غريغ أبوت... حاكم تكساس وأحد أبرز المساهمين في صعود اليمين الأميركي

انحيازه لترمب يساهم في إعادة تشكيل صورة الحزب الجمهوري

غريغ أبوت... حاكم تكساس وأحد أبرز المساهمين في صعود اليمين الأميركي
TT

غريغ أبوت... حاكم تكساس وأحد أبرز المساهمين في صعود اليمين الأميركي

غريغ أبوت... حاكم تكساس وأحد أبرز المساهمين في صعود اليمين الأميركي

بعد المعركة الديموغرافية التي فتحها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، مدعوماً باليمين الأميركي المتشدد، تحت شعار «العودة إلى أميركا العظيمة مجدداً» عام 2016، اندرجت بضعة عناوين عريضة وعميقة التأثير. وبالفعل، استنهض ترمب بنجاح مخاوف الناخب الأميركي الأبيض المسيحي من موجة الهجرة، والتزايد السكاني السريع للاتينيين والسود والآسيويين وغير المسيحيين، بينما كان مقربون منه يقولون صراحة ما معناه إنه «ما لم يتوقف مد الهجرة والتجنيس خلال سنوات قليلة ستفوت فرصة إنقاذ أميركا كما عرفناها».
وهكذا طوال عهد ترمب اعتُمد تضييق كبير على الهجرة، وحق غير البيض بالتصويت وتهميش أصوات هؤلاء أو إلغاؤها. وتبنى تياره المسيطر على الحزب الجمهوري هذه الاستراتيجية طوال السنوات الأربع من حكمه، ولا يزال يتبناها قادته وحكام الولايات المنتمون إليه، بما في ذلك إعادة رسم خرائط الدوائر الانتخابية لنسف إمكانية تأثير الصوت الأسود أو اللاتيني أو المهاجر على هيمنة الجمهوريين. ومن أبرز الحكام الذين ينفذون هذه الاستراتيجية بعناد حاكما أكبر ولايتين جمهوريتين... غريغ أبوت حاكم تكساس ورون دي سانتيس حاكم فلوريدا.

من غير المرجح أن يكون غريغ واين أبوت، حاكم ولاية تكساس الأميركية، من بين الجمهوريين الطامحين لتولي منصب الرئاسة الأميركية، في المعركة الطاحنة التي يعد لها عام 2024. إلا أن إعاقته الجسدية وخطابه المحافظ، تظهرانه أمام جمهوره شخصاً جديراً بالثقة، وقد تكونان بين العوامل التي ساعدت في صعوده السياسي. بل يرى مراقبون أنهما تساعدانه على التقدم نحو الرئاسة، على ما يشاع، في حال أحجم دونالد ترمب عن الترشح.
أبوت هو أول حاكم لتكساس وثالث حاكم لولاية أميركية يستخدم كرسياً متحركاً، بعد فرانكلن روزفلت حاكم ولاية نيويورك ورئيس الولايات المتحدة فيما بعد، وجورج والاس حاكم ألاباما وزعيمها المثير للجدل.
والقصة أنه عندما كان في الـ26 من عمره، تعرض لحادث سقوط شجرة على عموده الفقري أثناء هربه من عاصفة، ما تسبب في شلل في نصفه الأسفل. وخضع لإعادة تأهيل مكثف بعدما زرع له قضيبان صلبان في عموده الفقري، وأخذ يستخدم كرسياً متحركاً منذ ذلك الحين. ثم إنه رفع دعوى قضائية ضد صاحب المنزل وشركة خدمات الأشجار، ما أدى إلى تسوية تأمينية توفر له مدفوعات مقطوعة كل ثلاث سنوات حتى عام 2022، إلى جانب مدفوعات شهرية مدى الحياة. بل وبجري تصحيح قيمة تلك المدفوعات بشكل دائم، «لمواكبة ارتفاع تكاليف المعيشة». واعتباراً من أغسطس (آب) 2013، كان مبلغ الدفعة الشهرية 14 ألف دولار. وقال أبوت توضيحاً إنه يعتمد على هذه الدفعات لمساعدته في دفع نفقات طبية وأخرى ذات صلة لما يقرب من ثلاثة عقود.

- بطاقة شخصية
لكن رغم الإعاقة، تمكن أبوت من بناء مسيرة شخصية ومهنية وسياسية لافتة، أوصلته إلى تولي منصب حاكم واحدة من أكبر الولايات الأميركية وأهمها. وصار بلا أدنى شك، أحد أبرز الشخصيات الإشكالية التي تلعب دوراً أساسياً في دفع الحزب الجمهوري أكثر فأكثر نحو أفكار ترمب وسياساته اليمينية المتشددة.
أبوت الذي يوصف بأنه «أحد أبرز المؤيدين المتحمسين لترمب»، كان قد دفع بأجندته السياسية المحافظة في العديد من الملفات الخلافية، على رأسها قضايا مواجهة الهجرة، والإجهاض، وحق التصويت، وحمل الأسلحة وخفض تمويل الشرطة. وهو ما دعا صحيفة «نيويورك تايمز» إلى وصفه ونائبه دان باتريك بأنهما «القوة الدافعة وراء واحدة من أصعب المنعطفات اليمينية في تاريخ ولاية تكساس الحديث»، ولا سيما بعد الجلسة التشريعية التي عقدها مجلس نواب الولاية في دورته الأخيرة، لإقرار قانوني الإجهاض (الأكثر تشدداً في أميركا) وتقييد حق التصويت.
ولد أبوت يوم 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 1957 في ويتشيتا فولز بولاية تكساس، وكان والده سمساراً في البورصة ووكيل تأمين، ووالدته ربة منزل. وعندما كان لا يزال تلميذا في المدرسة الثانوية، توفي والده بشكل مأساوي بنوبة قلبية. التحق أبوت بمدرسة دنكانفيل الثانوية، وحصل على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال في العلوم المالية من جامعة تكساس في مدينة أوستن عاصمة الولاية عام 1981، ثم على الإجازة في القانون عام 1984 من كلية الحقوق بجامعة فاندربيلت المرموقة في ولاية تينيسي.
دينياً، أبوت كاثوليكي، وهو متزوج من سيسيليا فالين أبوت، المعلمة ومديرة المدرسة السابقة، حفيدة أحد المهاجرين المكسيكيين. ولقد تزوج غريغ وسيسيليا في مدينة سان أنطونيو بتكساس عام 1981، لتصبح زوجته بعد انتخابه حاكما لولاية تكساس، أول سيدة أولى للولاية من أصول لاتينية منذ انضمام تكساس إلى الاتحاد الأميركي. ولديهما ابنة واحدة بالتبني تدعى أودري.

- مسيرة مهنية وسياسية
أبوت هو الحاكم الـ48 لتكساس، بدأ حياته المهنية والسياسية في وظائف فيدرالية، إذ عمل قاضياً ومدعياً عاماً في الولاية لمدة 3 سنوات، قبل أن يعينه الحاكم (آنذاك) جورج دبليو بوش، قاضياً في المحكمة العليا في تكساس من عام 1996 وحتى العام 2001، حين استقال ليعود إلى العمل في شركة خاصة، وأستاذاً مساعدا في كلية الحقوق بجامعة تكساس.
في العام 2002 تولى أبوت منصب النائب العام الخمسين للولاية حتى 5 يناير (كانون الثاني) 2015، عندما تولى منصب حاكم تكساس. وفي خطاب ألقاه عام 2013 أمام زملائه الجمهوريين، عندما سئل عما تستلزمه وظيفته كمدع عام، قال أبوت: «أذهب إلى المكتب في الصباح، وأقاضي باراك أوباما، ثم أعود إلى المنزل». وحقاً، رفع أبوت 31 دعوى قضائية ضد إدارة أوباما، بما فيها الدعاوى المرفوعة ضد وكالة حماية البيئة ووزارة الصحة والخدمات الإنسانية، وقانون الرعاية الميسرة «أوباما كير»، ووزارة التعليم وغيرها من الوزارات. ووفقاً لصحيفة «وول ستريت جورنال»، فقد رفع أبوت منذ توليه منصب المدعي العام في تكساس وحتى ولايته الأولى كحاكم لها، 44 دعوى قضائية ضد إدارة أوباما على الأقل، أكثر من أي ولاية أخرى خلال الفترة نفسها. وتضمنت الطعون القضائية معايير انبعاثات الكربون، وإصلاح الرعاية الصحية، وحقوق المتحولين جنسياً، وغيرها.
من جهة أخرى، بينما تشير كل الدراسات والإحصاءات السكانية إلى أن ولاية تكساس هي في طريقها نحو اليسار، في ظل التغييرات الديموغرافية التي تشهدها مع تزايد عدد السكان من غير البيض، تشدد تشريعاتها وقوانينها وتتجه نحو أقصى اليمين. ويعود السبب في ذلك لمشرعيها الذين يشكل الجمهوريون غالبيتهم، وإلى أبوت نفسه، الذي تمكن منذ توليه مناصب قيادية، من فرض أجندة يمينية متشددة، وإقرار قوانين بآليات معقدة لرفعها، لم يسبق لها مثيل. وكان آخر ما فعله، موافقته على إعادة التدقيق بأصوات بعض الدوائر الانتخابية في الولاية، تلبية لرغبة ترمب وادعاءاته بحصول تزوير، رغم عمليات تدقيق سابقة أجرتها الولاية ولم تفض إلى شيء، والسعي إلى إعادة رسم الدوائر الانتخابية في الولاية لضمان فوز الجمهوريين في أي انتخابات مقبلة.

