يقول الرئيس التنفيذي لنادي ميلان، إيفان غازيديس، عن مشاعره بعد أن فاز النادي بلقب الدوري الإيطالي الممتاز للمرة الأولى منذ 11 عاماً في نهاية الأسبوع قبل الماضي: «يستغرق الأمر بعض الوقت لإدراك أهمية ما حدث». لقد شغل غازيديس منصباً مماثلاً في آرسنال لمدة 10 سنوات قبل أن يغادر لندن وسط اتهامات بأن النادي الإنجليزي أصيب بالركود خلال فترة عمله هناك. لكنه قاد ثورة مثيرة للإعجاب في ميلان وتبنى خطة جريئة آتت ثمارها في نهاية المطاف.
وبعد مشاهدة ميلان وهو يفوز بمباراته الأخيرة في الكالتشيو هذا الموسم، والتي كانت خارج ملعبه على ساسولو بنتيجة ثلاثة أهداف مقابل لا شيء، يقول غازيديس: «إنك تشعر بالنشوة والسعادة مباشرة، لكنك تدرك بعد ذلك أن هذا إنجاز هائل، ليس فقط لما قمنا به ولكن للكيفية التي فعلنا بها ذلك - وهو أمر مختلف تماماً. فحتى في بداية الموسم، كنا نعتقد أننا أنشأنا شيئاً مميزاً يقوم على فكرة واضحة لبناء ميلان جديد حول فريق شاب جداً. أعتقد أنه أصغر فريق سناً في التاريخ الحديث يفوز بالاسكوديتو، وواحد من أصغر الفرق سناً في أوروبا. كما أن له هدف واحد داخل النادي ومع الجماهير».
وعندما وصل غازيديس إلى ميلان في الأول من ديسمبر (كانون الأول) عام 2018. كان النادي الإيطالي العملاق يعاني من حالة اضطراب، وكان على وشك الإفلاس حتى سبتمبر (أيلول) من ذلك العام، عندما تم الاستحواذ عليه من قبل صندوق التحوط «إليوت». كما كان النادي عرضة للاستبعاد من المنافسات الأوروبية لعدم امتثاله لقواعد اللعب المالي النظيف التي وضعها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، والتي تحد من الخسائر التي يُسمح للأندية بتكبدها.
يذكر أن صندوق التحوط «إليوت» مملوك لبول سينغر، وهو ممول أميركي، وابنه غوردون صديق مقرب لغازيديس. يقول غازيديس، البالغ من العمر 57 عاماً والذي ولد في جنوب أفريقيا لكنه نشأ في إنجلترا: «لم تكن علاقتي مع غوردون هي التي أقنعتني بالعمل في النادي، فقد أحببت فكرة القيام بشيء مليء بالتحدي في بيئة جديدة - حتى من خلال تعلم اللغة الإيطالية وتعلم ثقافة مختلفة في عالم كرة القدم. وعلاوة على ذلك، كانت هناك فكرة رومانسية للغاية تتمثل في أننا نستطيع إعادة ميلان إلى منصات التتويج، بعد أن قال الناس إن ذلك مستحيل».
كان هناك الكثير من الشكوك تجاه غازيديس، وتم الاستهزاء به ووصفه بـ«الأجنبي». يقول غازيديس عن ذلك ساخراً. «لقد نسيت أن خلفيتي تتعلق بالجانب الفني للعبة. دوري في الدوري الأميركي لكرة القدم لمدة 15 عاماً كان يتمثل في التعاقد مع جميع لاعبي كرة القدم الذين لعبوا في ذلك الدوري، وكانت مسؤوليتي تتعلق بكل ما يحدث داخل خطوط الملعب. لقد فكرت في وضع استراتيجية مناسبة، وما يجب علينا فعله بالدوري ككل. لذلك كانت تجربتي الكروية فنية وتقنية في المقام الأول».
ويضيف: «عندما ذهبت إلى آرسنال (في عام ) كان أرسين فينغر مسؤول بشكل كامل عن الجانب الفني، وهذا جيد بفضل تاريخه المذهل. لذا، عند مجيئي إلى ميلان كانوا ينادونني بالجنوب أفريقي، وهو ما يعني ضمنياً أنهم يعتقدون أنني لا أعرف شيئاً عن كرة القدم. أعتقد أن الشعور السائد آنذاك هو أنهم يتعاملون معي على أنني رجل لا أعرف شيئاً عن كرة القدم ولا أتحدث اللغة الإيطالية، وأمثل أحد صناديق التحوط في نيويورك».
يضحك غازيديس وهو يتحدث عن الانطباع الضعيف الذي كان مأخوذاً عنه في إيطاليا في البداية، قبل أن يتحدث بجدية تامة. دائماً ما كان ميلان مشهوراً باللاعبين الذين يدافعون عن ألوان الفريق لسنوات طويلة، وخير مثال على ذلك المدير التقني الحالي بالنادي باولو مالديني، الذي لعب للنادي لمدة 25 عاماً وفاز معه بخمس بطولات لدوري أبطال أوروبا وسبعة ألقاب للدوري الإيطالي الممتاز على مدار ثلاثة عقود مختلفة قبل أن يعتزل وهو في الأربعين من عمره.
يقول غازيديس عن ذلك: «هذا صحيح، لكن ميلان مشهور أيضاً بالأفكار الجديدة. هل تتذكرون ما قام به أريغو ساكي، الذي أعاد اختراع كرة القدم هنا. لقد كانت رؤيتنا الجديدة تتمثل في العثور على لاعبين ليسوا من الأسماء الكبيرة. تعاقدنا مع لاعبين من أندية هبطت لدوري الدرجة الأولى، وتعاقدنا مع لاعبين استغنت عنهم أنديتهم أو لاعبين لم تكن مسيرتهم الكروية تتطور بالشكل المطلوب. لقد اخترناهم بناء على التحليلات الحديثة وأساليب الاستكشاف الحديثة، ثم خلقنا لهم البيئة المناسبة وعمل باولو مالديني على غرس قيم النادي في نفوسهم. لقد ساهم هذا المزيج في تحقيق النجاح لهذا المشروع، بالإضافة إلى حقيقة أننا امتلكنا الشجاعة اللازمة لتطبيق قناعاتنا في كل خطوة».
ويؤمن غازيديس بأن ميلان في طريق العودة لمكانته الطبيعية في ظل التغيير الذي يشهده حالياً، ويقول: «لقد لاحظت، ليس فقط في إيطاليا ولكن في كرة القدم بشكل عام، الروايات العظيمة عن الاستثنائية، بمعنى أن هذا الشيء الجديد لن يعمل هنا كما حدث في أماكن أخرى. لقد حدث ذلك في إنجلترا عندما كان أرسين فينغر يتعاقد مع لاعبين فرنسيين وكان الناس يقولون إن هؤلاء اللاعبين لن يكونوا قادرين على اللعب في الليالي الممطرة في ستوك! ويحدث هذا في إيطاليا أيضاً، حيث يقول الناس إنه لا يمكن بناء فريق شاب مثل هذا في إيطاليا. إنهم يقولون إن القميص سيكون ثقيلاً على هؤلاء اللاعبين الشباب، لأنهم يلعبون لنادٍ كبير مثل ميلان على ملعب سان سيرو في ظل الكثير من التوقعات والضغوط، وبالتالي لا يمكن للاعبين الصغار في السن تحمل كل هذا. لكننا فعلنا كل شيء تقريباً بطريقة كان كل الناس يقولون عنها إنها مستحيلة في إيطاليا».
لقد توج ميلان بطلاً لأوروبا سبع مرات من قبل، لكنه الآن يجد صعوبة كبيرة في سد الفجوة المالية بينه وبين أندية الدوري الإنجليزي الممتاز. من المؤكد أن الهدف التالي لنادي ميلان هو النجاح في دوري أبطال أوروبا، لكن غازيديس يعلم أن قائمة المنافسين تضم باريس سان جيرمان ومانشستر سيتي، وربما نيوكاسل، وكلها أندية مملوكة لدول غنية.
وعندما سُئل عما إذا كان يشعر بالقلق بشأن مستقبل اللعبة، قال غازيديس: «من دون قيم، ستكون كرة القدم لعبة فارغة، أو عبارة عن 22 مليونيراً (اللاعبين) يركلون قطعة من الجلد على رقعة من العشب! كرة القدم الحقيقية هي شعور بالانتماء إلى المجتمع والقيم المشتركة. أنا لا أشعر بالقلق على مانشستر سيتي أو باريس سان جيرمان أو نيوكاسل، لأن الجهات التي تمتلك هذه الأندية تقدم لها الدعم بشكل لا يصدق، لكنني قلق على بقية كرة القدم. إن إنشاء كيان قوي أهم وأقوى بكثير من أن تنتظر شخصاً ثرياً أو دولة قومية لكي تنقذك! ومن المهم جداً بالنسبة لنا جميعاً أن نفكر في هذا الأمر بعمق وأن ننقل كرة القدم إلى نموذج أكثر استدامة بحيث يمكن للجميع المشاركة، والأمر يعتمد حقاً على الأفكار الجديدة وليس الوصول إلى الأموال».
ومع ذلك، تبنى غازيديس وميلان فكرة دوري السوبر الأوروبي المقترح الذي - بدون القيم التي يتبناها غازيديس الآن - استبعد جميع الأندية باستثناء أندية النخبة الكبرى. يقول الرئيس التنفيذي لميلان: «انظر، دوري السوبر الأوروبي الحقيقي هو الدوري الإنجليزي الممتاز الذي لديه جمهور في جميع أنحاء العالم ويتقدم بفارق كبير عن باقي الدوريات الأوروبية الأخرى. وإذا لم نفعل شيئاً فسيكون هذا هو مستقبل كرة القدم. لقد عشت في تلك الفقاعة وقام الدوري الإنجليزي الممتاز بعمل رائع، لكن اقتراح دوري السوبر الأوروبي كان يُنظر إليه بشكل مختلف تماماً في إيطاليا عنه في إنجلترا».
فهل كان مشجعو نادي أتالانتا، على سبيل المثال، يشعرون بالراحة حيال دوري السوبر الأوروبي؟ يقول غازيديس رداً على ذلك: «يعد أتالانتا قصة رائعة، كما أن ليستر سيتي قصة رائعة أخرى. كان خيارنا الصعب في ميلان هو أن نشارك في دوري السوبر الأوروبي أو لا. كان يتعين علينا اتخاذ القرار الذي يخدم مصالح النادي. ميلان لم يكن النادي الذي يقود هذه الفكرة. عندما كنت في آرسنال، كنت أعارض بشدة فكرة دوري السوبر الأوروبي، لأن الدوري الإنجليزي الممتاز يتطور وفي طريقه للصعود بشكل مذهل».
ويضيف: «الضغط يتولد في أوروبا لأنهم لن يكونوا قادرين على منافسة الدوري الإنجليزي الممتاز. لا يكفي أن نقول إن دوري السوبر الأوروبي سيئ وأنه يجب أن نستمر كما نحن. فلو فعلنا ذلك، فإن هذه التوترات والضغوط ستزداد بمرور الوقت. يتعين علينا أن ندرس الموقف جيداً ونتناقش بشأن ذلك، وأهم شيء هو أن يكون لديك نموذج مستدام لكرة القدم الأوروبية. يُعد اللعب المالي النظيف خطوة جيدة في هذا الاتجاه، لكنها ليست فعالة تماماً. يتعين علينا أن نفكر بشكل جماعي فيما يتعلق بمسؤوليتنا تجاه مستقبل كرة القدم. إذا كنت تعيش في إنجلترا فسترى أن المستقبل الذي يسيطر عليه الدوري الإنجليزي الممتاز هو مستقبل جيد، لكن بقية أوروبا بحاجة إلى رؤية أكثر إيجابية».
وعندما سألت غازيديس عن التقارير التي تفيد بأن «إليوت» قد يبيع ميلان إلى صندوق تحوط آخر، رد قائلاً: «هناك بعض المناقشات في هذا الأمر. لم يتطلعوا إلى البيع لكن الناس جاءوا إليهم. هناك مجموعتان معجبتان وتؤمنان بالطريقة التي تم بها بناء ميلان الحديث، لذا سواء بقي صندوق تحوط إليوت أو تولت إحدى هاتين المجموعتين المسؤولية، فإن المشروع سيستمر».
لكن هل سيبقى غازيديس في منصب الرئيس التنفيذي للنادي؟ يقول عن ذلك: «سأبقى بالتأكيد في المستقبل القريب».
لقد تعافى غازيديس من مرض السرطان العام الماضي، وشعر بسعادة كبيرة بسبب الدعم الذي تلقاه من النادي والمشجعين الذين رفعوا لافتات تشيد بشجاعته. ويقول عن ذلك: «أشعر بإحساس حقيقي بالانتماء، وأنا ممتن للغاية».
وبعيداً عن الثورة الكبيرة التي يشهدها نادي ميلان حالياً، ما الذي كان سيفعله غازيديس بشكل مختلف إذا تمكن من العودة إلى آرسنال؟ يرد قائلاً: «كنت أود أن أظهر اهتماماً أكبر. لقد شعرت بالدهشة لأن الناس كانوا ينظرون لي على أنني بعيد عن النادي، وذلك لأنني كنت بعيداً جداً عن الجانب الرياضي. كان هذا هو الشيء الصحيح الذي يجب القيام به جنباً إلى جنب مع أرسين فينغر. لكن كان يجب علي أن أنقل مشاعري بشكل أفضل للنادي».
ويضيف: «المناصب التنفيذية في كرة القدم مثيرة للاهتمام لأنك تضحّي كثيراً من أجل النادي. لا أعتقد أنني حصلت على يوم واحد إجازة منذ أن بدأت العمل في كرة القدم على مستوى الأندية قبل 14 عاماً. لا يمكنك فعل ذلك إذا لم تكن شغوفاً بما تفعله. هناك ليال لا أنام فيها، كما أنك تتأثر كثيراً في حال الخسارة. أنت تريد أن تضفي أجواء من السعادة، لكن المشجعين لا يرون هذا الجانب الإنساني. يؤلمني أن مشجعي آرسنال لم يشعروا بالفرح والعمل الجماعي، لكنني سعيد حقاً بتطور العمل الجماعي تحت قيادة المدير الفني ميكيل أرتيتا الذي قام بعمل رائع. ويؤسفني أنني لم أتمكن من تجميع جماهيرنا معاً بالطريقة التي فعلت بها ذلك مع جماهير ميلان».
وعندما ذكرته بأن معظم مشجعي آرسنال يربطون بين غازيديس والركود الذي عانى منه النادي وتراجع النتائج رغم حقيقة أنه حصل على 22 مليون جنيه إسترليني، رد قائلاً: «كان يتم ترديد كلمتي الركود والتراجع كثيراً خلال السنوات العشر التي قضيتها هناك. في الواقع، حتى خلال آخر عامين لي هناك، كنا نسير بشكل لا يصدق وكنا نحتل المركز الثالث أو الرابع في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز. كانت البيئة تنافسية بشكل متزايد مع تشيلسي ومانشستر سيتي، لكننا لم نتمكن من مواصلة التنافس بنفس القوة. وأعتقد أن الناس كانوا مرتبكين بشأن رؤيتهم لآرسنال، حيث فسروا ذلك على أنه نقص في الطموح، وهذا ليس صحيحاً، لأنه لا يمكن لأحد أن يكون أكثر طموحاً من أرسين فينغر».
ويضيف: «على مدار عامين ميلاديين كنا الفريق الأفضل، لكننا لم نتمكن من تكوين فريق متماسك طوال الموسم. فزنا بثلاث كؤوس للاتحاد الإنجليزي وكانت هناك لحظات أمل وتوقعات حقيقية. لكننا خلال العامين الأخيرين فقط لم نتمكن من الحفاظ على هذا الاتساق».
لقد أشرف غازيديس على رحيل فينغر المؤلم، بعد 22 عاماً قضاها المدير الفني الفرنسي مع المدفعجية. يقول غازيديس: «لم يكن هناك أي صراع بيننا، فقد قدمت كل الدعم اللازم لآرسين خلال سنوات عديدة، وخلال صعوبات عديدة واجهها النادي. كانت تجمعنا دائماً علاقة عمل جيدة، وآرسين فينغر هو إنسان رائع وملهم لمن حوله. أشعر أنني محظوظ كثيراً لأنني تعلمت منه».
وقبل أن أوجه سؤالي التالي عن آرسنال، أغلق الرئيس التنفيذي لميلان باب الأسئلة في وجهي قائلاً: «أنا الآن بعيد عن آرسنال». ويركز غازيديس الآن بشكل كامل على ميلان وبناء ملعب جديد ليحل محل ملعب «سان سيرو» في عام 2027. من الواضح أن غازيديس وميلان يستمتعان بهذه الرحلة الجديدة مع فريق شاب وخطة تهدف لمساعدة النادي على منافسة الأندية الإنجليزية. يقول غازيديس: «نريد أن نكون منافسين على مستوى دوري أبطال أوروبا مرة أخرى. ما زلنا في طور النمو والتطور، لأن لاعبينا الشباب لم يلعبوا قط في دوري أبطال أوروبا قبل الموسم الماضي.
نحن نهدف إلى التحسن والتطور كل عام. هذا الموسم لم نتحدث أبداً على الملأ عن الفوز بلقب الدوري الإيطالي الممتاز، لكن هذا كان هدفنا من الداخل. وكنا نعلم أن الحلم لن يتحقق إلا بالعمل الجاد».
ومن السهل أن تشعر بقدر كبير من التفاؤل والإيجابية في تصريحات غازديس، سواء كان يتحدث عن اللاعبين الشباب أو مهاجم آرسنال السابق أوليفر جيرو الذي قاد ميلان للحصول على لقب الدوري الإيطالي الممتاز بفضل أهدافه الحاسمة في نهاية الموسم، حيث يقول: «لدينا 20 أو 30 قصة ملهمة ساهمت جميعها في هذه القصة الجديدة في النادي، والتي تتطور إلى شيء قوي حقاً».