روسيا في اللحظة «الأورويلية»

مارينا أوفسيانيكوفا تدخل استوديو الأخبار في القناة الأولى للتلفزيون الروسي وترفع لافتة الاحتجاج (إ.ب.أ)
مارينا أوفسيانيكوفا تدخل استوديو الأخبار في القناة الأولى للتلفزيون الروسي وترفع لافتة الاحتجاج (إ.ب.أ)
TT

روسيا في اللحظة «الأورويلية»

مارينا أوفسيانيكوفا تدخل استوديو الأخبار في القناة الأولى للتلفزيون الروسي وترفع لافتة الاحتجاج (إ.ب.أ)
مارينا أوفسيانيكوفا تدخل استوديو الأخبار في القناة الأولى للتلفزيون الروسي وترفع لافتة الاحتجاج (إ.ب.أ)

ذكرت قناة «روسيا اليوم» عبر صفحتها على منصة «تليغرام» أن مارينا أوفسيانيكوفا قد تواجه عقوبة السجن لخمسة عشر عاماً بسبب «إدانتها لاستخدام القوات المسلحة الروسية» وفق القوانين الجديدة التي تحظر نشر الأخبار الكاذبة.
وفي وقت لاحق نقلت القناة ذاتها عن صحيفة «نوفايا غازيتا» أن مدة العقوبة غير صحيحة وأن تهمة «التجمع غير المرخص» قد وجهت إلى أوفسيانيكوفا التي قد تمضي في السجن عشرة أيام وتدفع غرامة تصل إلى 30 ألف روبل (نحو 246 يورو).
وكانت أوفسيانيكوفا العاملة في القناة الأولى للتلفزيون الروسي قد ظهرت فجأة وراء مذيعة الفترة الإخبارية المسائية حاملة لافتة كتب عليها بالإنجليزية: «لا للحرب»، و«الروس ضد الحرب» وبالروسية: «أوقفوا الحرب - لا تصدقوا الدعاية الرسمية - هنا يكذبون عليكم».
لم يستمر ظهور السيدة البالغة من العمر 45 عاماً سوى ثوانٍ قليلة قبل أن تتغير الصورة. ومنذ ذلك الحين تضاربت المعلومات حول مصير أوفسيانيكوفا التي تردد أن أمن مبنى التلفزيون في منطقة أوستنكينو الموسكوفية قد اعتقلها وأن محاميها لم يتمكن من الاتصال بها. في حين قيل إنها تخضع للإقامة الجبرية في منزلها وهو ما لم يمكن التأكد من صحته.

أوفسيانيكوفا كانت قد بثت مقطع فيديو على مواقع التواصل أعربت فيه عن «خجلها» من ترويج دعاية الحكومة الروسية الكاذبة من خلال عملها في التلفزيون الرسمي وحملت مسؤولية الحرب إلى الرئيس فلاديمير بوتين. وقالت إن عار الحرب لن يمحى طوال الأجيال العشرة المقبلة. وإذ أشارت إلى أن والدها أوكراني وأمها روسية، شددت على أن ما من عداء يفصل شعبي البلدين. ودعت مواطنيها إلى الاحتجاج لأن السلطات لا تستطيع اعتقال الجميع.
اعتراض أوفسيانيكوفا ليس الأول في بابه، ذاك أن عدداً من العاملين في قناة «روسيا اليوم» كانوا قد أعربوا عن رفضهم في عريضة مفتوحة، للحرب على أوكرانيا. كما أن بعض كبار العاملين في السياسة الخارجية الروسية، من أكاديميين ودبلوماسيين سابقين، في مقدمتهم وزير الخارجية الأسبق إيغور إيفانوف، قد وقعوا بياناً يطالب بالوقف الفوري للحرب غير المبررة.
وليس مفاجئاً أن تتجاهل السلطات الروسية المواقف هذه كلها. ولو لم تظهر العاملة في التلفزيون الرسمي على الهواء مباشرة وتطلق هتافاتها المنددة بالحرب، لما أبدت موسكو اهتماماً بالاعتراضات. فبحسب أرقام الهيئات الدولية لحقوق الإنسان زاد عدد من أوقفتهم أجهزة الأمن الروسية أثناء تظاهرات واحتجاجات في ساحات المدن خصوصاً في موسكو وسانت بيترسبورغ عن الثمانية آلاف شخص يقال إن بعضهم تعرض إلى سوء المعاملة بعد احتجازه.
هل يعني ما تقدم أن الحرب على أوكرانيا مرفوضة على المستوى الشعبي الروسي؟ في غياب استطلاعات الرأي والقبضة الحديدية المطبقة على وسائل الإعلام والتي زاد من شدتها منع منصات التواصل الرقمية، يصعب الجزم في شأن سعة التأييد أو المعارضة اللذين يحيطان «بالعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا». لكن ما يتسرب من اتصالات بالمواطنين الروس وما يُنشر عن تحركات لدعم الجيش الروسي، يعطي الانطباع بأن للرواية الرسمية الروسية الكثير من المؤيدين والمقتنعين بصواب دفع الجنود الروس لضمان أمن بلادهم من «عدوان» حلف شمال الأطلسي عليها ولجم خطر «القوميين المتطرفين» الأوكرانيين الذين يضطهدون الناطقين باللغة الروسية في لوهانسك ودونيتسك.
وإذا كانت «الحقيقة هي الضحية الأولى للحرب»، فذلك لا ينفي أن السلطات الروسية عمدت منذ شهور عديدة إلى تكريس «حقائق بديلة» في أذهان المواطنين، لا تبدأ مع إنكار وجود الأمة الأوكرانية من أصل ولا تنتهي مع رفض تسمية الغزو الروسي لأوكرانيا باسمه الصريح: حرب على دولة مستقلة من دون استفزاز. ولم تطوَ في الذاكرة بعد تصريحات المسؤولين الروس من بوتين إلى وزير خارجيته سيرغي لافروف وغيرهما الساخرة من الأنباء التي أشارت إلى أن روسيا تخطط للهجوم على أوكرانيا، بل إن لافروف تفوق على نفسه بعد محادثاته الأسبوع الماضي في أنطاليا التركية مع نظيره الأوكراني عندما أكد أن روسيا «لم تهاجم» أوكرانيا في الوقت الذي كانت القوات الروسية تقف على بوابات العاصمة كييف.

ليس مبالغة أن نقول إن روسيا تعيش اليوم لحظة «أورويلية» (نسبة إلى جورج أورويل وكتابيه «1984» و«مزرعة الحيوانات») تقوم فيها مجموعة من المتسلطين المحترفين بترويج سردية مزيفة للواقع. فالحرب الحالية، تماماً مثلما تقول سلطات رواية «1984»، هي السلام بعينه. وتتولى ترويج الكذب أجهزة مثل التلفزيون الروسي الذي عملت فيه أوفسيانيكوفا بدلاً من إيصال الحقيقة.
وتصل الأمور إلى مستوى الكوميديا السوداء عندما يبدي المواطنون الروس، ثاني المتضررين من الحرب بعد نظرائهم الأوكرانيين، اقتناعهم بسلامة مزاعم قادتهم وجيشهم فيما العالم غارق بصور الدبابات الروسية المحترقة والأسرى الذين لم يغادروا أعوام الطفولة إلا من أشهر قليلة.
تُذَكِّرُ الممارسة القهرية التي تفرضها السلطات الروسية مدعومة من قوى وازنة في العالم، في حجب للحقائق وتشويهها وتضليل الناس وإلباس الأكاذيب لباس الوقائع، بما قاله ونستون بطل رواية «1984»: الحقيقة هي القدرة على القول إن اثنين زائد اثنين يساويان أربعة».


مقالات ذات صلة

أوستن: قوات كوريا الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك في الحرب «قريباً»

أوروبا وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن (ا.ب)

أوستن: قوات كوريا الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك في الحرب «قريباً»

أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، اليوم (السبت)، أن بلاده تتوقع أن الآلاف من القوات الكورية الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك «قريباً» في القتال ضد أوكرانيا

«الشرق الأوسط» (سيدني)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقمة دول مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل (أ.ف.ب)

بايدن وماكرون يناقشان الصراعين في أوكرانيا والشرق الأوسط

قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ناقشا الصراعين الدائرين في أوكرانيا والشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب) play-circle 01:12

أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي بعد استهدافها بصاروخ باليستي روسي

أعلن الرئيس الأوكراني، الجمعة، أن بلاده تطلب من حلفائها الغربيين تزويدها بأنظمة حديثة للدفاع الجوي، بعدما استهدفتها روسيا، هذا الأسبوع، بصاروخ باليستي فرط صوتي.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)

بوتين يأمر بـ«اختبارات» في الوضع القتالي للصاروخ «أوريشنيك»

أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإنتاج كمية كبيرة من الصاروخ الباليستي الجديد فرط الصوتي «أوريشنيك» ومواصلة اختباره في الأوضاع القتالية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا صاروخ «يارس» الباليستي الروسي خلال إطلاق تجريبي (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

ماذا نعرف عن الصاروخ فرط الصوتي الروسي الذي أُطلق على أوكرانيا؟

أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، بإطلاق بلاده صاروخاً جديداً فرط صوتي على مصنع أوكراني. وهذا السلاح استخدمته روسيا للمرة الأولى.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

مسؤول: قراصنة إلكترونيون صينيون يستعدون لصدام مع أميركا

القراصنة قاموا بعمليات استطلاع وفحص محدودة لمواقع إلكترونية متعددة مرتبطة بالانتخابات الأميركية (أرشيفية - رويترز)
القراصنة قاموا بعمليات استطلاع وفحص محدودة لمواقع إلكترونية متعددة مرتبطة بالانتخابات الأميركية (أرشيفية - رويترز)
TT

مسؤول: قراصنة إلكترونيون صينيون يستعدون لصدام مع أميركا

القراصنة قاموا بعمليات استطلاع وفحص محدودة لمواقع إلكترونية متعددة مرتبطة بالانتخابات الأميركية (أرشيفية - رويترز)
القراصنة قاموا بعمليات استطلاع وفحص محدودة لمواقع إلكترونية متعددة مرتبطة بالانتخابات الأميركية (أرشيفية - رويترز)

قال مسؤول كبير في مجال الأمن الإلكتروني في الولايات المتحدة، الجمعة، إن قراصنة إلكترونيين صينيين يتخذون مواطئ قدم في بنية تحتية خاصة بشبكات حيوية أميركية في تكنولوجيا المعلومات تحسباً لصدام محتمل مع واشنطن.

وقال مورغان أدامسكي، المدير التنفيذي للقيادة السيبرانية الأميركية، إن العمليات الإلكترونية المرتبطة بالصين تهدف إلى تحقيق الأفضلية في حالة حدوث صراع كبير مع الولايات المتحدة.

وحذر مسؤولون، وفقاً لوكالة «رويترز»، من أن قراصنة مرتبطين بالصين قد اخترقوا شبكات تكنولوجيا المعلومات واتخذوا خطوات لتنفيذ هجمات تخريبية في حالة حدوث صراع.

وقال مكتب التحقيقات الاتحادي مؤخراً إن عملية التجسس الإلكتروني التي أطلق عليها اسم «سالت تايفون» شملت سرقة بيانات سجلات مكالمات، واختراق اتصالات كبار المسؤولين في الحملتين الرئاسيتين للمرشحين المتنافسين قبل انتخابات الرئاسة الأميركية في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) ومعلومات اتصالات متعلقة بطلبات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة.

وذكر مكتب التحقيقات الاتحادي ووكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية أنهما يقدمان المساعدة الفنية والمعلومات للأهداف المحتملة.

وقال أدامسكي، الجمعة، إن الحكومة الأميركية «نفذت أنشطة متزامنة عالمياً، هجومية ودفاعية، تركز بشكل كبير على إضعاف وتعطيل العمليات الإلكترونية لجمهورية الصين الشعبية في جميع أنحاء العالم».

وتنفي بكين بشكل متكرر أي عمليات إلكترونية تستهدف كيانات أميركية. ولم ترد السفارة الصينية في واشنطن على طلب للتعليق بعد.