ثمة شعور غريب يتملك الزائر منذ اللحظة التي يطأ فيها مطار «هانيدا» في العاصمة اليابانية. الصمت سيد المكان، والكلام ينسحب تدريجياً أمام النظرات والإشارات، والفراغ يجول في شوارع المدينة التي تعد أكثر من 20 مليون نسمة عشية افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الصيفية المؤجلة من العام الماضي.
وكما في أي مكان آخر من العالم منذ مطالع العام الماضي، «كوفيد – 19» هو الحاضر الأكبر في هذا الأولمبياد الذي سيُرفع الستار عنه اليوم، لأول مرة في التاريخ، وراء الأبواب الموصدة بوجه الجمهور على أرض الملعب الوطني في طوكيو التي تبدو خارجة من شريط وثائقي عن غزوة فضائية أو كارثة طبيعية.
المهرجان الرياضي الأكبر في العالم، والعيد الشعبي الوحيد الذي يجمع الرياضيين والهواة من كل بقاع الأرض مرة كل أربع سنوات، ينطلق في هذه الدورة في بحر من الصمت ومشدوداً بين الفراغ والغياب.
قيود وتدابير صارمة كيفما اتجهت ولا مجال لأي استثناء على الإطلاق. غابت الحركة التي تضج بها عادة القرية الأولمبية، حيث باتت الحياة بالنسبة لما يزيد على 11 ألف رياضي من 205 دول أقرب إلى التنسك في صوامع لا تواصل بين ساكنيها الذين يمضون ساعات وراء النوافذ في المراقبة والتأمل.
يقول مسؤول فني في اللجنة الأولمبية الدولية وصل إلى طوكيو أواخر الشهر الماضي: «الجائحة غيّرت كل شيء. ثمة برودة غير مألوفة تنسدل على هذا المكان، وشعور بأن هذه الألعاب ستكون أقرب إلى التمرينات منها إلى المنافسات التي تحلم بها النخب الرياضية في العالم».
كم من الأرقام القياسية ستتحطم خلال هذه الدورة في غياب الجمهور الذي يوقد بحماسه وهتافاته اندفاعة الرياضيين الأخيرة نحو التفوق؟ أي نكهة سيشعر بها المتنافسون على ذهب الميداليات في غياب التصفيق وأمام الكاميرات الصامتة والباردة؟ أي مشهد سيرى العالم عند تعليق الميداليات على صدور الفائزين وعزف الأناشيد الوطنية على مسمع المدرجات الخاوية؟ هل سنرى دموع التأثر تتدحرج على خدود المنتصرين؟ وماذا سيحصل إذا اندفع الرياضيون إلى العناق المحرم تحت طائلة العقوبات؟ أسئلة كثيرة نطارحها أنفسنا على أبواب هذا الأولمبياد السوريالي الذي كان غالبية اليابانيين يطالبون بتأجيله أو حتى بإلغائه.
يقول العداء الإسباني مارتين فيز، بطل أوروبا والعالم بسباق الماراثون الذي يعتبر قمة المنافسات الأولمبية: «أجمل ما في السباق هو الاندفاعة الإضافية التي تأتيك من الجمهور الذي يهتف ويصفق على جانبي الطريق، ويحثك على مواصلة الجهد حتى النهاية. لا شك في أن هذه الألعاب ستكون مختلفة جداً عن كل ما عرفناه حتى الآن».
الاختصاصيون في علوم النفس الرياضية يقولون من جهتهم إن الهدوء سيكون عاملاً مهماً في هذه الألعاب، وإن الذين يعتمدون كثيراً على التأثر بحماس الجمهور ويجدون صعوبة في التعامل مع القيود والتدابير الصارمة سيدفعون ثمناً لذلك. إذاً، هذه ستكون ألعاب الصبر والقدرة على التكيف مع الظروف الجديدة.
لكن في المقابل ثمة من يرى أن ظروف الجائحة حفّزت الرياضيين على المزيد من التنافس والتفوق، وأن عدم وجود الجمهور قد يساعد أحياناً في المنافسات التي تحتاج إلى درجة عالية من التركيز. ولا يستبعد بعض الخبراء أن تتحطم أرقام قياسية كثيرة في هذه الألعاب بفضل غياب العنصر الخارجي، الذي غالباً ما يبدد تركيز الرياضيين.
أما الميدالية الأجمل التي علقتها «طوكيو2020» على صدرها قبل انطلاق الألعاب ومن غير منافسة، فهي مشاركة «فريق اللاجئين» لأول مرة في تاريخ الدورات الأولمبية، الذي يضم 29 رياضياً و16 مدرباً بمبادرة وتمويل من اللجنة الأولمبية الدولية. وسيشارك أعضاء هذا الفريق في 12 منافسة، وسبق لبعضهم أن شارك في دورة ألعاب ريو دي جانيرو عام 2016 ضمن الفرق الوطنية لبلدانهم، مثل السباحة السورية يسرى مارديني، ولاعبة التايكوندو الإيرانية كيميا اليزاده، التي حازت الميدالية البرونزية في الألعاب السابقة ثم فرت من بلادها العام الماضي ولجأت إلى ألمانيا. ويقول لاعب البادمينتون السوري آرام محمود، الذي هرب من بلاده في عام 2015 ولجأ في هولندا، حيث واصل تدريبه بفضل منحة من اللجنة الأولمبية: «لهذه الدورة نكهة خاصة جداً بالنسبة إلينا، وأنا في أقصى جهوزية للفوز الذي أتمنى أن أهديه لكل السوريين والعرب».
الجائحة تلقي بظلالها على «طوكيو 2020»
قيود وتدابير صارمة في شتى المناطق... و غابت الحركة والضجيج في القرية الأولمبية
الجائحة تلقي بظلالها على «طوكيو 2020»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة