وسط مقابر ومساجد منطقة السيدة عائشة في القاهرة، تطل قبة «الأشرف خليل» ببنيانها المعماري المتفرد، والذي يشهد على تاريخ الفن والعمارة الإسلامية في مصر، ويقدم نموذجاً نادراً لأثر لم تنل منه عوامل السقوط أو التهدم، لينقل لنا نوعاً من أنواع العمائر الباقية من تاريخ مصر المملوكية، ونموذجاً كان يحتذى به في تصميم القباب الضريحية.
«قبة الأشرف خليل بن قلاوون»، المسجلة في سجلات الآثار المصرية برقم (275) يعود تاريخ إنشائها إلى سنة 687هـ -1288م، وتتميز بشكلها المكعب والذي تعلوها رقبة مثمنة الأضلاع تحمل قبة مميزة وفريدة، تقبع بالقرب من مسجد السيدة نفيسة وتحديداً شارع الأشرف أو الأشراف، حيث اختار صاحبها السلطان المملوكي الأشرف خليل أن تقع قبته - وضريحه فيما بعد - بين السيدة نفيسة رضي الله عنها، ووالدته السيدة فاطمة خاتون.
ولا تزال القبة تحمل سيرتها الأولى، محتفظة بعبقها التاريخي، وتفردها المعماري والجمالي، حيث تبقى على الحالة الأصلية التي أنشئت عليها، ورغم مرور القرون بتقلباتها عليها، فإنها لا تزال الوحيدة الباقية على حالتها الأولى لسلاطين أسرة المنصور قلاوون.
القبة الفريدة جذبت الباحث الأكاديمي في الآثار والحضارة الإسلامية، معاذ لافي، للقيام بمشروع بحثي توثيقي لها، فاز مؤخراً برعاية جمعية «اكتشف مصر The Egypt Exploration Society» في لندن، وبمبادرة «الأثر لنا» (التابعة لمؤسسة مجاورة)، حيث توغل الباحث في تاريخ القبة وعمارتها، نظرياً وعملياً على أرض الواقع، ليخرج بمشروع يوثق القبة بشكل متكامل.
يقول «لافي»، لـ«الشرق الأوسط»: «القباب الضريحية بشكل عام كانت أهميتها أنها تقام لتخليد ذكرى منشئها، أو صاحبها، لكي يدعو له الناس على طول التاريخ، لذا نجد أن القباب كانت تُختار أماكنها في الشوارع الرئيسية أو في مناطق مهمة بل إن الناس كانوا يتباركون بالسكن أو الدفن بجوار أصحاب القباب، مثل الجبانات التي أنشئت بجوار قبة ضريح الإمام الشافعي (المتوفى بمصر عام 819 هـ) تبركاً به».
وشرع السلطان الأشرف في بناء هذه القبة والضريح وهو ولي للعهد قبل أن يتولى السلطنة، والمعروف أن الأشرف خليل كان ولياً للعهد لأبيه السلطان قلاوون بعد وفاة أخيه الصالح علي بن المنصور قلاوون الذي سبقه ولياً للعهد، وتحمل قبة الأشرف خليل أهمية خاصة بحسب لافي الذي يؤكد أنها تحمل اسم صاحبها السلطان الأشرف خليل، فاتح عكا، آخر حصن للصليبيين في بلاد الشام عام 1291م، فهو أحد السلاطين المشهورين في التاريخ الإسلامي، كونه طارد بقايا الصليبين، وثانياً أنها قبة مهمة جداً من الناحية المعمارية من حيث الزخارف والفنون العبقرية، ففي رأيي أن زخارفها الداخلية هي الأجمل في مصر، حيث نفذت بعبقرية لا توصف، ومن هنا تأتي أهميتها الآنية، فهي تؤرخ لجزء من تاريخ الفنون والعمارة، فلها أهميتها الأثرية لدى الدارسين والمهتمين، فعندما نريد فهم فلسفة الفن الإسلامي، علينا المرور بالدراسة على نموذج الأشرف خليل، لأنها حلقة مهمة في تاريخ العمارة».
ويشير لافي إلى أن وجود قبة الأشرف بجوار مسجد وضريح السيدة نفيسة التي يتبارك بها المصريون كونها من آل البيت، تضيف للقبة أهمية أخرى، حيث يمكن استغلالها في الجذب السياحي، خصوصاً مع مشروعات التطوير التي تشهدها المنطقة حالياً».
ويلفت الباحث إلى أن حالة القبة ليست بالدرجة السيئة التي يتصورها البعض، فهناك فقط مياه جوفية أو مياه صرف يمكن إزالتها، لكنها ليست متهدمة فهي قائمة بحالتها حتى الآن، رغم اندثار جزء صغير من ممر على هيئة قوس بناحيتها الشرقية أما عمارتها الداخلية فعلى حالتها، حيث تضم القبة مجموعة من النوافذ الضخمة والطويلة والتي تخضع لنمط هندسي في التزيين عن الشكل المعتاد في القباب، كما يتميز باطن القبة بالزخارف والمقرنصات.
ويهدف مشروع لافي لتسليط الضوء على القبة، ومحاولة توثيقها إنشائياً ومعمارياً وثقافياً وفنياً، كما قدم بحثاً علمياً يتضمن أطروحة تتناول نمط العمارة والأسلوب المعماري المتبع في بناء القبة، مما جعلها القبة الوحيدة التي بقيت على حالتها الأصلية من قباب أسرة المنصور قلاوون، وهو بمثابة خطوة أولى للحفاظ على أي مكان أثري.
مشروع توثيقي يُعيد اكتشاف قبة «الأشرف خليل» الأثرية في القاهرة
أنشئت نهاية القرن الـ13 الميلادي وتحتفظ بحالتها الأصلية
مشروع توثيقي يُعيد اكتشاف قبة «الأشرف خليل» الأثرية في القاهرة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة