تطلق أميمة الخليل، مطربة الرصانة والالتزام الفني، جديدها «صوتي مش إلك» مع الراقص الأصم بيار جعجع. حنجرة خارج الرخاوة والاستهلاك الرديء القابض على الأمزجة، لا تساوم على الفن المحترم وترفض الغناء الفارغ من المضمون. قاسية هي معركة الرقي والقمم، وسلاح أميمة الخليل صوتها وفرادة خطها الغنائي، فيتفاعل الجمهور ولو غنت من دون موسيقى، كغنائها البديع على مسرح رفيق الدرب مارسيل خليفة: «عصفور طل من الشباك وقلي يا نونو... خبيني عندك خبيني دخلك يا نونو».
تصبح أكثر هدوءاً وأقل استعجالاً لإنجاز الأشياء: «أرتبها على مهل. الهدوء اليوم أهم أدواتي». يرافقها عزاء من نوع: «طولي بالك»، «صبراً جميلاً»، «ستحققين ما تريدين»، فتطمئن له. ينتظرها الناس بحب، وإن سألناها عن السبب فتجيب «الشرق الأوسط» بأن مرده صدق صوتها وبساطته، «فأشعر دائماً أنه يصل».
يكتب الشاعر جرمانوس جرمانوس، كلمات أغنيتها الجديدة «صوتي مش إلك»، التي تبدو بمثابة وقفة تأمل. ويضع زوجها هاني سبليني الألحان والموسيقى، ليتولى الكوليغراف والراقص اللبناني الأصم بيار جعجع تصميم الرقص وترجمة المشاعر أمام كاميرا جيلبير شرفان الوفية للمعنى. ترى الفن مساحة للبناء، وتفكر دائماً في مستواه. تلتقي مع جعجع بالرغبة في بلوغ المستوى الأنيق. رائع هذا الشاب في الاستجابة للنغم، كأنه في ذروة الإصغاء «الطبيعي»! «موهبته عظيمة»، تصفها أميمة الخليل. فهي فنانة تنشد الإبداع بالعمل الجماعي، وترى النجاح في التشارك والالتقاء الخلاق.
نسألها عن تحدي ولادة الأغنية وأي صعوبات تواجه التواصل مع بيار؟ فترد: «التواصل الأروع مع البشر يكون بالفكر. اللغة أداة قد يستعاض عنها بأداة أخرى كالموسيقى. إنما الصعوبة الحقيقية هي في الإنتاج، لا في بناء لغة مشتركة مع بيار، فموهبته تذلل الصعوبات. الأفكار كبيرة، سرعان ما تخذلها الإمكانات وترغمها على التواضع. مع ذلك، نرفض تقليص الأحلام، فنحققها بالمتاح».
تتمسك بالموسيقى القادرة على تجاوز الاختلاف وفوارق اللغة والهويات والمسافات بين البشر. نُجدد الثناء: مذهل تفاعل بيار جعجع معكِ من دون سماعكِ! فكيف يمكن للموسيقى أن تتغلب على النظرة الاجتماعية المجحفة تجاه مَن يجدون في الفن أداة التعبير الوحيدة؟ «الموسيقى هي ما يقربنا من بعضنا البعض»، تختزل فلسفتها الكونية، وتتابع: «من تنقصه حاسة السمع، لن ينقصه شغف المعرفة. ارتجاج ضئيل قد يسري في جسد بيار مع الإيقاع الوارد إليه، فيكون كافياً ليصل الشعور. يستطيع سماع النبرات، برغم مشكلته في النطق بالكلام والإصغاء وتركيب الجمل. المسألة تُحل بأن نكتب له الكلمات أو نتمتمها على مهل، فيقرأ حركة الشفاه ويراكم المشاعر. تصل النبرة، فيحدث التفاعل».
تسحرها الرسائل الإنسانية خلف النوتة، والمعاني السامية وراء النغمات: «بها نقول ما نرغب في قوله بلا خوف، فتكون تفسيراً رقيقاً لأوجاعنا وثورتنا وانتفاضتنا على الظلم. بالموسيقى نقول: نحن هنا، انظروا إلينا. هذه هويتنا وسنبقى موجودين. سنفعل ما في وسعنا لئلا يخفت الصوت. بالموسيقى نلفت النظر بشكل أولي، فإذا راكمنا وثابرنا، لا بد من خلق وعي إيجابي، ولو ضمن دائرة ضيقة، فنصنع الفارق. هدف الفن الحقيقي أن نصل من خلاله إلى إنسانيتنا».
كيف نضجتِ؟ سؤال آخر إلى أميمة الخليل المحلقة في سربها. هل هو حب الأب؟ هل هو دعم مارسيل خليفة؟ أم هي يد زوجكِ الموسيقي هاني سبليني؟ أي منعطفات صنعتكِ؟ «لا أعرف إذا نضجت، ولا أستطيع حسم الإجابة!»، تجيب فتعلو الضحكة، وتتابع: «الحياة قصيرة، وأنا في رحلة بحث دائم عن النفس. لا أدري إلى أي مدى أستطيع القول أنني أجدها، لكن ثمة محطات في العمر تُعلم، فتدمغ وجودنا. بالنسبة إليّ، المحطة الفاصلة كانت الأمومة. عندما وضعتُ ابني شعرتُ بمسؤولية لا يمكن رميها على أحد، فاضطررتُ للنضوج. نلتُ دلع الأب ودلع الزوج ودلع مارسيل خليفة، إنما مسؤوليتي حيال ابني توجت نضجي».
تقدم عرض «الشمعة الرسامة» في بيروت وهي تعلم فداحة الظرف اللبناني. السؤال المؤلم نفسه: هل لا يزال الفن أولوية فيما الرغيف مخطوف والدواء باهظ والوطن في الاحتضار؟ تحسم الجواب بلا تردد: «الفن أولوية في كل الظروف، وأعني به الفن الذي يواكب الناس ويتماهى مع أحوالهم. أردتُ مع هاني سبليني وبيار جعجع وعلي الأتات إضاءة شمعة بدلاً من لعن العتمة طوال الوقت. علينا الاستمرار في القيام بما نحب ونقدمه للناس باحترام، لنقوى على التحمل».
رافقت زوجها وجعجع إلى الإمارات، هما المدعوان إلى «إكسبو دبي» لتقديم أغنيات ضمن برنامج الـ«UNDP» باسم «أيامي». الموسيقى لسبليني والتعبير الراقص ولغة الإشارة لجعجع. يعذبها لبنان الألم، ومع ذلك، تلمح أملاً في زواياه. ترفض الكليشيهات الوطنية كأن يقال: هذا أجمل مكان على الأرض، وهذا المكان أقل جمالاً، وتختصر التاريخ: «لبنان جنة وحكامه شياطين». صدقت وطناً رسمه الأخوان الرحباني وغنته فيروز، وهو اليوم شاهد كئيب على الإبادة الجماعية: «لولا الفن، لما بقي خيط نجاة».
أميمة الخليل لـ«الشرق الأوسط»: بالفن الحقيقي نصل إلى إنسانيتنا
جديدها «صوتي مش إلك» مع الراقص الأصم بيار جعجع
أميمة الخليل لـ«الشرق الأوسط»: بالفن الحقيقي نصل إلى إنسانيتنا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة