قمة أوروبية «جيوسياسية بامتياز» ترسم «مسار المستقبل» أمام المشروع الأوروبي

رئيسة المفوضية دعت القادة إلى أن يكونوا «بمستوى المناسبة» والموافقة على طلب ترشيح عضوية أوكرانيا

رئيسة المفوضية الأوروبية مع المستشار الألماني ورئيس وزراء المجر ورئيس وزراء بلغاريا (أ.ب)
رئيسة المفوضية الأوروبية مع المستشار الألماني ورئيس وزراء المجر ورئيس وزراء بلغاريا (أ.ب)
TT

قمة أوروبية «جيوسياسية بامتياز» ترسم «مسار المستقبل» أمام المشروع الأوروبي

رئيسة المفوضية الأوروبية مع المستشار الألماني ورئيس وزراء المجر ورئيس وزراء بلغاريا (أ.ب)
رئيسة المفوضية الأوروبية مع المستشار الألماني ورئيس وزراء المجر ورئيس وزراء بلغاريا (أ.ب)

منذ بداية الاجتياح الروسي لأوكرانيا تحولت أوروبا إلى رقعة شطرنج بالغة التعقيد، حيث لكل نقلة تأثيرها المباشر على مصير القارة ومستقبل توازناتها الداخلية وعلاقاتها الخارجية.
هذا ما تبدى بوضوح أمس الخميس في اليوم الأول من أعمال القمة التي بها تختتم فرنسا رئاستها الدورية للاتحاد بعد الموافقة على طلب ترشيح أوكرانيا ومولدافيا لعضوية النادي الأوروبي، والتي وصفها رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي بأنها «قمة جيوسياسية بامتياز ترسم مسار المستقبل أمام المشروع الأوروبي».
وصرح رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال أن هذه القمة المخصصة لمنح أوكرانيا وجارتها مولدافيا وضع المرشحتين إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ستكون «لحظة تاريخية على المستوى الجيوسياسي». وأضاف «يجب اتخاذ خيار اليوم من شأنه تحديد مستقبل الاتحاد الأوروبي واستقرارنا وأمننا وازدهارنا». وقال مدير مكتب الرئاسة الأوكرانية أندري يرماك أمس: «ننتظر الضوء الأخضر»، مذكراً بأن «الهدف الواضح هو انضمام أوكرانيا بشكل كامل إلى الاتحاد الأوروبي»، غير أن هذه العملية قد تستغرق سنوات.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: «كما نناضل من أجل قرار إيجابي من الاتحاد الأوروبي بشأن ترشيح أوكرانيا، نكافح يوميا للحصول على شحنات من الأسلحة الحديثة». وواصل الرجل، الذي يردد منذ أسابيع أن جمهوريته السوفياتية السابقة تنتمي إلى «الأسرة الأوروبية»، «ماراثون الاتصالات الهاتفية» مع القادة الأوروبيين لانتزاع إجماع على قبول طلب انضمام أوكرانيا. ويمكنه الاعتماد على دعم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين التي دعت القادة الأوروبيين إلى أن يكونوا «بمستوى المناسبة» عبر الموافقة على طلب كييف.
وفرضت الحرب في أوكرانيا هذا السيناريو الذي لم تكن تفكر فيه دول الاتحاد الأوروبي. لكن عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي تبقى طويلة جداً بالنسبة لأي دولة مرشحة.
وأفردت القمة في يومها الأول حيزاً لعقد «قمة داخل القمة» مع الدول المرشحة المدرجة منذ سنوات على لائحة الانتظار، ألبانيا ومقدونيا الشمالية والجبل الأسود وصربيا، من أجل تطمينها إزاء المخاوف من تهميش ترشيحاتها بعد القرار بقبول ترشيح أوكرانيا ومولدافيا في فترة قياسية لا تتجاوز الأشهر الثلاثة.
لكن الخطوة الأوروبية لعقد اجتماع مع هذه الدول لم يقتصر الهدف منها على إعطائها ضمانات بمساعدتها على إجراء الإصلاحات اللازمة لتسريع عملية الانضمام إلى الاتحاد، بل هدفت أيضا إلى ترسيم واضح لخط الجبهة في مواجهة مطامع موسكو التي تبدو عازمة على استغلال أدنى ثغرة في الجدار الأوروبي، كتلك التي تشكلها صربيا من خلال علاقاتها التاريخية الوثيقة مع روسيا.
وكان معظم القادة الأوروبيين قد شددوا في مداخلاتهم خلال اللقاء مع دول البلقان المرشحة لعضوية الاتحاد على ضرورة التزام صربيا رسمياً وبشكل واضح الانحياز إلى مبادئ الاتحاد ومواقفه، والتعهد بتبني العقوبات التي سبق أن فرضها الاتحاد على روسيا، وتلك التي يعتزم اتخاذها في المستقبل.
ومن جهة أخرى ترى بعض الدول الأعضاء في الاتحاد أن قبول ترشيح أوكرانيا سوف يساهم في تحريك عملية انضمام دول البلقان المجمدة منذ سنوات بسبب من تحفظات البعض وترددهم في توسيع دائرة العضوية.
وتجدر الإشارة إلى أن بين البلدان التي ما زالت تواجه تجميد عملية انضمامها إلى الاتحاد، ألبانيا ومقدونيا الشمالية، وذلك بسبب النزاع القائم بين هذه الأخيرة وبلغاريا التي ترفض تحريك ملف الانضمام قبل حسم خلافاتها اللغوية والتاريخية مع مقدونيا. وزاد في تعقيد هذا الملف الوضع السياسي المضطرب في بلغاريا حيث فقدت الحكومة أمس ثقة البرلمان، ما دفع بعض الدول الأعضاء في الاتحاد إلى اقتراح فصل الترشيحين والاكتفاء بمواصلة المفاوضات مع ألبانيا.
لكن دولاً أخرى أبدت تعاطفاً مع مقدونيا الشمالية التي بذلت جهوداً وتضحيات كبيرة لتسوية نزاعها مع اليونان، وقبلت بتغيير اسمها لكي تنضم إلى الاتحاد الأوروبي كما قال المستشار الألماني أولاف شولتس.
وكان رئيس وزراء ألبانيا إيدي راما أعرب عن غضبه في أول تصريح له على باب المجلس الأوروبي حيث قال: «من العار أن تقوم دولة مثل بلغاريا، عضو في الحلف الأطلسي، بخطف عضوين آخرين في الحلف، ألبانيا ومقدونيا الشمالية، في خضم حرب مندلعة عند البوابة الخلفية للاتحاد الأوروبي، فيما الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد تراقب وتتفرج عاجزة». وقال راما ساخراً إن «مقدونيا الشمالية مرشحة منذ 17 عاما إذا لم أكن مخطئاً، وألبانيا منذ ثماني سنوات. أرحب بأوكرانيا»، مضيفا «إنه لأمر جيد أن تمنح أوكرانيا الوضع (الدولة المرشحة). لكنني آمل ألا يكون لدى الشعب الأوكراني الكثير من الأوهام».
أما الرئيس الصربي ألكسندر فوشيتش الذي كانت معظم الأنظار مركزة عليه خلال القمة، والذي كان حضوره مفاجأة بالنسبة لكثيرين، فقد أعرب عن أمله بأن تتخذ القمة قرارات جيدة لصالح دول البلقان، مضيفاً «لكن لا ضير إذا لم يحصل ذلك، فنحن نشعر بالامتنان العميق للاتحاد الأوروبي على الاستثمار في بلداننا».
وتجدر الإشارة إلى أن عدداً كبيراً من الدول الأعضاء في الاتحاد يرى صربيا على أنها حصان طروادة روسي، حيث إنها صوتت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانة الغزو الروسي، لكنها امتنعت حتى الآن عن تطبيق العقوبات الأوروبية ضد موسكو.
وتصر هذه الدول على أن تعلن صربيا موقفاً واضحاً من الحرب بتبنيها العقوبات كشرط لتحريك ملف انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
لكن لا يبدو أن صربيا على استعداد لتبني العقوبات الأوروبية، سيما وأن موسكو ضمنت لها «أفضل سعر للغاز في أوروبا» بموجب اتفاق تم تجديده مؤخراً كما قال الرئيس الصربي. ويذكر أن 75 في المائة من الصربيين يعتبرون أن مسـؤولية الحرب تقع على عاتق أوكرانيا والحلف الأطلسي وليس على عاتق موسكو، وذلك وفقاً لاستطلاعات محلية.


مقالات ذات صلة

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

أوروبا أظهرت الأقمار الاصطناعية أضراراً بمطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم جراء استهداف أوكراني يوم 16 مايو 2024 (أرشيفية - رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع لقصف مطار عسكري، اليوم (الأربعاء)، متوعدة كييف بأنها ستردّ على ذلك عبر «إجراءات مناسبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ رجال إنقاذ يعملون في موقع تعرض فيه مبنى لأضرار جسيمة بسبب ضربة صاروخية روسية أمس وسط هجوم روسيا على أوكرانيا في زابوريجيا11 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 02:00

أميركا تحذّر روسيا من استخدام صاروخ جديد «مدمر» ضد أوكرانيا

قال مسؤول أميركي إن تقييماً استخباراتياً أميركياً، خلص إلى أن روسيا قد تستخدم صاروخها الباليستي الجديد المتوسط ​​المدى مدمر ضد أوكرانيا مرة أخرى قريباً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال لقائه ترمب في نيويورك الأسبوع الماضي (أ.ب)

ماسك ونجل ترمب يتفاعلان مع صورة تقارن زيلينسكي ببطل فيلم «وحدي في المنزل»

تفاعل الملياردير الأميركي إيلون ماسك ودونالد ترمب جونيور، نجل الرئيس المنتخب دونالد ترمب، مع صورة متداولة على منصة «إكس»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا ألسنة لهب كثيفة تتصاعد من مبنى مدمر وسيارة محترقة في منطقة زابوريجيا الأوكرانية نتيجة قصف روسي (خدمة الطوارئ الأوكرانية- أ.ف.ب)

4 قتلى و19 جريحاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 4 أشخاص على الأقل وأُصيب 19، الثلاثاء، في ضربة صاروخية روسية «دمَّرت» عيادة خاصة في مدينة زابوريجيا جنوب أوكرانيا، في حصيلة مرشحة للارتفاع.

أوروبا صورة مركبة تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية تعرضت لأضرار بسبب غارة بطائرة مسيرة على طريق في منطقة زابوريجيا في أوكرانيا 10 ديسمبر 2024 (رويترز)

مسيّرة تستهدف مركبة لوكالة الطاقة الذرية قرب محطة زابوريجيا النووية في أوكرانيا

قال مدير الطاقة الذرية إن مركبة تابعة للوكالة تعرضت لأضرار جسيمة بسبب هجوم بمسيرة على الطريق المؤدي إلى محطة زابوريجيا للطاقة النووية في أوكرانيا، الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (كييف)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».