المغرب يعيد سفيرته إلى مدريد بعد 10 أشهر من التشاور

متحدثة إسبانية: تدشين مرحلة جديدة في العلاقات «نبأ سار»

كريمة بنيعيش سفيرة المغرب في مدريد (ماب)
كريمة بنيعيش سفيرة المغرب في مدريد (ماب)
TT

المغرب يعيد سفيرته إلى مدريد بعد 10 أشهر من التشاور

كريمة بنيعيش سفيرة المغرب في مدريد (ماب)
كريمة بنيعيش سفيرة المغرب في مدريد (ماب)

علم في مدريد أمس أن السفيرة المغربية كريمة بنيعيش عادت إلى العاصمة الإسبانية لاستئناف مهامها الدبلوماسية، حسب ما ذكرت وكالة الأنباء الإسبانية «أوروبا برس».
وكانت الرباط قد استدعت السفيرة بنيعيش للتشاور في مايو (أيار) الماضي، بعد تفجر الأزمة الدبلوماسية بين البلدين عقب استقبال زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية إبراهيم غالي في إسبانيا، التي تفاقمت بدخول آلاف المهاجرين من المغرب إلى مدينة سبتة، التي تحتلها إسبانيا شمال المغرب.
وجاءت عودة السفيرة المغربية إلى مدريد، بعد أن غيّر رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، موقفه بشأن الصحراء بتأييده خطة الحكم الذاتي «كأساس جاد وذي مصداقية»، وذلك لإيجاد حل للنزاع الذي طال أمده.
وقالت المتحدثة باسم الحكومة الإسبانية، إيزابيل رودريغيز، إن تدشين مرحلة جديدة في العلاقات بين إسبانيا والمغرب هو «نبأ سار».
وذكرت رودريغيز، في حوار خصت به صحيفة «لاراثون» الإسبانية نشر أمس الأحد: «ينبغي أن نرحب بالنبأ السار المتمثل في تدشين هذه المرحلة الجديدة من العلاقات القائمة بين إسبانيا والمغرب، البلدين الجارين اللذين تجمعهما علاقات تاريخية».
وأشارت المتحدثة الإسبانية إلى أن هذه المرحلة الجديدة «تضمن الاستقرار الضروري، وستمنحنا اليقين، إن على المستوى السياسي أو من حيث انعكاساتها الإيجابية على التجارة بين إسبانيا والمغرب».
وقالت رودريغيز: «لقد قمنا بتعهدات متبادلة وعملنا على احترامها، من بينها، الامتناع عن الإجراءات الأحادية، والحفاظ على تواصل سلس وصريح، قصد الاستمرار في تعزيز تدبير تدفقات الهجرة. إن المفتاح سيكون هو التعاون».
وبعد تجديد التأكيد على موقف بلادها بخصوص قضية الصحراء، أوضحت رودريغيز أن الاتفاق بين البلدين يكتسي «طابعاً نموذجياً»، لا سيما في هذه الفترة المضطربة المطبوعة بالأزمة الأوكرانية.
وكان رئيس الحكومة الإسبانية قد قال في رسالة وجهها إلى الملك محمد السادس الجمعة إن «إسبانيا تعتبر المبادرة المغربية للحكم الذاتي هي الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف» حول الصحراء المغربية.
واعترافاً «بأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب»، شدد رئيس الحكومة الإسبانية على «الجهود الجادة وذات المصداقية التي يقوم بها المغرب في إطار الأمم المتحدة من أجل تسوية ترضي جميع الأطراف».
في غضون ذلك، قال قياديون في الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني (الحاكم)، إن موقف الحكومة الإسبانية الجديد إزاء نزاع الصحراء هو «قرار شجاع»، يبشر بعهد جديد في العلاقات بين البلدين.
وذكرت نائبة الأمين العام للحزب، أدريانا لاسترا، في تصريحات لوسائل الإعلام الإسبانية، أن دعم حكومة مدريد للمبادرة المغربية للحكم الذاتي قصد تسوية الخلاف حول الصحراء، هو «بشرى سارة» من شأنها إيجاد الظروف الملائمة لقيام «علاقات جديدة مع المغرب».
وأوضحت لاسترا أن هذا الموقف الجديد الذي يعتبر الحل المغربي بمثابة «الأساس الأكثر جدية، وواقعية ومصداقية لتسوية الخلاف» حول الصحراء المغربية، يلبي احتياجات إسبانيا والمغرب، «وكذا جزء مهم» من الصحراويين، مضيفة أن اعتماد هذا القرار يندرج في إطار «التعاون والاحترام» القائم بين البلدين.
