تغلبت مكاسب المعارضة السورية المتصاعدة في الآونة الأخيرة على الافتراضات طويلة الأمد بشأن صلابة ومدى رسوخ نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يبدو في الوقت الراهن وكأنه يشهد خطرا أكبر من أي وقت مضى خلال السنوات الثلاث الماضية، بحسب تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» الأميركية من مراسلتها من بيروت، حيث جاءت سيطرة المعارضة يوم السبت الماضي على بلدة جسر الشغور الواقعة في محافظة إدلب الشمالية، كآخر حلقة في مسلسل طويل من انتصارات ساحة القتال الدائر بين القوات النظامية السورية وبين قوات المعارضة التي تمكنت من تحقيق تقدم ملموس على كلتا الجبهتين الشمالية والجنوبية من البلاد.
وكما كان الواقع في عاصمة محافظة إدلب خلال الشهر الماضي، فقد تهاوت الدفاعات الحكومية في بلدة جسر الشغور عقب عدة أيام فقط من القتال المستمر، مما يشير وبقوة، إلى حالة الضعف الشديدة التي لحقت بالقوات النظامية السورية مع تصاعد زخم المعارضة.
وجاءت التحولات المشهودة في ميدان القتال السوري في وقت أرجأت فيه إدارة الرئيس أوباما ملف الأزمة السورية لإفساح المجال من أجل التركيز على أولوياتها الرئيسية: هزيمة تنظيم داعش الإرهابي في العراق، وإبرام الاتفاق النووي مع إيران.
وعلى الرغم عن ذلك، فإن الوتيرة المتسارعة للأحداث الحالية في سوريا، قد تدفع بالولايات المتحدة إلى إعادة النظر والتركيز على ملف الحرب المتفاقمة التي تحتل مكان القلب من حزمة الاضطرابات التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط. ووفقا لما أفاد به المحللون، فإن الدعم الإيراني لنظام الأسد، والدعم السعودي للمعارضة، مع التحول في موازين القوى في سوريا قد يحمل انعكاسات عميقة ومؤثرة على الصراعات المشتعلة في العراق واليمن.
يقول جمال خاشقجي، (مدير عام قناة «العرب» الدولية) «إننا نشهد لعبة تبادل جارية في سوريا. وأعتقد أننا قريبون من رؤية نهاية لنظام الأسد، وعلينا التفكير الآن فيما يمكن أن يحدث في اليوم التالي، لأن ذلك اليوم بات قريبا للغاية».
وأفاد مراقبون آخرون، بأن احتمال انهيار نظام الأسد في سوريا لا يزال احتمالا بعيد الوقوع، إذ تتمتع العاصمة دمشق بدفاعات قوية، وجاءت مكاسب المعارضة على الأطراف الخارجية المحيطة بها، حيث تمتد خطوط إمدادات النظام الحاكم.
غير أن التكهنات باستمرار نظام الأسد إلى ما لا نهاية أو بقائه في محل الموازنة المؤقتة بمواجهة تنظيم داعش ومعاقله في شمال سوريا، لا تزال محل شكوك، حسبما أفاد إميل حكيم من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية. وإن حالة الإجهاد المستمرة التي يعانيها نظام الأسد على مسار القوة البشرية والموارد اللوجسيتة، كما تابع حكيم: «باتت جلية للغاية، ومقدار خسائره الميدانية أصبحت أكبر مما يمكن إنكاره أو إخفاؤه».
ويضيف المحلل قائلا: «يقضي ذلك على الطرح القائل بأن الأسد ينتصر، الذي كان يُستند عليه كثيرا، وعلى الفرضية القائلة بأنه أفضل الخيارات المطروحة في مقابل داعش. وإذا عجز الأسد عن تحقيق النصر أو حتى عن الدفاع ضد هجمات المعارضة، فسوف يصعب عليه كثيرا تقديم ذاته كمحارب قادر على مواجهة داعش».
ويُعزى تصاعد مكاسب المعارضة في جانب كبير منه إلى التقارب الأخير ما بين المملكة العربية السعودية الأكثر حزما، وبين المنافسين السابقين لها، من حيث النفوذ والتأثير على المعارضة السورية - تركيا وقطر.
كما كان هناك تحالف متماسك بصورة غير متوقعة بين المعارضة تحت اسم «جيش الفتح»، ويتألف من جبهة النصرة (ذراع تنظيم القاعدة)، ومجموعة متنوعة من الألوية الإسلامية مع عدد صغير من الكتائب الأكثر اعتدالا. ذلك التحالف، الذي انطلق خلال الشهر الماضي، أثبت فعالية في ميدان القتال أكثر مما كان متوقعا له.
وعقب الاستيلاء على غالبية مناطق محافظة إدلب في الأسابيع الأخيرة، تتحرك المعارضة جنوبا في اتجاه معاقل القوات النظامية في حماه وحمص، ويهددون مدينة اللاذقية الساحلية، معقل عائلة بشار الأسد ذاته. وقد حقق تحالف آخر مستقل من المعارضين المعتدلين تقدمات سريعة باتجاه الجنوب كذلك، حيث يصارعون سيطرة الحكومة على مدينة درعا، العاصمة الإقليمية الرئيسية هناك، ويتقدمون شمالا في اتجاه العاصمة السورية دمشق.
وعلى نفس القدر من الأهمية، أثبتت القوات الحكومية عجزا متزايدا في ساحات القتال. ومهد انهيار أكبر هجومين حكوميين في وقت مبكر من هذا العام، في جنوب سوريا وفي مدينة حلب، الطريق لنجاح هجمات المعارضة الأخيرة، وأشار إلى أنه رغم سيطرة النظام على العاصمة دمشق، فإن فرص استعادة بقية البلاد باتت بعيدة المنال.
وهناك إشارات تدل على أن النظام الحاكم ذاته يقبع تحت ضغوط هائلة سببتها حرب السنوات الأربع الماضية. وفي يوم الجمعة الماضي، ذكرت وسائل الإعلام الموالية للنظام السوري وفاة رستم غزالة مدير الأمن السياسي، ومن أقوى رجال الأسد لفترة طويلة، بعد شهور من الشائعات حول خلافات عميقة جمعته بالنظام الحاكم، وأنه تعرض لضرب مبرح من قبل المنافسين ظل على إثره في المستشفى.
وجاءت تقارير إخبارية حكومية كذلك تفيد بفصل رفيق شحادة مدير الاستخبارات العسكرية، وهو من أقرب الموالين للرئيس السوري. ويقول الدبلوماسيون الغربيون الذين يراقبون الوضع السوري عن كثب من العاصمة اللبنانية بيروت، إنه يبدو أن الرجلين قد اشتبكا مع عائلة الأسد حول الدور المتزايد الذي تلعبه إيران في ميدان القتال.
كذلك، وصلت التوترات إلى قلب عائلة الأسد، التي بدا حكمها للبلاد لما يربو على أربعة عقود غير متزعزع، حتى اندلعت الثورة في عام 2011. وقد فُصل حافظ مخلوف، ابن عم الرئيس الأسد ورئيس الأمن في العاصمة دمشق، أواخر العام الماضي، وفرّ من البلاد منذ ذلك الحين، حسبما أفاد دبلوماسيون غربيون. وهناك ابن عم آخر للأسد، يدعى منذر الأسد، وقع رهن الاعتقال هذا الشهر وسط شائعات تشير إلى أنه كان يخطط لانقلاب على السلطة الحاكمة. ويقول أحد الدبلوماسيين في هذا السياق «يبدو أن هناك حالة من الانقسامات الخطيرة تتفشى داخل نظام الأسد. والانهيار العسكري من جانب النظام الحاكم ليس أمرا مستحيلا».
ويعتمد الأمر كثيرا على إيران، التي برزت في الآونة الأخيرة لإيفاد الرجال والأموال والأسلحة كلما بدا الأسد محتاجا إليها، أو متعثرا في مساره. غير أن إيران تعاني هي الأخرى، كذلك، من وقع الآثار الاقتصادية المستمرة للعقوبات الدولية، وإثر المطالب المتزايدة من الحرب الدائرة في العراق المجاورة، وهي التي حولت بعض الميليشيات الشيعية التي كانت تقاتل في العراق لصالح النظام الحاكم في سوريا.
وفي تعليق لصالح معهد الشرق الأوسط أفاد به روبرت إس. فورد المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا، قال فيه إنه لا يستبعد انهيارا تاما للنظام السوري، فالانقسامات التي يعاني منها النظام، مع الإخفاقات التي مني بها في ميادين القتال، والنقص الشديد في القوة البشرية المسلحة، كلها عوامل تؤكد حالة الضعف التي يعيشها نظام الأسد، وكتب قائلا: «ربما نرى علامات على بداية نهايتهم قريبا».
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»