في أحد أفلامه الستّة التي خرجت إلى الأسواق خلال الأشهر القليلة الماضية، وهو «يوم للموت» (A Day to Die)، يُمكن ملاحظة أن حوار الممثل بروس ويليس كان مقتضباً، وتألف من عبارات محدودة موزعة في مشاهده المتباعدة.
الحال ذاته في فيلمه السابق «حصار أميركي» (American Siege) واللاحق «فانديتا». لكن في السيستم التجاري الذي يقود أفلام الأكشن هذا اليوم، قد يكون ذلك طبيعياً؛ فالحوارات باتت تكتب كما الشيفرات: «كلمات قليلة ملؤها التأكيد على دلالات محدودة عوض أن تنبش في واقع الشخصيات، وما قد تفصح عنه لو أتيح لها ذلك».
الآن، وبعد أن أعلنت عائلة الممثل ويليس أنه مصاب بداء Aphasia، ولن يستطع الممثل تكملة مشواره الفني الطويل الذي بدأه في ثمانينات القرن الماضي، بات يمكن إرجاع السبب في مسألة عباراته القليلة في الأفلام إلى هذا الذي لم يكن أحد على علم به، إلا أولئك الذين وُجدوا خلال تصوير تلك الأفلام.
«أفازيا» هو مرض صعب العلاج يؤدي إلى ضياع المعلومات الآنية من الذاكرة وفقدان القدرة على النطق، وبحسب أحد الأطباء، يفقد المريض «القدرة على أي وسيلة تعبير أخرى بما فيها الكتابة». بالنسبة لويليس، لم يُصب بهذا المرض فجأة، بل يعود الأمر إلى عام 2020، عندما لاحظ العاملون معه في الأفلام الكثيرة التي قام بأدائها أنه لم يعد يستطيع حفظ الحوار، ولا استعادة المعلومات المتعلقة بأدائه.
الحال أن ويليس صوّر 22 فيلماً ما بين 2020 و2022. هذا رقم كبير جداً لأي ممثل. بالنسبة لويليس، هو جهد هائل لرجل في السابعة والستين من عمره، عليه أن ينتقل عبر أفلامه بين مواقع كثيرة، وأن يؤدي تلك الحركات التي تتطلبها هذه الأفلام، وكلها من نوع الأكشن.
هل كان بروس ويليس بحاجة إلى كل هذا الكمّ من الأفلام؟ ما الدافع إليها؟ المال أم حب البقاء في المهنة وعدم الاستسلام أمام زحف السنين؟
كان ويليس يعلم بالتأكيد أن معظم ما يقوم به هو تسديد فواتير وتجسيد حضور مستنسخان من سنوات النجومية الآفلة. ليس فقط أنه كان يقبل بأجر قليل، بل إن العديد من الأفلام التي قام بها في الآونة الأخيرة تم صنعها بميزانيات لا تزيد كثيراً على 15 مليون دولار. هذا يعني أن أجره عن كل فيلم لم يتجاوز بضعة مئات الألوف، وذلك لقاء توظيف اسمه في أفلام يتوجه معظمها صوب سوق الأسطوانات، وقلّما يجد عروض صالات ناجحة.
الغالب أن ويليس لم يكن لديه البديل.
لقد نشأ على تمثيل أفلام القوّة البدنية والحركة الدؤوبة والتشويق المثير. كان انطلق كنجم تلفزيوني على هذا الأساس في مسلسل بوليسي استمر لخمس سنوات عنوانه (Moonlighting (1985 - 1989. وكان ظهر على الشاشة الكبيرة من عام 1980 في أدوار قصيرة، أولها في فيلم لم يتم ذكر اسمه فيه، هو The First Dadly Sin.
في عام 1987، واتته فرصة جيدة عندما اختاره المخرج بليك إدواردز لبطولة «موعد أعمى» (Blind Date) الذي حقق نجاحاً لا بأس به. هذا نقله إلى ثاني بطولة في فيلم «غروب»، ثم إلى الدور الذي اشتهر به أكثر من سواه وهو «داي هارد» سنة 1988. نسبة لهذا النجاح، تم تحقيق جزأين لاحقين من هذا الفيلم، في ظل صعود نجومية الممثل السريعة.
في مقابلة معه تمّت على أعتاب فيلم Die Hard with a Vengeance سنة 1995، قال إن نجاحه ليس نتيجة جهده في تأمين أفضل الأدوار فقط، بل بسبب لقاء حميم بينه وبين الجمهور: «أعتقد أن المسألة عادة ما تكون على النحو التالي: هناك ممثلون يجيدون تلقائياً بث عناصر الجذب وآخرون يفشلون في ذلك. هذا ليس وقفاً علي فقط، بل على معظم الذين باتوا نجوماً على مر العقود».
أضاف ردّاً على سؤال حول كيف يرى مستقبله، قال: «لا أفكر كثيراً في ذلك. أعمل أكثر مما أفكر. ما دامت الأدوار معروضة علي، فإني لا أكترث. المهم هو حسن الاختيار».
بروس ويليس، المولد في 19 مارس (آذار) سنة 1955 ألماني الأصل من عائلة متوسطة الحال انتقلت من ألمانيا إلى الولايات المتحدة بحثاً عن مستقبل أفضل. هو وُلد في بلدة اسمها كارنيز بوينت في ولاية نيوجيرسي. حتى حينها كان ويليس يتكلم بصعوبة. كان يتأتئ حين يتكلّم، وبقي على هذه الحال حتى اكتشف أن التمثيل على خشبة المسرح يخلّصه من صعوبة النطق والتلعثم، فأقبل عليه، وتحوّل من عام 1973 إلى المسرح حتى عرج لاحقاً إلى الأفلام والمسلسلات التلفزيونية.
حافظ ويليس على نجاحه الكبير حتى منتصف العقد الأول من هذا القرن. بعد ذلك بدأ المخرجون يستعينون به كممثل مساند في أغلب الحالات، وبقي الأمر على هذا الوضع، لكن مع هبوط مستوى الأفلام ذاتها وتحوّلها إلى سلسلة من الحكايات المتشابهة. كثير من الأفلام التي تتابعت منذ ذلك الحين صوّرته، بصلعته الكاملة، في أدوار مستهلكة؛ فهو إما ضابط بوليس أو محارب قديم أو جاسوس اعتزل العمل ويُستعان به، في كل هذه الحالات، ممثلون يقودون البطولة عوضاً عنه.
لم يخل الأمر من العودة إلى صف البطولة، كما الحال في 16Blocks، سنة 2006، أو مشاركاً في الصف الأول كما في «Red» سنة 2010 لكن بروس ويليس، كما كنا نعرفه ونتعود عليه بات خلف بروس ويليس الماثل أمامنا.
المحطات الأخيرة لنجم «داي هارد» بروس ويليس
المحطات الأخيرة لنجم «داي هارد» بروس ويليس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة