إربين الأوكرانية تعيد للذاكرة مشاهد الحرب العالمية الثانية

«الشرق الأوسط» توثق في شوارعها حجم الدمار في مدينة قريبة من محيط كييف

جنديان أوكرانيان يحاولان إصلاح آلية روسية غنماها في زابوتشايا (الشرق الأوسط)
جنديان أوكرانيان يحاولان إصلاح آلية روسية غنماها في زابوتشايا (الشرق الأوسط)
TT

إربين الأوكرانية تعيد للذاكرة مشاهد الحرب العالمية الثانية

جنديان أوكرانيان يحاولان إصلاح آلية روسية غنماها في زابوتشايا (الشرق الأوسط)
جنديان أوكرانيان يحاولان إصلاح آلية روسية غنماها في زابوتشايا (الشرق الأوسط)

باص صغير عليه إشارة الصليب الأحمر متوقف في وسط الشارع وقربه على الرصيف عربة أطفال متروكة لشأنها، وحولهما دمار وركام. بعض المنازل محترقة والأخرى مدمرة، ودار عبادة على جدرانها آثار طلقات رصاص، والشارع خالٍ من الناس والسيارات. بعد دقائق قليلة تصل قافلة مساعدات يرافقها عربة جنود من الجيش الأوكراني، يتجاوز الموكب الباص الصغير ويتابع طريقه نحو مناطق تجمع المدنيين المحتاجين للمساعدات.

أهلاً بكم في إربين
منذ منتصف الأسبوع بدأت إربين تخلو من الجنود الروس، معارك طاحنة كان يصل دويها إلى مسافة خمسة كيلومترات أدت إلى خروج القوات الروسية من المدينة، قبل أن ينتقل القتال إلى زابوتشايا وبوتشا، المتاخمتين لإربين. واستطاعت القوات الروسية المحافظة على المنطقتين وعملت على قصف إربين بعنف لمدة يومين قبل أن تنهار قدرتها على الصمود وتنسحب مخلفة وراءها كثيراً من المعدات والجنود القتلى وجثثاً لمدنيين قضوا بطلقات القنص أو الرصاص المباشر للقوات الروسية أو عمليات القصف المتبادلة.
أغلق الجيش الأوكراني وقوات الشرطة كل الطرق إلى إربين ومحيطها، وكيفما حاولت التوجه ستجد حاجزاً للشرطة يطلب منك العودة من حيث أتيت، الدخول مستحيل إلا بمساعدة خرائط «غوغل» وبعض الثغرات التي لم تسرع الشرطة العسكرية في الجيش أو الشرطة المدنية إلى إغلاقها. إحداها سمح لنا بالوصول إلى داخل إربين، التي، وكما أبلغنا رجال الشرطة «لا تزال قيد التنظيف».

جثث على الطرقات وقذائف
لم تنفجر وعمليات نهب للمحلات
على أطراف الطريق المؤدية إلى إربين كما في داخلها عدد من قذائف لم تنفجر، تركت في مكانها بانتظار اختصاصيي إزالة المتفجرات. كما تشاهد أيضاً بعض الجثث، فيما تعمل عدة فرق، بحسب ما أفادنا مسؤولون برلمانيون، على تقصي الحقائق وتوثيق ما يمكن أن يشكل جرائم حرب ضد المدنيين في محيط كييف، خصوصاً مكتب المدعي العام الذي يصدر تقارير دورية حول أعمال تحقيقاته.
على تقاطع الطرق في ستويانكا (20 كيلومتراً غرب كييف) المحلات التجارية مدمرة بالكامل، محطة الوقود تعرضت للقصف واحترقت، المخازن التجارية خالية من البضائع، بعد أن تعرض بعضها إلى عمليات نهب منظمة. في محال المأكولات تشاهد بقايا الوجبات وبعض قطع اللحم في أحد البرادات المطفأة، وكذلك الحال بالنسبة لمحال ألعاب الأطفال الخالية هي الأخرى من البضائع تقريباً، كل شيء يوحي بأن عمليات نهب حصلت هنا قبل اشتداد المعارك. الأبواب مكسرة رغم أنها تتعرض للقصف.
ثم تأتي ملامح المعارك، إذ ترى آثار الرصاص على الجدران وفي داخل أنفاق تصل بين جانبي الطريق الدولية كانت قبل المعارك مخصصة للمشاة، ثم ألقيت فيها قنابل يدوية، إضافة إلى تعرضها لرشقات نارية. ولكن ما جرى هنا معارك سريعة، لم تدُم طويلاً ربما ساعات على الأغلب، فكمية الرصاص والقذائف المباشرة تقول إن القوة التي وُجدت هنا حتى يوم الجمعة صباحاً قاتلت فقط لتتمكن من الانسحاب.

