الضحايا المدنيون للتحالف الدولي في الموصل لا يزالون ينتظرون تفسيرات وتعويضات

عراقي مبتور الطرف يحاول السير وسط حطام في الحي القديم بمدينة الموصل شمال العراق عام 2018 (أ.ف.ب)
عراقي مبتور الطرف يحاول السير وسط حطام في الحي القديم بمدينة الموصل شمال العراق عام 2018 (أ.ف.ب)
TT

الضحايا المدنيون للتحالف الدولي في الموصل لا يزالون ينتظرون تفسيرات وتعويضات

عراقي مبتور الطرف يحاول السير وسط حطام في الحي القديم بمدينة الموصل شمال العراق عام 2018 (أ.ف.ب)
عراقي مبتور الطرف يحاول السير وسط حطام في الحي القديم بمدينة الموصل شمال العراق عام 2018 (أ.ف.ب)

في 17 مارس (آذار) 2017، كانت قوات مكافحة المتطرفين تتقدّم في الموصل شمال العراق مزهوةً بانتصاراتها ضد «تنظيم داعش»، لكن ملامح النصر ترافقت مع مقتل أكثر من 100 مدني في قصف جوي نفذته طائرات التحالف بقيادة الولايات المتحدة. حتى اليوم، لا يزال ذوو هؤلاء الضحايا يطالبون بتفسيرات وتعويضات.
ويقرّ التحالف الدولي لمكافحة «تنظيم داعش» بقتل أكثر من ألف مدني في سوريا والعراق خلال حربه التي دامت سبع سنوات ضدّ التنظيم. وقال لوكالة الصحافة الفرنسية إن تعويضات دُفعت لـ14 عائلة فقط.

حتى اليوم، اصطدم ضحايا قصف التحالف الدولي وعائلاتهم بنظام معقّد وغامض للتعويضات يبدو وكأنه أعدّ لمنع وصولهم إليها.
بعد أربع سنوات على عمليات القصف في الموصل 17 مارس، لا يزال عبد الله خليل الذي نجا وابنه بأعجوبة من الموت رغم أنه فقد ساقه ولا تزال آثار الحروق ظاهرة على جسده، ينتظر تعويضاً عن الأذى الذي تعرض له أو حتى مجرد تفسير لكيفية الحصول عليه.

وتقول سارة هوليوينسكي من منظمة هيومن رايتس ووتش: «لا يمكنني أن أتخيل كيف يكون وقع الأمر على عراقية فقدت أمها أو زوجها، وتحاول أن تفهم كيف تحصل على تعويض»، مضيفة «رغم خبراتنا، نكاد لا نفهم تماماً كيفية التقدم بطلب عبر آلية التعويض».
وتشير أيضاً إلى صعوبة «العثور على مسؤول أميركي يقرّ بأن قصفا من طائراته هو المسؤول». إذ خلافاً للعمليات العسكرية الأخرى التي شارك فيها الغرب في العالم، لم يكن يوجد خلال الحرب ضد «تنظيم داعش» في العراق والتي لعبت الضربات الجوية دوراً حاسماً فيها، قياديون على الأرض يهتمون بدفع «ثمن الدم» للعائلات المفجوعة.
غيّر القصف الذي طال الموصل الجديدة الجمعة 17 مارس 2017، «الساعة الثامنة وعشر دقائق تحديداً»، حياة عبد الله خليل، سائق الأجرة السابق.
ويروي الرجل البالغ من العمر 51 عاماً «قصفت المنطقة بشكل كثيف، ووجدت نفسي تحت الأنقاض وابني بجانبي»، حتى حلّت «الساعة 11 تقريباً حين سمعت أصوات أشخاص» كانوا يعملون على إنقاذ الجرحى.
تسبّب قصف المبنى الذي كان يحتمي فيه خليل إلى جانب عشرات النساء والرجال والأطفال، بأكبر حصيلة بشرية للحرب ضد «تنظيم داعش». وبحسب منظمة «إيروورز» غير الحكومية التي تحصي أعداد الضحايا المدنيين في النزاعات حول العالم، «قتل بالحد الأدنى 105 أشخاص غير مقاتلين، و141 كحدّ أقصى».

وشكّلت الحادثة صدمة كبيرة بالنسبة للعراقيين، لكنها سرعان ما تلاشت في الفوضى السائدة حينها. وخلال 72 ساعة فقط، قبل هذه الضربة وبعدها وبالتزامن معها، فقد مئات المدنيين الآخرين حياتهم في الموصل.
في خضم تلك الفوضى، كان يصعب تحديد مصدر الضربات. ففي المدينة المقدر عدد سكانها بمليونين، تحوّل آلاف المدنيين إلى دروع بشرية خلال المعارك بين القوات العراقية والمتطرفين على الأرض، فيما كان قصف التحالف يتواصل دون هوادة.
في 17 مارس 2017، أي بعد خمسة أشهر من إطلاق معركة تحرير الموصل، كانت القوات العراقية تحاول التقدم في أزقة المدينة القديمة الضيقة.
أمامها غرباً حيث يقع حي الموصل الجديدة الذي يضمّ سكك حديد وصوامع نفط، كان الرصاص ينهال على القوات العراقية على ما يبدو من قناصين متمركزين في مكان مرتفع.

طلب حينها الجيش العراقي الذي كان غارقاً في واحدة من أعقد حروب الشوارع في التاريخ الحديث، إسناداً جوياً من التحالف الدولي الذي يضم 80 دولة وتقوده الولايات المتحدة، من أجل القضاء على المتطرفين في «عاصمتهم». فأُرسلت طائرات أميركية أسقطت قنبلة موجهة.
لكن لعل معلومة مهمة فاتت مهندسي العمليات، وهي وجود عشرات المدنيين المختبئين في ملاجئ المبنى المستهدف معولين على وجود مستشفى الرحمة وطريق مزدحم على مقربة من المكان، لمنع الطيران الدولي من قصف المنطقة.
بعد الاستنكار الدولي الكبير الذي أثارته الحادثة، أرسل الأميركيون، في سابقة، محققين على الأرض، لمعرفة ما حصل.
وأقر الأميركيون في مايو (أيار) 2017، بمقتل 105 مدنيين، فيما اعتبر 36 آخرون بعداد المفقودين، على أمل أنهم تمكنوا من الفرار.
في المحصلة، استنتج التحقيق أن المبنى انهار نتيجة متفجرات وضعها «تنظيم داعش» بين طوابقه، غير أن إفادات الناجين والشهود في الموصل تفيد بأن لا متفجرات كانت مخزنة في المبنى.
ويقول مدير شركة «إيروورز» في لندن كريس وودز: «من أجل قناصين اثنين على سطح، أطلقوا قنبلة بوزن 220 كلغ، كان ذلك خطأ».

ويوضح لوكالة الصحافة الفرنسية «لا ينبغي استخدام متفجرات ذات مدى واسع النطاق في منطقة سكنية دون الأخذ بالاعتبار المخاطر الجمّة التي قد يتعرض لها المدنيون: هذا ما حصل في الموصل الجديدة».
ويستذكر مدير الطب العدلي في دائرة صحة محافظة نينوى حسن واثق، الكارثة. ويروي لوكالة الصحافة الفرنسية «أجلى الدفاع المدني 152 جثة» من ركام المبنى، حيث كان خليل ومن مبان أخرى محيطة. ويضيف «استمر العمل بعد ذلك ما بين 10 إلى 15 يوماً. كنا ننتشل قرابة 100 جثة في اليوم»، فيما كان القصف متواصلاً.
حينها، لم يكن قد مضى على تولي دونالد ترمب الرئاسة في الولايات المتحدة سوى شهرين، وكان تعهد بأنه سيقصف «تنظيم داعش» حتى القضاء عليه. ويرى كثر أنه أعطى بذلك حرية التصرف لعسكرييه الذين أكّدوا أنهم يخوضون «الحرب الأكثر دقّة في التاريخ».
لكن ما حصل في الموصل الجديدة يصعب إنكاره. اعترف البنتاغون فوراً بالمسؤولية.
في خريف عام 2017، وأفرح اتصال هاتفي خليل رغم آلامه.

