واشنطن تعيد فتح ملف خاطفي الرهائن الأميركيين في بيروت

قتلوا على أيدي عناصر مرتبطة بـ«حزب الله» في الثمانينات

واشنطن تعيد فتح ملف خاطفي الرهائن الأميركيين في بيروت
TT

واشنطن تعيد فتح ملف خاطفي الرهائن الأميركيين في بيروت

واشنطن تعيد فتح ملف خاطفي الرهائن الأميركيين في بيروت

أعادت واشنطن فتح ملف الرهائن الأميركيين في مرحلة الحرب اللبنانية، مذكرة بمكافأة كانت أعلنتها في وقت سابق ومقدارها خمسة ملايين دولار، لقاء الإدلاء بمعلومات عن المسؤولين عن عمليات الخطف والقتل التي طالت غربيين بين عامي 1982 و1992، وبينهم ثلاثة أميركيين، على يد عناصر مرتبطة بـ«حزب الله»، بحسب ما قالت السلطات الأميركية.
ونشر حساب «ريواردز فور جاستيس» (مكافآت من أجل العدالة) الأميركي على «تويتر»، أمس، إعلاناً قال فيه إن «إرهابيين مرتبطين بحزب الله اللبناني قاموا بخطف وقتل مواطنين أميركيين خلال فترة احتجاز رهائن استمرت عقداً من الزمن، وبدأت في أوائل الثمانينات»، ودعت الأشخاص الذين لديهم معلومات عن هؤلاء الخاطفين والقتلة للإدلاء بها، والحصول على مكافأة.
وتعيد واشنطن الإعلان عن هذه الجائزة، علماً بأنها «ليست المرة الأولى التي يتم فيها نشر معلومات عن هذه الجائزة المتصلة بهذا الملف»، بحسب ما قالت مصادر دبلوماسية أميركية في بيروت لـ«الشرق الأوسط». فبرنامج المكافآت كان قد نشر على موقعه الإلكتروني بالنسخة العربية هذا الإعلان عن المكافأة التي «تصل قيمتها إلى 5 ملايين دولار مقابل معلومات تؤدي إلى تقديم المسؤولين عن هذه الهجمات إلى العدالة».
ووقعت عدة أعمال خطف وقتل أثناء أزمة الرهائن في لبنان التي امتدت من سنة 1982 حتى 1992، وقالت السلطات الأميركية إنه في 16 مارس (آذار) 1984، «اختطف إرهابيون ويليام باكلي، مدير مكتب وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في بيروت»، لافتة إلى أنه «تعرض للاستجواب والتعذيب، حيث استمر احتجازه لمدة 15 شهراً قبل وفاته التي لم يعرف موعدها تحديداً».
وفي 3 ديسمبر (كانون الأول) 1984، وردت أنباء عن اختفاء مسؤول مكتبة الجامعة الأميركية في بيروت بيتر كلبورن. وبعد ذلك بستة عشر شهراً، «تم إطلاق النار عليه وعلى أسيرين آخرين، ما أدى إلى مقتلهم جميعاً، ثم ألقيت جثثهم في منطقة جبلية شرق بيروت».
وفي 17 فبراير (شباط) 1988، خطف إرهابيون العقيد ويليام هيغينز من سيارته التابعة لقوات حفظ السلام للأمم المتحدة. وقالت السلطات الأميركية إنه «إبان فترة احتجازه كرهينة، تعرض العقيد هيغينز للاستجواب والتعذيب، قبل أن يتم قتله. ولا يُعرف تاريخ وفاته بالتحديد».
ويصف أستاذ التاريخ في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور مكرم رباح، تلك المرحلة بـ«الدقيقة»، كونها شهدت نشوء «حزب الله»، لافتاً إلى أن عمليات الخطف «كانت تحدث تحت أسماء متعددة بينها «الجهاد الإسلامي» وغيره. وفي وقت لم يكن «حزب الله» يعلن مسؤوليته عن عمليات الاختطاف، يؤكد رباح، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الجميع كان يعرف دور إيران فيما يتعلق بأزمة الرهائن الأجانب، لا سيما أنها ارتبطت بإدارة الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان وصفقة (إيران غيت)»، مضيفاً: «لذلك كان واضحاً أنها كانت محاولة إيرانية لإقصاء الولايات المتحدة عن لبنان سواء بتفجير مقر قوات المارينز أو بتفجير مقر السفارة الأميركية أو بخطف الرهائن».
ويرى رباح، وهو باحث في التاريخ اللبناني، أن «أهمية الكشف عنها في هذه المرحلة تتمثل في تزامنها مع المفاوضات النووية مع إيران، بغرض التذكير بأن ملف (حزب الله) وكل الميليشيات الإيرانية غير مطروح للنقاش، أما التصنيف الإرهابي للميليشيات التابعة لإيران التي تتحمل مسؤولية قتل مواطنين أميركيين سواء عبر الخطف أو التفجير، فهو موضوع غير قابل للتفاوض والنقاش»، معتبراً أن التذكير بذلك «هو رسالة واضحة من قبل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حول هذا الملف».
وتعد تلك المرحلة من أكثر المراحل سوداوية في الحرب اللبنانية بالنسبة للرعايا الأجانب في لبنان، وعرفت فيما بعد بأزمة الرهائن. ووصفت وكالة المخابرات المركزية الأميركية في ربيع عام 1985، بيروت الغربية بأنها تحولت من مركز تجاري وثقافي في العالم العربي إلى «منطقة عسكرية خارجة عن القانون تتنازع عليها الفصائل الطائفية والآيديولوجية»، بحسب ما ذكر «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» في تقرير نشره في عام 2015.
ويُقدر عدد المختطفين بأكثر من مائة رهينة أجنبية في لبنان بين عامي 1982 و1992، كان معظمهم من الأميركيين والأوروبيين الغربيين، ويمثلون 21 بلداً، وأفيد في ذلك الوقت بوفاة 8 رهائن في الأسر، قُتِلَ بعضهم، بينما توفي آخرون بسبب نقص الرعاية الطبية الكافية للأمراض، وذلك في أقل التقديرات عن الرهائن المتوفين. وأفاد تقرير صادر عن مكتب التحقيقات الفيدرالي في عام 1994، في تلخيص للوضع، بأن «لحزب الله تاريخاً شهيراً باختطاف الرهائن الغربيين خلال الحرب الأهلية في بيروت». وبين عامَي 1982 و1991، «اختطف الحزب واحتجز 44 رهينة غربية على الأقل، من بينهم 17 أميركياً توفي 3 منهم في الأسر»، بحسب التقرير. وساد اعتقاد على نطاق واسع أن هذه «العناصر المعينة» كانت تضم القيادي في الحزب عماد مغنية (الذي اغتيل في دمشق في عام 2008) وأفراداً آخرين من الفصيل المتشدد في الحزب.
ويُعد وليم باكلي أبرز الرهائن الأميركيين، بحسب ما ذكر ماثيو ليفيت، الباحث في قضايا مكافحة الإرهاب والاستخبارات في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى». وقال ليفيت، في تقرير نشره المعهد، في وقت سابق، إن اختطاف مدير محطة «وكالة المخابرات المركزية» ويليام باكلي في مارس 1984 «دل على عناية في اختيار الهدف وفي المراقبة العملياتية، وعلى الأرجح بدعمٍ من المخابرات الإيرانية». فقد نُقل عن أحد المصادر أن «إيران زودت حزب الله ببعض المعلومات الاستخباراتية التي استخدمها التنظيم للتعرف على باكلي بصفته المدير المحلي لمحطة وكالة المخابرات المركزية، وذلك استناداً إلى المواد التي تم الاستيلاء عليها خلال احتلال السفارة الأميركية في إيران عام 1979».
وفي التقرير نفسه، يشير ليفيت إلى أن باكلي «أُرسل إلى بيروت في عام 1983 لإنشاء محطة جديدة لوكالة المخابرات المركزية بعد تدمير المحطة السابقة في تفجير السفارة الأميركية في أبريل (نيسان) من ذلك العام، وتبين للوكالة أن حزب الله هو من يحتجز باكلي». وأشار إلى أن باكلي «تعرض للتعذيب على أيدي محققين لبنانيين وإيرانيين»، لافتاً إلى أن «حزب الله أرسل إلى وكالة المخابرات المركزية 3 أشرطة مصورة تظهر عمليات تعذيب باكلي».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.