الاستيلاء على عربات روسية وإصلاحها لإعادتها إلى الميدان
ومن ستويانكا تتفرع الطريق نحو إربين مباشرة أو كابتانيفكا ثم زابوتشايا وبوتشا. ومن هذه الطريق تصل عربة روسية استولت عليها القوات الأوكرانية وأخفت الإشارات الروسية عنها وقادتها نحو المناطق الخلفية للإصلاح كما يبدو، بينما كانت فرق أخرى تتولى تأمين الطرق والبحث عن جثث أو ألغام وقذائف غير منفجرة في محيط الطريق البعيدة، وكثير من المصورين الصحافيين يلتقطون الصور ويسجلون لقطات الفيديو.
على الطريق المؤدية إلى زابوتشايا (23 كيلومتراً غرب العاصمة كييف) توقفت مدرعتان وبدأ عدد من الجنود الأوكرانيون العمل على ربط بعضهما ببعض. المدرعة الأوكرانية أتت لجر الآلية الروسية التي أصيبت وتخلى عنها جنودها. جندي أوكراني يبتسم ويسمح لنا بالتصوير، قائلاً: هذه المدرعة الروسية ستعود للقتال بعد أن نصلحها ونغير ألوانها قليلاً.
ينجح الجنود في تحريك العربة وفك بعض الأجزاء المحطمة بفعل قذيفة أوكرانية صغيرة أصابتها بالأمس (أول من أمس)، وتتحرك الآلية الأوكرانية جارة خلفها تلك الروسية مبتعدتين بسرعة، وعلى أطراف الطريق كثير من الآليات الروسية المدمرة، عربات تقنية وناقلات جند من طراز تايغر، وبعض السيارات المدنية التي رسم عليها حرف «زد» رمز الحرب الروسية الحالية. وقربها بعض السيارات الأوكرانية المصابة أو المدمرة التي أيضاً استخدمها الجيش للتحرك بسرعة وضرب القوات الروسية في المناطق الخلفية أو القريبة من الجبهات.
أينما وجهت نظرك في الطريق ستجد آثار معارك وعربات روسية مدمرة، من الصعب إحصاؤها، ولكن على الأقل ثمة دزينة من العربات القتالية الثقيلة المحترقة أو المدمرة جزئياً بفعل صواريخ، الأرجح أنها من طراز جافلين وانفجار الذخائر داخلها.

قرية زابوتشايا شاهدة على معارك طاحنة وعمليات نهب
كانت زابوتشايا، القرية الصغيرة الفقيرة تنام صباح يوم السبت حين انتهى القتال وتوقف القصف وبدأ بعض الناس بتفقد ما يملكون. يبدو كأن أغلب السكان بقوا في منازلهم، ولا أحد منهم يرغب في الإجابة عن أي سؤال، لا أحد يتفاعل بأكثر من هزة رأس في إجابة على تحية الصباح، وعدا ذلك يبادلونك النظرات بصمت. الجنود من ناحيتهم كانوا يستعدون للانتشار من جديد، يقيمون التحصينات، أو يشعلون النار للتدفئة. تعرض على أحدهم السجائر فيشكرك ويقول إنه يفضل ألا يغير دخانه، ويسحب من جيبه علبة مليئة. هؤلاء الجنود يملكون ما يكفي من الطعام والإمداد، ومن نوعية مأكولاتهم يمكنك أن تستنج أنها من مواد الدعم التي تبرع بها السكان والتي كانت تصل إلى أماكن تجميع مثل محطة قطارات كييف.
على طرف زابوتشايا وقبل الوصول إلى مفترق إربين - بوتشا، ثمة قافلة من 10 آليات مدرعة ما بين دبابات وناقلات جند بي إم بي ومدرعات قتالية بي تي آر مدمرة. هنا فتكت القوات الأوكرانية بالدبابات الروسية، والسكان يتحدثون عن سحب الجنود في الصباح الباكر لبعض الآليات التي لا تزال صالحة للعمل. كثير من الآليات لا تزال تحمل بعض المعدات القتالية، أو أسلحة فردية تخلى الجنود الروس عنها بعد هجرهم لمدرعاتهم. وعلى جوانب الطريق ترك الجنود الروس بعض أحذيتهم العسكرية، البعض قتل هنا وسحبه أصدقاؤه دون حذاء وآخرون غيروا أحذيتهم بأحذية رياضية من المخازن التجارية في المناطق المجاورة.
الدبابات شبه المدمرة تفضح حجم السرقات، بعضها مليء بالمعدات المدنية والأدوات المنزلية، وأخرى بثياب ومسروقات جديدة أخرى، أو معدات كهربائية أو حتى معدات للمناشر وغيرها من المصنوعات، سرقت من محلات تجارية سبق أن شاهدناها في الطريق إلى هنا. حتى المأكولات المتناثرة قرب الدبابات المحترقة أو شبه المدمرة تحمل علامات تجارية أوكرانية وأسماء مخازن كبرى في محيط العاصمة.

مشهد الحرب يمتد
على كل شوارع إربين
على مفترق طرق إربين - بوتشا يقول لنا أحد الجنود الأوكران: الطريق آمنة ولكن انتبهوا من الألغام والقذائف على أطرافها. نسير في منتصف الطريق، وعلى أحد الجوانب جثة لدراج قتل برصاص القنص، قام أحد المارة بتغطية وجهه بأكياس بلاستيكية.
في إربين المنازل والشوارع مدمرة من القصف، ولم يسلم أي شيء من القصف والرصاص. السيارات تعرضت للسحق من قبل الدبابات، وأخرى تعرضت لإطلاق النار، غيرها قتل أصحابها في داخلها إثر حوادث اصطدام عنيفة في الأيام الأولى للحرب خلال محاولاتهم الهروب، وشاحنة ثقيلة للقوات الروسية محروقة بقنابل المولوتوف ومتروكة في مكانها. مشهد الحرب يمتد على كل شوارع إربين المؤدية إلى وسط المدينة.
في حديقة منزل وقف كلب ينبح، وخلف زجاج مهشم ظهر وجه إنسان يختلس النظر ويحتمي بستائر ممزقة، بعض البيوت لا تزال مسكونة، ويتسلل من خلفنا رجل بيده كيس طعام، وحين يشاهدنا يركض داخلاً إلى منزل ومغلقاً الباب بسرعة. من تمكنا من إيقافهم رفضوا الكلام، أو لم يفهموا ما الذي نريده تماماً وأجابونا بالصمت. بعد يومين من توقف القصف لا يزال من بقي هنا تحت تأثير الصدمة.
المدينة المدمرة هنا لا تشير إلى أنها تقع على مسافة 20 كيلومتراً شمال غربي كييف العاصمة، بل هي أقرب إلى المناطق المنكوبة في الحرب العالمية الثانية، حيث المباني التي أطاح القصف بسقوفها وباتت غير صالحة للاستخدام، أو تلك التي أصابتها مدفعية الدبابات في طوابقها العليا أو الوسطى، أو التي احترقت عدة طبقات منها، وأغلب المباني والمنازل فقدت زجاجها، والطرق إلى المستشفيات مقطوعة بفعل القصف أو الأشجار المتكدسة في وسطها بعد عواصف النار والرصاص والقذائف المباشرة.
أرتال عسكرية أوكرانية لجنود النخبة تعبر إربين معيدة الانتشار، يتوقف بعضها ليسمح لقوافل الصليب الأحمر بالعبور، بينما يحاول بعض الجنود قرب وسط المدينة وضع إشارات الخطر قرب مناطق ملغمة وأخرى عثروا فيها على قذائف غير منفجرة. يمكن تماماً فهم أسباب منع القوات الأوكرانية للصحافيين والمدنيين من الدخول حالياً إلى المدينة ومحيطها، والعمل الحثيث على إخراج المدنيين منها بأسرع وقت.
المعارك هنا جرت ما بين يوم السابع والعشرين من فبراير (شباط) ونهاية شهر مارس (آذار)، بعدها تعرضت المدينة لقصف روسي عنيف، ثم انتقلت المعارك نحو بوتشا والطرق الرئيسية. إلا أن إربين ستبقى تعاني لوقت طويل، عدا أن شيئاً لا يؤكد نهاية العمليات الروسية في هذه المنطقة، فكل المعلومات تقول إن إعادة تجميع القوات جارية على قدم وساق في بيلاروسيا والأراضي الروسية، وإن موجة جديدة من العمليات قد تصل إلى العاصمة كييف، تماماً كما حصل اليوم في محيط ثاني أكبر مدينة بأوكرانيا أي خاركيف.



الصين تستبعد المشاركة في مؤتمر سويسرا للسلام بشأن أوكرانيا

المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ (د.ب.أ)
المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ (د.ب.أ)
TT

الصين تستبعد المشاركة في مؤتمر سويسرا للسلام بشأن أوكرانيا

المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ (د.ب.أ)
المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ (د.ب.أ)

أكدت الصين، الجمعة، أن حضورها مؤتمراً للسلام بشأن أوكرانيا تستضيفه سويسرا في يونيو (حزيران) سيكون أمراً «صعباً».

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ «هناك تباين واضح بين الترتيبات التي تم اتخاذها للمؤتمر من ناحية، ومطالب الصين وتطلعات المجتمع الدولي من ناحية أخرى، ما يجعل من الصعب على الصين أن تشارك فيه».

الأحد، حث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نظيريه الأميركي والصيني على المشاركة في المؤتمر المقرر في 15 و16 يونيو (حزيران) ولم تُدع إليه روسيا التي توقعت فشله.

وقالت ماو نينغ «لقد أصرت الصين دائماً على ضرورة اعتراف كل من روسيا وأوكرانيا بالمؤتمر الدولي للسلام، والسماح بمشاركة جميع الأطراف على قدم المساواة وإجراء مناقشة عادلة لجميع خطط السلام... وإلا فإن المؤتمر لن يكون له دور كبير في إعادة السلام».

وأضافت، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «لكننا سنواصل الحث على إجراء محادثات للسلام بطريقتنا الخاصة، وسنبقى على اتصال مع جميع الأطراف وسنعمل معاً لتحقيق تسوية سياسية للأزمة الأوكرانية».

وتؤكد الصين وقوفها رسمياً على الحياد في هذا النزاع، لكنها لم تعلن إدانتها للغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ما عرّضها لانتقادات غربية. وزارها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر من مرة منذ بداية الحرب.

وتدعو بكين باستمرار إلى احترام سيادة أراضي جميع البلدان بما في ذلك أوكرانيا، ولكنها تحث أيضاً على مراعاة مخاوف روسيا الأمنية.

في موسكو، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، للصحافيين، الجمعة، تعقيباً على تصريحات ماو نينغ «قالت الصين منذ البداية إن عقد مثل هذه القمم دون مشاركة روسيا ليس له مستقبل على الإطلاق».

وأضاف أن «البحث عن حلول للنزاع الأوكراني من دون مشاركة روسيا هو أمر غير منطقي على الإطلاق، ودون أفق وليس عملياً أكثر من مجرد مضيعة للوقت»، مؤكداً أن وجهات نظر موسكو وبكين بشأن هذا الموضوع «متطابقة تماماً».

في سنغافورة، خلال المناقشات التي جرت، الجمعة، مع نظيره الأميركي لويد أوستن، كرر وزير الدفاع الصيني دونغ جون «موقف بكين الموضوعي والمحايد» بشأن الحرب في أوكرانيا، وفقاً للمتحدث باسم الوزارة وو تشيان.

وأكد الوزير لنظيره وفقاً لما نقله المتحدث «لقد احترمنا التزامنا بعدم توفير أسلحة لأي من طرفي النزاع»، مشدداً على أن الصين «تعتمد ضوابط صارمة على صادرات المعدات العسكرية».

وأضاف أن «الصين ستواصل الدفع باتجاه عقد محادثات للسلام ولعب دور بناء، لكننا نرفض بشدة أن تلقي الولايات المتحدة اللوم علينا».