- قضية الهجرة
قضية الهجرة هي إحدى أبرز القضايا التي يقاتل من أجلها أبوت، المعروف بمواقفه المناهضة لها وللمهاجرين غير الشرعيين. وتشكل مواقفه علامة فارقة في المواجهة المفتوحة مع الديمقراطيين. كيف لا، وولايته الحدودية نقطة تماس أساسية بين حرس الحدود وقوافل المهاجرين.
خلال نوفمبر 2015، أعلن أبوت أن تكساس سترفض اللاجئين السوريين في أعقاب «هجوم باريس» الإرهابي الذي وقع في وقت سابق من ذلك الشهر. وفي الأسبوع الماضي، حين أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، أنه ستجرى معاقبة «راكبي الجياد»، على معاملتهم للمهاجرين الهايتيين، وعدهم أبوت هؤلاء وظائف في الولاية. بل وأرسل أسطولاً من المركبات المملوكة من الولاية، ليصطف لأميال كحاجز على طول الحدود مع المكسيك. وقال لشبكة «فوكس نيوز» يوم الثلاثاء «ما فعلناه، هو أننا وضعنا المئات من سيارات إدارة السلامة العامة في تكساس، وأنشأنا جداراً فولاذياً، لمنع أي شخص من عبور ذلك السد... لقد استعدنا بشكل فعال السيطرة على الحدود».
وفي وقت سابق من هذا العام، وصف أبوت دخول المهاجرين غير الشرعيين الذين يعبرون الحدود على أنه «غزو». وقال في تغريدة على «تويتر»، إن «المئات منهم مصابون بفيروس كوفيد - 19، وقد دخلوا إلى تكساس». لكن تدقيقاً لاحقا أظهر أن الذين أفرج عنهم كانوا من طالبي اللجوء ولديهم حق قانوني في البقاء في الولايات المتحدة، وأن عددهم هو 108 أشخاص فقط وليس «المئات».
وفي يونيو (حزيران) الماضي، رداً على قرار إدارة بايدن وقف تمويل الجدار الحدودي مع المكسيك الذي أقرته إدارة ترمب، مستخدمة بشكل جزئي أموالا تعود لوزارة الدفاع، أعلن أبوت عن خطط لبناء الجدار في ولايته، قائلاً إن الولاية ستقدم 250 مليون دولار.

