الجزائر تتحرى «مظاهر ثراء» المسؤولين الحكوميين

وضعت ترتيبات لمراقبة الذمة المالية للموظفين العموميين

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (غيتي)
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (غيتي)
TT

الجزائر تتحرى «مظاهر ثراء» المسؤولين الحكوميين

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (غيتي)
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (غيتي)

أطلقت الحكومة الجزائرية ترتيبات لاستحداث «هيئة للتحري في مظاهر الثراء لدى الموظفين العموميين»، تخص مراقبة تفاصيل حياة المسؤولين الحكوميين وأفراد عائلاتهم، وإجراء تحقيقات حول ممتلكاتهم للتأكد مما إذا كان طرأ عليها تغيير قبل وبعد تولي المسؤولية.
وسبق أن أدان القضاء خلال العامين الماضيين بأحكام ثقيلة بالسجن عدداً كبيراً من وجهاء النظام، بتهم خطيرة تتعلق باختلاس المال العام.
وتسلم البرلمان أول من أمس المشروع للمصادقة عليه، في إطار تعديلات تقترح الحكومة إدخالها على «قانون الوقاية من الفساد ومكافحته»، الصادر في 2006. وقال وزير العدل، رشيد طبي، أثناء شرح المسعى أمام النواب، إن التعديلات «تتضمن آلية تطبيقية وعملياتية للتأكد من التصريح بالممتلكات، بحيث سيكون لـ(السلطة العليا للشفافية)، و(الوقاية من الفساد ومكافحته)، هيكلة متخصصة للتحري المالي والإداري عن الثراء غير المشروع وغير المبرر، الذي يكون فيه الموظف العمومي عاجزاً عن تقديم مبرر لمصدر الزيادة في ذمته المالية».
وتعتزم الحكومة التخلي عن «الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد»، التي جاء بها القانون قبل 15 سنة، وتعويضها بـ«السلطة العليا للشفافية». وتعهد وزير العدل بـ«تعزيز الأحكام الرامية للوقاية من الفساد، وتلك المتعلقة باسترداد الأموال المنهوبة»، مبرزاً أن التحريات في مظاهر الثراء «يمكن أن تشمل أي شخص يحتمل أن تكون له علاقة بالتستر على الثروة غير المبررة لدى الموظف العمومي، لا سيما في حال تبين أن هذا الأخير هو المستفيد الحقيقي منها».
ويقع تحت عنوان «الموظف العمومي» الوزراء والمسؤولون التنفيذيون في الهيئات والمؤسسات، التي ترصد لها الدولة أموالاً كبيرة، والتي تشكل الأجور جزءاً كبيراً منها.
وتعطي الحكومة لـ«هيئة التحري في مظاهر الثراء» صلاحيات واسعة؛ إذ يمكنها «طلب توضيحات مكتوبة أو شفوية من الموظف، أو الشخص المعني. كما يتاح لها بقصد حماية الأملاك، وتجنب التصرف فيها، أن تطلب من النيابة إصدار تدابير تحفظية لحجز الممتلكات، أو تجميد الحسابات المصرفية، عن طريق أوامر قضائية تصدر عن المحكمة. وسيكون من حق الأشخاص الطعن في قرارات مصادرة ممتلكاتهم وتجميد حساباتهم في البنوك لدى القضاء».
وتتشكل «السلطة العليا للشفافية»، حسب مشروع تعديل قانون الفساد، من رئيس يختاره رئيس الجمهورية لولاية تستمر 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، ومجلس يضم 12 عضواً مدة ولايتهم 5 سنوات غير قابلة للتجديد. وتتيح التعديلات على القانون لأي شخص طبيعي، أو معنوي، رفع معلومات وأدلة عن أفعال الفساد إلى «السلطة العليا»، بشرط أن يكون التبليغ مكتوباً وموقعاً، ويتضمن معطيات كافية لتحديد هوية المبلغ عن الفساد.
وكان الرئيس عبد المجيد تبون قد أعلن في يناير (كانون الثاني) الماضي أنه قرر استحداث «هيئة جديدة للتحري في مظاهر الثراء عند كل الموظفين العموميين، بلا استثناء، وذلك من خلال إجراءات قانونية صارمة لمحاربة الفساد، عملا بمبدأ (من أين لك هذا)». وفي الشهر نفسه أطلق تبون «مفتشية عامة لدى رئاسة الجمهورية»، قال إن مهمتها «مراقبة سير المشروعات والاستثمارات»، ورصد أعمال فساد محتملة.
وكان تبون قد تعهد خلال حملة «رئاسية 2019» بـ«استعادة المال الذي نهبته العصابة»، الذي يوجد حسبه، في شكل ودائع في بنوك وأملاك واستثمارات خارج البلاد.
وتتضمن المنظومة القانونية لمحاربة الفساد آليات عدة؛ أبرزها «مجلس المحاسبة» و«المفتشية العامة للمالية»، ومع ذلك لم تمنع ممارسات الرشوة والتلاعب بالمال العام، التي عرفت مستويات قياسية خلال العشرين سنة الماضية، وكانت سبباً في إدانة مسؤولين كبار بالسجن، بينهم رئيسان للوزراء، والعديد من الوزراء، إضافة إلى رجال أعمال.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.