الحرب في أوكرانيا تدخل في صلب مواقف واختيارات «كان»

افتتاح الدورة الـ75 بفيلم كبير مقتبس عن فيلم صغير

من «ألفيس» لباز لورمان
من «ألفيس» لباز لورمان
TT

الحرب في أوكرانيا تدخل في صلب مواقف واختيارات «كان»

من «ألفيس» لباز لورمان
من «ألفيس» لباز لورمان

المسافة ما بين مطار نيس والشقة التي تم استئجارها لأسبوعين لتكون المكان الذي يأوي إليه المرء حين يكتفي من مشاهدة الأفلام، لا تزيد على 40 دقيقة خلال النهار. أما في ساعات الليل المتأخرة، فإن الآتي إلى المهرجان الفرنسي في دورته الخامسة والسبعين لا تزيد على 25 دقيقة.
خلالها سرح هذا الناقد، والسيارة تمر به فيما يشبه طبيعة كاليفورنيا، أشجاراً وألواناً ومنعطفات، في أسئلة غير مُجاب عنها، ومن بينها لماذا أعود إلى هذا المهرجان كل سنة؟ هل أكون من الجرأة بمكان كافٍ لأن أقلع عن القدوم إلى هذا المهرجان مفضلاً راحة البيت أو مهرجاناً آخر صغيراً يتيح لحاضريه التواصل الإنساني ومشاهدة أفلام من خارج منظومة الفيلم الحدث؟
هناك 43 سنة تفصل بين زيارتي «كان» العام الحالي، وبين المرّة الأولى التي وصلت فيها إلى المدينة. كنت شاباً صغيراً يواجه مهرجاناً يترعرع انطلق سنة 1946، وكل ما في جعبته عرض أفلام مميّزة في فترة تلت استقلال فرنسا من الاحتلال النازي.
1979 هي السنة التي تقاسم فيلمان السعفة الذهبية. الفيلم الأول غُولي في الاحتفاء به، وهو الفيلم الألماني «الطبل الصفيح» لفولكر شلندروف، والآخر هو الفيلم التحفة «القيامة الآن» لفرنسيس فورد كوبولا.
لا شيء من بين الـ20 فيلماً آخر في مسابقة ذلك العام وصل إلى قيمة فيلم كوبولا وبعضها لم يشارفه. لا «فكتوريا» لبو وايدربيرغ، و«الأوروبيون» لجميس أيفور، أو «وويجك» لفرند هرزوغ، أو «نورما راي» لمارتن رِت، ولا «سيري نوار» لألان كورنو. الأقرب إلى «القيامة الآن» من حيث بصرياته وحكايته الملحمية «سايبرياد» للروسي أندريه كونتشالوڤسكي.
خرجت مبهوراً من «القيامة الآن» وقررت أنني لن أفوّت دورة واحدة على الإطلاق. ولم أفعل سوى مرّتين، الأولى سنة 2009 والأخرى في العام الماضي.
زومبيز
هذا العام، وبعد كل تلك العقود من تراكم التجارب والنجاحات، تدخل الحرب في أوكرانيا بصلب مواقف واختيارات المهرجان. المدير العام للمهرجان تييري فريمو كان قرر ألا يشترك في هذه الدورة أي فيلم روسي من داخل البلاد، ومن تمويل مؤسسات روسيا السينمائية. لكن «زوجة تشايكوفسكي» الفيلم الثالث للروسي كيريل سيربرنيكوڤ، معروض في المسابقة كونه لمخرج معارض يعيش حالياً «في المهجر» كما قيل لنا.
على الجانب الأوكراني، فيلمان، «رؤية الفراشة» لماكسيم نأكونيتشني المعروض في قسم «نظرة ما» و«التاريخ الطبيعي للدمار» لسيرغي لوزنتزا في قسم «عروض خاصّة».
وأحد الانعكاسات للوضع الراهن في أوكرانيا تغيير المخرج ميشيل أزانافشيوس عنوان فيلمه الجديد من Z إلى Final Cut؛ وذلك لاستبعاد شبهة الإيحاء والترميز إلى العربات والدبابات الروسية التي حملت حرف «زد» عندما دخلت البلاد.
فيلم أزانافشيوس لا علاقة له بالحرب في أي مكان باستثناء أنه يدور حول مجموعة من المقاومين لغزو الزومبيز. وهذا هو تاسع فيلم يحققه. قبله أنجز فيلمين كوميديين جاسوسيين هما «OSS 117‪:‬ Cairo‪، ‬ Nest of Spies»، والآخر«OSS 117‪:‬ Lost In Rio». كان ذلك في مطلع عمله في الأفلام بعد خبرة تلفزيونية محدودة، لكن فيلمه الثالث هو ما دفعه إلى الشهرة. هذا الفيلم هو «الفنان» (The Artist) سنة 2011 الذي نال عليه أوسكار أفضل فيلم.
«فاينال كَت» مأخوذ عن فيلم ياباني من إنتاج 2017، بعنوان «قطعة من الموتى» (One Cut of the Dead) لشينيشيرو أيدا حول فريق من السينمائيين يصور فيلم رعب عن الـ«زومبيز» ليكتشفوا أنهم مهددون بزومبيز حقيقيين بالفعل.
ما هو مثير في ذلك الفيلم، أنه صُنع بتكلفة لم تتجاوز 27 ألف دولار وصوّر في ثمانية أيام، وعندما افتتح الفيلم للجمهور في ثلاث صالات يابانية فوجئ الجميع بأنه باع مليوني تذكرة؛ ما جعل إيراداته تفوق تكلفته بـ1000 مرّة.
قد يُصيب فيلم الفرنسي أزانافشيوس حظاً مماثلاً، لكنه لن يتجاوز ما حققه الفيلم الأصلي من نجاح فوري، وذلك تبعاً لتكلفته التي تتجاور 20 مليون دولار. كون المهرجان الفرنسي اختاره للافتتاح يعني أنه بحث عن الفيلم الذي ينتمي إلى اسم «كبير» وموضوع فيه غرابة وإنتاج يدعم الفيلم خلال عروضه الفرنسية والأوروبية.
هذه ليست المرّة الأولى التي يفتتح مهرجان «كان» عروضه بفيلم عن الـ«زومبيز». في العام 2019 قام بعرض الفيلم الأميركي «الموتى لا يموتون» لجيم جارموش (بطولة لـموراي وتيلدا سوينتو وداغني غلوفر). ولو أن ذلك الافتتاح لم يفد الفيلم كثيراً عندما طُرح للعروض الجماهيرية.

                                                                        من «فاينال كَت»: سؤال حول الصلاحية؟
اختيارات أخرى
إذ ينتمي «فاينال كَت» إلى تلك المجموعة من الأفلام المعروضة خارج المسابقة الرسمية (في قسم خاص بها) يجاور 10 أفلام أخرى، بعضها ربما كان (من الناحية الإعلامية على الأقل) أفضل ملاءمة للمناسبة. كان المهرجان، على سبيل المثال، رغب في عرض فيلم باز لورمان «ألفيس» عن حياة ألفيس برسلي، لكن حقيقة إن فيلم لورمان السابق «مولان روج”، كان افتتح إحدى دورات «كان» السابقة ما جعل اختياره أمراً غير وارد. هناك أيضاً «توب غن: ماڤيريك» لجوزف كوزينسكي الذي كان سيمنح المهرجان قفزة مرتفعة كبداية، لكن المشكلة أن الشركة المموّلة (باراماونت)، كانت قررت توزيع الفيلم في الـ25 من الشهر الحالي، وهي أرادت ربط عرضه في «كان» بعروضه التجارية مباشرة.
ما هو واضح، أن كل هذه الأفلام المذكورة (من «فاينال كَت» إلى «ألفيس» و«توب غن»)، هي أفلام تجارية وليست فنّية كما سيتأكد عندما نعود لنقدها خلال أيام المهرجان. صحيح أنها مصنوعة بإتقان العناصر الفنية والإنتاجية، لكنها ليست أفلاماً من تلك التي لا تنتمي إلى سينما المؤلف ولا إلى السينما الذاتية أو أي من التيارات التي تفضل الصياغة الفنية وأساليب التعبير الفنية. فيلم باز لورمان يبدو أفضل ما حققه هذا المخرج إلى اليوم، لكنه لا يزال فيلماً تجارياً.
هذا المنوال ليس غريباً، إنه ذاته الممارس عاماً بعد عام منذ أكثر من عقد أو اثنين. المسابقة الرسمية ومسابقة «نظرة ما»، هما اللتان تتخصصان أكثر من سواهما بعروض أفلام تنتمي إلى المخرج وتعبّر عنه أكثر مما تندمج في حلقة العروض التجارية، علما بأنها جميعها ستجد نفسها في هذا الخضم على نحو أو آخر.