ويروي الرجل الذي يواجه صعوبات بالسير بساقه الصناعية لوكالة الصحافة الفرنسية: «قال لي مترجم إن المتصل هو القائد العسكري للتحالف الدولي لشمال العراق». ويضيف «اعتذر مني باسم التحالف، ووعد بالحضور لرؤيتي، لكن ذلك لم يحصل».
وخسر وليد خالد شقيقه وزوجة شقيقه جراء القصف. ويروي الرجل البالغ من العمر 31 عاماً والأب لطفلين أنه تلقى زيارة من محققي التحالف: «قدموا إلى هنا والتقطوا صوراً للمكان وسجلوا شهاداتنا، ولكن لا تعويض حتى الآن»، علما أن مثل هذه التعويضات حيوية لإعادة بناء الموصل التي لا تزال حتى الآن شبه مدمرة.
ويرجع مدير منظمة «مركز من أجل المدنيين في النزاع» غير الحكومية الأميركية دانييل ماهانتي السبب إلى أن الجيش الأميركي و«رغم إقراره بالخطأ... لم يضع قط أي نظام يسمح للعائلات بتقديم طلب تعويضات».
ويضيف الخبير العسكري أن واشنطن «لا ترغب بوضع سياسة ستفتح الباب لاحقاً لعدد هائل من الشكاوى التي لن تتمكن من التعامل معها لاحقاً».

وواصل وليد خالد طرق كل الأبواب من أجل الحصول على تعويضات لمقتل شقيقه وزوجة شقيقه. وقدّم شكوى إلى التحالف الدولي واللجنة الحكومية العراقية لحقوق الإنسان ودائرة التعويضات في محافظة نينوى.
لكن بدا وكأن مسألة التعويضات كانت محسومة بالنسبة للتحالف الدولي والدول الـ75 المشاركة فيه، حتى قبل أن يبدأ حملته ضد «تنظيم داعش» الذي كان يسيطر على أجزاء واسعة من العراق وسوريا، ونجحت خلاياه في شن هجمات حتى في باريس وبروكسل.
وتوضح بلقيس ويلي المتخصصة بالشأن العراقي في هيومن رايتس ووتش أنه وعلى عكس مرحلة الغزو في العام 2003 والحرب في أفغانستان، «أُنشئ التحالف الدولي دون هيكلية تعويض».
وأضافت «على كل شخص يرغب بالحصول على تعويضات تحديد البلد المسؤول عن الضربة التي تضرر فيها وكيفية مطالبته بتعويضات».
من 2014 وحتى 15 فبراير (شباط) 2017، كان التحالف يعلن يوميا أسماء الدول التي تقوم بشنّ الغارات. بعد ذلك التاريخ، لم يعد التحالف يعلن عن تلك التفاصيل، فيما بدأ عدد الضحايا المدنيين بالارتفاع.
في الموصل الجديدة، أقر الأميركيون بمسؤوليتهم عن الضربات.
غير أن الناطق باسم التحالف الدولي الكولونيل الأميركي واين ماروتو أوضح لوكالة الصحافة الفرنسية أن «القانون الأميركي وقانون الحرب لا يلزمان الولايات المتحدة بتقديم تعويضات لجرحى أو عن أضرار تسببت بها عمليات قتالية قانونية».
وأضاف أنه لتلك الأسباب «ومنذ 13 مارس 2015، دفع التحالف خمس دفعات تعويضاً عن (خسارة مدنية) ويجري العمل على دفع السادسة، بالإضافة إلى ثماني دفعات لقاء (تعزية) في العراق».
ويعدّ ذلك قليلاً جداً بالمقارنة مع ما تم دفعه في أفغانستان. ففي عام 2019 وحده، دفع الأميركيون ستّ دفعات بقيمة 24 ألف دولار في العراق، مقابل 605 دفعات في أفغانستان بقيمة مليون و520 ألفاً و116 دولاراً. علما أن الكونغرس صوّت على ميزانية تعويضات بقيمة ثلاثة ملايين دولار سنويا حتى العام 2022، وضعت في الموازنة تحت بند «عمليات وصيانة - الجيش».
ويشدد السناتور الأميركي الديمقراطي باتريك ليهي الذي يرأس لجنة الائتمان في مجلس الشيوخ على الحرص على أن تصل تلك الأموال إلى الضحايا في العراق وأفغانستان أو في أي مكان آخر.
وقال لوكالة الصحافة الفرنسية: «ينبغي فعل المزيد لمساعدة العائلات في تقديم طلبات تعويضات ومن ثمّ دراستها».

وأضاف ليهي الذي رفع مؤخراً رسالة إلى وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بشأن التعويضات في العراق ومناطق أخرى «إذا لم يكن الجيش الأميركي قادراً على التحقيق، فينبغي إيجاد لاعبين آخرين للقيام بذلك».
في الموصل وخلال الأشهر التسعة من القتال الشرس، «فجعت عائلات كثيرة»، كما يقول وودز من شركة «إيروورز»، مضيفاً «لذلك أتساءل ما إذا كان البنتاغون يخشى خلق سابقة بتعويض العائلات في الموصل الجديدة».
ومنذ العام 2014، قتل بين 8311 و13188 مدنياً، وفق «إيروورز»، بينهم ألفا طفل، بضربات للتحالف في سوريا والعراق.
غير أن التحالف يعترف بما يقل عن ذلك بعشر مرات. ويوضح وودز «اعترفت الولايات المتحدة بمقتل 1300 مدني خلال عملياتها». وخلال الأشهر التسعة من عملياتهما في الموصل، لم تعترف باريس ولندن «بمقتل أي مدني»، وفق وودز.
وعوض الهولنديون من جهتهم على رجل من الموصل فقد زوجته وابنته وشقيقه وابن شقيقه، بقصف جوي في العام 2015. وذكرت وسائل الإعلام الهولندية أنه تمّ دفع مليون يورو، لكن الرجل المعني لم يعلّق على الأمر.
كذلك، أقرّت أمستردام، وفق مدافعين عن حقوق الإنسان، بمسؤوليتها عن مقتل مدنيين في حويجة جنوباً. ففي يونيو (حزيران) 2015، قُصف خطّ تصنيع للمتفجرات تابع للدولة الاسلامية، لكن النيران والشظايا تسببت بمقتل أكثر من 70 مدنياً وبدمار كبير في المدينة.
وكتعويض، وفق وودز، «خصصت الحكومة الهولندية تمويلات بقيمة خمسة ملايين يورو للمساعدة في إعادة إعمار حويجة على المدى البعيد»، لكن لم يدفع شيء لأية عائلة.

في الموصل حيث تقدّر تكلفة إعادة الإعمار بمليارات الدولارات، من شأن مبادرة مماثلة أن تلقى ترحيباً كبيراً.
لكن السلطات العراقية نفسها استغرقت وقتاً طويلاً للحديث عن الضحايا والدمار، فيما لا تزال حتى اليوم تنتشل جثثاً من تحت الركام.
في مارس 2019، وصل الأمر برئيس الوزراء في حينه حيدر العبادي إلى التأكيد بأن «ثماني نساء وأطفال فقط» قضوا في الموصل.
ويؤكد مدير مكتب مفوضية حقوق الإنسان في نينوى ياسر ضياء لوكالة الصحافة الفرنسية أن العراق ساءل الأميركيين بشأن القصف على الموصل الجديدة، لكن دون جدوى حتى الآن.
خارج العراق، وضع الجيش الأميركي آليات تسمح بالوصول الى تعويضات.

ففي الصومال حيث أحصت «إيروورز» سقوط مائة مدني خلال 14 عاماً، نشرت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) على الصفحة الرئيسية لموقعها الإلكتروني، رابطاً لاستمارة وعنوان بريدي لتسجيل الضحايا المدنيين من خلالهما.
ولا وجود لأي استمارة أو عنوان مماثل على موقع «سنتكوم»، القيادة المركزية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بل يبرز فقط بيان صحافي يعود لتاريخ 17 مارس 2017 يتحدّث عن «أربع ضربات» في الموصل دمّرت سيارات وأسلحة ومبنى «كان يسيطر عليه (تنظيم داعش)».
وأفادت وكالة الصحافة الفرنسية في ذلك اليوم بأن القوات العراقية استعادت السيطرة على مسجد وسوق في الموصل القديمة. وبعد أربعة أشهر من ذلك التاريخ، تحررت المدينة وهزم التنظيم. ولا يزال عبد الله خليل يحاول التأقلم مع ساقه الصناعية. وحتى الآن، يواجه صعوبةً في ذلك.


مقالات ذات صلة

مقتل 6 أشخاص جرَّاء هجوم انتحاري جنوب غربي باكستان

آسيا سائقو الشاحنات يتجمعون بجوار شاحنات إمدادات المساعدات المتوقفة على جانب الطريق في هانجو يوم 4 يناير 2025 بعد أن نصب مسلحون كميناً لقافلة مساعدات باكستانية (أ.ف.ب)

مقتل 6 أشخاص جرَّاء هجوم انتحاري جنوب غربي باكستان

لقي 6 أشخاص مصرعهم، وأصيب أكثر من أربعين بجروح، جراء هجوم انتحاري استهدف موكباً لقوات الأمن في منطقة تُربت، بإقليم بلوشستان، جنوب غربي باكستان.

الولايات المتحدة​ حاكم ولاية لويزيانا جيف لاندري (الثاني من اليمين) يتفقد شارع بوربون في الحي الفرنسي بنيو أورليانز بعد هجوم إرهابي في 1 يناير (أ.ف.ب)

منفذ هجوم الدهس في نيو أورليانز امتلك مواد تستخدم لصنع قنابل

أفاد مسؤولون في أجهزة الأمن بأن الرجل الذي صدم حشدا من المحتفلين برأس السنة في نيو أورليانز كان يمتلك في منزله مواد يشتبه في استخدامها لصنع قنابل.

«الشرق الأوسط» (نيو أورليانز)
أفريقيا وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي بجلسة عمل مع ممثل البنتاغون في سياق التنسيق الأمني والعسكري بين سلطات البلدين (من موقع وزارة الدفاع التونسية)

تونس: إيقاف متهمين بالانتماء إلى «تنظيم إرهابي»

كشفت مصادر أمنية رسمية تونسية عن أن قوات مكافحة الإرهاب والحرس الوطني أوقفت مؤخراً مجموعة من المتهمين بالانتماء إلى «تنظيم إرهابي» في محافظات تونسية عدة.

كمال بن يونس (تونس)
الولايات المتحدة​ وقع الهجوم بعد الساعة الثالثة صباحاً بقليل في أحد أكثر الأحياء ازدحاماً في نيو أورليانز (نيويورك تايمز)

كيف يعكس هجوم نيو أورليانز نمطاً عالمياً لاستخدام السيارات أسلحةً إرهابيةً؟

قال خبراء لموقع «أكسيوس» إن الهجوم الذي شهدته مدينة نيو أورليانز الأميركية في ليلة رأس السنة الجديدة يعد جزءاً من اتجاه عالمي لاستخدام السيارات أسلحةً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي بايدن في البيت الأبيض يتحدث عن هجوم نيو أورليانز الإرهابي الخميس (د.ب.أ)

بايدن: منفّذ هجوم نيو أورليانز كان يحمل جهاز تفجير عن بُعد

قال الرئيس الأميركي جو بايدن، الخميس، إن المهاجم في حادثة دهس السيارات في نيو أورليانز كان يحمل جهاز تفجير عن بعد في سيارته.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.