دانييل أورتيغا... العائد لقيادة نيكاراغوا بعكس إرثه الثوري

الزعيم الجديد ـ القديم في زمن خفوت البريق

دانييل أورتيغا... العائد لقيادة نيكاراغوا بعكس إرثه الثوري
TT

دانييل أورتيغا... العائد لقيادة نيكاراغوا بعكس إرثه الثوري

دانييل أورتيغا... العائد لقيادة نيكاراغوا بعكس إرثه الثوري

يوم الأحد الفائت ذهبت نيكاراغوا إلى انتخابات رئاسية مفصّلة على مقاس زعيم جبهة التحرير الساندينية والرئيس الحالي دانييل أورتيغا الذي كان يترشّح لولاية رابعة متتالية منذ عام 2007، وللعلم سبق لأورتيغا أن تولّى الرئاسة في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي بعد سقوط الطاغية أناستازيو سوموزا، الذي تفجّرت الثورة الساندينية ضدّه. وكما كان متوقعاً فاز أورتيغا بغالبية ساحقة، أفادت النتائج الرسمية بأنها تجاوزت 75% من الأصوات، في حين بلغت نسبة المشاركة 67% من المواطنين، دائماً وفقاً للمصادر الرسمية.
منذ الإعلان عن موعد الانتخابات وقرار أورتيغا الترشّح، إلى جانب زوجته لمنصب نائب الرئيس الذي تتولّاه حالياً، لم يكن هناك أي شك في أن الفوز سيكون معقوداً لقائد الثورة التي أبهرت العالم كنسخة محسنة للثورة الكوبية، قبل أن يتحوّل قائدها بعد عقدين من تولّيه الحكم إلى نسخة مشوّهة من الطاغية الذي ترك الجامعة ودخل السجن وتحمل الأَسْر من أجل إسقاطه.
نعم، كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية في نيكاراغوا محسومة قبل أشهر من إجرائها، خصوصاً أن أورتيغا كان قد تكفّل بإلقاء القبض على جميع منافسيه المحتملين الذين زجّ سبعة منهم في السجن بتهم مدبّرة، في حين اختار الباقون طريق المنفى الذي دفعته إليه ذات يوم ديكتاتورية سوموزا. بيد أن المفاجأة الوحيدة التي لم يكن أورتيغا يتوقعها هو الإجماع الدولي على رفض الانتخابات ونزاهتها، بل وصفها بـ«المهزلة»، والعقوبات التي أعلنتها كل من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ضد النظام الذي لم يعُد له من حليف سوى كوبا وفنزويلا.
- بطاقة هوية
وُلد دانييل أورتيغا يوم الحادي عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1945 في بلدة تدعى «الحرّية» كانت مشهورة بمعارضة سكّانها الشديدة لنظام سوموزا، الذي غالباً ما كان يقطع عنها قنوات التموين ويلاحق معارضيه من أبنائها. ومنذ دخوله الجامعة في عام 1963 انخرط أورتيغا في صفوف «الحركة الساندينية» التي أسّسها البطل القومي أوغوستو ساندينو الذي قاد حرب التحرير ضد جيش الاحتلال الأميركي لنيكاراغوا في العقد الثالث من القرن الفائت. لكنه ما لبث أن ترك الدراسة ليؤسس مع مجموعة من رفاقه «الجبهة الوطنية للتحرير الوطني» بدعم من الثورة الكوبية.
في أواخر عام 1967 وقع أورتيغا في قبضة الأجهزة الأمنية بعد قيادته عملية نفّذها ثوّار الجبهة لسرقة أحد المصارف في العاصمة ماناغوا. وأمضى سبع سنوات في السجن إلى أن جرى الإفراج عنه مقابل إطلاق سراح عدد من كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين المقرّبين من سوموزا، إلى جانب السفير الأميركي في ماناغوا. وكانت الجبهة قد اختطفت هؤلاء خلال اقتحام منزل حاكم المصرف المركزي حيث كانوا يتناولون طعام العشاء.
وخلال السنوات الأخيرة من الثورة الساندينية لجأ أورتيغا إلى كوستاريكا، حيث تعرّف على زوجته روزاريو موريّو التي كانت أيضاً من ناشطي الجبهة، وتساكنا إلى أن تزوّجها لاحقاً وله منها سبعة أولاد. ويؤكد العارفون أن لروزاريو تأثيراً كبيراً على أورتيغا، الذي عيّنها بعد انتخابه في المرة الماضية نائباً له، ثم ترشّحت إلى جانبه للمنصب نفسه في هذه الانتخابات الأخيرة.
- نجاح الثورة عام 1979
في عام 1979 غادر الديكتاتور السابق سوموزا نيكاراغوا أمام تقدّم قوّات الثوّار التي دخلت العاصمة في 18 يوليو (تموز)، منهياً بذلك حكم العائلة التي تولّت مقاليد السلطة في نيكاراغوا طيلة أربعة عقود. ومع دخول الثوّار إلى ماناغوا عاد أورتيغا من المنفى وتوجّه إلى العاصمة المؤقتة ليون لينضمّ إلى الحكومة المؤقتة للإعمار الوطني. وبعدما قرّرت «الجبهة الساندينية» حلّ الحرس الوطني الذي كان عماد نظام سوموزا، تشكّل «الجيش الشعبي السانديني» الذي تولّى قيادته اومبرتو أورتيغا، شقيق دانييل أورتيغا.
وبعدما احكم أورتيغا سيطرته على «الجبهة الساندينية» وعلى الحكومة الثورية الأولى، دعا إلى إجراء انتخابات عامة في 4 نوفمبر 1984 فاز فيها وشكّل أول حكومة ثوريّة في نيكاراغوا، نفّذت الكثير من أفكار برنامج «الجبهة الساندينية» المستلهَمة من النظام الاشتراكي الماركسي اللينيني وثورة فيدل كاسترو في كوبا. وانتهجت سياسة تقدّمية بتعاون وثيق مع الدول التي كانت تُعرف يومذاك بالكتلة الشيوعية. وطبعاً، هذا الأمر دفع الحكومة الأميركية إلى دعم ومساعدة وتنظيم العناصر المناهضة للثورة من فلول النظام السابق المعروفة يومها باسم «كونترا»... التي أثار تمويلها فضيحة سياسية شهيرة في الولايات المتحدة.
- الحرب ضد «الكونترا»
لقد أدت تلك المواجهة المسلحة إلى حرب أهلية أغرقت البلاد في أزمة سياسية واقتصادية خانقة، اضطر أورتيغا، بسببها، وتحت الضغوط الإقليمية والدولية التي تزامنت مع نهاية الحرب الباردة، إلى الدعوة لإجراء انتخابات عامة في عام 1990. تلك الانتخابات خسرها أمام منافسته فيوليتا تشامورو، التي ما لبثت أن شكّلت حكومة مؤلفة من جميع أطياف المعارضة اليمينية واليسارية المعتدلة.
- آثار الهزيمة السياسية
تلك الهزيمة تركت أثراً عميقاً جداً في نفس دانييل أورتيغا الذي استمرّ في قيادة الجبهة، وراح يُجري تعديلات في استراتيجيته سعياً إلى الدعم الذي يسمح له بالعودة إلى الحكم.
وفي حملة انتخابات عام 1996 التي انهزم فيها مرة ثانية، والتي أُتيح لكاتب هذه السطور مرافقته يوماً كاملاً خلالها، قرر إلغاء نشيد «الجبهة الساندينية» واستعاض عنه بمقطع من السيمفونية التاسعة لبيتهوفن. ثم عاد وغيّره مجدداً في عام 2006 بموسيقى لإحدى أغاني جون لينون.
لقد انصرف أورتيغا طوال السنوات التي أمضاها في المعارضة بعد هزيمتين متتاليتين في الانتخابات إلى إحكام سيطرته على حزب «الجبهة الساندينية»، وتحويل مساره الآيديولوجي، بينما كان يزداد عدد المنشقّين عنه من رفاق المرحلة الأولى ويزداد كثيراً نفوذ زوجته روزاريو، التي كان يرى فيها كثيرون صاحبة القرارات الأساسية في إدارة شؤون الحزب وتوزيع المناصب الحسّاسة فيه.
- 2006: استعادة الرئاسة
في عام 2006 ترشّح دانييل أورتيغا مرة أخرى للانتخابات الرئاسية تحت شعارات مختلفة كلّياً عن البرنامج الأساسي لـ«الجبهة الساندينية»، داعياً إلى السلم والتضامن مع التركيز على الشعارات المسيحية الإنجيلية التي تؤمن بها زوجته. وتعهّد باحترام الملكية الخاصة والحريات المدنية واتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة والتعاون مع إدارة جورج بوش (الأب). وفعلاً، فاز أورتيغا في تلك الانتخابات بنسبة ضئيلة من الأصوات لم تتجاوز 36%، مستفيداً من الانقسام الحاد في صفوف خصومه. وبعدها بدأ يرسّخ سيطرته الشخصية المباشرة على كل مفاصل السلطات، ومن ثمّ يفوز في الانتخابات المتتالية التي خاضها إلى اليوم، بعدما ألغى المواد الدستورية التي كانت تمنعه من تولّي الرئاسة لأكثر من ولايتين متتاليتين.
في انتخابات عام 2016 حقّق أورتيغا أفضل نتائجه، إذ حصل على 72.5% من الأصوات، وباشر بإقصاء جميع منافسيه من مواقع النفوذ، والسلطة وتصفية معارضيه أو زجّهم في السجن أو دفع الكثير منهم إلى المنفى. أثار هذا النهج موجات متتالية من الاحتجاجات الشعبية في جميع أنحاء البلاد، واجهها النظام بقمع وحشي قدّرت منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان أنه أسفر عن مقتل ما لا يقلّ عن 550 شخصاً في عام 2018، فضلاً عن آلاف المفقودين الذين لا يعرف شيئاً عن مصيرهم إلى اليوم. ومع اتّساع دائرة الاحتجاجات والإدانات الإقليمية والدولية لممارسات النظام، اتّسعت دائرة القمع لتشمل وسائل الإعلام المناهضة لأورتيغا واعتقال خصومه السياسيين وتعذيبهم في السجون.
- الرفاق... الضحايا
ومن بين الشخصيات البارزة التي انشقّت عن أورتيغا بسبب ممارساته القمعية، رفيق دربه الثوري الأوّل المفكّر والكاتب المعروف سرخيو راميريز الذي اختار طريق المنفى إلى إسبانيا، حيث كتب يقول: «إن الرجل الذي ناضل سنوات بكل قواه من أجل إسقاط الطاغية الذي كان يجسّد الاستبداد... الذي كان يهيمن على نيكاراغوا منذ عام 1937 أصبح اليوم نسخة مشوّهة عنه. إن دانييل أورتيغا الذي قاد حركة ناصعة ونقيّة لتحرير بلاده من الظلم، يغرق اليوم في وحل التجربة التي تولّدها النظرة إلى العالم من موقع السلطة فحسب، وليس من موقع المعارضة».
- ترمب ونيكاراغوا
في نوفمبر 2018 وقّع الرئيس الأميركي –يومذاك- دونالد ترمب أمراً تنفيذيّاً يعلن نيكاراغوا «تهديداً استثنائياً وغير مألوف للأمن القومي الأميركي». ثمّ أقر قانوناً يقيّد الاستثمارات الأميركية في نيكاراغوا وحصولها على القروض من المؤسسات المالية الدولية. وفي موازاة ذلك أعلنت الولايات المتحدة، إلى جانب عدد من البلدان التي كانت تدعم أحزاب المعارضة في نيكاراغوا، مجموعة من العقوبات الاقتصادية والسياسية ضد سلطتها، وأمهلت حكومة أورتيغا حتى منتصف عام 2019 للتوصل إلى اتفاق مع المعارضة والإفراج عن المعتقلين السياسيين. ولكن بعدما أطلق النظام سراح العشرات من المعارضين المعتقلين، أبقت الولايات المتحدة وكندا العقوبات التي كانت قد فرضتها على نيكاراغوا، بسبب رفض أورتيغا تقديم موعد الانتخابات العامة كما كانت تطالب الأحزاب المعارضة.
على أثر مهزلة هذه الانتخابات الأخيرة التي «تنافس» فيها أورتيغا مع سبعة مرشحين اختارهم بنفسه بعدما زجّ بجميع المرشّحين المعارضين في السجن، وبعد ردود الفعل الشديدة التي صدرت عن الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي، لم يعد أمام أورتيغا سوى الهروب إلى الأمام في وجه الحصار الذي يضيق حول نظامه. وللعلم، بين الواقفين ضده اليوم عدد من مناصريه وحلفائه الذين استمرُّوا إلى جانبه حتى المرحلة الأخيرة. ومن بين هؤلاء شقيقه الأكبر أومبرتو الذي كان أول قائد للجيش بعد انتصار الثورة، والذي دعا من منفاه في كوستاريكا إلى «إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتصويب مسار الحكم قبل فوات الأوان».
هذا، وتفيد التقارير الدبلوماسية الواردة من نيكاراغوا بأن دانييل أورتيغا «يعيش حالة انفصال شبه تام عن واقع البلاد، ولا يقْدم على أي خطوة إلّا بتوجيه من زوجته روزاريو والدائرة الضيّقة المحيطة بها، والتي تسيطر عليها شخصيات إنجيلية متطرفة تربطها مصالح مالية واقتصادية نَمَت وتشعّبت في السنوات الأخيرة، وباتت تشكّل المركز الفعلي للقرار في نيكاراغوا».
وبالتالي، يتوقع مراقبون أن تشهد نيكاراغوا خلال المرحلة المقبلة موجة من الاضطرابات والاحتجاجات الشعبية الناجمة عن تدهور الوضع المعيشي والاجتماعي وانسداد الأفق في وجه الحلول السياسية. وتخشى أوساط دبلوماسية من حملات اعتقال وقمع جديدة قد تدفع البلاد إلى دوّامة من المواجهات العنيفة، لا سيما أن نظام أورتيغا يُحكم سيطرته شبه الكاملة على الأجهزة الأمنية والجيش و«لجان الدفاع الشعبية» التي شكّلها على غرار لجان الدفاع عن الثورة في كوبا وفنزويلا، والتي سبق أن أطلق يدها لقمع المظاهرات والاحتجاجات الشعبية والطلابية.



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».