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


لبنان: «حزب الله» يهاجم حكومة سلام ويصر على الوجود فيها

جلسة لمجلس الوزراء اللبناني برئاسة نوّاف سلام (رئاسة الحكومة)
جلسة لمجلس الوزراء اللبناني برئاسة نوّاف سلام (رئاسة الحكومة)
TT

لبنان: «حزب الله» يهاجم حكومة سلام ويصر على الوجود فيها

جلسة لمجلس الوزراء اللبناني برئاسة نوّاف سلام (رئاسة الحكومة)
جلسة لمجلس الوزراء اللبناني برئاسة نوّاف سلام (رئاسة الحكومة)

​منذ اتخاذ الحكومة اللبنانية قرار حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية في أغسطس (آب) الماضي، يواظب «حزب الله» على مهاجمتها، واتهامها بـ«تقديم التنازلات المجانية لإسرائيل، وبالتقصير في الدفاع عن السيادة اللبنانية وبإعادة الإعمار»، علماً بأنه مكون أساسي في مجلس الوزراء، حيث يتمثل بوزيرين؛ هما وزير العمل محمد حيدر، ووزير الصحة ركان ناصر الدين، إلى جانب وزيرين يمثلان حليفته حركة «أمل»؛ هما وزيرا المال ياسين جابر، والبيئة تمارا الزين.

ويكتفي هؤلاء الوزراء بتسجيل اعتراضاتهم على قرارات الحكومة بعدما آثروا الانسحاب من جلستي الخامس والسابع من أغسطس الماضي، اللتين أقرتا حصرية السلاح، لكنهم سرعان ما عادوا للمشاركة في الجلسات، ما يطرح علامات استفهام حول إصرار الحزب على مهاجمة الحكومة، وتمسكه في الوقت نفسه بالوجود فيها.

تجنب مهاجمة عون

ويتجنب الحزب مهاجمة رئيس الجمهورية جوزيف عون، مركزاً سهامه حصراً على الحكومة ورئيسها نواف سلام. وفي إطلالته الأخيرة، انتقد أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم بشدة، تعيين مفاوض مدني (السفير السابق سيمون كرم) باسم لبنان، ووصف الأمر بـ«السقطة»، علماً بأن الرئيس عون هو من اتخذ القرار بالتنسيق والتعاون مع رئيسي الحكومة نواف سلام ومجلس النواب نبيه بري، إلا أنه في خطابه هذا هاجم الحكومة مباشرة، وطالبها بـ«القيام بواجباتها أولاً لجهة حماية السيادة، ومواجهة العدوان وبناء الدولة والاقتصاد وخدمة الناس».

أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)

مع العلم بأن «حزب الله» ورئيس الجمهورية يخوضان حواراً بعيداً عن الأضواء، فيما تبدو العلاقة مقطوعة بينه وبين رئيس الحكومة نواف سلام، بعد سلسلة أحداث ومواقف فاقمت الهوة بينهما.

معارضة من الداخل

وتشير مصادر مواكبة من كثب لموقف «حزب الله»، إلى أن «ما يحصل هو أن الحزب يسجل موقفاً مبدئياً تجاه التطورات، لأنه لا يستطيع وقف القرارات، وهذا هو الحق الطبيعي للمعارضة سواء من داخل الحكومة أو خارحها». وتلفت المصادر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «يقدم النصائح للحكومة، ولا يطالب باستقالتها، ولا يريد الاستقالة منها، لأن لا مصلحة له الآن بذلك، لذلك يسعى لمواجهة القرارات بالأساليب الديمقراطية».

مأزق وتخبط

ويعتبر النائب في تكتل «الاعتدال الوطني» أحمد الخير، أن «(حزب الله) يعيش قمة (الانفصام السياسي)، في خطابه، وفي ممارساته، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على حجم المأزق والتخبط الذي يعيشه الحزب، جراء كل المتغيرات».

ويقول الخير، لـ«الشرق الأوسط»: «إصرار الحزب على البقاء في السلطة، بخلاف خطابه الذي يهاجمها، أبلغ تأكيد على أن (الزمن الأول تحول)، وأن الحزب بات يخشى تبعات ما كان لا يخشاه في السابق، إذا ما عدنا إلى ما كان يفعله في ظروف مشابهة، كما فعل باستقالته من الحكومة اعتراضاً على ملف المحكمة الدولية في عام 2011، وما فعله في 7 مايو (أيار) 2008، رداً على قرار الحكومة نزع شبكة اتصالاته، واحتلاله وسط بيروت، وغيرها من الأحداث».

مصلحة إيرانية

في المقابل، يرد أمين سر «المنبر الوطني للإنقاذ» الدكتور حارث سليمان، التناقض في مواقف وممارسات الحزب، إلى «أزمة عميقة يعاني منها الطرف الإيراني بعد خسارته معظم أوراقه في المنطقة». ويضيف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الحزب الذي ينفذ مصلحة إيران، يقول بوضوح إن حل موضوع سلاحه لا يكون في الداخل اللبناني، إنما بعقد صفقة مع طهران. من هنا فإن تشدد الحزب وتمسكه بسلاحه ليسا تمسكاً بخيار المقاومة لقتال إسرائيل، إنما تمسك بورقة قد تستفيد منها إيران بصفقة مع الولايات المتحدة الأميركية».

مناصرون يحملون أعلام «حزب الله» اللبناني في بيروت (رويترز)

ويشير سليمان إلى أن إيران «تعول على تعقيد الوضع في لبنان كي تتم مفاوضتها، علماً بأن بيئة الحزب تدرك أنه لم يعد خياراً استراتيجياً، إنما بضاعة معدة للتبادل، ما يؤدي لتفكك داخل الحزب».

ويوضح سليمان أن «التمسك بالوجود في الحكومة يأتي في إطار تعزيز ورقة طهران التفاوضية وتحقيق مصالحها، وفي الوقت عينه بوصفه أداة للسيطرة على مقادير السلطة في لبنان، وحصة الطائفة الشيعية بالتشكيلات والتعيينات تحت عنوان أن من حق الثنائي الشيعي الطبيعي الوجود بالسلطة في إطار صفته التمثيلية».


الجزائر: تنديد واسع بتنظيم انفصالي يقيم قادته في فرنسا

السكرتير الأول لحزب «جبهة القوى الاشتراكية» الجزائرية خلال اجتماع في بجاية (إعلام الحزب)
السكرتير الأول لحزب «جبهة القوى الاشتراكية» الجزائرية خلال اجتماع في بجاية (إعلام الحزب)
TT

الجزائر: تنديد واسع بتنظيم انفصالي يقيم قادته في فرنسا

السكرتير الأول لحزب «جبهة القوى الاشتراكية» الجزائرية خلال اجتماع في بجاية (إعلام الحزب)
السكرتير الأول لحزب «جبهة القوى الاشتراكية» الجزائرية خلال اجتماع في بجاية (إعلام الحزب)

أعربت «جبهة القوى الاشتراكية»، أبرز الأحزاب في منطقة القبائل الجزائرية، عن رفضها الكامل لـ«الانحرافات الانفصالية»، في موقف واضح ضد مساعي «حركة الحكم الذاتي» للإعلان عما تسميه «استقلال المنطقة» يوم 14 ديسمبر (كانون الأول) الجاري في فرنسا.

ويتزامن هذا الموقف من أقدم حزب معارض في الجزائر، مع تنديد واسع في وسائل الإعلام الرسمية بالتنظيم المصنف «جماعة إرهابية»، والذي يقوده المطرب الأمازيغي فرحات مهني، الذي يقع تحت طائلة مذكرة توقيف دولية صدرت من الجزائر.

وعقدت قيادة «القوى الاشتراكية»، السبت، في بجاية (250 كيلومتراً شرق العاصمة)، اجتماعاً لمنتخبيها وكوادرها بالمنطقة «في إطار الجهود المستمرة لتعزيز الهيكلة السياسية للحزب، وتأكيد مواقفه من السياق الوطني والدولي بالغ الحساسية»، حسب بيان للأمانة الوطنية للحزب الذي يملك حضوراً واسعاً في ولايات القبائل الثلاث: تيزي وزو وبجاية والبويرة.

القيادة الوطنية لحزب «جبهة القوى الاشتراكية» الجزائري (إعلام الحزب)

«معقل الوطنية»

وفي كلمة ألقاها في بداية الاجتماع، أكد السكرتير الأول للحزب يوسف أوشيش، أن بجاية «تشكل أهمية استراتيجية بالنسبة لنا، فهي معقل الوطنية والنضالات الديمقراطية»، مشدداً على «التحديات الكبرى التي يواجهها البلد؛ خصوصاً التوترات الإقليمية ومحاولات التدخل الخارجي، والهشاشة الداخلية المتفاقمة بسبب الإغلاق السياسي، وتدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي يزيد من مخاوف المواطنين». كما أكد «أهمية التوصل إلى حل سياسي، عبر الحوار والانفتاح وبناء الثقة مجدداً بين الدولة والمجتمع»، حسبما جاء في الكلمة التي نشرها أوشيش بحسابه بالإعلام الاجتماعي.

وأبرز زعيم «القوى الاشتراكية» أن لقاء بجاية «أتاح الفرصة لتأكيد موقف الحزب تجاه التطرف ومحاولات الفرقة، سواء من الانحرافات الانفصالية أو الخطابات العنصرية التي يرفعها أنصار الإقصاء والعداء للأمازيغية»؛ مشيراً إلى «التزام الجبهة بالوحدة الوطنية، والدفاع عن الوحدة الترابية للبلاد»، ومستنكراً «بشدة، أي استغلال سياسي يمس التماسك الوطني»، وحذَّر من «الإغلاق السياسي والاستبداد اللذين يغذيان اليأس ويعززان التطرف».

وأوضح أوشيش أن «بناء دولة القانون يتطلب تعبئة جميع القوى الوطنية والديمقراطية، ومشاركة واعية وفعالة من المواطنين»، داعياً إلى «تسريع مراجعة القوانين المنظِّمة للحياة العامة، ولا سيما القانون الانتخابي وقانون الأحزاب، لضمان تمثيل ديمقراطي حقيقي للبلاد»، ومؤكداً «ضرورة إلغاء الملاحقات ضد النشطاء المعارضين».

أحد المؤثرين المنشقين عن التنظيم الانفصالي «ماك» (التلفزيون الجزائري الحكومي)

«انشقاقات»

ويتزامن حديث أوشيش، ضمناً، عن الحركة الانفصالية المعروفة اختصاراً بـ«ماك»، مع حملة كبيرة يشنها الإعلام الحكومي على التنظيم الذي توجد قيادته وأهم عناصره في فرنسا. وتبث القنوات التلفزيونية العمومية يومياً ومنذ أسبوع: «اعترافات منشقين عن حركة (ماك)»، نددوا فيها بـ«الجهاز الذي أصبح أداة بين أيدي قوى خارجية معادية للجزائر». وعرض التلفزيون شخصاً قال إنه «أحد الكوادر المؤثرين في (ماك)، انشق عنه في 2016»، والذي أكد أن زعيم التنظيم فرحات مهني «أشرف على تدريب بعض أعضائه عسكرياً في الخارج»، وهاجمه بشدة بذريعة أنه «يروِّج للعنف ويخدم مصالح أجنبية».

ويصف منشقون عن «ماك» -حسب تقرير التلفزيون- وضعه الداخلي بأنه «مُنهَك بسبب تناقضات زعيمه»، وبأنه «يعيش على الدعاية الرقمية وافتعال دعم دولي مزعوم، ومحاولات للتلاعب بالرأي العام». كما يؤكد عدد آخر من المنشقين أنهم «استفادوا من تسهيلات إدارية، ومساعدة من المصالح القنصلية (بفرنسا) للعودة إلى الجزائر». وتحدثوا عن «وعي جماعي متزايد بخطورة المشاريع التدميرية لـ(ماك)»، وأن «كثيراً من أعضائه عازمون على قطع صلتهم بهذه الحركة».

التلفزيون يهاجم «كياناً وهمياً»

وهاجم التلفزيون العمومي فرحات مهني الذي «بات دمية للصهيونية»، لافتاً إلى أنه «يستعدُّ في 14 ديسمبر، من منفاه الباريسي، لإعلان استقلال دولة بلا شعب، وإنشاء كيان وهمي لا يوجد إلا في الهذيان الشيطاني لعقله الواهن». كما وصفه بأنه «عاجز عن جمع مائة شخص حوله، وقد لجأ إلى أحضان القوة الاستعمارية السابقة، فرنسا، التي مارست سياسة الأرض المحروقة ضد منطقة القبائل، معقل الوطنية الجزائرية والمقاومة ضد الاستعمار الفرنسي. ويحمل زعيم (ماك) في نفسه آثار هذا العدوان الفرنسي؛ إذ سقط والده شهيداً من أجل استقلال الجزائر»، مشيراً إلى أن باريس «تُعدُّ مركزاً لنشاط منظمته الانفصالية».

ويملك التنظيم الانفصالي حضوراً محدوداً في منطقة القبائل التي يقطنها نحو 5 ملايين نسمة. وقد بدأ في التشكُّل عام 2001 على خلفية مقتل شاب عشريني على يد عناصر من الدرك في المنطقة. وحينها وصف وزير الداخلية الراحل يزيد زرهوني الشاب بأنه «منحرف»، ما أثار غضب السكان واندلعت مشادات خلَّفت أكثر من 100 قتيل. وفي جو متوتر، طرح المطرب المعروف فرحات مهني فكرة «إطلاق حكم ذاتي»، وتطور المشروع لاحقاً إلى «استقلال المنطقة» بعد حصوله على اللجوء السياسي في فرنسا.

وبعد تصنيف «ماك» على لائحة الإرهاب، ضمن تعديل قانون العقوبات عام 2021، أصدر القضاء الجزائري مذكرة اعتقال دولية ضد فرحات مهني، بعد إدانته مطلع 2024 بالسجن 20 سنة بناء على تهمة «ارتكاب أعمال إرهابية وتخريبية تهدِّد أمن الدولة والوحدة الوطنية».


أدريان برودي يعترف في «البحر الأحمر»: لم أقبل أي دور بعد «الوحشي»!

النجم الحاصل على جائزتي «أوسكار» أدريان برودي في أحدث جلسة تصوير (المهرجان)
النجم الحاصل على جائزتي «أوسكار» أدريان برودي في أحدث جلسة تصوير (المهرجان)
TT

أدريان برودي يعترف في «البحر الأحمر»: لم أقبل أي دور بعد «الوحشي»!

النجم الحاصل على جائزتي «أوسكار» أدريان برودي في أحدث جلسة تصوير (المهرجان)
النجم الحاصل على جائزتي «أوسكار» أدريان برودي في أحدث جلسة تصوير (المهرجان)

بعد تتويجه بجائزة «أوسكار» ثانية عن فيلم «الوحشي»، فاجأ النجم الأميركي أدريان برودي جمهور «مهرجان البحر الأحمر» بإعلان غير متوقع، بأنه لم يقبل أي دور جديد منذ هذا الفيلم، وأن النجاح مهما بدا لامعاً قد يضيّق الخيارات بدل أن يوسّعها، جاء ذلك في جلسة جماهيرية اتسمت بقدر كبير من الصراحة، قدّم برودي خلالها واحدة من أكثر شهاداته وضوحاً عن المهنة، ومتحدثاً عن إرهاق التصوير، وهشاشة الممثل، ومسؤوليته الأخلاقية تجاه التاريخ والذاكرة.

ويُعد أدريان برودي واحداً من أبرز ممثلي جيله؛ فهو الممثل الأميركي الذي نال جائزة «الأوسكار» لأفضل ممثل مرتين، الأولى عام 2002 عن فيلم «عازف البيانو»، والثانية عام 2025 عن فيلم «الوحشي»، كما حصد جائزة «سيزار» بوصفه أفضل ممثل في العام نفسه، ليصبح من القلائل الذين جمعوا بين هذين التكريمين في مسيرة واحدة.

ويبدو لافتاً أن برودي لم يُسأل مباشرة عن رأيه في السعودية، ومع ذلك توقف في بداية الجلسة ليقول «من الرائع رؤية هذا التطور في السعودية... هناك أصوات جديدة خصوصاً من النساء، وهذا شيء مهم لأي صناعة»، وكان صوته خالياً من المجاملة، وأقرب إلى ملاحظة فنان يتابع تحوّلاً حقيقياً في بنية المشهد السينمائي العربي.

كما أن برودي لم يلجأ إلى تلميع تجربته الأخيرة، بل اختار أن يبدأ من أكثر نقاطها قسوة؛ إذ قال بصراحة: «صوّرنا (الوحشي) في 23 يوماً فقط، ولم يكن هناك وقت للراحة... كنّا جميعاً مُنهكين». صاغ هذه الجملة بلا أي محاولة لتخفيف وقعها، كأنه يريد أن يقتلع من ذهن الجمهور فكرة «السحر» التي تحيط عادة بصناعة الأفلام، ليضع مكانها صورة واقعية لعمل شاق، جسدياً وعاطفياً، لا يشبه ما يُصدّره الخيال الهوليوودي.

