هنري الثامن وصراع العشق والدين والسياسة

الملك هنري الثامن
الملك هنري الثامن
TT

هنري الثامن وصراع العشق والدين والسياسة

الملك هنري الثامن
الملك هنري الثامن

لا خلاف على أن إنجلترا كانت وستظل إلى يومنا هذا دولة فريدة بتاريخها وجغرافيتها، فهي مختلفة عن باقي القارة الأوروبية، وسياساتها كانت دائمًا مختلفة تراعي طابعًا مختلفًا في كل شيء حتى في الديانة، فعندما مرت أوروبا خلال مطلع القرن السادس عشر بحركة إصلاح ديني بدأت بفكر شخص وانتشرت كما كان الحال بالنسبة لمارتن لوثر في ألمانيا وكالفن في فرنسا وسويسرا، فالقاسم المشترك لحركة الإصلاح الديني في أوروبا كان ظهور المصلح / المفكر يعقب ذلك طرح فكره ورؤيته الجديدة لتفسير الدين، ثم تعتنق العامة الفكرة ثم بعد ذلك يأتي دور الملوك أو الأمراء ليضفوا عليها قوة ثم تنشب الحرب الأهلية بين المذهب الإصلاحي والكاثوليكي ثم ينتهي الأمر بإقرار حق الملوك في إقرار المذهب في الأراضي التي تحت سيادتهم، ولكن إنجلترا كعادتها كان لها نموذجها الفريد، إذ جاءت حركة لإصلاح الديني من القيادة السياسية ممثلة في الملك، وكانت الأسباب تتعلق بولاية العرش وشهوة ملك أراد استبدال زوجته، فكانت النتيجة تغيير مذهب الأمة الإنجليزية برضاء واسع من العامة خاصة الطبقة الوسطى والتي أيدت هذا التغير.
لقد كان الملك هنري الثامن والذي اعتلى العرش عام 1509 عن عمر يناهز الثامنة عشرة أقوى ملوك «آل تيودور» تربى في أحضان الثقافة الكاثوليكية روحيًا وعلميًا، حتى أنه كان يمثل أحد أقوى الملوك المؤيدين لهذا المذهب المسيحي المنتشر، وقد وصل ارتباط الملك الشاب بالكنيسة أنه قام بالرد على كتب مارتن لوثر لحماية مبادئ الكاثوليكية من حركة الإصلاح، وهو الأمر الذي جعل البابا يمنحه لقب «حامي الإيمان» حيث كان الملك الشاب مفوهًا وعالمًا في اللاهوت، ولكن والد الملك كان قد فرض عليه أن يتزوج من أرملة أخيه كاترينا دي أوريجون، والتي أنجبت له الأميرة ماري، ولكنه كان في حاجة إلى ولي عهد يخلفه من بعده ويبعد شبح الحرب الأهلية، وكانت الملكة تكبر الملك بأكثر من خمسة عشر عامًا، بالتالي كان الملك يرغب في الطلاق، ولكن بما أن الطلاق مُحرمٌ في الديانة المسيحية، فإنه سعى لإلغاء الزواج من الأساس، وهو أمر لم يكن صعبًا في الظروف الطبيعية لكثير من الأمراء والملوك في ذلك الوقت، خاصة وأنها كانت زوجة أخيه، ولكن البابا كان في موقف صعب للغاية لأن الملكة كانت خالة الإمبراطور الروماني المقدس «شارلز الخامس»، لذلك رفض البابا منح ملك إنجلترا إبطال الزواج.
واقع الأمر أن هنري الثامن كان من أعتى ملوك إنجلترا وكان قد وقع بالفعل في غرام إحدى الوصيفات وتسمى «آن بولين» وعقد العزم على الزواج منها، وإذا ما كان الطلاق غير ممكن من البابا، فإنه ليس مستحيلاً على كبير الأساقفة، فلقد استغل الملك وفاة كبير الأساقفة وعين كرانمر أحد أعوانه بدلاً منه حيث تم الاتفاق على قيامه بهذه المهمة، فكان هذا هو أول انشقاق حقيقي بين البابا والكنيسة الإنجليكية، وبالفعل تزوج الملك من آن بولين والتي أنجبت له الأميرة إليزابيث التي حكمت بعد ذلك، ولكن العلاقة لم تستمر طويلاً حيث تعددت العلاقات الحميمة للملكة مع رجال القصر، فكان مصيرها المحاكمة والإعدام، ولكن ليس قبل أن تتسبب في فصل العلاقة بين الكنيستين، فلقد جاء رد فعل البابا سريعًا حيث قام بحرمان الملك أي إعلانه خارجًا عن الملة وكانت هذه الخطوة في حد ذاتها كفيلة بكسر كثير من الملوك الأوروبيين على مر العصور، ولكن هذا لم يحدث من هنري الثامن، فلقد قرر قطع كل الروابط بكنيسة روما في عام 1534 حيث قرر أن يستقل بالكنيسة ويصبح هو رئيسها لأول مرة في تاريخ التجربة الكنسية، وقد جمع البرلمان الإنجليزي والذي أصدر القوانين اللازمة لذلك، كما أصدر قانون الخيانة والذي بمقتضاه يتم إعدام كل من يتكلم ضد هذا المرسوم الملكي، كما أصدر البرلمان قانونًا آخر يتضمن الحفاظ على الأركان الأساسية للمذهب الكاثوليكي على غير الحركات الإصلاحية في القارة الأوروبية، فموقف هنري الثامن لم يكن هدفه تغيير الملة أو المذهب، بل كان هدفه واضحًا وهو السيطرة على الكنيسة.
وردًا على موقف البابا في روما، لم يتوان الملك عن اتخاذ الخطوات الإضافية، فسرعان ما أصدر قراراته بتأميم الأديرة في إنجلترا، وقد كانت هذه خطوة جريئة بحق كفلت أموالاً طائلة لخزانة الدولة استخدمت في الأساس لتقوية البحرية البريطانية واستمالة الطبقة الوسطى التي كانت تساند الملك فضلاً عن تغطية تكاليف القصر الملكي والتي كانت عالية للغاية، ومع ذلك فإن هنري الثامن ظل على معتقداته الأساسية ومحافظًا عليها على عكس لوثر وكالفن، فلقد أقر البرلمان الإنجليزي من خلال مرسوم جديد أكد على بقاء المبادئ الستة الأساسية وعلى رأسها قدسية تحول الخبز والنبيذ إلى جسد ودم السيد المسيح تخليدًا لذكراه وهنا يلاحظ أن هذه الحالة الأولى التي يقوم فيها ملك وبرلمان بتغيير ملة الدولة بهذه البساطة، ولكن ما أسهم في استيعاب أمر التغيير كان كراهية الطبقة الوسطى لسلطان البابا المتفشي في البلاد، فضلاً عن أن الملك تعمد عدم إجراء تعديلات فقهية على أسس الكاثوليكية، فكان له ما أراده دون ثمن باهظ، فعلى الرغم من وجود بعض المعارضة خاصة في الشمال، فإن رجال القصر استطاعوا بقدراتهم ودهائهم استيعاب الأمر تدريجيًا دون تقديم التنازلات المتوقعة.
حقيقة الأمر أن ما فعله هنري الثامن تدشينه للمذهب الإنجليكاني فيما بعد يعد سابقة تاريخية كما أشرنا سابقًا، ولكنها تعكس حقائق مهمة للغاية لعل أهمها خطورة هي الآثار السلبية التي أثرت على الرعية في الدول الأوروبية آنذاك بسبب تعاليم البابا وكنيسته والتي سعت لاستحواذ السلطة الروحية ومن بعدها محاولاتها للتأثير المباشر على السلطة السياسية، فالمواطن الإنجليزي البسيط شأنه شأن المواطن الأوروبي في ذلك الوقت وجد نفسه في صراع روحي / سياسي جسدته الخلافات بين المؤسستين الدينية والسياسية في بلاده، كما أن مثل هذه الظروف تخلق حالة من الغموض حول مفهوم الشرعية السياسية والتشكك في المعتقدات الروحية الراسخة. لقد غير الملك مذهب غالبية شعبه من أجل قصة حب انتهت باتهام زوجته بالزنا فيما بعد، ولكن ليس قبل أن تسفر عن أمرين غاية في الأهمية كما سنرى، الأول، هو دخول الدولة في حرب أهلية / مذهبية بعد مماته، والثاني، أن زيجته أسفرت عن طفلة لم تملك من الجمال كثيرًا ولكنها ملكت من الحكمة ما جعلها تضع بذور القوة السياسية والعسكرية البريطانية والتي كفلت لها أن تكون الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس، وهي الملكة إليزابيث الأولى كما سنرى.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».