الخرطوم تحبس أنفاسها في انتظار مواكب مليونية في ذكرى 30 يونيو

دول غربية وآسيوية تطالب السلطات بضبط النفس... والخارجية السودانية تستدعي ممثل الأمم المتحدة

احتجاجات نسائية ضد استخدام الرصاص والأسلحة المحظورة دولياً بمدينة أم درمان في 25 يونيو(أ.ب)
احتجاجات نسائية ضد استخدام الرصاص والأسلحة المحظورة دولياً بمدينة أم درمان في 25 يونيو(أ.ب)
TT

الخرطوم تحبس أنفاسها في انتظار مواكب مليونية في ذكرى 30 يونيو

احتجاجات نسائية ضد استخدام الرصاص والأسلحة المحظورة دولياً بمدينة أم درمان في 25 يونيو(أ.ب)
احتجاجات نسائية ضد استخدام الرصاص والأسلحة المحظورة دولياً بمدينة أم درمان في 25 يونيو(أ.ب)

يسود التوتر المشوب بالحذر الشارع السوداني، قبيل ساعات من انطلاق مظاهرة مليونية، اليوم (الخميس)، 30 يونيو (حزيران)، في كل أنحاء البلاد، هدفها إزاحة العسكريين من السلطة، واستعادة الحكم المدني. وحشدت لجان المقاومة والمعارضة المواطنين للمشاركة في المواكب السلمية. وفي غضون ذلك، أصدرت سفارات أميركا وبريطانيا والنرويج وكندا وسويسرا واليابان وكوريا الجنوبية، المعتمدة في الخرطوم، بياناً موحداً، أشارت فيه إلى حق الشعب السوداني في الاحتجاج السلمي دون خوف من العنف. واستدعت الخارجية السودانية الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان، رئيس بعثة «يونيتامس»، فولكر بيرتس، وأبلغته استياء الحكومة من تصريحات، اعتبرتها تدخلاً في الشأن الداخلي.
ويصادف اليوم ذكرى الانقلاب العسكري الذي قاده العميد (وقتها) عمر البشير، بالتضامن مع الحركة الإسلامية السودانية بزعامة الدكتور حسن الترابي، ويصادف أيضاً المظاهرات الحاشدة التي خرجت في نفس اليوم، عام 2019، التي أجبرت العسكريين على التراجع عن قرارات اتخذوها بعد مجزرة فض الاعتصام. ويخشى الجيش السوداني من إعادة تكرار تلك المواكب المليونية التي خرجت مثل هذا اليوم منذ 3 سنوات.
وتعيش الخرطوم حالة من الترقب الحذر، واتخذت السلطات الحكومية إجراءات أمنية مشددة، لمواجهة المواكب المليونية التي دعت إليها لجان المقاومة (التي تقود الحراك الشعبي) والقوى السياسية، التي ستتجه إلى القصر الجمهوري وسط الخرطوم.
وكانت شرطة ولاية الخرطوم أصدرت أوامرها لعنارها أول من أمس، للتعامل بالقوة المدنية، مع المحتجين، (الغاز المسيل للدموع، عصاة الجنب، الكبشات، عربات الدفع المائي)، مشيرة إلى أنها أكملت استعدادها لما أطلقت عليه تأمين المواطنين والممتلكات والمواقع الاستراتيجية والسيادية، ووضع الترتيبات اللازمة، بالتنسيق مع الجهات العدلية والتنفيذية ذات الصلة، لضمان عدم التعرض لها، أو الإخلال بأمن وسلامة المواطنين. وأكدت التزامها بحماية المواكب السلمية، بيد أنها توعدت بالاحتفاظ باستعمال «قواعد حق الدفاع الشرعي عن النفس والمواقع الاستراتيجية والسيادية وأقسام الشرطة».
ووصف رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، عبد الفتاح البرهان، المظاهرات بأنها أعمال تخريبية، وأن الوصول للسلطة لن يتم إلا بالتوافق الوطني الشامل أو الانتخابات. وقال إنه لا يعترض على ممارسة الحق في التعبير والتظاهر السلمي الذي يراعي المحافظة على الممتلكات العامة والخاصة، ولا يؤذي مصالح المواطنين.
وأضاف لدى تفقده أمس القوات الخاصة، جنوب الخرطوم، أن القوات المسلحة لن تتهاون في تحقيق واستقرار أمن البلاد، وأنها تتطلع إلى حكومة وطنية منتخبة تتسلم إدارة البلاد.
وانتقدت هيئات ومنظمات حقوقية سودانية بيان الشرطة، مشيرة إلى أنه يضمر تهديدات باستعمال حق الدفاع الشرعي، مشيرة إلى أن من واجب الشرطة تمكين المتظاهرين من ممارسة حقهم الدستوري في حرية التعبير والتجمع السلمي.
وحذرت من مغبة تعمد إصابة وقتل المتظاهرين السلميين بواسطة عبوات الغاز المسيل للدموع، والقنابل الصوتية، وبنادق «الخرطوش» المحرمة دولياً.
وأكدت الأجسام الموقعة على الخطابات الموجهة للمنظمات الحقوقية والدولية أنها سترصد كل الانتهاكات في حق المحتجين السلميين، والعمل على محاسبة كل منتهكي حقوق الإنسان، لضمان عدم إفلات الجناة من العقاب.
ونشطت القوى المعارضة للحكم العسكري في تعبئة الشارع والتحشيد، وحثّت المواطنين على المشاركة الواسعة في مظاهرات اليوم التي ستتجه نحو القصر الرئاسي بالخرطوم.
وحذر الممثل الخاص لبعثة الأمم المتحدة في السودان (يونيتامس)، فلوكر بيرتس، قائلاً: «إنه لن يتم التسامح مع العنف ضد المتظاهرين». وأضاف؛ على السلطات ضمان التزامها بحماية الحق التجمع السلمي وحرية التعبير، كما دعا جميع الأطراف إلى عدم إعطاء فرصة للمفسدين الذين يريدون تصعيد الأوضاع والتوترات في السودان.
واستدعت الخارجية السودانية فولكر بيرتس، وأبلغته استياء الحكومة من تصريحاته. وقال وكيل وزارة الخارجية، دفع الله الحاج علي، في بيان، إن التصريحات بُنيت على أحكام وافتراضات مسبقة بإدانة أجهزة إنفاذ القانون في البلاد. وأضاف أن مثل هذه التصريحات «غير مقبولة»، وفيها وصاية ومساس بالسيادة الوطنية، وتتنافى مع دوره كمسهل يتوقع منه العمل على تحقيق الوفاق بين الأطراف السودانية.
وأكدت الخارجية احترام السلطات لحقّ حرية التعبير والتظاهر السلمي، مشيرة إلى أن سلطات إنفاذ القانون (النيابة العامة والشرطة) تضطلع بدورها في حماية الأرواح والممتلكات العامة، وفقاً للقانون.
وبدورها، أكدت سفارات أميركا وبريطانيا والنرويج وكندا وسويسرا واليابان وكوريا الجنوبية، المعتمدة لدى الخرطوم، على حق الشعب السوداني في الاحتجاج السلمي دون خوف من العنف. وحثّت في بيان أمس، نشره موقع السفارة الأميركية على «فيسبوك»، جميع الأطراف على ضبط النفس والتزام السلطات بحماية المدنيين حتى لا يضيع مزيد من الأرواح.
ودعا البيان جميع الجهات السودانية الفاعلة إلى التكاتف معاً في إطار العملية السياسية الميسرة، بين بعثة الأمم المتحدة (يونيتامس) والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الأفريقية المعنية بالتنمية (إيقاد) لإيجاد مسار مشترك نحو الانتقال الديمقراطي.
وأشار البيان إلى أن الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية خلال الأشهر الثمانية الماضية أوضحت أن تطلعات الشعب السوداني حية وجيدة، وأنه يريد الانتقال إلى الديمقراطية.
بدوره، وجّه تحالف المعارضة (قوى الحرية والتغيير) رسائل للداخل والخارج، داعياً الجماهير للخروج في 30 يونيو، وجعلها هدفاً لبناء جبهة مدنية موحدة لقوى الثورة لهزيمة الانقلاب. ووجّه، في بيان، أمس، بالتنسيق الميداني المحكم، وتتريس الشوارع والأحياء والطرق، باعتباره سلاحاً مجرباً ضد أجهزة الأمن.
وشدّد على تصعيد العمل الجماهيري السلمي عبر المواكب والاعتصام والعصيان المدني لإنهاء الحكم العسكري وتأسيس السلطة المدنية الديمقراطية الكاملة. ودعا القوات المسلحة والأجهزة النظامية بعدم توجيه السلاح ضد أبناء الوطن وحمايته، وأنه لا مصلحة لها في خوض معركة ضد شعبها.
وحثّ المجتمع الدولي على إظهار مواقف قوية مساندة للشعب السوداني، وأن تقف ضد استخدام قوات الانقلاب للعنف والرصاص الحي والقتل والتعذيب والاغتصاب والاعتقالات.
وقال الحزب الشيوعي السوداني، في بيان، إن مواكب 30 يونيو خطوة أساسية ومهمة في طريق وحدة كل القوى المناط بها هزيمة انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، يساعد في بلورة الاتفاق على المبادئ الرئيسية لتكوين المركز الموحد لقيادة وتنسيق الحراك الجماهيري.
ومن جانبه، أكد رئيس حزب المؤتمر السوداني، عمر الدقير، العنوان السياسي لمواكب 30 يونيو، على عدم التصالح مع الانقلاب، وعلى مطلب إنهائه وتأسيس سلطة مدنية كاملة تمثل الجميع.
وأضاف؛ هدفنا تحقيق مطالب الثورة في بناء جيش قومي مهني وقضايا العدالة والمحاسبة والاقتصاد والسلام وتفكيك بنية النظام المعزول وصناعة الدستور والانتخابات.
ودرجت السلطات على إغلاق الجسور ونشر سياج من الأسلاك الشائكة وقوات كبيرة من الأجهزة النظامية في المداخل والطرق الرئيسية لمنع المتظاهرين من الوصول إلى القصر الرئاسي بوسط الخرطوم.


مقالات ذات صلة

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم (الخميس)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف في السودان، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضه. وأكد الأمير فيصل بن فرحان، خلال اتصال هاتفي أجراه بغوتيريش، على استمرار السعودية في مساعيها الحميدة بالعمل على إجلاء رعايا الدول التي تقدمت بطلب مساعدة بشأن ذلك. واستعرض الجانبان أوجه التعاون بين السعودية والأمم المتحدة، كما ناقشا آخر المستجدات والتطورات الدولية، والجهود الحثيثة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

لماذا لا تتدخل مصر عسكرياً في اليمن؟

سفن حاويات تعبر قناة السويس المصرية في وقت سابق (رويترز)
سفن حاويات تعبر قناة السويس المصرية في وقت سابق (رويترز)
TT

لماذا لا تتدخل مصر عسكرياً في اليمن؟

سفن حاويات تعبر قناة السويس المصرية في وقت سابق (رويترز)
سفن حاويات تعبر قناة السويس المصرية في وقت سابق (رويترز)

أعاد نفي مصري لتقارير إسرائيلية عن استعداد القاهرة شن هجمات عسكرية ضد جماعة «الحوثي» في اليمن، تساؤلات بشأن أسباب إحجام مصر عن التدخل عسكرياً في اليمن، رغم ما تعانيه من تداعيات اقتصادية جراء هجمات «الحوثي» على السفن المارة في البحر الأحمر.

وأكد خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر لا تفضل أن تقوم بأعمال عسكرية خارج حدودها»، وأشاروا إلى أن القاهرة «تدرك أن توترات البحر الأحمر سببُها استمرارُ الحرب في غزة»، ومن هنا فهي تُفضل «الطُرق الدبلوماسية لوقف الحرب».

ونفى مصدر مصري مسؤول، الأحد، ما تناولته تقارير إعلامية إسرائيلية عن «قيام مصر باستعدادات بهدف التدخل العسكري في اليمن».

وذكر المصدر المصري المسؤول، في تصريحات أوردتها قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، أن مثل هذه التقارير، وما تتضمنه من معلومات «مُضللة»، ليس لها أساس من الصحة.

وادعت تقارير إسرائيلية أن «مصر تستعد لضرب الحوثيين بعد تكبدها خسائر اقتصادية كبرى جراء تصاعد التهديدات ضد هيئة قناة السويس التي تعد شرياناً حيوياً للتجارة العالمية».

كما زعمت التقارير أيضاً أن مصر «أبدت رغبة متزايدة في لعب دور فعال في الصراع اليمني، مع تجهيز طائرات لتنفيذ عمليات جوية تستهدف الحوثيين، الذين أثاروا مخاوف متزايدة حول سلامة الملاحة عبر البحر الأحمر».

نيران اشتعلت في ناقلة نفط استهدفها الحوثيون بالبحر الأحمر خلال وقت سابق (رويترز)

ومنذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 غيّرت شركات شحن عالمية مسارها، متجنبةً المرور في البحر الأحمر، إثر استهداف جماعة «الحوثي» اليمنية السفن المارة بالممر الملاحي، «رداً على استمرار الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة»؛ ما دفع شركات الشحن العالمية لتغيير مسارها، متجنبةً المرور في البحر الأحمر.

وعدَّ الخبير العسكري المصري، اللواء سمير فرج، التقارير الإسرائيلية، «محاولة للضغط على مصر ودفعها للعب دور في اليمن». وقال إن «مصر لن تشارك في أي عمل عسكري في اليمن»، مشيراً إلى أن القاهرة «تدرك أن السبب وراء التوترات في البحر الأحمر ليس في الحوثي أو في اليمن؛ بل في استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة». وأضاف فرج: «لو توقفت الحرب الإسرائيلية في غزة سوف تتوقف الهجمات على السفن بالبحر الأحمر».

واتفق معه مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير حسين هريدي، وقال إن «المشكلة ليست في (الحوثي)، فما يحدث جزءٌ من حرب مفتوحة بين إيران وإسرائيل، و(الحوثي) مجرد أداة، والقاهرة لن تتعامل مع الأدوات ولن تتورط في هذا الصراع».

وأضاف أن «القاهرة تؤمن بالحلول الدبلوماسية لأزمات المنطقة، ولن ترسل قواتها خارج الحدود، لا سيما مع إدراكها حجم التوترات على جميع حدودها، سواء في غزة أو ليبيا أو السودان».

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2023 شكّلت الولايات المتحدة الأميركية، تحالف «حارس الازدهار» للرد على هجمات «الحوثي»، لكن مصر لم تعلن انضمامها له، وهو ما فسره خبراء آنذاك بأن القاهرة «تفضل المسار الدبلوماسي لحل الأزمة».

سفينة شحن خلال عبورها قناة السويس المصرية في وقت سابق (رويترز)

وحسب أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور أحمد يوسف أحمد، فإن رفض مصر التدخل عسكرياً ضد «الحوثي» في اليمن «دليل على موضوعية السياسة المصرية». وقال إن «مصر هي الخاسر الأكبر من هجمات الحوثي، لكنها على مدار أكثر من عام لم تدنها، واقتصرت التصريحات الرسمية على التأكيد على ضرورة تأمين الملاحة في البحر الأحمر».

وأرجع أستاذ العلوم السياسية ذلك إلى أن «مشاركة مصر في أي تحالف حالياً ضد الحوثي قد ينظر له البعض على أنه دعم لتل أبيب في حربها على قطاع غزة».

وسبق وأشارت مصر مراراً إلى تأثر حركة الملاحة بقناة السويس بالتوترات الإقليمية. وتراجعت إيرادات قناة السويس من 9.4 مليار دولار (الدولار الأميركي يساوي 50.7 جنيه في البنوك المصرية) خلال العام المالي الذي يبدأ من يوليو (تموز) 2022 حتى نهاية يونيو (حزيران) 2023، إلى 7.2 مليار دولار خلال العام المالي 2023 - 2024، حسب ما أعلنته هيئة قناة السويس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، نهاية الشهر الماضي، إن «إيرادات قناة السويس شهدت انخفاضاً تجاوز 60 في المائة مقارنة بعام 2023، مما يعني أن مصر خسرت ما يقرب من 7 مليارات دولار في عام 2024».

وذكرت مجلة «إسرائيل ديفنس»، الصادرة عن الجيش الإسرائيلي، في تقرير نشرته في أكتوبر الماضي، أنه «رغم ما تعانيه مصر من خسائر بسبب توترات البحر الأحمر، فإنها ترفض القيام بعمل عسكري ضد جماعة الحوثي»، وأشارت حينها إلى أن «القاهرة تضع الاعتبارات الاستراتيجية والخوف من التصعيد الإقليمي والعلاقات السياسية مع العالم العربي فوق أي اعتبار».