في السياق ذاته، وصف سلفادور إيلا، زعيم الحزب الاشتراكي الكتالوني ووزير الصحة السابق، القرار الذي اتخذته حكومة بلاده بـ«الشجاع والواقعي».
وقال إن هذا القرار «يحترم سيادة كل الدول ويفتح مرحلة جديدة في العلاقات مع المغرب، ما يعد أمراً مهماً في هذه الظرفية».
وأضاف إيلا أن الموقف المعبر عنه من طرف رئيس الحكومة الإسباني هو «القرار الصحيح، بالنظر إلى أنه يسمح بتقوية العلاقات مع بلد مهم للغاية بالنسبة لإسبانيا وشريك استراتيجي مثل المغرب».
بدورها، جددت سفيرة الولايات المتحدة لدى إسبانيا، جوليسا رينوسو، التأكيد على دعم بلادها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء، واصفة إياها بـ«المعقولة والقابلة للتطبيق».
وأكدت السفيرة رينوسو، التي حلت ضيفة على برنامج تم بثه، الليلة قبل الماضية، على أمواج الإذاعة الإسبانية «كادينا سير»، أن «الولايات المتحدة تعتبر المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء معقولا وقابلا للتطبيق».
وقالت الدبلوماسية، والمستشارة السابقة للرئيس الأميركي جو بايدن، إن «الولايات المتحدة تدعو إلى هذا الحل خلال الاتصالات مع الأطراف المعنية».
وأضافت رينوسو: «نحن ندعم العملية التي تشرف عليها الأمم المتحدة من أجل تسوية هذا النزاع وندعم مبادرة المغرب».
وجاءت تصريحات الدبلوماسية الأميركية عقب قرار مدريد الاعتراف بالمبادرة المغربية للحكم الذاتي باعتبارها الحل الوحيد الجاد، الواقعي والقابل للتطبيق من أجل حل الخلاف الإقليمي حول الصحراء.
وكان متحدث باسم الخارجية الأميركية، أوضح السبت، في تصريح لوكالتي الأنباء الإسبانيتين «أوروبا برس» و«إيفي»، أن واشنطن تقاسم إسبانيا موقفها من قضية الصحراء.
وقال المتحدث: «لا نزال نعتبر مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب كمقترح جاد وذي مصداقية وواقعي»، يتضمن إمكانات واضحة للاستجابة لتطلعات سكان المنطقة.
من جهتها، أشادت العديد من الشخصيات السياسية الأوروبية باعتراف إسبانيا بمبادرة الحكم الذاتي المقدمة من طرف المغرب، باعتبارها الحل الأكثر جدية، وواقعية ومصداقية لتسوية نزاع الصحراء، داعين دولاً أوروبية أخرى إلى السير على خطى إسبانيا.
وكتب النائب الإيطالي، أليساندرو باغانو، في تغريدة له، أنه من خلال الدعم المعبر عنه لمغربية الصحراء، فإن «إسبانيا قامت بانفتاح مهم من أجل حل هذا المشكل الإقليمي».
وقال السياسي الإيطالي إنه و«بعد هذه المبادرة الإسبانية، فإن جميع الدول مدعوة للسير على خطاها. دعونا نأمل أن تقدم إيطاليا على ذلك قريباً هي الأخرى!».
بدوره، رحب النائب الأوروبي - الإيطالي ماركو زاني بالموقف الإسباني، قائلاً إنه «سعيد بعلمه أن إسبانيا تعتبر مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب بمثابة الأساس الأكثر واقعية ومصداقية من أجل تسوية النزاع حول الصحراء».
وكتب النائب الأوروبي على «تويتر»: «الاستقرار والتقدم في المنطقة يتعين أن يشكلا، أيضاً، أولوية استراتيجية بالنسبة للاتحاد الأوروبي وإيطاليا».
الموقف نفسه يشاطره النائب الأوروبي - البلغاري عاصم أديموف، الذي هنأ الحكومة الإسبانية برئاسة بيدرو سانشيز، التي اعترفت بمخطط الحكم الذاتي في الصحراء.
وبالنسبة لإيلينا فالينسيانو، عن حزب العمال الاشتراكي الإسباني، فـ«ليس هناك من شك في أن العلاقة بين إسبانيا والمغرب استراتيجية وأساسية».
وأكدت أن «الحجج المؤيدة لتغيير موقف الحكومة (الإسبانية) عديدة».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.