والأفلام الأرشيفية المبنى ببنائه المتميز، ولكنها لا تأخذنا لحاضر المبنى؛ فما تُظهِره الصور القديمة أنه كان مبنى متراميَ الأطراف بواجهة بحرية تستقبل أقواسه المميزة وفود الزوار لتوزعهم داخل أروقته، حيث كانت تتم إجراءات دخولهم والتأكد من حالتهم الصحية. هناك القليل من أهل جدة ممَّن يتذكر المبنى اليوم. البعض يحكي عن ذكرياته البسيطة عن المبنى بوصفه ميناءً، ولكن الزمن غيَّر كثيراً من معالم المدينة التاريخية، وتراجعت مكانة باب البنط في القرن العشرين والسنوات التالية حتى أصبح مبنى مهجوراً تتناثر في جنباته بقايا متعلقات شخصية ورسومات على الحوائط شهدت على مرور شخصيات من دون أسماء عاشت به أو مرَّت مرور الكرام.

تفاصيل جمالية في المبنى القديم (الشرق الأوسط)

توثيق باب البنط

ذلك ما وجده الفنان السعودي معاذ العوفي في مبنى باب البنط في عام 2020، حين أوكِلَت إليه مهمة توثيق المبنى بالصور ضمن عملية أرشفة للحفاظ على تاريخ المبنى قبل عملية تجديده ليصبح متحفاً حديثاً للبحر الأحمر.

معاذ العوفي عُرِف بتوثيقه المصوَّر للمباني المهجورة، وعرفت عدسته بيوتاً ومساجد قديمة خلت من الناس وبقيت آثارهم التي التقطتها عدسة الكاميرا لتسجل حضور وغياب سكان تلك المباني.

في «بوابة البوابات» تأخذنا عدسة العوفي في أرجاء المبنى القديم لتقدم، عبر أربعة أقسام، صوراً فوتوغرافية لم تكتفِ بكشف الجوانب المعمارية للمبنى، بل اصطحبتنا عبر لقطات مرهفة لآثار أناس مروا على المبنى خلال أعوام كان فيها تابعاً للبلدية وأوقات أخرى.

الجوانب المعمارية للمبنى وتفاصيل البناء وقتها (تصوير غازي مهدي)

جولة مع المصور

أثناء جولة في المعرض، يتحدث العوفي عن الجوانب المختلفة التي التقطها مع فريقه، ويركز بعين المصور على جوانب قد تغيب عن العين العادية، ولكن عند العوفي كانت لها معانٍ وإيحاءات مختلفة.

في بداية الجولة، يتحدث لـ«الشرق الأوسط» ويقول إنه كان يرى في كل مشروع تصوير أكثر من مجرد المباني، بل كان يبحث عن «الأسئلة أكثر من الإجابات». يروي لنا رحلته مع باب البنط مشيراً إلى أن المختلف في هذا المشروع هو أنه لم يكن يصور فقط مبنى مهجوراً، ولكن تصويره كان جزءاً مهمّاً من عملية تجديد المبنى، يقول: «بدأت العمل في هذا المبنى منذ خمسة أعوام، وكانت هناك خطة موضوعة من قبل وزارة الثقافة لتطويره، ولكن قبل البدء في أعمال التجديد كانت هناك حاجة لأرشفة شكل المبنى وحالته».

يقول إنه لم يكن يبحث عن آثار للحياة في المبنى بشكل خاص: «الحقيقة تركت المكان يقودني، بالأشياء فيه وبالأسئلة الكامنة فيه؛ فكلما وقعت عيناي على شيء به مفاجأة أو غموض، كان تركيزي يتجه لتلك الجوانب».

معاذ العوفي (تصوير غازي مهدي)

دخل العوفي المكان في عام 2020 مع فريق مكوَّن من شخصين لتبدأ عملية التوثيق: «استغرق العمل نحو أربعة أيام؛ كنا نبدأ من الصباح ونستمر في التصوير حتى الفجر، أفضل الأوقات بالنسبة لي كان فترة سطوع الشمس؛ من 12 إلى الساعة الثانية، بدأنا بصور أساسية مجردة للمعمار والمكان كما هو».

عن شعوره بدخول المبنى للمرة الأولى يقول: «شعرت كالطفل في مدينة ملاهٍ مصغرة، بدأتُ بالبحث عن الأشياء الصغيرة والغامضة المنسية، الألغاز ومخلفات الناس الذين مروا على هذا المكان». يتابع: «شيق جداً أن نرى المرحلة التالية للمبنى. أشعر أنني كنت مثل شخص يراقب حياة أشخاص مضوا، ويرى أشياء كانت مهمة بالنسبة لهم، وقد لا تحمل نفس الأهمية اليوم. خلال التصوير كنت أشعر بأننا كنا نحاول الوصول إلى نظرتهم لهذه الأشياء».

تفاصيل ما تبقى

نمضي في جولتنا مع العوفي بين اللقطات المختلفة للمكان؛ نبدأ من الجوانب المعمارية للمبنى وتفاصيل البناء وقتها. بعض اللقطات تثير الأسئلة من الحاضرين حول وجودها اليوم وأين، كأمثلة يشير إلى لقطة تصوِّر القاعة الأولى للمتحف تميزت بمدخل مقوَّس مجمَّل على الجانبين بالجص المزخرف، ثم لقطة أخرى نرى فيها نوافذ يتزين زجاجها بالرسومات الملوَّنة. هناك لقطات أخرى يصفها بـ«التجريدية» مثل لقطة مقربة لآثار سائل غامق اللون على الجدار يقول عنها «أعتقد أن البقعة تمثل آثار قهوة»، عن لقطة أخرى تصور نماذج من ألوان الطلاء على الأرض، يقول: «أعتقد هذه كانت طريقة لاختيار ألوان مناسبة لطلاء الجدران». في كل تلك اللقطات لا يعرف العوفي أو الناظر من ترك هذه الأشياء أو تاريخها، هي هنا تسجل لنا لحظات وجود أشخاص.

معرض «بوابة البوابات» وثق لحالة مبنى «باب البنط» قبل التجديد (تصوير غازي مهدي)

بوابات حديدية

في قسم من المعرض يحمل عنوان «البوابات الحديدية»، نرى عدداً من الصور التي تسجل الفتحات المعمارية في المبنى، وقد أحاطت بها عوارض ودعامات معدنية توحي بأنها تمسك بالمبنى وتظهر ما بداخله.

بحسب بيان العرض، يظهر واضحاً في الصور غياب الجدران الحجرية المرجانية التي زيَّنَت المشهد العمراني بمدينة جدة في الماضي، يقول: «في هذه المرحلة كانت تلك الدعامات الحديدية تجعلني أفكر في الطريقة التي ستتخذها عملية تجديد المبنى، والتدخلات المعمارية التي ستحدث لإعادة التأهيل».

بعين الفنان يشير إلى أشكال رسمها عابرون على المبنى، على الجدران، لتسجيل وجودهم، مثل رسمة قلب يخترقه سهم أو رسم يشبه عظام رقبة الدجاجة، وغيرها من الرسومات الساذجة المتناثرة على الحوائط المهجورة.

من الرسومات على الجدران تمضي عدسة الفنان لتسجل الوجود الإنساني الذي مرَّ على المبنى عبر قطع وأشياء تركها أصحابها، مثل مسبحة من الأحجار السوداء معلقة على مسمار، أو بعض المصاحف الصغيرة المعلقة معاً بخيوط من الجلد، أو بقايا لأعواد بخور ملقاة على أرضية حجرية متشققة.

في صور أخرى، يسجل العوفي آثار وجود أناس لا نعرف من هم ولا ماذا تركوا، ولكننا أمام صور لأكوام من القماش الملون (بقشات)، تلتقط عينه الرسومات الكارتونية الملونة على القماش، ويشير إلى أن أكوام القماش التي كانت تُستخدم لتخزين المتاع وغيره، كانت موجودة في الأماكن المختلفة خارج المبنى، فيما رسم صورة للحياة في الأسواق القديمة بجدة. من الصور أيضاً نرى واقعاً مغايراً للمبنى، حين كان ملكاً للبلدية، فنرى صورة لورقة تخص أحد المواطنين. في جانب آخر نرى صورة تسجل بعض الصور والرسومات في إطارات خشبية متكسرة ملقاة على الأرض مكتوب عليها «روبرت 1985»، يقول: «لا أعرف من يكون هذا الشخص أو ماذا حدث لرسوماته بعد ذلك».

لقطات تصور بقايا متعلقات مهملة تركت في المبنى (تصوير غازي مهدي)

عرف المبنى في تاريخه وجود مستأجرين، نرى بعض آثارهم المتمثلة في مثل صورة لعلَّاقات ملابس معلقة على مسامير مثبتة في الجدار، إلى جانبها مضرب للذباب وصورة للعبة صفراء على أرضية مشققة: «يمكننا تبيُّن كيف تراكم التراب على الأرضيات».

في وقت ما يبدو أن المبنى كان مهجوراً، وتسجل لقطة آثار معركة بين قط وحمامة لم يتبقَّ منها سوى ريش متناثر في أحد الأركان: «أعتقد أننا نستطيع التنبؤ بأن القطة فازت».

المعرض بعد التجديد

يعود العوفي للمبنى بعد تجديده لإقامة معرضه، ويقول إنه شعر بالفخر بعد رؤية نتيجة أعمال التجديد التي حولت المبنى إلى متحف مخصص لشعوب البحر الأحمر، وليس فقط لمدينة جدة: «شعرت بأن المبنى يرحِّب بالجميع للقاء والحديث. نتشارك جميعاً في قصة واحدة والاهتمامات المشتركة، فهنا بوابة لمكة والمدينة».

الرسومات الملونة على نوافذ المبنى القديم (الشرق الأوسط)

أسأله بالنسبة له كمصور: «هل المبنى بالنسبة لك أهم بالأشخاص أم بوصفه المجرد كمبنى؟»، يقول «الناس والمبنى متحدان بشكل ما، ولكن بالتأكيد المبنى ليس مثيراً بقدر الناس الذين مروا عليه».


كيف تمكنت 4 أفلام عربية من الوصول لقائمة الأوسكار المختصرة؟

الفنان محمد بكري في لقطة مع أسرته من فيلم «اللي باقي منك» (الشركة المنتجة)
الفنان محمد بكري في لقطة مع أسرته من فيلم «اللي باقي منك» (الشركة المنتجة)
TT

كيف تمكنت 4 أفلام عربية من الوصول لقائمة الأوسكار المختصرة؟

الفنان محمد بكري في لقطة مع أسرته من فيلم «اللي باقي منك» (الشركة المنتجة)
الفنان محمد بكري في لقطة مع أسرته من فيلم «اللي باقي منك» (الشركة المنتجة)

لعلها المرة الأولى التي تنجح فيها 4 أفلام عربية دفعة واحدة في الوصول لـ«القائمة المختصرة» بترشيحات الأوسكار لأفضل فيلم دولي، وهو ما اعتبره سينمائيون عرب «إنجازاً كبيراً».

وصعدت للقائمة أفلام «فلسطين 36» للمخرجة آن ماري جاسر، الذي يمثل دولة فلسطين في منافسات الأوسكار، وفيلم «اللي باقي منك» للمخرجة شيرين دعيبس ويمثل الأردن، وفيلم «صوت هند رجب» للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، ممثلاً للسينما التونسية، وللمرة الأولى ينجح فيلم عراقي في الوصول لهذه القائمة وهو فيلم «The President Cake’s» المعنون بالعربية بـ«مملكة القصب» للمخرج حسن هادي، وتتناول الأفلام الثلاثة الأولى القضية الفلسطينية عبر 3 مخرجات عربيات قدمن رؤى متباينة بين الماضي والحاضر، عبر حكايات إنسانية مؤثرة.

وضمت القائمة المختصرة 15 فيلماً من مختلف دول العالم، التي أعلنتها الأكاديمية الأميركية، الثلاثاء، وتضم أفلاماً من الأرجنتين والبرازيل وألمانيا واليابان وإسبانيا وكوريا الجنوبية وسويسرا وتايوان، وتم اختيارها من قبل أعضاء أكاديمية الفنون والعلوم والصور المتحركة - المنظمة لجوائز الأوسكار - من بين 86 فيلماً، وقد شاركت الأفلام العربية الأربعة بمهرجانات دولية كبرى وحازت جوائز عديدة واهتماماً لافتاً.

الفنان ظافر العابدين في أحد مشاهد فيلم «فلسطين 36» (الشركة المنتجة)

يتتبع فيلم «فلسطين 36» حياة الفلسطينيين في ثلاثينات القرن الماضي مازجاً بين الروائي والتوثيقي لوقائع سياسية واجتماعية شهدتها تلك الفترة، عبر دراما تاريخية مؤثرة تدور أحداثها خلال فترة الانتداب البريطاني على فلسطين، مركزاً على قصص الأفراد العالقين في الصراع، الفيلم تأليف وإخراج آن ماري جاسر وبطولة جيريمي آيرونز، هيام عباس، كامل الباشا، صالح بكري، ياسمين المصري، وظافر العابدين، وعُرض للمرة الأولى بمهرجان «تورونتو» السينمائي خلال دورته الماضية.

فيما تتبع شيرين دعيبس في فيلم «اللي باقي منك» دراما عائلية لثلاثة أجيال من الفلسطينيين منذ عام 1948 حتى 2022؛ كاشفة عن الآثار الكارثية للنكبة من خلال سرد عميق يستحوذ على المشاهد، وعبر أداء حميمي مؤثر يستكشف الفيلم كيف يُشكل الماضي المؤلم الحاضر بكل تداعياته، الفيلم من بطولة صالح بكري ومحمد بكري وماريا زريق، وتشارك المخرجة شيرين دعيبس بالتمثيل به، إلى جانب الكتابة والإخراج.

وأكدت الناقدة الفلسطينية عُلا الشيخ أن صعود هذه الأفلام يعود لأسباب عدة، من بينها أنها «صُنعت لتشاهد عالمياً من دون أن تفقد خصوصيتها، وهي تنطلق من حكايات إنسانية مكتملة بذاتها عبر شكل من السرد المغاير ولغة سينمائية ناضجة، وبتوقيع مخرجات يمتلكن مسيرة واضحة وصوتاً معترفاً به».

الفنان محمد بكري في لقطة مع أسرته من فيلم «اللي باقي منك» (الشركة المنتجة)

وأضافت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «المخرجات الثلاث آن ماري جاسر وشيرين دعيبس وكوثر بن هنية، لسن أسماء طارئة على المشهد السينمائي ما يمنح الأفلام ثقة مسبقة»، لافتة إلى أن «هذه الأفلام لا تكتفي بأن تحكي عن فلسطين، بل تعيد صياغة حضورها السينمائي من زوايا مختلفة»، مشيرة إلى أن «اجتماع هذه الأفلام الثلاثة تحت توقيع مخرجات ليس تفصيلاً عابراً، بل تأكيد على أن السينما الفلسطينية تُعاد قراءتها بأصوات نسائية قادرة على صنع الفرق».

وفي فيلم «صوت هند رجب» مزجت المخرجة كوثر بن هنية ببراعة بين الوثائقي والدراما لتروي القصة المروعة للطفلة الفلسطينية هند رجب ذات الـ6 سنوات التي قُتلت خلال الحرب الإسرائيلية على غزة يناير (كانون الثاني) 2024، بعدما بقيت عالقة داخل سيارة تضم جثث أقاربها الذين قتلتهم القوات الإسرائيلية، وشارك في بطولة الفيلم سجى كيلاني، معتز ملحيس، عامر حليحل، وكلارا خوري، وقد جاء عرضه العالمي الأول بمهرجان «البندقية» في دورته الـ82 وفاز بجائزة الدب الفضي.

لقطة من الفيلم التونسي «صوت هند رجب» (الشركة المنتجة)

وتشير الناقدة التونسية يسرا شيخاوي إلى أن المخرجة كوثر هنية ليست جديدة على الأوسكار، فقد خاضت المنافسة عبر فيلميها السابقين «الرجل الذي باع ظهره»، و«بنات ألفة» قائلة لـ«الشرق الأوسط» إن «ما يميز هذه المرة أن الفيلم يروي قصة إنسانية من قلب حرب الإبادة، وأن يبلغ (صوت هند رجب) هذا المدى عبر السينما التونسية يثير الكثير من مشاعر العزة».

وتؤكد أن «الفيلم حظي باهتمام واسع من النقاد وصناع السينما، كما أنه يحظى بدعم النجم براد بيت والمخرج خواكين فينيكس وغيرهما من صناع السينما العالمية؛ مما يعزز فرصته في الفوز».

فيما يروي الفيلم العراقي «كعكة الرئيس» قصة مؤثرة تدور أحداثها خلال تسعينات القرن الماضي، متتبعاً طفلة في التاسعة من عمرها تُجبر مع عدد من طلاب المدارس لإعداد كعكة للاحتفال بعيد ميلاد الرئيس صدام حسين، وفاز الفيلم بجائزتي «الجمهور» و«الكاميرا الذهبية» بمسابقة أسبوعي المخرجين بالدورة الفائتة بمهرجان «كان» السينمائي، وهو أول فيلم طويل لمخرجه حسن هادي، وأول فيلم عراقي يحقق هذا الإنجاز.

فيلم «كعكة الرئيس» قاد العراق لمنافسات الأوسكار (الشركة المنتجة)

وتشهد مسابقات الأوسكار تصويتاً آخر لاختيار قائمة قصيرة تضم 5 أفلام من كل مسابقة لتعلن نتائجها 22 يناير 2026، فيما يقام حفل إعلان الجوائز 15 مارس (آذار) 2026.

وقال الناقد المصري خالد محمود إن وصول 4 أفلام عربية للقائمة المختصرة يعتبر إنجازاً كبيراً يحدث لأول مرة، وعَدّ ذلك «انعكاساً لمدى تطور السينما العربية في السنوات الأخيرة، وأن الفجوة بين الإنتاج العربي والعالمي في طريقها للتقلص من حيث القيمة الفنية والتناول القصصي، والقدرة على المنافسة الدولية».

وأضاف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «الأفلام الأربعة تناولت قضايا إنسانية مع وجود بعد سياسي في كل منها، ما يشير إلى أن السينما العربية بات لها مردود كبير عبر مشاركتها بالمهرجانات العالمية وحصدها لجوائز في أفلام جديرة بالمنافسة؛ لأن مخرجيها تعاملوا مع قضايا إنسانية شديدة الحساسية اشتبكوا فيها مع واقع مأزوم».

وعَدّ محمود المنافسة على جائزة أفضل فيلم دولي من أصعب مسابقات الأوسكار، متوقعاً أن يصعد من بين الأفلام العربية فيلم واحد للقائمة القصيرة.


هل تنجح الدببة القطبية في خداع الاحترار؟

يظهر دب قطبي أمام محطة أبحاث مهجورة بجزيرة كولوتشين قبالة تشوكوتكا في روسيا (أ.ب)
يظهر دب قطبي أمام محطة أبحاث مهجورة بجزيرة كولوتشين قبالة تشوكوتكا في روسيا (أ.ب)
TT

هل تنجح الدببة القطبية في خداع الاحترار؟

يظهر دب قطبي أمام محطة أبحاث مهجورة بجزيرة كولوتشين قبالة تشوكوتكا في روسيا (أ.ب)
يظهر دب قطبي أمام محطة أبحاث مهجورة بجزيرة كولوتشين قبالة تشوكوتكا في روسيا (أ.ب)

في وقتٍ يشهد فيه المحيط المتجمد الشمالي أعلى درجات حرارة له منذ نحو 125 ألف عام، ومع استمرار تسارع وتيرة الاحترار العالمي، تزداد المخاوف بشأن مستقبل الدببة القطبية. وتشير تقديرات علمية إلى احتمال انقراض أكثر من ثلثي هذه الحيوانات بحلول عام 2050، مع سيناريو قاتم يُرجّح اختفاءها بالكامل قبل نهاية القرن الحالي.

غير أن دراسة علمية حديثة تحمل مؤشرات مختلفة، إذ كشفت عن تغيّرات جينية قد تمنح الدببة القطبية هامشاً من القدرة على التكيّف مع البيئات الأكثر دفئاً. وخلص الباحثون إلى أن تغيّر المناخ لا يبدّل الموائل فحسب، بل يترك بصمته أيضاً على الجينوم، ما قد يساعد بعض التجمعات على الصمود في وجه الظروف القاسية، شريطة توافر الغذاء وفرص التكاثر. وفقاً لموقع «ساينس أليرت».

وأظهرت الدراسة وجود علاقة وثيقة بين ارتفاع درجات الحرارة في جنوب شرقي غرينلاند، وحدوث تغيّرات ملحوظة في الحمض النووي للدببة القطبية. فالـ«دي إن إيه»، الذي يُشكّل دليل التعليمات داخل الخلايا، لا يحدد فقط النمو والتطور، بل يتفاعل كذلك مع الضغوط البيئية عبر آليات معقدة تشمل تنشيط جزيئات وراثية تُعرف بـ«العناصر القابلة للنقل» أو «الجينات القافزة».

واعتمد الباحثون في تحليلهم على بيانات وراثية متاحة للعامة، جُمعت من عينات دم لدببة قطبية في شمال وجنوب شرقي غرينلاند. وكانت دراسات سابقة قد أظهرت أن تجمع الدببة في الجنوب الشرقي يختلف وراثياً عن نظيره في الشمال الشرقي، بعدما هاجر منه قبل نحو 200 عام ثم عاش في عزلة نسبية.

ومن خلال ربط بيانات التعبير الجيني بسجلات مناخية دقيقة صادرة عن المعهد الدنماركي للأرصاد الجوية، توصّل الفريق إلى صورة أوضح عن كيفية استجابة الجينات لارتفاع درجات الحرارة. وكشفت النتائج أن شمال شرقي غرينلاند يتمتع بمناخ أبرد وأكثر استقراراً، في حين يتسم الجنوب الشرقي بدرجات حرارة أعلى وتقلبات أشد، ما يفرض تحديات بيئية قاسية على الدببة القطبية.

وتتفاقم هذه التحديات مع التراجع السريع لحواف الغطاء الجليدي في جنوب شرقي غرينلاند، وهو ما يقلّص منصات الصيد الطبيعية التي تعتمد عليها الدببة لاصطياد الفقمات، ويدفعها إلى مواجهة نقص الغذاء والعزلة. كما تختلف طبيعة الموائل بين المنطقتين، إذ تسود التندرا القطبية المسطّحة في الشمال، مقابل تضاريس جبلية ومناخ أكثر رطوبة ورياحاً في الجنوب الشرقي.

وبيّنت الدراسة أن الضغوط البيئية الشديدة قد تُسرّع التغيرات الوراثية، عبر تنشيط واسع للعناصر القابلة للنقل، التي تشكّل نحو 38 في المائة من جينوم الدب القطبي. ولاحظ الباحثون تنشيط أكثر من 1500 عنصر من هذه العناصر لدى دببة الجنوب الشرقي، في مؤشر على تغيّرات حديثة ربما تسهم في التكيّف مع الاحترار.

وتداخل بعض هذه العناصر مع جينات مرتبطة بالإجهاد والتمثيل الغذائي ومعالجة الدهون، وهي وظائف حيوية في بيئات يندر فيها الغذاء. ويرى الباحثون أن ذلك قد يعكس تحولاً تدريجياً في نمط التغذية، إذ قد تضطر دببة الجنوب الشرقي إلى الاعتماد بدرجة أكبر على موارد نباتية متاحة في المناطق الأدفأ، بدل الاعتماد شبه الكامل على الفقمات الغنية بالدهون كما في الشمال.

وتخلص الدراسة إلى أن تغيّر المناخ لا يعيد رسم خرائط موائل الدببة القطبية فحسب، بل يدفع أيضاً إلى إعادة تشكيل جيناتها. وفهم هذه التحولات الوراثية، حسب الباحثين، يمثّل خطوة أساسية لتقييم فرص بقاء هذا النوع في عالم يزداد دفئاً، وتحديد أي التجمعات أكثر قدرة على التكيّف، وأيها يقف على حافة الخطر.