حمدوك يطيح قائد الشرطة ونائبه بعد «قمع المظاهرات»

توقع تغييرات لقادة الاستخبارات والأجهزة الأمنية... والسلطات تطلق 4 من المعتقلين

رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك مطالب بإصلاحات لإعادة ثقة الشارع (رويترز)
رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك مطالب بإصلاحات لإعادة ثقة الشارع (رويترز)
TT

حمدوك يطيح قائد الشرطة ونائبه بعد «قمع المظاهرات»

رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك مطالب بإصلاحات لإعادة ثقة الشارع (رويترز)
رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك مطالب بإصلاحات لإعادة ثقة الشارع (رويترز)

أعلن رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك أمس إقالة قائد الشرطة ومساعده بعد مقتل 42 شخصاً في قمع المظاهرات المعارضة لإجراءات الجيش التي أطلقها في الخامس والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول)، فيما تواترت أنباء عن تغيرات مرتقبة تطال قادة الاستخبارات والأجهزة الأمنية. وفي غضون ذلك أطلقت السلطات سراح 4 من المعتقلين السياسيين بعد يومين من دخولهم في إضراب عن الطعام احتجاجاً على اعتقالهم دون مسوغات قانونية.
وقرر حمدوك الذي عاد إلى السلطة بموجب اتفاق الحادي والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) مع قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، تعيين اللواء عدنان حامد محمد عمر محل مدير عام الشرطة اللواء خالد مهدي إبراهيم إمام، واللواء عبد الرحمن نصير الدين عبد الله محل مساعده اللواء علي إبراهيم.
ولم يحدد رئيس الوزراء أسباب عزل قائد الشرطة ومساعده لكن الرجلين كانا يشرفان على قوات الأمن التي تصدت للمظاهرات المعارضة لاستيلاء الجيش على السلطة، ما أوقع 42 قتيلاً، بينهم أربعة فتيان، ومئات الجرحى.
ورغم أن الشرطة نفت قيامها بإطلاق النار على المتظاهرين فإن نقابات أطباء اتهمت قوات الأمن بأنها «استهدفت رؤوس وأعناق وصدور» المتظاهرين بالرصاص الحي والمطاطي كما أطلقت الغازات المسيلة للدموع عليهم». وتم خلال الأسابيع الأخيرة توقيف المئات من ناشطين سياسيين وصحافيين وأحياناً مجرد مارة.
وشدد رئيس الوزراء الذي أوقف ثم وضع قيد الإقامة الجبرية في أول ظهور له بعد عودته إلى منصبه على أن أولويته هي «وقف إراقة الدماء».
وكان رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، قد اتهم في مقابلة مع صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية الأسبوع الماضي، بعض العناصر داخل الشرطة و«مسلحين «وراء مقتل عدد من المتظاهرين، وبرأ قوات الجيش والدعم السريع التي يقودها نائبه في المجلس، محمد حمدان دقلو «حميدتي».
وقالت مصادر بمكتب رئيس الوزراء تحدثت لـ«الشرق الأوسط» إن قرار إقالة قائد الشرطة، بسبب المؤتمر الصحافي الذي تحدث فيه، نافياً سقوط قتلى بالرصاص الحي في المظاهرات التي شهدتها الخرطوم ومدن البلاد، وأشار إلى وجود قوات أخرى صاحبت الشرطة ربما تكون مسلحة، على حد تعبيره.
وبحسب لجنة أطباء السودان المركزية - هيئة نقابية مهنية - أن 42 قتيلاً ومئات الجرحى سقطوا بالرصاص الحي والمطاطي والغاز المسيل للدموع.
ورغم التحذيرات الصارمة التي أصدرها رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، لقوات الشرطة بعدم التعرض للمتظاهرين في تظاهرات 25 من نوفمبر الحالي، استخدمت الغاز المسيل للدموع بكثافة في مدينة أم درمان، ما أدى إلى إصابة العشرات من المتظاهرين.
وينحدر مدير الشرطة المعين حديثاً من بلدة بالقرب من مسقط رأس، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، بولاية نهر النيل شمال البلاد.
وتدرج عنان في جهاز الشرطة، حيث شغل وظائف قيادية، مديراً للشرطة في عدد من الولايات، ومدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، وقائد الاحتياطي المركزي حتى وصل إلى رئيس هيئة التدريب قبل أن ينتقل منه إلى إدارة الجهاز الشرطي.
وتواجه قوات الشرطة التي شاركت في فض المظاهرات باتهامات استخدام العنف المفرط، ولجوء بعض أفرادها لإطلاق الرصاص الحي والمطاطي وعبوات الغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين السلميين، والمعاملة خارج إطار القانون للمحتجزين بأقسام الشرطة.
وفي غضون ذلك أطلقت السلطات السودانية أمس 4 من المعتقلين السياسيين، وهم وزير شؤون مجلس الوزراء، خالد عمر يوسف، حاكم ولاية الخرطوم، أيمن خالد نمر، مقرر لجنة التفكيك، طه عثمان، والمفوض المالي والإداري للجنة، ماهر أبو الجوخ، وذلك بعد يومين من إعلانهم الإضراب عن الطعام احتجاجاً على انتهاك حقوقهم الدستورية.
ولا تزال الأجهزة الأمنية التابعة للجيش تحتجز 9 من القادة، أبرزهم، عضو مجلس السيادة الانتقالي السابق، محمد الفكي سليمان، ووزير الصناعة، إبراهيم الشيخ، ومسؤولون في اللجنة الخاصة بتصفية وتفكيك نظام الرئيس المعزول، عمر البشير، بالإضافة إلى العشرات من قادة لجان المقاومة الشعبية التي تنظم المظاهرات المستمرة رفضاً للانقلاب العسكري.
وتم وضع رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، قيد الإقامة الجبرية، واعتقال قادة السلطة الانتقالية بالتزامن مع تحركات الجيش للاستيلاء على السلطة في البلاد بانقلاب عسكري في 25 من أكتوبر الماضي.
ورفضت السلطات الأمنية السماح لمحامي وأسر المعتقلين التواصل معهم أو زيارتهم، طوال فترة احتجازهم التي تجاوزت 35 يوماً.
ووقع قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، الأحد الماضي، اتفاقاً إطارياً، لإنهاء الأزمة في البلاد، وجد معارضة قبل قوى الحرية والتغيير، ورفضاً كبيراً في الشارع.



