العميد عسيري.. صانع أخبار «الحزم»

تخرج في سان سير والسوربون.. وعمل في «العاصفتين»

العميد عسيري..  صانع أخبار «الحزم»
TT

العميد عسيري.. صانع أخبار «الحزم»

العميد عسيري..  صانع أخبار «الحزم»

«يتعلمون للنصر»، هذا هو شعار مدرسة سان سير العسكرية للتعليم العالي العسكري والتي أنشأها القائد العسكري وإمبراطور الفرنسيين نابليون بونابرت في 1802، وكانت مدرسة تخصصية للعلوم العسكرية قبل أن يغير اسمها إلى «المدرسة الإمبراطورية الحربية».

هذه المدرسة العسكرية الأقدم تاريخيا، تخرج منها في عام 1989 العميد ركن أحمد بن حسن محمد عسيري، بامتياز وحصد المرتبة الأولى على الدفعة. وإلى جانب كليات عسكرية شهيرة كسانت هيرس البريطانية وويست بوينت الأميركية، فإن سان سير الفرنسية تعتبر الأقدم والأكثر عراقة. العميد عسيري الذي يتحدث بطلاقة، الإنجليزية والفرنسية، كان مثار تساؤلات السعوديين، بعد اختياره كمتحدث رسمي لقيادة قوات تحالف «عاصفة الحزم» تلك التي انطلقت في السادس والعشرين من مارس (آذار) الماضي، تلبية لنداء الرئيس الشرعي لليمن عبد ربه منصور هادي، الذي استغاث بدول الخليج العربي عبر رسالة وجهها إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، يطلب تدخلا عسكريا لوقف عدوان الحوثيين ومن ورائهم الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح. فكان التحرك السعودي ضمن تحالف عربي - إسلامي ضم 10 دول، مع ارتفاع عدد الدول الراغبة في الانضمام لتحالف دعم الشرعية في اليمن.
بعد أقل من أسبوع من بدء العمليات العسكرية وظهور العميد عسيري اليومي في الإيجاز الصحافي ومواجهة سيل الأسئلة الصحافية باللغتين العربية والإنجليزية، كان سؤال لوكالة الأنباء الفرنسية، باللغة الفرنسية، أجابه عسيري باللغة نفسها. وتزايدت التساؤلات من هو العميد عسيري؟ الذي يتحدث الفرنسية والإنجليزية؟ لكن الأسئلة ظلت حائرة. براعته في الإجابة على أسئلة الصحافيين المحرجة، دقته في الإجابات، حضوره اللافت، كلها تزيد الشغف بين الصحافيين وغيرهم في الغوص في سيرة الرجل ومعرفة المزيد عنه.
وللمستشار بمكتب وزير الدفاع السعودي، قصة نجاح طويلة.
على الرغم من أنه عمل كمترجم باللغة الفرنسية إلى جانب عمله العسكري أثناء حرب الخليج الثانية والتي عرفت بـ«عاصفة الصحراء»، فقد كان عسيري رجلا يعشق الظل، ويحصد الدرجات العلمية في مختلف المجالات، سواء تلك المرتبطة بعمله مباشرة أو غيرها، فهو يحمل شهادات في العلاقات الدولية والتاريخ والقيادة، وتدرج في العمل القيادي حتى تسنم مركزه الحالي مديرا لإدارة الاستشارات العسكرية في مكتب وزير الدفاع السعودي.
وقبل بدء عملية عاصفة الحزم، نشرت وكالة الأنباء السعودية صورا لوزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان وهو يستقل طائرة مروحية عسكرية أثناء جولته التفقدية على القوات العسكرية جنوب السعودية وإلى جانبه عميد عسكري يحمل ملفات وأوراقا، وبعد أن ظهر في الإيجاز الصحافي اليومي، أعاد السعوديون نشر الصورة على نطاق واسع بعد أن تعرفوا على تلك الشخصية: العميد ركن أحمد بن حسن محمد عسيري. فمن هو؟
يشغل عسيري حاليا مدير إدارة الاستشارات العسكرية بمكتب وزير الدفاع، لكن تأهيله العلمي بدأ حين تخرج من كلية سان سير الفرنسية الشهيرة 1988 - 1989 وحصل على الترتيب الأول على الدفعة الأولى، وحصل على درجة الماجستير في العلوم العسكرية من كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة السعودية، وماجستير في دراسات الدفاع الوطني من فرنسا إلى جانب درجة ماجستير في العلوم الاستراتيجية.
العميد عسيري ليس طالب علم فقط، بل عاشق له، فقبل كل ما مضى حصد على شهادة بكالوريوس في تخصص التاريخ من جامعة السوربون وبكالوريوس آخر في العلاقات الدولية من جامعة فرنسية، وهي تلك الفترة التي كانت متزامنة مع بدء دراساته العسكرية في العاصمة الفرنسية باريس.
وإلى جانب درجات البكالوريوس والماجستير التي حصدها عسيري فقد حصل على عشرات الدورات ومنها دورة ضباط الأركان في فرنسا ودورة تأسيسية في اللغة الإنجليزية ودورة تأسيسية لصواريخ هوك ودورة تشغيل وصيانة ودورة معلمي خرائط ثم دورة قادة سرايا هوك من فرنسا. وتدرج عسيري في جميع الدرجات العلمية في جامعات عريقة وكليات عسكرية في فرنسا، وحين تتعلق المسألة بالحرب، فبراعة الإجابات لعسيري تعود لخلفيته التأهيلية فقد حضر عددا من دورات الحرب منها دورة حرب إلكترونية ودورة متقدمة في الدفاع الجوي، وبعد ذلك دورة معلمي حرب حضرها في كلية حرب الجيش الأميركي، والأهم من ذلك كله، درجته العلمية التي حصدها من كلية سان سير كأول الدفعة الأولى، وهي أشهر وأعرق كليات العسكرة والحرب في العالم، حيث يدرس الطالب فيها 3 سنوات يتعلم فيها علوما أكاديمية إلى جانب التدريب العسكري والبدني اللازم، وبعد ذلك التدريب على القيادة.
يذكر أن الكلية خرجت عددا من أشهر القادة العسكريين في العالم ومنهم الجنرال شارل ديغول رئيس فرنسا المتوفى 9 نوفمبر (تشرين الثاني) 1970، ووزير الحرب الإكوادوري كارلوس جويريرو، وقبلهم أمير موناكو لويس الثاني. وللأزمات رجالها، وهكذا كان عسيري، المستشار في مكتب وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان، والذي حصد دورة في إدارة الأزمات والتفاوض من جمهورية مصر العربية. ولم يتوقف العميد ركن أحمد عن مواصلة تنويع المعرفة في مختلف المجالات، فقد جمع بين التخصص في القيادة والإدارة والتاريخ والعلاقات الدولية وعلوم الحرب. وسمات القائد تظهر على عسيري، إلى جانب الفترة التي قضاها في الجمهورية الفرنسية متدرجا في عدة مراحل دراسية لتعليم القادة، وهو ما تترجم عمليا في سلسلة مراكز قيادية تولاها.
انعكس تعليمه المتقدم في أرقى الجامعات والكليات العسكرية والأكاديمية في فرنسا على أدائه العملي، فقد عمل عسيري قائدا في مراكز قيادية في وزارة الدفاع والقطاعات العسكرية أكثر من مرة، مرة مثلا في فصيل تشغيل هوك وأخرى على فصيل صيانة وتموين، ثم عمل مساعدا لقائد سرية هوك وقائد جناح التكتيك بمعهد قوات الدفاع الجوي وقائد جناح الصواريخ بمعهد قوات الدفاع الجوي، كما عمل ضابط ارتباط بالقوات المشتركة لدى القوات الفرنسية خلال عمليتي درع وعاصفة الصحراء ومترجما لقائد القوات المشتركة ومسرح العمليات. وكان عسيري عضوا في اللجنة الرئيسية لإنشاء كلية الحرب، وعمل ضابطا معلما في جناح الحرب بكلية القيادة والأركان السعودية، ثم الركن الخاص لنائب وزير الدفاع، قبل أن يصبح مديرا لإدارة الاستشارات العسكرية بمكتب وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان.
ومن حرب تحرير الكويت الشهيرة بـ«عاصفة الصحراء» وحتى «عاصفة الحزم»، وما بين العاصفتين، كان العميد ركن عسيري يتدرج تعليما وتأهيلا، بل لم يتأخر عن حصد الأنواط الاستحقاقية بدءا من ميدالية تحرير الكويت وحتى نوط الابتكار، ونوط الإتقان والميدالية الذهبية للدفاع الوطني الفرنسية كما حصد وسام استحقاق من درجة فارس من مملكة المغرب والوسام الوطني من درجة فارس من جمهورية النيجر، ووسام الأسد الوطني من درجة فارس من جمهورية السنغال. وإلى جانب ذلك حصل العسيري على وسام تحرير الكويت وأنواط أخرى منها نوط المعركة ونوط الذكرى المئوية ونوط المعلم مرتين، وفي عمله العسكري حصد نوط الخدمة العسكرية عدة مرات.
عسيري الشخصية القيادية المتسلح بالهدوء والعلم والمعرفة وعلوم الحرب والقيادة، في كل مرة يواجه فيها عاصفة الأسئلة من الصحافيين المتعطشين لمعرفة كل التفاصيل الدقيقة عن سير الحرب.. يتجاوب معها ويجيبها بحزم ودقة. العميد عسيري.. بات الآن يصنع عناوين الأخبار كل يوم.. ومحط أنظار الجميع الذين باتوا ينتظرون موعد إيجازه العسكري بشغف بالغ.. لمعرفة أخبار المعارك.. والتمعن في تلك الشخصية الفذة التي تبهر الجميع.



هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.