فيضانات أربيل {كشفت المستور} في كردستان العراق

شكاوى من سوء الإدارة والفساد

TT

فيضانات أربيل {كشفت المستور} في كردستان العراق

دائماً تكشف الكوارث والمصاعب التي تواجهها أي دولة المستور، سواء كان فساداً، أو سوء إدارة، أو انقسامات. وكل هذه الأمور تمثل تحدياً أمنياً لا يمكن السكوت عليه.
ويقول الباحث والصحافي فرهانج فريدون نمدار، مسؤول العلاقات الخارجية بمنظمة الشباب الديمقراطية الاجتماعية الكردية، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، إنه في 17 ديسمبر (كانون الأول)، جذبت أربيل اهتمام وسائل الإعلام عندما تعرضت لفيضان أسفر عن وفاة 14 شخصاً ونزوح المئات. وكشف الفيضان عن الخطأ بالنسبة للمنطقة، وأوضح كيف أن المسؤول عما حدث هو أخطاء البشر وليس الطبيعة.
وقال نمدار، إن سوء الإدارة والفساد من جانب السلطات الكردية أدى إلى تفاقم حدة الفيضان، كما أظهر مدى استمرار فشل السلطات في تلبية مطالب الأكراد العراقيين، وثمة موجة أخرى من الفشل حدثت في الإقليم، لفتت أنظار العالم مؤخراً، عندما تكدس عشرات الآلاف من الأكراد العراقيين عند الحدود البولندية - البيلاروسية، بعد أن غادروا بلدهم بسبب نقص الوظائف والفرص في حياة أفضل، حسب وكالة الأنباء الألمانية.
وأربيل أو «هولير»، كما يطلق عليها باللغة الكردية، هي عاصمة إقليم كردستان الذي يتمتع بالحكم الذاتي، غير أنه رغم مظاهر التنمية الواسعة في المدينة فإنها منقسمة إلى شطرين فقير وغني، وبينما يعاني السكان الأصليون في مدينتهم التي ينتمون إليها، فإن الشطر الغني منها يتمتع بأحياء سكنية فاخرة تتكاثر فيه ناطحات السحاب، التي تميزه عن بقية أنحاء العراق، وصارت المدينة ملاذاً آمناً لكثير من العرب الذين هربوا من مدن عراقية أخرى يشوبها عدم الاستقرار والأخطار.
وتعاني أربيل من طقس جاف، وهي تتاخم الصحراء العربية أكبر صحراء في الشرق الأوسط، وواجه الإقليم موجة من الجفاف لعامين متعاقبين، ومع ذلك تعرضت المدينة لسيول مرتين عام 2021، ومع أن التغير المناخي له تأثيره، فإن فشل السلطات في تجنب مثل هذه الكوارث هو أمر قاطع لا يمكن إنكاره.
ويضيف نمدار، أنه وسط السيول توفي رضيع يبلغ من العمر عشرة أشهر؛ مما أثار موجة من الغضب العام، ودمرت السيول ممتلكات تبلغ قيمتها مئات الآلاف من الدولارات، من بينها 700 مركبة، وأغرقت أحياء عدة تسكنها الطبقتان الفقيرة والمتوسطة، بينما ظلت الأحياء الغنية بمنأى عن الخسائر.
ومن المعروف أن الفيضانات نادرة في أربيل تاريخياً، غير أن افتقار المدينة للبنية التحتية كان نتيجته عدم القدرة على تصريف المياه؛ مما أدى إلى إغراق الأحياء. ويقول نمدار، إنه على الرغم من أن إقليم كردستان العراقي غني بالبترول، مع قلة عدد السكان نسبياً، حيث يبلغ تعداده ستة ملايين نسمة، لم يخصص مجلس مدينة أربيل ميزانية لإقامة شبكة لتصريف مياه الأمطار، أما قنوات الصرف الطبيعية، فإنها إما تكون مليئة بالفعل، أو تم البناء عليها من دون حفر قنوات بديلة، حيث تم بشكل غير قانوني منح الأراضي المخصصة لها، للأنشطة الاقتصادية أو لأشخاص مقربين من المؤسسة السياسية، وهي ممارسة منتشرة على نطاق واسع بالمدينة.
وأضاف، أن المليونيرات والسياسيين أصحاب النفوذ يقيمون في الأحياء الشمالية من العاصمة، ويمتلك معظم الأثرياء والسياسيين في العراق، مساكن وأنشطة تجارية في هذا القطاع من المدينة، وهي منطقة لم تتأثر بالسيول لأن الحكومة أقامت شبكة للصرف فيها؛ الأمر الذي يطرح فكرة أن السيول ستعزز الصراع الطبقي النامي في إقليم كردستان العراقي.
ويلاحظ، أن حكومة كردستان العراق لم تدفع مرتبات موظفيها بشكل ثابت طوال السنوات السبع الماضية، حيث أصبح الاتجاه هو دفع المرتبات كل خمسين أو سبعين يوماً، وتشغل الحكومة ما نسبته 90 في المائة من قوة العمل بالإقليم؛ الأمر الذي يجعل موظفي الدولة يمثلون العمود الفقري لاقتصاد الإقليم، ومع غياب المرتبات فإن الطبقة الوسطى اختفت لتظهر حالة من عدم العدالة الاجتماعية.
وتم تقسيم الإقليم بين الأحزاب الرئيسية الخمسة التي تسيطر على الأنشطة التجارية الرئيسية فيه، وتستخدم الإيرادات التي تحصل عليها لشراء المؤيدين والسيطرة عليهم. كما ينقسم الإقليم إلى مدينتين تشكلان ولايتين، هما هولير والسليمانية، أو سليماني كما ينطقها الأكراد، وفي الوقت الذي كان سكان هولير غارقين في الأحزان لوفاة ذويهم بسبب السيول، كانت سليماني تستضيف مهرجاناً للسينما، وهذا يبين شكل الهوة بين المدينتين، وكيف أصبح سكان سليماني الأكراد لا يتعاطفون مع إخوانهم في هولير، كما أن عدم وجود توافق بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني لكردستان، أدى إلى تعميق الانقسام.
وحفلت منصات التواصل الاجتماعي بتعليقات تسخر من فشل سلطات هولير والحزب الديمقراطي الكردستاني.
ومثل هذه الكوارث دفعت بعض الأكراد، لتفضيل الاحتلال الأجنبي عن الحكم الذاتي والاستقلال، ويلاحظ أنه في الذكرى السنوية لوفاة صدام حسين، لم يخف كثير من الأكراد في تدويناتهم على منصات التواصل، تمنياتهم بعودة الديكتاتور السابق إلى الحكم، بل وصل الحد إلى قيام بعضهم بوضع صورة صدام بدلاً من صورهم الشخصية، على صفحاتهم بالمنصات الرقمية، ذلك رغم اتجاهات وجهود الحزب الديمقراطي الكردستاني في تبني مفهوم القومية الكردية، التي تعمل من أجل تنمية إقليم كردستان واستقلاله.
ويختتم نمدار تقريره بأن الأكراد يعدون أحد أكثر الأمم التي تعرضت للاضطهاد عبر التاريخ، وتوضح الحوادث التي وقعت مؤخراً مثل السيول والهجرة الجماعية، أن الفساد والانقسام وسوء الإدارة تمثل تحديات أمنية، وليست مجرد مشكلة أسلوب حكم، وحيث إن إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي، محاط بكثير من الصراعات الإقليمية والدولية، ومن بينها عودة ظهور تنظيم «داعش»، والصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، فإن مستقبل الإقليم يتمثل في الوحدة والتنمية السياسية والاقتصادية.



مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
TT

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي»، وهو ما عبر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس» الأربعاء، هنأ خلاله الرئيس الأميركي المنتخب.

وقال السيسي: «نتطلع لأن نصل سوياً لإحلال السلام والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة وشعبيهما الصديقين»، وأضاف: «البلدان لطالما قدما نموذجاً للتعاون ونجحا سوياً في تحقيق المصالح المشتركة»، مؤكداً تطلعه إلى مواصلة هذا النموذج في «هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها العالم».

وأثارت أنباء فوز ترمب تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتصدر وسوم عدة الترند في مصر، مصحوبة بمنشورات لتهنئة للرئيس الأميركي المنتخب. وبينما عول سياسيون وإعلاميون مصريون على ترمب لوقف الحرب الدائرة في غزة منذ أكثر من عام، ووضع حد للتصعيد في المنطقة، أكدوا أن «مواقف الرئيس المنتخب غير التقليدية تجعل من الصعب التنبؤ بسياسة الإدارة الأميركية في السنوات الأربع المقبلة».

ولا يرى الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري (البرلمان) مصطفى بكري «اختلافاً بين ترمب ومنافسته الخاسرة كامالا هاريس من القضية الفلسطينية»، لكنه أعرب في منشور له عبر «إكس» عن سعادته بفوز ترمب، وعده «هزيمة للمتواطئين في حرب الإبادة».

أما الإعلامي المصري أحمد موسى فعد فوز ترمب هزيمة لـ«الإخوان»، ومن وصفهم بـ«الراغبين في الخراب». وقال في منشور عبر «إكس» إن هاريس والرئيس الأميركي جو بايدن «كانوا شركاء في الحرب» التي تشنها إسرائيل على لبنان وغزة.

وعول موسى على ترمب في «وقف الحروب بالمنطقة وإحلال السلام وعودة الاستقرار». وكذلك أعرب الإعلامي المصري عمرو أديب عن أمله في أن «يتغير الوضع في المنطقة والعالم للأفضل بعد فوز ترمب».

مفاهيم السلام

رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير خارجية مصر الأسبق، السفير محمد العرابي، أكد أن «العلاقات بين مصر والولايات المتحدة لن تواجه عقبات أو مشكلات على المستوى الثنائي خلال عهد ترمب»، لكنه أشار إلى أن «مواقف الرئيس المنتخب من القضية الفلسطينية وأفكاره غير التقليدية بشأنها قد تكون أحد الملفات الشائكة بين القاهرة وواشنطن».

وأوضح العرابي لـ«الشرق الأوسط» أن «ترمب يتبنى مفاهيم عن السلام في الإقليم ربما تختلف عن الرؤية المصرية للحل»، مشيراً إلى أن «القضية الفلسطينية ستكون محل نقاش بين مصر والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة».

وتبنى ترمب خلال ولايته الأولى مشروعاً لإحلال «السلام» في الشرق الأوسط عُرف باسم «صفقة القرن»، والتي يرى مراقبون أنه قد يعمل على إحيائها خلال الفترة المقبلة.

وعدّ سفير مصر الأسبق في واشنطن عبد الرؤوف الريدي وصول ترمب للبيت الأبيض «فرصة لتنشيط التعاون بين مصر والولايات المتحدة لوقف الحرب في غزة، وربما إيجاد تصور لكيفية إدارة القطاع مستقبلاً».

وقال الريدي لـ«الشرق الأوسط» إن «ترمب يسعى لتحقيق إنجازات وهو شخص منفتح على الجميع ووجوده في البيت الأبيض سيحافظ على الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن».

تصحيح العلاقات

من جانبه، رأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن فوز ترمب بمثابة «عودة للعلاقات الاستراتيجية القائمة على المصالح المشتركة بين القاهرة وواشنطن». وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «فوز ترمب هو تدعيم للعلاقة بين القيادة المصرية والبيت الأبيض»، مشيراً إلى أن الرئيس المصري لم يزر البيت الأبيض طوال أربع سنوات من حكم بايدن، واصفاً ذلك بأنه «وضع غريب في العلاقات الثنائية سيتم تصحيحه في ولاية ترمب».

وأضاف هريدي أن «فوز ترمب يسدل الستار على الحقبة الأوبامية في السياسة الأميركية، والتي بدأت بتولي الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2009 واستُكملت في ولاية جو بايدن الحالية»، وهي حقبة يرى هريدي أن واشنطن «انتهجت فيها سياسات كادت تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة». ورجح أن تعمل إدارة ترمب على «وقف الحروب وحلحلة الصراعات في المنطقة».

وزار الرئيس المصري السيسي البيت الأبيض مرتين خلال فترة حكم ترمب عامي 2017 و2019. وقال ترمب، خلال استقباله السيسي عام 2019، إن «العلاقات بين القاهرة وواشنطن لم تكن يوماً جيدة أكثر مما هي عليه اليوم، وإن السيسي يقوم بعمل عظيم».

لكن السيسي لم يزر البيت الأبيض بعد ذلك، وإن التقى بايدن على هامش أحداث دولية، وكان أول لقاء جمعهما في يوليو (تموز) 2022 على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، كما استقبل السيسي بايدن في شرم الشيخ نهاية نفس العام على هامش قمة المناخ «كوب 27».

بدوره، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس الدكتور جمال سلامة أن «مصر تتعامل مع الإدارة الأميركية أياً كان من يسكن البيت الأبيض». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «العلاقات مع واشنطن لن تتأثر بفوز ترمب، وستبقى علاقات طبيعية متوازنة قائمة على المصالح المشتركة».

وعد مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي فوز ترمب فرصة لحلحلة ملف «سد النهضة»، الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دور الوسيط عام 2019.

وهنا أكد العرابي أنه «من السابق لأوانه معرفة الدور الذي ستلعبه إدارة ترمب في عدد من الملفات المهمة لمصر ومن بينها (سد النهضة)»، وقال: «ترمب دائماً لديه جديد، وطالما قدم أفكاراً غير تقليدية، ما يجعل التنبؤ بمواقفه أمراً صعباً».

بينما قال هريدي إن «قضية سد النهضة ستحل في إطار ثنائي مصري - إثيوبي»، دون تعويل كبير على دور لواشنطن في المسألة لا سيما أنها «لم تكمل مشوار الوساطة من قبل».