الأمن السوداني يفض اعتصاماً أمام القصر الرئاسي

قتيل بالرصاص وأكثر من 300 جريح

محتجون أمام القصر الرئاسي في الخرطوم أول من أمس (أ.ف.ب)
محتجون أمام القصر الرئاسي في الخرطوم أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

الأمن السوداني يفض اعتصاماً أمام القصر الرئاسي

محتجون أمام القصر الرئاسي في الخرطوم أول من أمس (أ.ف.ب)
محتجون أمام القصر الرئاسي في الخرطوم أول من أمس (أ.ف.ب)

فضّت قوات الشرطة السودانية بعنف مفرط الاعتصام الذي بدأه محتجون أمام القصر الرئاسي الجمهوري، يطالبون الجيش بتسليم السلطة لحكومة مدنية، والعودة إلى ثكناته. وجاء الاعتصام بعد أن تمكن آلاف المتظاهرين، أول من أمس، من تخطي الحواجز الأمنية والوصول إلى القصر، وسط احتجاجات شعبية واسعة، وصفها الكثيرون بأنها الأكبر منذ تولي الجيش السلطة في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
واستخدمت القوات الأمنية الرصاص الحي وقنابل الغاز بكثافة لتفريق عشرات الآلاف الذين حاصروا القصر الرئاسي في المساء، ما أدى إلى وقوع العديد من الإصابات الخطيرة، 3 منها بالرصاص الحي. وأعلنت «لجنة أطباء السودان» سقوط قتيل وإصابة أكثر من 300 شخص في الاحتجاجات التي شهدتها العاصمة الخرطوم ومدن البلاد الأخرى طوال يوم الأحد، الذي صادف الذكرى الثالثة لـ«ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018»، والرافضة لإجراءات تولي الجيش السلطة في أكتوبر الماضي، وأيضاً للاتفاق السياسي الموقع بين قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك في 21 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
ودعت الأحزاب السياسية الجيش لتسليم السلطة لحكومة مدنية، فيما قالت لجنة أطباء السودان المركزية، وهي هيئة نقابية مستقلة، إن شاباً يدعى محمد مجذوب أحمد، 28 سنة، سقط قتيلاً جراء إصابته برصاص حي في الصدر بمنطقة شرق النيل في الخرطوم، مشيرة إلى انتهاكات تعرضت لها الكوادر الطبية المرافقة للمتظاهرين من قبل القوات الأمنية.
وأكدت نقابة أطباء السودان الشرعية أن قوات الأمن هاجمت، مساء الأحد، المعتصمين بالرصاص الحي والضرب بالهراوات، ما أدى إلى إصابات بكسور في الأرجل والأيدي لعشرات المتظاهرين، استدعى تحويل بعضها لتلقي العلاج في المستشفيات. وقالت، في بيان، إن السلطة الانقلابية مارست أبشع الانتهاكات خلال فض الاعتصام المبكر أمام القصر الجمهوري بإطلاق الغاز المسيل للدموع بكثافة على الحشود ومطاردتهم وسط الخرطوم وداخل المستشفيات وضربهم ونهب ممتلكاتهم الخاصة، إضافة لاقتحامها عدداً من المستشفيات وترويع المرضى والكوادر الطبية.
وأشارت النقابة إلى أن قوات الأمن أطلقت الغاز المسيل للدموع بكثافة غير مكترثة بخطورته على حياة المتظاهرين.
من جانبه، قال تحالف «الحرية والتغيير» الذي يقود الحراك الشعبي في البلاد، إنه رغم القمع المفرط الذي واجهت به السلطات الانقلابية المظاهرات السلمية، استطاعت الجماهير محاصرة القصر الجمهوري في العاصمة الخرطوم ومقار الحكومة في عدد من الولايات. ودعا، في بيان، إلى مواصلة تصعيد المقاومة ضد الحكم العسكري حتى تسليم السلطة لمدنيين، كما ناشد القوات المسلحة والقوات النظامية الوقوف إلى جانب الشعب وعدم التعرض للمتظاهرين السلميين.
وأضاف البيان أن قوى «الحرية والتغيير» تعمل على بناء جبهة شعبية واسعة موحدة «لهزيمة الانقلاب»، وتدعم لجان المقاومة في استخدام جميع وسائل التصعيد الجماهيري من اعتصامات ومواكب وعصيان مدني وإضراب سياسي، مؤكدة التزامها الكامل بالمساعدة في خلق أوسع توافق حولها بين قوى الثورة والتغيير. وحثت قوى «الحرية والتغيير» المجتمع الإقليمي والدولي «للتضامن مع الشعب السوداني في ثورته ضد عنف الانقلابيين».
وقال التحالف، الذي قاد الثورة حتى أطاحت بالرئيس السابق عمر البشير، إن المظاهرات التي خرجت في عموم البلاد أسقطت الاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك، الذي اعتبره التحالف «امتداداً للانقلاب العسكري في 25 من أكتوبر الماضي».
وأجمع المراقبون على أن المظاهرات الحاشدة التي طوّقت القصر الجمهوري كان يمكن أن تحدث تغييراً كبيراً في البلاد لولا غياب التنسيق بين قوى الثورة ممثلة في لجان المقاومة والأحزاب السياسية حول رؤية سياسية موحدة رغم اتفاقها على إسقاط النظام القائم الآن في البلاد.
وفي السياق ذاته، قال وزير شؤون مجلس الوزراء السابق، خالد عمر يوسف، تعليقاً على المظاهرات أول من أمس، إن هزيمة الانقلاب تتطلب جبهة شعبية موحدة لا تستثني أحداً من مناهضي الانقلاب.
ودعا في تدوينة على صفحته الشخصية بـ«فيسبوك» لتشكيل مركز واحد يجمع القوى السياسية ولجان المقاومة والمهنيين وكل المكونات الشعبية التي تريد دولة مدنية ديمقراطية. وأضاف: «الآن نحتاج إلى جبهة واسعة تضم القوى الشعبية الضخمة التي فجرتها ثورة ديسمبر 2018 ووسعت من قاعدة قوى الثورة بصورة أكبر وأكثر انتشاراً».
وقال إن «هذا الانقلاب الأخير بلا سند وبلا معين في مواجهة هذه القوة الشعبية الهائلة، ويعتمدون استخدام سلاح تفريق قوى الثورة وتشجيع التناقضات في أوساطها، لذا يجب التصدي له وسد جميع الثغرات التي يستغلها الانقلابيون». وأضاف أن تأسيس دولة مدنية ديمقراطية «رهين بتوافق الجميع على الحد الأدنى لهزيمة الانقلاب وإقامة سلطة مدنية كاملة تقود انتقالاً بمهام متوافق عليها وتوصل البلاد لانتخابات حرة ونزيهة يختار فيها الشعب من يحكمه». وكان حزب «الأمة» القومي طالب قادة الجيش بتسليم السلطة المدنية للشعب وإعادة المسار الانتقالي الديمقراطي في البلاد.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.