كيتانجي جاكسون... قاضية سوداء تكمل مسيرة «التطور الطبيعي» للمجتمع الأميركي

ملء المناصب الشاغرة في المحكمة العليا بات يعتمد على الحزب المسيطر لا الحياد

كيتانجي جاكسون... قاضية سوداء تكمل مسيرة «التطور الطبيعي» للمجتمع الأميركي
TT

كيتانجي جاكسون... قاضية سوداء تكمل مسيرة «التطور الطبيعي» للمجتمع الأميركي

كيتانجي جاكسون... قاضية سوداء تكمل مسيرة «التطور الطبيعي» للمجتمع الأميركي

تُعد المحكمة العليا في الولايات المتحدة واحدة من بين كبرى المؤسسات الأميركية التي «تضمن احترام الدستور، وتطبيق القانون، وتحقيق العدالة للجميع، والحفاظ على النظام الديمقراطي». غير أن الانقسام السياسي العميق الذي يضرب المجتمع الأميركي، سلّط الضوء على الواقع الجديد المتمثل في أن ملء منصب شاغر في المحكمة العليا في الوقت الحالي أصبح يعتمد على الحزب المسيطر على كل من البيت الأبيض ومجلس الشيوخ. حدث ذلك مع تعيين الرئيس السابق دونالد ترمب 3 قضاة محافظين، خلال فترة رئاسته وسيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ. ليتكرر اليوم مع تأكيد تعيين كيتانجي براون جاكسون، التي رشحها الرئيس الديمقراطي جو بايدن لعضوية المحكمة العليا. غير أن الواقع الأخطر الذي يهدد حيادية المحكمة العليا، وضمان تحقيق وظائفها أعلاه، أن أحكامها القضائية، وبدلاً من أن تحتكم إلى القانون، صارت تحتكم إلى ما يريده الرأي العام، بحسب العديد من المراقبين وخبراء القانون الأميركيين. ومع فترة ولاية مدى الحياة، أصبح تعيين القضاة قضية بالغة الأهمية في تقرير مستقبل المحكمة العليا، التي باتت أحكامها تثير انقسامات شديدة لدى الرأي العام الأميركي.
ويطرح ذلك تساؤلات عن ضرورة «إعادة نظر» استراتيجية بشأن موعد تقاعد قضاة المحكمة العليا الذين تؤثر أحكامهم في حياة الأميركيين، بما يتناسب مع التغييرات الاجتماعية والسياسية واختلاف نظرة المجتمع إلى القوانين واتجاهات تطويرها وكيفية تطبيقها.
يُعتبر تعيين القاضية كيتانجي جاكسون، أول قاضية سوداء في أرفع محكمة أميركية، سابقة تاريخية ولكن في مسار تطور طبيعي يعبّر مباشرة عن تغيّر نظرة المجتمع الأميركي، رغم انقساماته، إلى قضية المساواة العرقية. كما عُدّ تعيينها «تطوراً طبيعياً»، للحياة السياسية الأميركية، منذ انتخاب باراك أوباما، كأول رجل أسود رئيساً للبلاد، وانتخاب كامالا هاريس كأول امرأة وأول امرأة سوداء نائبة للرئيس. لكنه في المقابل، أفقد «الرجل الأبيض» للمرة الأولى أيضاً، الغالبية في المحكمة، مع خمسة من أعضائها من غير البيض، واقتراب النساء من المساواة مع الرجال (4 نساء مقابل 5 رجال). ومع تولي القاضية جاكسون منصبها في 3 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ستكون المحكمة العليا قد شهدت أكبر تغيير في تاريخها في أقل من جيل واحد، وسيكون متوسط عمر قضاتها 61 عاماً، مقابل إدارة أميركية يبلغ فيها الرئيس 79 عاماً ورئيسة مجلس النواب 82 عاماً. وهو ما طرح نقاشات وتساؤلات عن ضرورة تحديد سقف عمري، ليس فقط لقضاة المحكمة العليا، بل ولقادة البلاد السياسيين أيضاً.
ومن نافل القول إن الرئيس بايدن قد حقق واحداً من وعوده الانتخابية المهمة، لناخبيه من الأميركيين السود، عندما قال إن المحكمة العليا في طريقها لتكون «أشبه بأميركا»، عبر تعيينه جاكسون أول قاضية سوداء في المحكمة العليا. لكن ورغم ذلك، لن يتمكن تعيينها هذا من كسر التوازن القائم في المحكمة، حيث 6 من أعضائها من المحافظين، مقابل 3 ليبراليين. ويذكر، في هذا الإطار، أنه رغم تعيين ترمب للقضاة الثلاثة نيل غورساتش وبريت كافانو وإيمي باريت، الذين غالباً ما كانوا على يمين رئيس المحكمة العليا المحافظ جون روبرتس، فإن أمله قد خاب منهم بعد تصويتهم في المحكمة على قرارات رفضت تأكيداته المبالغة عن امتيازه التنفيذي، وادعاءاته بشأن خسارته انتخابات 2020.
كما أن تعيين جاكسون لن يخفف من حدة الانقسام السياسي الذي يتجه للاحتدام، مع استعداد المحكمة العليا للنظر في قضايا تثير خلافات شديدة، على رأسها قانون الإجهاض، والتعديل الدستوري الثاني المتعلق بحمل السلاح، والتمييز العرقي في القبول في الجامعات، وحقوق المثليين مقابل الحرية الدينية وغيرها من القضايا التي ينقسم الأميركيون حولها بشكل حاد، على أسس حزبية أكثر مما هو عليه الأمر في المحكمة. غير أن مراقبين لأعمال المحكمة العليا يرون أنها ستواجه مشكلات في المستقبل، في ظل تآكل الموافقة العامة على خلفيات قضاتها، نتيجة الانقسام السياسي. وأظهر استطلاع أجرته مدرسة «ماركيت» للحقوق في مارس (آذار) الماضي، أن 54 في المائة من الجمهور يوافقون على أداء وظائف المحكمة (64 في المائة من الجمهوريين، مقابل 52 في المائة من الديمقراطيين و51 في المائة من المستقلين)، تراجعاً من 66 في المائة في سبتمبر (أيلول) 2020، رغم ارتفاعه من 49 في المائة عام 2021، لكن حتى أدنى الاستطلاعات لا تزال تظهر أن المحكمة تتصدر مستوى شعبية بايدن أو الكونغرس. ومع تلك القضايا المعروضة على المحكمة، سيكون من الصعب الحفاظ على موافقة الحزبين، التي تستند بشكل عام إلى نتيجة القضية، وليس إلى منطق المحكمة. ويرجح أن تتعزز وجهات النظر الحزبية للمحكمة، عبر إصدارها مزيجاً من القرارات، أو لقرارات محدودة النطاق، قد لا تكون كافية للتخفيف من الانقسامات الحزبية، التي يمكن أن تهيمن على الحملات الانتخابية قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الخريف المقبل.
- أوباما مهّد لجاكسون
في يوليو (تموز) 2009، عندما رشح باراك أوباما جاكسون لمنصب نائب رئيس لجنة إصدار الأحكام في الولايات المتحدة، بدا واضحاً أن عملية «إعداد وتأهيل» جارية للدفع بوجه أسود صاعد في عالم القضاء. في ذلك الوقت أكد مجلس الشيوخ تعيين جاكسون بالإجماع في فبراير (شباط) 2010، لتخلف القاضي مايكل هورويتز. وبقيت جاكسون في اللجنة حتى 2014، وفي سبتمبر 2012، رشّح أوباما جاكسون للعمل كقاضية في محكمة الاستئناف في الولايات المتحدة عن مقاطعة كولومبيا (العاصمة واشنطن)، عن المقعد الذي أخلاه القاضي المتقاعد هنري كينيدي. تم تقديم جاكسون في جلسة التأكيد في ديسمبر (كانون الأول) 2012 من قبل الجمهوري بول رايان، أحد أقاربها من خلال الزواج، الذي قال: «قد تختلف سياستنا، لكن مديحي لفكر كيتانجي وشخصيتها ونزاهتها لا لبس فيه». وفي فبراير 2013، تم تقديم ترشيحها إلى مجلس الشيوخ بكامل هيئته، ليتم تأكيدها عن طريق التصويت في مارس، وأدت اليمين في مايو (أيار) أمام القاضي ستيفن براير الذي ستخلفه اليوم في منصبه في المحكمة العليا.
ولدت كيتانجي براون جاكسون (بروتستانتية) في العاصمة واشنطن، عام 1970، وترعرعت في ميامي بولاية فلوريدا. كان والداها من خريجي كليات وجامعات السود تاريخياً. والدها، المحامي جوني براون، تخرج في كلية الحقوق بجامعة ميامي، وأصبح في النهاية كبير المحامين لمجلس مدرسة مقاطعة ميامي ديد ذات الغالبية السوداء. عملت والدتها إليري مديرة في مدرسة العالم الجديد للفنون. في عام 1996، تزوجت كيتانجي براون (اسم عائلتها قبل الزواج) الجراح باتريك جاكسون، من بوسطن، ولديهما ابنتان ليلى وتاليا. تربطها علاقة قرابة مع رئيس مجلس النواب السابق بول رايان، الذي ترشح عام 2012 كنائب للرئيس مع المرشح الرئاسي الجمهوري ميت رومني. فصهرها متزوج بأخت زوجة رايان.
تخرجت جاكسون في مدرسة ميامي بالميتو الثانوية العليا عام 1988. في سنتها الأخيرة، فازت بلقب الخطابة الوطنية في بطولة الرابطة الوطنية الكاثوليكية للطب الشرعي في نيو أورلينز. درست جاكسون المحاماة وأعمال الحكومة في جامعة هارفارد، وشاركت في تقديم أنشطة ثقافية وأخذت دروساً في الدراما، وقادت احتجاجات ضد طالب قام بعرض علم الكونفدرالية من نافذة مسكنه الطلابي في الجامعة. تخرجت في جامعة هارفارد عام 1992 بدرجة امتياز كبير، عن أطروحتها بعنوان «يد القهر: عمليات المساومة بالذنب وإكراه المتهمين بارتكاب جرائم». عملت جاكسون مراسلة وباحثة في مجلة «تايم» من 1992 إلى 1993، لتكمل تحصيلها في كلية الحقوق بجامعة هارفارد، حيث كانت محرراً مشرفاً لمجلة هارفارد للقانون، وتخرجت عام 1996 بدرجة دكتوراه في القانون بامتياز. وبينما كانت لا تزال طالبة في الكلية، حُكم على عم جاكسون، توماس براون جونيور، بالسجن مدى الحياة لإدانته بتعاطي الكوكايين من دون عنف. بعد سنوات، أقنعت جاكسون شركة محاماة بتولي قضيته مجاناً، وخفف الرئيس الأسبق أوباما عقوبته في النهاية. فيما خدم عم آخر، يدعى كالفن روس، كرئيس شرطة ميامي.
- جاكسون معارضة قوية لترمب
بدأت حياتها المهنية القانونية بثلاث وظائف كتابية، بما في ذلك واحدة مع القاضي ستيفن براير، الذي كان لا يزال مساعداً في المحكمة العليا. قبل ترقيتها إلى محكمة الاستئناف الأميركية عن دائرة العاصمة، عملت قاضية مقاطعة في محكمة مقاطعة كولومبيا في الولايات المتحدة من 2013 إلى 2021. منذ عام 2016، كانت عضواً في مجلس المشرفين في جامعة هارفارد. خلال فترة وجودها في المحكمة الجزئية، كتبت جاكسون عدة قرارات معارضة لمواقف إدارة ترمب. وفي رأيها الذي يطلب من دونالد ماكغان مستشار البيت الأبيض السابق في إدارة ترمب، الامتثال لأمر الاستدعاء التشريعي من مجلس النواب، كتبت أن «الرؤساء ليسوا ملوكاً». وتعاملت جاكسون مع عدد من التحديات لإجراءات بعض الوكالات التنفيذية التي أثارت تساؤلات حول القانون الإداري. كما أصدرت أحكاماً في قضايا عدة حظيت باهتمام سياسي خاص.
في 30 مارس 2021، أعلن الرئيس جو بايدن عزمه على ترشيح جاكسون للعمل قاضية في محكمة الاستئناف الأميركية عن دائرة العاصمة. في 19 أبريل (نيسان) 2021، أرسلت أوراق ترشيحها إلى مجلس الشيوخ، عن المقعد الذي أخلاه القاضي ميريك غارلاند، الذي استقال ليتولى منصب وزير العدل. في 28 من الشهر نفسه عقدت جلسة استماع بشأن ترشيحها أمام اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ. وخلال جلسة التثبيت، تم استجواب جاكسون حول العديد من أحكامها ضد إدارة ترمب. في 20 مايو 2021، صوّتت اللجنة القضائية على ترشيحها بأغلبية 13 مقابل 9 أصوات. وفي 10 يونيو (حزيران) 2021، صوّت مجلس الشيوخ على ترشيحها بأغلبية 52 صوتاً. وبعد أربعة أيام، أكد مجلس الشيوخ تعيين جاكسون بأغلبية 53 مقابل 44 صوتاً، بعد انضمام أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري سوزان كولينز وليندسي غراهام وليزا موركوفسكي إلى جميع الديمقراطيين الخمسين. وفي أول قرار لها كقاضية في محكمة الاستئناف، ألغت جاكسون قاعدة صدرت عام 2020، عن الهيئة الفيدرالية لعلاقات العمل التي كانت تقيّد القدرة التفاوضية لنقابات العمال في القطاع الفيدرالي.
وفي 25 فبراير 2022، رشح الرئيس جو بايدن جاكسون لعضوية المحكمة العليا، لملء المنصب الذي سيشغر بعد إعلان القاضي ستيفن براير نيته التقاعد نهاية هذا الصيف، لتندلع مجدداً معركة تثبيتها على طول خطوط الانقسام الحزبية المتوقعة. وفي السابع من هذا الشهر، صوّت جميع الديمقراطيين وثلاثة جمهوريين، هم السيناتور ميت رومني وسوزان كولينز وليزا موركوفسكي، من أعضاء مجلس الشيوخ، لصالح ترشيحها، مقابل اعتراض 47 جمهورياً. وخلال جلسات الاستماع التي عقدت لتثبيت عضويتها، اتهمها الجمهوريون بالتساهل مع المجرمين، بعد دفاعها وإصدارها أحكاماً مخففة عن بعض المحكومين بجرائم القتل، رغم عدم تبنيها حتى الآن مع غالبية أعضاء المحكمة إلغاء عقوبة الإعدام، التي يدعو إليها القاضي براير. كما ذكرت وكالة بلومبرغ أن المحافظين المعترضين أشاروا إلى أنه في ربيع عام 2021، أخذت جاكسون قرارات تم نقضها في الاستئناف، بوصفها «عيباً محتملاً في سجلها». وأشاروا إلى أنه في عام 2019، حكمت جاكسون بأن أحكاماً في ثلاثة أوامر تنفيذية لترمب تتعارض مع حقوق الموظفين الفيدرالية في المفاوضة الجماعية. لكن دائرة العاصمة عكست قرارها بالإجماع. وفي قرار آخر عام 2019 يطعن بقرار لوزارة الأمن الداخلي بخصوص ترحيل غير المواطنين، تم عكسه أيضاً من قبل دائرة العاصمة. لكن مدافعين عنها قالوا إن في سجلها ما يقرب من 600 رأي قضائي، لم يتعرض سوى 12 منها للطعن.

- المحكمة الأميركية العليا سلطتها مطلقة في جميع القضايا الفيدرالية أو التي تخص الدولة
> المحكمة العليا الأميركية هي أعلى محكمة في القضاء الفيدرالي للولايات المتحدة. تتمتع بسلطة استئنافية نهائية وتقديرية إلى حد كبير على جميع قضايا المحاكم الفيدرالية ومحاكم الولايات التي تنطوي على قضايا تخص القانون الفيدرالي، وكذلك على الولاية القضائية الأصلية على نطاق ضيق من القضايا. كما تختص على وجه التحديد في «جميع القضايا التي تؤثر في السفراء، والوزراء العامين، والقناصل الآخرين، وتلك التي تكون الدولة الأميركية فيها طرفاً». تتمتع المحكمة بسلطة المراجعة القضائية، والقدرة على إبطال القانون، لانتهاكه أحد أحكام الدستور. كما أنها قادرة على إلغاء التوجيهات والأوامر الرئاسية التنفيذية لانتهاكها الدستور أو القانون الوضعي. ومع ذلك، لا يجوز لها أن تتصرف إلا في سياق قضية في مجال قانوني لها اختصاص عليها. ويجوز للمحكمة أن تفصل في قضايا ذات مغزى سياسي. لكنها قضت خلال تاريخها بأنها «لا تملك سلطة الفصل في المسائل السياسية غير القابلة للتقاضي».
تأسست المحكمة العليا بموجب المادة الثالثة من دستور الولايات المتحدة. لكن قبل وضع هذه المادة الدستورية، تم إنشاء وتعيين إجراءات المحكمة العليا في البداية، من قبل الكونغرس الأول من خلال قانون القضاء لعام 1789. وبموجب قانون القضاء لعام 1869، حدد لاحقاً أن محكمة الولايات المتحدة العليا، تتكون من رئيس وثمانية قضاة مساعدين، يعينون لفترة مدى الحياة، ولا يغادرون منصبهم، إلّا في حالة الوفاة، أو التقاعد، أو الاستقالة، أو العزل. وهم اليوم، الرئيس جون روبرتس عينه جورج بوش الابن عام 2006، والقاضي كلارنس ثوماس عيّنه جورج بوش الأب عام 1991، ويعد الأطول في الخدمة، والقاضي ستيفن براير عينه بيل كلينتون عام 1994، وقد تقاعد أخيراً وتنتهي خدمته نهاية الصيف، لتحل مكانه القاضية كيتانجي جاكسون، والقاضي صاموئيل أليتو عيّنه بوش الابن عام 2006، والقاضية سونيا سوتوماير عينها أوباما عام 2009، والقاضية إلينا كاغان عينها أوباما عام 2010، والقاضي نيل غورساتش عينه ترمب عام 2017، والقاضي بريت كافانو عيّنه ترمب عام 2018، والقاضية إيمي باريت عينها ترمب نهاية 2020.
عندما شغور منصب فيها، يقوم الرئيس الأميركي، بترشيح قاضٍ شرط موافقة مجلس الشيوخ عليه. ورغم تعرض منصب القاضي «مدى الحياة» لانتقادات متزايدة، على خلفية تحول تعيينه إلى مسألة حزبية، وتخوفاً من «تحجر» آراء كبار السن، يقول آخرون إن ديمومة المنصب تجلب فوائد كثيرة، مثل الحياد والتحرر من الضغط السياسي. ولضمان استقلاليتهم المالية، يتقاضى قضاة المحكمة رواتب مرتفعة نسبياً. واعتباراً من عام 2021، يتقاضى القضاة راتباً سنوياً قدره 268 ألف دولار، ويتقاضى رئيس المحكمة 280 ألفاً. وتحظر المادة الثالثة من الدستور على الكونغرس، خفض رواتب القضاة. ورغم أن القانون يمنع القضاة من تلقي الهدايا ودعوات السفر باهظة الثمن، فإن تدقيقات أخيرة في العقدين الماضيين أظهرت أن جميع أعضاء المحكمة يقبلون هذه الهدايا. فقد تلقت القاضية سونيا سوتوماير 1.9 مليون دولار، من أحد الناشرين. وقام القاضي الراحل انتوني سكاليا وآخرون بعشرات الرحلات باهظة الثمن إلى «مواقع غريبة»، دفع ثمنها متبرعون من القطاع الخاص. كما تثير المناسبات الخاصة التي ترعاها مجموعات حزبية، ويحضرها القضاة مع أولئك الذين لديهم مصلحة، مخاوف بشأن التواصل معهم والتأثير في أحكامهم.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».