- حقوق التصويت
من جهة ثانية، جعل أبوت ذريعة «نزاهة الانتخابات» أولوية تشريعية بعد محاولات ترمب الفاشلة لإلغاء نتائج انتخابات 2020 الرئاسية. فخلال عام 2018 ضغط من أجل شطب ما يقرب من 100 ألف ناخب مسجل من قوائم الناخبين في تكساس. وادعى مسؤولو تكساس في البداية أن الناخبين المرشحين لشطبهم ليسوا مواطنين أميركيين. لكن الأمر ألغي في أبريل (نيسان) بعدما طعنت جماعات حقوق التصويت في الشطب المقترح. واعترف المسؤولون في مكتب وزير خارجية تكساس، بأن عشرات الآلاف من الناخبين الشرعيين (المواطنون المتجنسون) وضعت علامة خاطئة عليهم لإبعادهم. أبوت زعم أنه لم يلعب أي دور في شطب الناخبين، لكن رسائل البريد الإلكتروني الصادرة في يونيو 2019، أظهرت أنه كان القوة الدافعة وراء ذلك. وفي سبتمبر (أيلول) 2020، في إطار التضييق على حق التصويت أصدر أبوت إعلاناً ينص على أنه لا يمكن أن يكون لكل مقاطعة في تكساس سوى موقع واحد حيث يمكن للناخبين إسقاط بطاقات اقتراعهم المبكر. وبرر ذلك بذريعة منع «التصويت غير القانوني» لكنه لم يذكر أي أمثلة على تزوير الناخبين.

- جائحة «كوفيد ـ 19»
وإبان جائحة كوفيد - 19، أصدر أبوت أمراً بالبقاء في المنزل لمدة شهر تنتهي في الأول من مايو (أيار) 2020. وكان هذا من أقصر أوامر البقاء في المنزل التي نفذها أي حاكم. ومنذ إعادة فتح الولاية، انتشر الفيروس وحطمت تكساس رقمها القياسي من حيث عدد حالات الإصابة في يوم واحد. ووفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز»، كان تصدي أبوت للجائحة متناقضاً. إذ قال إن على السكان البقاء في منازلهم بينما تكساس مفتوحة للعمل. وقال إن ارتداء أقنعة الوجه ضروري، لكنه رفض إصدار تفويض ملزم على مستوى الولاية. ومع تصاعد عدد الإصابات، تعرض للانتقادات من الحزبين، لكنه واصل سياساته المتناقضة فأصدر قرارات بفتح المطاعم والمحال بشكل كامل، ومنع الحكومات المحلية من استخدام أقنعة الوجه. وفي أبريل الماضي، وقع أمرا تنفيذيا يمنع إدارات الولاية والشركات التي تحصل على تمويل عام من المطالبة بإثبات التطعيم ضد الفيروس. كما وقع في وقت لاحق على مشروع قانون لمعاقبة الشركات التي تطلب من العملاء الحصول على دليل على التلقيح ومنعها من الحصول على الخدمات. وبعد شهر، أصدر أمراً تنفيذياً يحظر فرض الأقنعة في المدارس العامة والهيئات الحكومية، مع غرامة تصل إلى ألف دولار لمن لا يلتزم. وفي 17 أغسطس (آب) الماضي، أعلن مكتب أبوت أنه أصيب بالفيروس رغم تطعيمه بالكامل منذ ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، لكنه «بصحة جيدة ولا يعاني من أي أعراض».
وخلال العاصفة الشتوية التي ضربت ولاية تكساس هذا العام وتسببت في انقطاع التيار الكهربائي عن ملايين السكان، وجه أبوت انتقادات لـ«الطاقة الخضراء»، التي تعتمد على الطاقة الشمسية والرياح، لمصلحة استخدام الوقود الأحفوري. لكن وزارة الطاقة في الولاية ردت بشكل فوري على ادعاءاته قائلة، إن «معظم الأعطال جاءت من الفشل في تجهيز أنظمة توليد الطاقة في فصل الشتاء، بما في ذلك الأنابيب التي تنقل الوقود الأحفوري. وأوضحت أن «تكساس تعمل بالغاز، بينما توفر مولدات الرياح والطاقة الشمسية حوالي 10 في المائة فقط خلال أشهر الشتاء». واتهم أبوت بمحاباة شركات النفط العملاقة في ولاية تكساس، التي تعتبر مهد صناعة النفط العالمية، وساهمت عطاءاتها في انتخابه مرات عدة.



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».