«خط أحمر»... «الحكومة الموزاية» تثير مخاوف مصرية من تفكك السودان

وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)
وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)
TT

«خط أحمر»... «الحكومة الموزاية» تثير مخاوف مصرية من تفكك السودان

وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)
وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)

تثير تحركات تشكيل «حكومة موازية» في السودان، مخاوف مصرية من تفكك البلاد، التي تعاني من حرب داخلية اندلعت قبل نحو عام ونصف العام، وشردت الملايين. وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الأحد، إن «بلاده مع استقرار السودان ومع بسط سيادته على كل الأراضي السودانية»، مشيراً إلى أن «هذا أمر ثابت في السياسة الخارجية المصرية ولا يمكن أن تتزحزح عنه».

واعتبر وزير الخارجية، في مؤتمر صحافي مشترك، مع المفوضة الأوروبية لشؤون المتوسط دوبرافكا سويتشا، «تشكيل أي أطر موازية قد تؤدي إلى تفكك الدولة السودانية خطاً أحمر بالنسبة لمصر ومرفوضاً تماماً»، مضيفاً: «ندعم الشرعية. ندعم مؤسسات الدولة السودانية، وندعم الدولة، لا ندعم أشخاصاً بأعينهم».

ويرى خبراء ومراقبون، تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أن الموقف السياسي المصري الداعم بقوة لمؤسسات الدولة، والرافض لتشكيل أي أطر موازية، هدفه حماية السودان من التمزق، لكنه يظل رهن تباينات إقليمية تعقد حل الأزمة.

ويمهد توقيع «قوات الدعم السريع» وحركات مسلحة وقوى سياسية ومدنية متحالفة معها بنيروبي، الأسبوع الماضي، على «الميثاق التأسيسي»، الطريق لإعلان حكومة أخرى موازية في السودان، في مواجهة الحكومة التي يقودها رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، وتتخذ من مدينة بورتسودان مقراً لها.

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» من القاهرة، قبل أيام، عدَّ وزير الخارجية السوداني، علي يوسف الشريف، أن تحرك تشكيل «حكومة موازية» في مناطق سيطرة قوات «الدعم السريع» لا يحظى باعتراف دولي، مشيراً إلى أن «دولاً إقليمية ودولية تدعم موقف بلاده في هذه القضية».

وجددت مصر، الأحد، رفضها مساعي تشكيل «حكومة موازية» بالسودان، ووصفت الخارجية المصرية، في بيان رسمي، الأحد، ذلك، بأنه «محاولة تهدد وحدة وسيادة وسلامة أراضي السودان».

وأضاف البيان أن تشكيل حكومة سودانية موازية «يُعقد المشهد في السودان، ويعوق الجهود الجارية لتوحيد الرؤى بين القوى السودانية، ويفاقم الأوضاع الإنسانية»، فيما طالبت كافة القوى السودانية بتغليب المصلحة الوطنية العليا للبلاد والانخراط في إطلاق عملية سياسية شاملة دون إقصاء أو تدخلات خارجية.

وحسب الوزير المصري عبد العاطي، فإن «مصر على تواصل مع كل الأطراف المعنية لنقل وجهه نظرها وموقفها الواضح والثابت»، وأضاف: «بالتأكيد نحن مع السودان كدولة، ومع السودان كمؤسسات، ومع السودان بطبيعة الحال لفرض سيادته وسيطرته على كل الأراضي السودانية».

وتستهدف مصر من رفض مسار الحكومة الموازية «دعم المؤسسات الوطنية في السودان، حفاظاً على وحدته واستقراره، وسلامته الإقليمية»، وفق عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير صلاح حليمة، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر تعمل على حشد الدعم الدولي والإقليمي لوقف الحرب ونفاذ المساعدات الإنسانية، ووضع خطط لإعادة الإعمار».

وتنظر القاهرة لحكومة بورتسودان باعتبارها الممثل الشرعي للسودان، والمعترف بها دولياً، وفق حليمة، ودلل على ذلك بـ«دعوة رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، للأمم المتحدة، وزيارة دول مختلفة، كممثل شرعي عن بلاده».

وترأس البرهان وفد السودان، في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، سبتمبر (أيلول) الماضي.

ويعتقد حليمة أن إجهاض مساعي «الحكومة الموازية» لن يتحقق سوى بـ«التوافق على مسار سياسي، من خلال حوار سوداني - سوداني، تشارك فيه كل الأطراف، ويفضي لتشكيل حكومة مدنية مستقلة لفترة انتقالية»، وطالب بالبناء على مبادرة مصر باستضافة مؤتمر للقوى السياسية السودانية العام الماضي.

وجمعت القاهرة، في شهر يوليو (تموز) الماضي، لأول مرة، الفرقاء المدنيين في الساحة السياسية السودانية، في مؤتمر عُقد تحت شعار «معاً لوقف الحرب»، وناقش ثلاث ملفات لإنهاء الأزمة السودانية، تضمنت «وقف الحرب، والإغاثة الإنسانية، والرؤية السياسية ما بعد الحرب».

في المقابل، يرى المحلل السياسي السوداني، عبد المنعم أبو إدريس، أن «التحركات المصرية تواجه تحديات معقدة، بسبب دعم دول إقليمية مؤثرة للقوى الساعية لتشكيل حكومة موازية، في مقدمتها (الدعم السريع)»، مشيراً إلى أن «الموقف المصري مرهون بقدرتها على تجاوز الرفض الدبلوماسي، وقيادة تحركات مع الفرقاء السودانيين وحلفائها في الإقليم».

ويعتقد أبو إدريس، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن اختراق القاهرة لأزمة «الحكومة الموازية»، «لن يكون سهلاً، في ضوء تأثير الجهات الدولية والأطراف الداعمة للقوى السودانية التي تقف خلف هذه الحكومة»، وقال إن «مصر تخشى أن تقود تلك التحركات إلى انفصال جديد في السودان، ما يمثل تهديداً لمصالحها الاستراتيجية».

ورغم هذه الصعوبات، يرى القيادي بالكتلة الديمقراطية السودانية، مبارك أردول، أن الموقف المصري مهم في مواجهة الأطراف الإقليمية الداعمة لمسار الحكومة الموازية، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رفض القاهرة يؤكد أن السودان لا يقف وحده في هذه الأزمة»، وأن «هناك أطرافاً إقليمية داعمة لوحدة واستقرار السودان».

وتعتقد مديرة وحدة أفريقيا في «مركز الأهرام للدراسات السياسية»، أماني الطويل، أن «المواقف الرافضة لهذه الحكومة، التي صدرت من مصر والأمم المتحدة ودول أخرى، يمكن أن تُضعف من الاعتراف الدولي والإقليمي للحكومة الموازية، دون أن تلغيها».

وباعتقاد الطويل، «سيستمر مسار الحكومة الموازية بسبب رغبة شركات عالمية في الاستفادة من موارد السودان، ولن يتحقق لها ذلك إلا في وجود سلطة هشّة في السودان»، وقالت: «الإجهاض الحقيقي لتلك التحركات يعتمد على التفاعلات الداخلية بالسودان، أكثر من الموقف الدولي، خصوصاً قدرة الجيش السوداني على استعادة كامل الأراضي التي تسيطر عليها (الدعم السريع) وخصوصاً دارفور».