وأعاد برودي التذكير بأن إرهاق التصوير ليس حدثاً عابراً ولا تفصيلاً تقنياً، بل هو جزء أساسي من التجربة التي قد تُشكّل أداء الممثل أكثر مما تفعل الكاميرا أو النص. وعن ذلك قال: «التعب يُغيّر كل شيء... نحن لا نؤدي أدواراً وحسب، بل نعيشها».

أدريان برودي على السجادة الحمراء لـ«مهرجان البحر الأحمر» (المهرجان)

هدوء ما بعد «الأوسكار»

من بين التصريحات التي أثارت انتباه الجمهور، قوله إنه لم يوقّع على أي عمل جديد منذ تتويجه الأخير، بيد أنه لم يقل ذلك تكبُّراً أو احترازاً، بل حذراً فنياً تعلّمه مع الزمن، وأضاف: «ليس لأن العروض لم تكن جيدة... لكنها لم تشعرني بالانسجام، فأنا أحتاج أن أعرف أن العمل يستحقّ جهدي ووقتي وحياتي».

هذا الوعي الذي جاء بعد مسيرة طويلة يعيد صياغة الصورة النمطية التي تفترض أن الفوز بـ«الأوسكار» يفتح كل الأبواب، لكن برودي رأى خلال الجلسة التي أدارها الممثل السعودي حكيم جمعة عكس ذلك، ويؤكد أن النجاح يُلزم صاحبه باختيارات أعمق، وبمسار أكثر دقة، وبمسؤولية تجاه تاريخه وتجاه ما سيبقى منه بعد سنوات.

العزلة بوصفها خياراً مهنياً

ومن أكثر اللحظات قوة في الجلسة حديث برودي عن طبيعة حياته في أثناء التصوير، حيث صرّح بالقول: «ليست لديَّ حياة شخصية عندما أعمل... لا أخرج مع أحد... أحياناً لا أتناول الغداء حتى أحتفظ بطاقتي؛ لأني لو تشتتُّ، فلن أستطيع أن أؤدي».

وتكشف هذه الجملة جانباً مهنياً لم يتحدث عنه برودي سابقاً بهذه الصراحة، فهي ليست طريقة منهجية بالمعنى التقليدي، بل هي شكل من أشكال الحفاظ على الذات داخل مهنة تستنزف صاحبها في كل دور جديد، كما يفيد، مضيفاً: «لستُ آلة... بعض الأيام تكون ضعيفاً، ومشتتاً، وغاضباً، ومع ذلك، يجب أن تقدّم العمل».

كما توقّف برودي مطولاً عند فيلمه «عازف البيانو»، الذي كان محور لحظة إنسانية مؤثرة بعد أن شارك أحد الحضور قصة مشاهدته للفيلم مع جده البولندي قبل وفاته، حيث قال: «مسؤولية الممثل ليست الترفيه فقط... أحياناً تكون مسؤولية تاريخية».

عصر الذكاء الاصطناعي

حضر في الجلسة السؤال الذي يطارد الصناعة عالمياً حول الذكاء الاصطناعي، وجاء برودي واضحاً: «نعيش تغيّراً هائلاً في كل المجالات... نعم، هناك أدوات جديدة ستفيد الجميع، لكن لا شيء يمكنه أن يحلّ محلّ العاطفة». ويمكن القول إن برودي لم يرفض التقنية، ولم يبالغ في التحذير منها، بل وضعها في إطار متزن، قائلاًك «حتى لو أمكن اصطناع العاطفة... سيبقى للعمل الإنساني قيمته».

في نهاية الجلسة، خرج الجمهور بصورة مختلفة تماماً عن برودي، لا بوصفه نجماً محاطاً بالبريق، بل بوصفه فناناً يواجه في كل تساؤلاته الداخلية، ويبحث عن الانسجام مع عمله، ويصارع حدود الجسد والذاكرة والحياة الشخصية ليصنع أداءً يستحق المشاهدة، ولم تكن مشاركة برودي في «مهرجان البحر الأحمر» «زيارة نجم عالمي»، بل كانت إضافة فكرية إلى المهرجان، ورسالة واضحة بأن السينما حين تُناقَش بصدق قادرة على كشف ما هو أعمق من الأدوار، وأكبر من الجوائز.