باريس ترفض مجادلة أوكرانيا عقب تصريحات ماكرون

مصادر رئاسية فرنسية حدّدت 4 أسس لسياستها تجاه كييف

زيلينسكي لدى استقباله ماكرون في كييف 8 فبراير (د.ب.أ)
زيلينسكي لدى استقباله ماكرون في كييف 8 فبراير (د.ب.أ)
TT

باريس ترفض مجادلة أوكرانيا عقب تصريحات ماكرون

زيلينسكي لدى استقباله ماكرون في كييف 8 فبراير (د.ب.أ)
زيلينسكي لدى استقباله ماكرون في كييف 8 فبراير (د.ب.أ)

مرة أخرى، تتوتر العلاقات بين باريس وكييف. وككل مرة، يأتي ذلك عقب تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وآخرها لمجموعة من صحف المناطق نشرت في الثالث من الشهر الجاري وما زالت تداعياتها تتفاعل. واللافت أن ما جاء على لسان ماكرون سبق له أن قاله في مؤتمر صحافي في ستراسبورغ، عقب خطابه أمام البرلمان الأوروبي في التاسع من الشهر الماضي. وما أثار حفيظة كييف تمسك ماكرون بالتواصل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ودعوته لعدم إذلال روسيا، وإصراره على رغبة بلاده في القيام بدور الوسيط لوضع حد للحرب الروسية على أوكرانيا، رغم غياب أي نجاح له على هذا الصعيد. من هنا، فإن أوساطاً فرنسية أبدت «اندهاشها» إزاء ردة الفعل العنيفة لوزير الخارجية الأوكراني ديميترو كوليبا الذي اعتبر في تغريدة له، أن «الدعوات لتجنب إهانة روسيا ليست سوى إهانة لفرنسا ولكل دولة تطالب بذلك»، مضيفاً أن «الأفضل للجميع التركيز على كيفية إيقاف روسيا عند حدها»، أي إنزال الهزيمة العسكرية بها.
إزاء هذا التطور، قالت مصادر رئاسية فرنسية، إن باريس لا تنوي الرد على ما جاء على لسان مسؤول الدبلوماسية الأوكرانية. وبدلاً عن ذلك، فإنها ركزت على العناصر التي تشكل السياسة الفرنسية إزاء هذا الملف المتفجر الذي أنبت داخل الاتحاد الأوروبي مجموعتين متمايزتين، بصدد الخط الواجب سلوكه: الأولى مكونة من «المعتدلين» وتضم فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا واليونان. أما الثانية فيطغى عليها «الصقور» وتضم، بشكل أساسي، دول البلطيق الثلاث وبولندا، وهي تتبع النهج الصدامي الأميركي- البريطاني.
وبحسب المصادر المشار إليها، فإن سياسة ماكرون تقوم على 4 محاور: أولها الدعم التام لأوكرانيا سياسياً وعسكرياً ومالياً وإنسانياً، وثانيها الاستعداد لتوفير الضمانات الأمنية لكييف في حال طلبت ذلك في إطار السعي لحل سياسي، وثالثها الاستمرار في فرض أقصى العقوبات على موسكو، ورابعها مواصلة الحوار مع كافة الأطراف بما فيها الرئيس فلاديمير بوتين.
وسبق لوزيرة الخارجية الفرنسية الجديدة كاترين كولونا أن أكدت بمناسبة الزيارة التي قامت بها إلى كييف، أن باريس تريد الاستمرار في دعم كييف، لتكون «في موقع قوي» عندما تعود مجدداً آلية المفاوضات المتوقفة رسمياً بين الجانبين الروسي والأوكراني منذ نهاية مارس (آذار).
وما تدعو إليه باريس وتعمل من أجله هو التوصل إلى وقف لإطلاق النار، ثم الجلوس إلى طاولة المفاوضات من أجل اتفاق سياسي يوفر لأوكرانيا ضمانات قوية، حتى لا تكون مجدداً هدفاً لاعتداءات روسية. كذلك، تعرب باريس عن تمسكها بسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها.
بيد أن نقطة الضعف في المقاربة الفرنسية أنها لا تبين كيف يمكن دفع القوات الروسية إلى الخروج من الأراضي التي احتلتها بالمفاوضات، وما إذا كان التعويل على العقوبات سيكون كافياً بحد ذاته. ولتلافي أي سوء فهم، تؤكد باريس أنه يعود لأوكرانيا وحدها أن تحدد شروط وقف النار والتفاوض، بينما يقوى الشعور في أوساطها بأن ناصية القرار قد أفلتت من كييف، وأنها أصبحت إلى حد بعيد في يدي واشنطن. وبالطبع، هذا التقدير لا ينطق به أي رسمي فرنسي؛ لكن ما يؤكده الجانب الفرنسي أن الحرب في أوكرانيا لا يمكن أن تنتهي إلا بحل سياسي، الأمر الذي يبرر تمسك ماكرون باستمرار التواصل مع بوتين من أجل التوصل إلى هذا الحل.
وسبق للرئيس الفرنسي أن أكّد أكثر من مرة أن عديداً من اتصالاته مع نظيره الروسي تمّت بطلب من الرئيس فولوديمير زيلينسكي شخصياً الذي كان يوصل رسائله إلى الكرملين عبر ماكرون. لكن الواضح في باريس أن تغير مسار المعارك دفع زيلينسكي إلى التراجع عما كان قد طرحه لوقف القتال وللتفاوض، ومن ذلك قبوله لمبدأ الحياد مع توفر الضمانات الأمنية الملائمة، واستعداده لمناقشة وضع دونباس وجمهوريتيها الانفصاليتين.
ثمة مسألة خلافية أخرى بين العاصمتين، وأساسها امتناع ماكرون الذي يرأس الاتحاد الأوروبي حتى نهاية الشهر الجاري عن زيارة كييف، كما فعل عديد من نظرائه. وفي المقابلة المشار إليها سابقاً، قال ماكرون إن «كافة الأمور واردة»؛ بيد أن وزيراً مقرباً من ماكرون وهو ستانييسلاس غيريني قال أول من أمس، في مقابلة مع القناة الإخبارية «إل سي إي» إن الرئيس الفرنسي «راغب في الذهاب» إلى كييف «عندما تتيح زيارته تحقيق نتائج ما»، كأن تسمح بخفض التوتر، أو أن يكون النزاع يمر بلحظة فاصلة، أو أن تتوفر الشروط لذلك بينما تقدير الوزير المذكور أن الحرب ستطول.
هكذا تبدو اليوم العلاقات الفرنسية- الأوكرانية التي عرفت منذ بدء الحرب الروسية العديد من المطبات الهوائية ولأسباب متعددة. فإذا امتنع ماكرون عن اللحاق بركب الرئيس الأميركي جو بايدن بوصف بوتين بأنه «قاتل»، أو اعتبار أن الشعب الأوكراني يتعرض لعملية «إبادة جماعية» أو يحافظ على التواصل مع نظيره الروسي، فإن كييف تشعر بأن باريس تخلت عنها وأنها تمالئ بوتين، الأمر الذي تنفيه الأخيرة، ولا يبدو أنها مستعدة اليوم أكثر من الأمس للتخلي عن الخط الذي ارتسمته.


مقالات ذات صلة

مساعدات عسكرية أميركية إضافية لأوكرانيا بقيمة 500 مليون دولار

الولايات المتحدة​ تشمل المعدات المعلن عنها خصوصاً ذخيرة لأنظمة قاذفات صواريخ هيمارس وقذائف مدفعية (رويترز)

مساعدات عسكرية أميركية إضافية لأوكرانيا بقيمة 500 مليون دولار

أعلنت الولايات المتحدة أنها ستقدم معدات عسكرية تقدر قيمتها بنحو 500 مليون دولار لدعم أوكرانيا، قبل نحو شهر من تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا من جنازة جندي أوكراني توفي خلال الحرب مع روسيا (أ.ف.ب)

«الناتو»: مليون قتيل وجريح في أوكرانيا منذ بدء الحرب

أعرب حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن اعتقاده بأن أكثر من مليون شخص سقطوا بين قتيل وجريح في أوكرانيا منذ شنّت روسيا غزوها الشامل في فبراير (شباط) 2022.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا أظهرت الأقمار الاصطناعية أضراراً بمطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم جراء استهداف أوكراني يوم 16 مايو 2024 (أرشيفية - رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع لقصف مطار عسكري، اليوم (الأربعاء)، متوعدة كييف بأنها ستردّ على ذلك عبر «إجراءات مناسبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ رجال إنقاذ يعملون في موقع تعرض فيه مبنى لأضرار جسيمة بسبب ضربة صاروخية روسية أمس وسط هجوم روسيا على أوكرانيا في زابوريجيا11 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 02:00

أميركا تحذّر روسيا من استخدام صاروخ جديد «مدمر» ضد أوكرانيا

قال مسؤول أميركي إن تقييماً استخباراتياً أميركياً، خلص إلى أن روسيا قد تستخدم صاروخها الباليستي الجديد المتوسط ​​المدى مدمر ضد أوكرانيا مرة أخرى قريباً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال لقائه ترمب في نيويورك الأسبوع الماضي (أ.ب)

ماسك ونجل ترمب يتفاعلان مع صورة تقارن زيلينسكي ببطل فيلم «وحدي في المنزل»

تفاعل الملياردير الأميركي إيلون ماسك ودونالد ترمب جونيور، نجل الرئيس المنتخب دونالد ترمب، مع صورة متداولة على منصة «إكس»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».