مرة أخرى، يتجدد الجدل في مصر بشأن المدافن التاريخية والتراثية. فعلى مدار الأيام القليلة الماضية، شغلت مقابر منطقة الإمام الشافعي، بوسط القاهرة، الشارع المصري، والمهتمين بالقاهرة التاريخية، في أعقاب الكشف عن مخطط لإنشاء كوبري جديد بالمنطقة سيؤدي إلى إزالة مجموعة من المدافن، من بينها مقبرة الملكة فريدة زوجة الملك فاروق الأولى، وبعض مقابر الأسرة العلوية التي حكمت مصر حتى منتصف القرن الماضي.
القصة بدأت بتغريده نشرتها الكاتبة لوتس عبد الكريم، صاحبة مجلة وصالون وقاعة «الشموع»، الخميس الماضي، كشفت خلالها عن شكوى عائلة الملكة فريدة من إنذارها بهدم مدفن العائلة لإنشاء كوبري، وأنّ رفات الملكة فريدة وأقاربها سينقل إلى مقابر منطقة 15 مايو، وهو ما عدته «اعتداءً على حرمة الموتى»، موجهة استغاثة لوقف قرار الهدم.
وفور نشرها، تم تداول التغريدة بين المهتمين بالتاريخ والتراث، لتصبح مقابر الإمام الشافعي حديث وسائل الإعلام، وسط محاولات لمعرفة أسباب النقل، وما إذا كانت هناك حلول بديلة.
وتزخر مدينة القاهرة بالجبانات التاريخية، حسب زيزو عبده، مؤسس مبادرة «سيرة القاهرة»، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أنّ «المدافن في القاهرة التاريخية ليست مجرد أماكن للدفن، بل هي جزء من نسيج المدينة التاريخي وإرثها القديم، حيث تحوي تراكماً على مدى عصور، وتشكل مثالاً حياً يسرد تاريخ المدينة وتاريخ مصر من خلال النصوص التأسيسية وتواريخ الوفاة وسير الأعلام»، مشيراً إلى أنّ «هذه المقابر تضم رموزاً اجتماعية وتاريخية مهمة، ولا يجب التعامل معها بصفتها مجرد أماكن للدفن».
وحسب عبده، فإنّ «مقابر القاهرة التاريخية تحوي إرثاً فنياً وتاريخياً وعمرانياً، وبها موتيلات شعبية وزخارف مميزة، وكتب عنها كتب المزارات التي تحكي قصة كل مدفن، فهي مقابر تراثية مهمة، حتى إن كان أغلبها غير مسجل في عداد الآثار».
بدوره، قال حسام زيدان، الصحافي الباحث الأثري، لـ«الشرق الأوسط» إنّ «مشروع التطوير الذي تقوم به الدولة بمنطقة الإمام الشافعي يأتي في إطار عدد من المشروعات التي تشرع الدولة بتنفيذها للتيسير على المواطن من ناحية، ولتطوير مصر سياحياً من ناحية أخرى»، لكنه في الوقت نفسه أكد أنّه «حسب المخططات التي أعلنت عنها محافظة القاهرة، يوجد عدد من المقابر التراثية التي يجب الحفاظ عليها وترميمها والعناية بها، حيث سيعترض مسار مشروع التطوير مقبرة أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، ومقبرة النبيلة فاطمة حيدر وعلي باشا مبارك، ومدفن عائلة ذو الفقار، ومنهم الملكة فريدة، وزوجه الخديوي إسماعيل، وصبري أبو علم والمراغي، ومدفن العالم الجليل علي بك بهجت مكتشف وصاحب حفائر الفسطاط».
وأكد زيدان أنّ «إزالة هذه المقابر يؤدي إلى فقدان معلم سياحي مهم»، متسائلاً عن حقيقة «إزالة هذه المقابر ذات القيمة التاريخية والتراثية».
قرار النقل أكدته أسرة الملكة فريدة. وقال سيف الله ذو الفقار، حفيد شقيق الملكة فريدة، في تصريحات تلفزيونية، إنّه «تلقى اتصالاً من أحد المسؤولين قبل شهرين، يبلغه بقرار نقل مقبرة الملكة إلى مدينة 15 مايو لإنشاء كوبري»، معترضاً على القرار بقوله: «كيف يمكن نقل مدفن به 18 قبراً، ومدفون به نحو 70 شخصاً، إلى قبر واحد صغير؟»، مشيراً إلى أنّ «مدفن الملكة فريدة يضم عائلتها وعائلة ذو الفقار والممتاز والخادم»، مشدداً على أنّ «المقبرة عمرها 120 عاماً، وبها شخصيات كانت شاهدة على حقبة مهمة من تاريخ مصر».
وأكد محمد يكن، حفيد أحمد مدحت يكن باشا، في تصريحات تلفزيونية، أنّ «عائلة يكن لديها 3 مقابر تضم رفاتاً لأكثر من 120 فرداً من العائلة، وهي مقابر أثرية مصممة بالرخام ومرصعة بالذهب»، مطالباً وزارة الآثار بفحص أثريتها، خاصة أنّه مر على إنشائها أكثر من 120 عاماً.
ومن جهته، يوضح عبده أنّ «مقابر الإمام الشافعي من أهم مقابر القاهرة، وعمرها من عمر الفتح الإسلامي للقاهرة، وتضم جبانات المشاهير على مر العصور، وقد ارتبطت بالإمام الشافعي نفسه الذي أحبه المصريون»، مشيراً إلى أنّ «هذه المقابر تضم ضريح الإمام الشافعي نفسه، ومقابر لمشايخ وعلماء وأمراء ومماليك وبكوات وباشوات عصر محمد علي، ومقبرة حوش الباشا، وهي مسجلة كأثر».
وكانت محافظة القاهرة قد أعلنت، في فبراير (شباط) الماضي، عزمها نقل مجموعة من المقابر بمحيط الإمام الشافعي والإمام الليثي، في إطار خطة تطوير مسار آل البيت، إضافة إلى مجموعة من المقابر التي تقع في مسار كوبري السيدة عائشة الجديد الذي يربط بين ميدان السيدة عائشة ومحور الحضارات. وأكد إبراهيم عوض، السكرتير العام المساعد لمحافظ القاهرة، أنّ 2760 مقبرة ستُزال وتُنقل إلى أماكن أخرى في مدينة 15 مايو.
الجدل بشأن هدم المقابر القديمة، بوسط القاهرة، ليس جديداً، وعادة ما يتكرر مع كل مشروع تطوير يجري خلاله هدم بعض المقابر، وكان آخرها مشروع تطوير محور الفردوس منتصف العام الماضي الذي هُدمت بسببه مجموعة من مقابر صحراء المماليك. أمّا مقابر الإمام الشافعي نفسها، فقد أثارت الجدل من قبل. ففي عام 2019، هُدمت مجموعة من المقابر، ونُقلت إلى مدينة 15 مايو.
إزالة مدافن بـ«الإمام الشافعي» تجدد الجدل في مصر
بينها قبر الملكة فريدة وبعض أفرد الأسرة العلوية
إزالة مدافن بـ«الإمام الشافعي» تجدد الجدل في مصر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة