نظراً لأهمية تواصل الأجيال، والاستفادة من تجارب الماضي الثري، الذي لولاه ما كان الحاضر بهذا التنوع والجرأة، تأتي أهمية معرض «مختارات عربية» الذي ينظمه أتيليه الثقافة والفنون «غاليري ضي» بالقاهرة، والذي يفتح قوساً زمنياً هائلاً يمتد إلى مائة عام من تاريخ الحركة التشكيلية من المحيط إلى الخليج بمشاركة 150 فناناً من السودان وسوريا وفلسطين ولبنان والعراق والبحرين والمغرب والصومال، فضلاً عن مصر والسعودية اللتين حظيتا بمشاركة واسعة كماً وكيفاً، كما يضم المعرض العديد من التيارات والمدارس المختلفة بداية من جيل الرواد الراحلين، وانتهاءً بالجيل الأحدث من الشباب.
يوفر المعرض الذي يستمر حتى نهاية شهر يونيو (حزيران) الحالي فرصة ثمينة للمزج بين أفكار الفنانين العرب من الرواد وحتى الشباب، لكن الأهم هو أنه يعطي للجمهور صورة بانورامية قلما تتكرر للمشهد التشكيلي العربي زمنياً ونوعياً، فزائر المعرض يجد نفسه أمام «عينة» معبرة عن تجليات الإبداع العربي وطموحاته الجمالية وأشواقه الفنية. واللافت أن العديد من الفنانين يعرض لهم أكثر من عمل، بل عشرة أعمال في بعض الحالات، ووسط هذا الكم المذهل من الأعمال، تتبدى الحاجة الملحة لبراعة العرض بسلاسة ومنطق، وهو ما بدا واضحاً حيث تجد على سبيل المثال أعمال الفنان المعاصر سامي البلشي، بالأبيض والأسود، تجاور مباشرة أعمال الفنان الراحل جميل شفيق، بالأبيض والأسود هي الأخرى، لتعكس امتداداً في الزمن واللون والخيارات الجمالية.
وللإلمام بهذا الكم الهائل من الأعمال يحتاج الزائر إلى تكرار جولاته بين لوحات التصوير والرسم والنحت والخزف والغرافيك لاستيعاب هذا الكم من تلك الطاقة الهادرة والمفعمة بالكثير من الانفعالات والمشاعر.
يحتفي المعرض بتراث الرواد على غرار إنجي أفلاطون، وآدم حنين، وعبد البديع عبد الحي، وأحمد فؤاد سليم، كما يبدي اهتماماً خاصاً بأعمال فنانين معاصرين تكاد تكتمل تجربتهم مثل حلمي التوني وجورج بهجوري وعادل السيوي، وعاطف الشافعي، ومحمد عبلة، وأسماء خوري.
سعودياً، يشهد المعرض مشاركة بارزة للفن التشكيلي بالمملكة عبر عشرين لوحة لـ12 فناناً يتوزعون على جيل الرواد حيث الأصالة، والالتزام بمعايير الفن الكلاسيكي والذي يمثله طه صبان وعبد الله حماس، وعبد الله نواووي، وعبد الله نفيس، ومن جيل الوسط، تتبدى اللمسة النسائية المرهفة كما في أعمال علا حجازي، كما تظهر خطوط الحداثة بقوة في أعمال جيل الشباب كما هو الحال لدى حسين الخزمري.
هشام قنديل، رئيس مجلس إدارة أتيليه الثقافة والفنون، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «أبرز ما يميز المشاركة السعودية بالمعرض الحالي، هو تعبيرها القوي عن البيئات المختلفة في المملكة، لا سيما أجواء البادية والمناطق الزراعية»، مشيراً إلى أن «هذا الحدث يعد بمثابة مظاهرة تشكيلية كبرى بسبب حجم الأعمال المعروضة وتنوعها».
وينفي قنديل تسبب ضخامة الأعمال المعروضة في تشوش الجمهور، مؤكداً أن الغاليري يضم أضخم قاعة عرض في مصر بمساحة 1400 متر ومع امتلاك الخبرة في تنسيق الأعمال واختيار الإضاءة المناسبة، تنتفي مخاوف التشوش والازدحام.
وبالإضافة للرسم والنحت، ثمة حضور قوي لفن الكاريكاتير عبر رمزه البارز في مصر، الفنان الراحل مصطفى حسين، الذي تحولت رسوماته طوال ربع قرن من الزمان إلى مصدر يومي للبهجة على صفحات جريدة «الأخبار» المصرية، بالتعاون مع الكاتب الساخر الراحل أحمد رجب. واللافت أن المعرض يبرز وجهاً آخر لحسين وهو وجه «رسام البورتريه»، كما يحتفي المعرض كذلك بعدد من رواد فن الكاريكاتير مثل الراحل أحمد طوغان، بجانب عرض مجموعة من لوحات الفنان جمال قطب، الذي اشتهر بأغلفة الكتب ولوحاته المصاحبة للأعمال الأدبية، لا سيما روايات نجيب محفوظ في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.
«مختارات عربية» يربط بين إبداعات الرواد والشباب
بمشاركة 150 فناناً من عشر دول
«مختارات عربية» يربط بين إبداعات الرواد والشباب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة