مقتل 6 متظاهرين في الذكرى الثالثة لـ«انتفاضة» السودان

قطع الإنترنت والهاتف... والحشود تصل أبواب القصر الرئاسي رغم الإجراءات الأمنية المشددة

متظاهرون في العاصمة السودانية الخرطوم أمس (رويترز)
متظاهرون في العاصمة السودانية الخرطوم أمس (رويترز)
TT

مقتل 6 متظاهرين في الذكرى الثالثة لـ«انتفاضة» السودان

متظاهرون في العاصمة السودانية الخرطوم أمس (رويترز)
متظاهرون في العاصمة السودانية الخرطوم أمس (رويترز)

في الذكرى الثالثة لانتفاضة 2019، شهد السودان، أمس الخميس، مظاهرات حاشدة شارك فيها عشرات الآلاف وقُتل خلالها 6 متظاهرين، وأصيب عدد آخر من المتظاهرين السلميين برصاص أجهزة الأمن السودانية، إثر استخدام الشرطة وأجهزة الأمن لعنف مفرط تضمن الرصاص والغاز المسيل للدموع والمطاطي وقاذفات الماء، لقمع عشرات الآلاف من المتظاهرين في العاصمة الخرطوم ومدن البلاد الأخرى، للحيلولة بينهم والوصول للقصر الرئاسي.
ودعت لجان المقاومة السودانية – تنظيمات شبابية أهلية – وتحالف المعارضة «الحرية والتغيير» والحزب الشيوعي بجانب قوى سياسية أخرى لتظاهرات بالتزامن مع ذكرى احتجاجات 30 يونيو (تموز) 2019 التي أعقبت مجزرة فض الاعتصام، وأعادت توازن القوى لصلاح القوى المدنية.
واتخذت السلطات العسكرية إجراءات أمنية غير مسبوقة، تضمنت قطع خدمة الانترنت كليا، وقطع الاتصالات الهاتفية، ونشرت قوات عسكرية كبيرة، وأغلقت الجسور الرابطة بين مدن العاصمة، وسدت كافة الطرقات المؤدية إلى مركز العاصمة الخرطوم، للحيلولة دون وصول المتظاهرين للقصر الرئاسي، واستخدمت بمواجهتهم عنفا مفرطاً، بيد أن آلاف المحتجين أفلحوا في الوصول لمحيط القصر الرئاسي.
وأعلنت «لجنة أطباء السودان المركزية»؛ المؤيدة للديمقراطية، مقتل 6 متظاهرين؛ بينهم طفل، على أيدي قوات الأمن، قُتل 4 منهم على الأقل «برصاص مباشر في الصدر» أو «في الرأس».
وقالت «اللجنة» إن طفلاً قتل «برصاصة حية في الظهر اخترقت الصدر بمدينة بحري».
وأضافت: «استمرأت القوات استخدام العنف المميت تجاه الثوار السلميين الذين يثبتون يوماً بعد يوم أن السلمية أقوى من الرصاص، وأنها السلاح الأمضى ضد ترسانته وآلة قمعه وعنفه... يرتفع عدد الشهداء الأطفال منذ انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر إلى 18. ويرتفع عدد الشهداء لهذا اليوم إلى 6. وبهذا يرتفع العدد الكلي لشهدائنا الكرام إلى 109».
ونددت «اللجنة» بإطلاق قوات الأمن قنابل «الغاز المسيل للدموع في أحد المستشفيات بالعاصمة الخرطوم ومنع عربة الإسعاف من دخول المستشفى».
وعشية الاحتجاجات، قتلت قوات الأمن السودانية متظاهراً خلال مسيرات نظمت مساء أول من أمس الأربعاء في شمال الخرطوم، إثر إصابته «برصاصة في الصدر»، وفق ما أفادت به «اللجنة».
وهتف المتظاهرون الخميس: «الشعب يريد إسقاط البرهان» و:«لو مُتنا كلنا، ما يحكمنا العسكر»، وفق ما أفاد به صحافيون في وكالة الصحافة الفرنسية.
وحمل البعض لافتات تطالب بالقصاص لمن قتلوا في الاحتجاجات السابقة، فيما هتف آخرون: «يا برهان ارجع ثكناتك... يا برهان سلم شركاتك!» في إشارة إلى الأصول الاقتصادية للجيش السوداني.
وفي وقت سابق، قال شهود إن محتجين أغلقوا بعض الشوارع الرئيسية بالعاصمة بالحجارة والإطارات المحترقة.
وهذه هي المرة الأولى منذ أشهر التي تقطع فيها السلطات خدمات الإنترنت والهاتف لمواجهة الاحتجاجات المستمرة منذ أشهر.
ونقلت وكالة «رويترز» عن شهود عيان قولهم إن قوات الأمن في وسط الخرطوم أطلقت الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه في محاولتها منع الحشود الآخذة في الزيادة من السير نحو القصر الرئاسي. وقدروا عدد الحشود في الخرطوم ومدينتيها التوأمتين أم درمان وبحري بعشرات الألوف.
وفي أم درمان، أفاد شهود عيان بوقوع حوادث إطلاق للغاز المسيل للدموع وإطلاق للنار؛ حيث منعت قوات الأمن المتظاهرين من العبور إلى الخرطوم.
وكان الناشطون المنادون بالديمقراطية وعدوا بمظاهرات حاشدة لإرغام الجيش على إعادة السلطة إلى المدنيين، وذلك خلال يوم يحمل دلالات رمزية في هذا البلد الواقع في شرق أفريقيا.
وصادف أمس ذكرى 30 يونيو (حزيران) الذي قادته الحركة الإسلامية عام 1989، وكذلك ذكرى المظاهرات الحاشدة التي خرجت عام 2019، والتي أجبرت العسكريين على التراجع عن قرارات اتخذوها بعد مجزرة فض الاعتصام. ويخشى الجيش السوداني من إعادة تكرار تلك المواكب المليونية التي خرجت في مثل هذا اليوم منذ 3 سنوات.
ووصف رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، عبد الفتاح البرهان، المظاهرات بأنها أعمال تخريبية، وأن الوصول للسلطة لن يتم إلا بالتوافق الوطني الشامل أو الانتخابات. وقال إنه لا يعترض على ممارسة الحق في التعبير والتظاهر السلمي الذي يراعي المحافظة على الممتلكات العامة والخاصة، ولا يؤذي مصالح المواطنين.
وشددت السلطات الإجراءات الأمنية في العاصمة الخرطوم وحولها من مدن، رغم رفع حالة الطوارئ.
وتشهد العاصمة السودانية والمناطق المجاورة لها احتجاجات شبه أسبوعية.
وقالت «قوى الحرية والتغيير»؛ التحالف المدني في دعوتها إلى مظاهرات الخميس إن «30 حزيران (يونيو) طريقنا لإسقاط السلطة وقطع الطريق أمام أي بدائل وهمية»، داعية المحتجين إلى «المشاركة بفاعلية» في المظاهرة.
ودعا ناشطون مؤيدون للديمقراطية على مواقع التواصل الاجتماعي إلى احتجاجات تحت وسم: «مليونية زلزال 30 يونيو».
وقال البرهان، أول من أمس الأربعاء، إن القوات المسلحة تتطلع إلى اليوم الذي يمكن أن تتسلم فيه حكومة منتخبة زمام إدارة البلاد، «لكن هذا لا يمكن أن يتم إلا بالتوافق أو الانتخابات، وليس الاحتجاجات».
ودعا الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى السودان، فولكر بريتيس، السلطات، الثلاثاء الماضي، إلى تجنب العنف في مواجهة الاحتجاجات. وقال في تغريدة على حسابه الرسمي على «تويتر»: «لن يتم التسامح مع العنف ضد المتظاهرين».
وحذر «برنامج الأغذية العالمي» التابع للأمم المتحدة هذا الشهر من أن ثلث سكان السودان «يعانون من انعدام حاد في الأمن الغذائي».
وتقدر الأمم المتحدة أن 18 مليون سوداني من إجمالي 45 مليوناً، سيعانون بنهاية السنة من انعدام الأمن الغذائي؛ أكثرهم معاناة 3.3 مليون نازح يقيم معظمهم في دارفور.
ومطلع الشهر الحالي، أعلنت منظمة «سِيف ذا تشيلدرن» وفاة طفلين نتيجة الجوع في ولاية شمال دارفور غرب البلاد.
وتتواصل دوامة العنف في البلاد؛ ففي دارفور يُقتل مئات الأشخاص في مواجهات على خلفية نزاعات بشأن الأراضي والمياه، كما تنتهي المظاهرات المناهضة للحكم العسكري كل نحو أسبوع بإعلان سقوط قتلى وجرحى.
إضافة إلى ذلك، اعتُقل مئات الناشطين ولا يزال العشرات منهم خلف القضبان.
وجاءت احتجاجات أمس وسط جهود مكثفة لكسر جمود الوضع السياسي.
وخلال الأسابيع الأخيرة، مارست كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي و«مجموعة دول شرق ووسط أفريقيا للتنمية (إيقاد)»، ضغوطاً لإجراء حوار مباشر بين العسكريين وتحالف «قوى الحرية والتغيير» الذي رفض ذلك.
ووصفت «قوى الحرية والتغيير» الحوار بأنه «حل سياسي مزيف».
كما لم يلبِّ دعوة الحوار «حزب الأمة»، إضافة إلى لجان المقاومة في الأحياء السكنية؛ وهي مجموعات غير رسمية ظهرت خلال الاحتجاجات التي أطاحت البشير، بين 2018 و2019 ثم قادت المظاهرات.
وقال سفير الاتحاد الأفريقي لدى الخرطوم، محمد بلعيش، الأسبوع الماضي، إن «الحوار عملية غير شفافة وغامضة».


مقالات ذات صلة

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم (الخميس)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف في السودان، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضه. وأكد الأمير فيصل بن فرحان، خلال اتصال هاتفي أجراه بغوتيريش، على استمرار السعودية في مساعيها الحميدة بالعمل على إجلاء رعايا الدول التي تقدمت بطلب مساعدة بشأن ذلك. واستعرض الجانبان أوجه التعاون بين السعودية والأمم المتحدة، كما ناقشا آخر المستجدات والتطورات الدولية، والجهود الحثيثة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

لماذا لا تتدخل مصر عسكرياً في اليمن؟

سفن حاويات تعبر قناة السويس المصرية في وقت سابق (رويترز)
سفن حاويات تعبر قناة السويس المصرية في وقت سابق (رويترز)
TT

لماذا لا تتدخل مصر عسكرياً في اليمن؟

سفن حاويات تعبر قناة السويس المصرية في وقت سابق (رويترز)
سفن حاويات تعبر قناة السويس المصرية في وقت سابق (رويترز)

أعاد نفي مصري لتقارير إسرائيلية عن استعداد القاهرة شن هجمات عسكرية ضد جماعة «الحوثي» في اليمن، تساؤلات بشأن أسباب إحجام مصر عن التدخل عسكرياً في اليمن، رغم ما تعانيه من تداعيات اقتصادية جراء هجمات «الحوثي» على السفن المارة في البحر الأحمر.

وأكد خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر لا تفضل أن تقوم بأعمال عسكرية خارج حدودها»، وأشاروا إلى أن القاهرة «تدرك أن توترات البحر الأحمر سببُها استمرارُ الحرب في غزة»، ومن هنا فهي تُفضل «الطُرق الدبلوماسية لوقف الحرب».

ونفى مصدر مصري مسؤول، الأحد، ما تناولته تقارير إعلامية إسرائيلية عن «قيام مصر باستعدادات بهدف التدخل العسكري في اليمن».

وذكر المصدر المصري المسؤول، في تصريحات أوردتها قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، أن مثل هذه التقارير، وما تتضمنه من معلومات «مُضللة»، ليس لها أساس من الصحة.

وادعت تقارير إسرائيلية أن «مصر تستعد لضرب الحوثيين بعد تكبدها خسائر اقتصادية كبرى جراء تصاعد التهديدات ضد هيئة قناة السويس التي تعد شرياناً حيوياً للتجارة العالمية».

كما زعمت التقارير أيضاً أن مصر «أبدت رغبة متزايدة في لعب دور فعال في الصراع اليمني، مع تجهيز طائرات لتنفيذ عمليات جوية تستهدف الحوثيين، الذين أثاروا مخاوف متزايدة حول سلامة الملاحة عبر البحر الأحمر».

نيران اشتعلت في ناقلة نفط استهدفها الحوثيون بالبحر الأحمر خلال وقت سابق (رويترز)

ومنذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 غيّرت شركات شحن عالمية مسارها، متجنبةً المرور في البحر الأحمر، إثر استهداف جماعة «الحوثي» اليمنية السفن المارة بالممر الملاحي، «رداً على استمرار الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة»؛ ما دفع شركات الشحن العالمية لتغيير مسارها، متجنبةً المرور في البحر الأحمر.

وعدَّ الخبير العسكري المصري، اللواء سمير فرج، التقارير الإسرائيلية، «محاولة للضغط على مصر ودفعها للعب دور في اليمن». وقال إن «مصر لن تشارك في أي عمل عسكري في اليمن»، مشيراً إلى أن القاهرة «تدرك أن السبب وراء التوترات في البحر الأحمر ليس في الحوثي أو في اليمن؛ بل في استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة». وأضاف فرج: «لو توقفت الحرب الإسرائيلية في غزة سوف تتوقف الهجمات على السفن بالبحر الأحمر».

واتفق معه مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير حسين هريدي، وقال إن «المشكلة ليست في (الحوثي)، فما يحدث جزءٌ من حرب مفتوحة بين إيران وإسرائيل، و(الحوثي) مجرد أداة، والقاهرة لن تتعامل مع الأدوات ولن تتورط في هذا الصراع».

وأضاف أن «القاهرة تؤمن بالحلول الدبلوماسية لأزمات المنطقة، ولن ترسل قواتها خارج الحدود، لا سيما مع إدراكها حجم التوترات على جميع حدودها، سواء في غزة أو ليبيا أو السودان».

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2023 شكّلت الولايات المتحدة الأميركية، تحالف «حارس الازدهار» للرد على هجمات «الحوثي»، لكن مصر لم تعلن انضمامها له، وهو ما فسره خبراء آنذاك بأن القاهرة «تفضل المسار الدبلوماسي لحل الأزمة».

سفينة شحن خلال عبورها قناة السويس المصرية في وقت سابق (رويترز)

وحسب أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور أحمد يوسف أحمد، فإن رفض مصر التدخل عسكرياً ضد «الحوثي» في اليمن «دليل على موضوعية السياسة المصرية». وقال إن «مصر هي الخاسر الأكبر من هجمات الحوثي، لكنها على مدار أكثر من عام لم تدنها، واقتصرت التصريحات الرسمية على التأكيد على ضرورة تأمين الملاحة في البحر الأحمر».

وأرجع أستاذ العلوم السياسية ذلك إلى أن «مشاركة مصر في أي تحالف حالياً ضد الحوثي قد ينظر له البعض على أنه دعم لتل أبيب في حربها على قطاع غزة».

وسبق وأشارت مصر مراراً إلى تأثر حركة الملاحة بقناة السويس بالتوترات الإقليمية. وتراجعت إيرادات قناة السويس من 9.4 مليار دولار (الدولار الأميركي يساوي 50.7 جنيه في البنوك المصرية) خلال العام المالي الذي يبدأ من يوليو (تموز) 2022 حتى نهاية يونيو (حزيران) 2023، إلى 7.2 مليار دولار خلال العام المالي 2023 - 2024، حسب ما أعلنته هيئة قناة السويس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، نهاية الشهر الماضي، إن «إيرادات قناة السويس شهدت انخفاضاً تجاوز 60 في المائة مقارنة بعام 2023، مما يعني أن مصر خسرت ما يقرب من 7 مليارات دولار في عام 2024».

وذكرت مجلة «إسرائيل ديفنس»، الصادرة عن الجيش الإسرائيلي، في تقرير نشرته في أكتوبر الماضي، أنه «رغم ما تعانيه مصر من خسائر بسبب توترات البحر الأحمر، فإنها ترفض القيام بعمل عسكري ضد جماعة الحوثي»، وأشارت حينها إلى أن «القاهرة تضع الاعتبارات الاستراتيجية والخوف من التصعيد الإقليمي والعلاقات السياسية مع العالم العربي فوق أي اعتبار».