بعد أن حصلت على درجات علمية في الاقتصاد والهندسة الصناعية من جامعة كاليفورنيا ببيركلي وستانفورد، وعملها على امتداد عقد في شركة «تيسلا» المعنية بصناعة السيارات الكهربائية والتي كان زوجها من المشاركين في تأسيسها، ظل اهتمام بوريانا ستراوبل منصباً على امتداد فترة طويلة على الثورات التكنولوجية التي انتشرت داخل وحول «سيليكون فالي».
على وجه الخصوص، انصب اهتمامها على البطاريات والطاقة الشمسية، بينما لم تلفت الموضة والمجوهرات أنظارها. وظل هذا الحال قائماً حتى عدة سنوات ماضية على الأقل، عندما بدأت في إدراك الخسائر المدمرة التي تلحقها هاتان الصناعتان بالكوكب.
عن ذلك، قالت ستراوبل من منزلها في نيفادا، هذا الشهر: «لو أنك أخبرتني منذ خمس سنوات أنه سينتهي بي الحال إلى العمل بمجال المجوهرات، لم أكن لأصدقك ببساطة. إلا أنني لم أستطع تصديق مدى ضآلة معرفتي بخصوص الأضرار البيئية المترتبة على هذين القطاعين ـ أو مدى ضآلة الاهتمام الذي يبديه الكثير من الناس داخل مجتمع الاستثمار في الساحل الغربي بهذه الأضرار».
وشرعت ستراوبل في البحث عن حلول مفيدة يمكنها التوسع بسرعة وفي الوقت ذاته تترك أصداءً لدى المستهلكين. وبعد سنوات استمرت سبع سنوات، والتي جرت في جزء منها من خلال «مؤسسة ستراوبل» التي يملكها الزوجان، كشفت ستراوبل النقاب عن واحدة من الإجابات المحتملة هذا الربيع: «جينيريشن كوليكشن»، شركة ناشئة تبيع مجوهرات راقية مصنوعة من ذهب عيار 24 قيراطا وبلاتينيوم وفضة معاد تدويرها.
وشرحت ستراوبل أن «ثورة الدائرة المغلقة ستفشل فيما يخص قطاعي المجوهرات والموضة إذا ركزنا كامل اهتمامنا على المواد منخفضة التكلفة مثل القطن والبلاستيك، حيث لم تتوافر تكنولوجيا إعادة التدوير بشكل كامل بعد». (يذكر أن نظرية الدائرة المغلقة تمثل جزءًا من نموذج الاقتصاد الدائري، والذي لا ينتج نفايات ويجري التشارك في كل شيء أو إعادة إصلاحه أو إعادة استخدامه أو إعادة تدويره).
وأضافت ستراوبل «إذا ما اتجهنا بأنظارنا نحو مجال إعادة التدوير، فإنه يتعين علينا البدء بالمواد الأعلى قيمة. وعليه، ينبغي أن يكون الذهب المعاد تدويره في طليعة جهود الاستدامة بهذا المجال».
الواضح أن ستراوبل ليست الوحيدة التي تفكر على هذا النحو، ذلك أنه وفقاً لمجلس الذهب العالمي، فإن الذهب المعاد تدويره شكل 28 في المائة من إجمالي المعروض العالمي من الذهب والذي يقدر بـ4.633 طناً مترياً عام 2020، ويأتي 90 في المائة من هذا الذهب المعاد تدويره من قطع مجوهرات تخلى عنها أصحابها. أما الباقي، فمن جبل متزايد من النفايات الإلكترونية مثل الهواتف المحمولة وأجهزة الكومبيوتر المحمولة.
إلا أن خبراء بمجال الصناعة يتوقعون إمكانية ارتفاع هذا الرقم مع إعلام المزيد والمزيد من الأسماء الكبرى بمجال صناعة المجوهرات والحلي عن التزامهم بالاعتماد على المعادن النفيسة المعاد تدويرها بعد عقود من تلكؤ الصناعة تجاه الإقدام على هذه الخطوة.
من جهتها، أعلنت «باندورا»، أكبر جهة تصنيع للمجوهرات على مستوى العالم من حيث كمية الإنتاج، أن الذهب والفضة المعاد تدويرهما سيجري استخدامهما في جميع منتجات الشركة بحلول عام 2025، أما مصنعة المجوهرات البريطانية مونيكا فينادر، فتستخدم فقط الذهب والفضة المعاد تدويرهما في تصميماتها، في الوقت الذي تزيد دور المنتجات الفاخرة مثل «بلغاري» و«كارتييه» استخدامها لمعادن معاد تدويرها، بجانب العشرات من قطع الحلي الأصغر.
ويرى أنصار هذا التوجه أن ثمة حوافز واضحة وراء تنامي سوق المجوهرات المصنعة من معادن معاد تدويرها، منها أن أساليب التعدين التقليدية لا تزال تشكل مصدراً للتلوث الشديد وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون الكثيفة، وعانت الكثير من المجتمعات من تداعيات العمالة القسرية أو عمالة الأطفال وظروف العمل الخطيرة.
وفي وقت تتصاعد النفايات الإلكترونية بسرعة، تقدر شركة «ديل»، التي ذكرت أنها في عام 2018 أصبحت أول شركة إنتاج كومبيوترات شخصية تعتمد على ذهب معاد تدويره من النفايات الإلكترونية بمنتجاتها، بأن عملية الدائرة المغلقة يمكن أن تقلل الأضرار البيئية بنسبة 99 في المائة وتتجنب 1.6 مليون دولار في صورة تكاليف رأس مال طبيعية لكل كيلوغرام تجري معالجته مقارنة بتعدين الذهب.
وتقدر «باندورا» أن إعادة تدوير الذهب يطلق 0.16 في المائة من الانبعاثات الكربونية الصادرة عن تعدين ذهب جديد.
ومع ذلك، تبقى هناك تحديات كبرى على هذا الصعيد، منها أن فصل المعادن عند مستوى عال من النقاء قد يكون عملية معقدة ـ وأحياناً سامة. وأشار معارضو هذا التوجه إلى أنه فيما يتعلق بشفافية سلسلة الإمداد، فإن أصول المعادن المعاد تدويرها يمكن أن تشكل بصعوبة أكبر في اقتفائها فيما وراء شركة إعادة التدوير.
كما أوضحوا أن الترويج للمعادن المعاد تدويرها باعتبارها خيار أكثر صداقة للبيئة يجذب الأنظار بعيداً عن القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر سلباً على العاملين بمجال التعدين على مستوى صغير والمجتمعات التي ينتمون إليها.
في هذا الصدد، قالت ستراوبل: «بالطبع لا أود أن يفقد الناس أعمالهم، لكن أعتقد أن هذه الحجة ملتوية»، مشيرة إلى أن الغالبية العظمى من أعمال تعدين الذهب ـ والتأثيرات البيئية المترتبة عليها ـ تتعلق بتكتلات تجارية ضخمة.
وأضافت «توجد بالفعل كميات هائلة من المعادن النفيسة ويمكن تنظيفها واستخدامها ـ هذا ما نتطلع إليه هنا. كما أن هناك فرصة جيدة أن يسهم الاستثمار في الابتكار بمجال إعادة التدوير وتثقيف المستهلكين بخصوص قيمة وجودة المعادن المعاد تدويرها في خلق موجات جديدة كاملة من التوظيف في هذا المجال».
ورغم أنه أعلى تكلفة، تجري ستراوبل جميع نشاطات الشراء والإنتاج لمجوهراتها المصنوعة من ذهب 24 قيراطا داخل الولايات المتحدة للاستثمار في مصانع محلية لإعادة التدوير وتشجيع حرفيين محليين، وتشجيع الصناعة الناشئة المتمثلة في المعادن المعاد تدويرها المستخدمة في صناعة المجوهرات.
تتعاون ستراوبل مع مصانع تبيع لها رقعا كبيرة من الذهب المعاد تدويره، والتي تأتي في أكياس من حبيبات صغيرة تسمى «الحبوب». ويجري إرسال هذه الشحنات مباشرة إلى ورش العمل الثلاث التي وجدتها ستراوبل قادرة على العمل على ذهب عيار 24 قيراطا لإنتاج تصميمات كبيرة المصممين لديها إيريكا بيلو.
وتشمل التصميمات الحلقات الملتوية المطروقة والمعلقات التي تحمل رموزا دينية والقلائد، وتتمسك جميعها بتصميمات لا تتعلق بفترة زمنية معينة، بدلاً عن التيارات التي تحركها الموضة. وفي الوقت المناسب، ترغب ستراوبل أن يتمكن العملاء من إعادة القطع لصهرها من جديد في تصميمات أخرى جديدة.
وينصب جل اهتمامها في الوقت الراهن على تثقيف المستهلكين بخصوص أنه ما من اختلاف بين المعادن النفيسة التي يجري تعدينها والأخرى المعاد تدويرها. وحتى هذه اللحظة، يبدو أن الرسالة تترك أصداءً لدى الرجال أكثر عن النساء، الأمر الذي تجده ستراوبل مثيراً للدهشة.
وعن ذلك، قالت: «كنت أفترض حقاً أن جمهورنا المستهدف سيكون النساء المتعلمات في الثلاثينات من أعمارهن ممن يملكن دخولاً متاحة، لكن حتى الآن يبدو أن الرجال هم المهتمون حقاً بالأمر، وهذا ما لم أتوقعه».
وشرحت أن الرجال يشعرون بانجذاب لشراء المجوهرات كأصل عالي القيمة يتجاوز عائدات سوق الأسهم ويحدد سعر سلع أخرى، موضحة أن «هذه الفكرة سائدة في آسيا، لكن ليس كثيراً هنا داخل الولايات المتحدة».
ومن أجل ذلك، تتقلب الأسعار المعلنة بجوار القطع المعروضة عبر موقع «جينيريشن كوليكشن» بما يتماشى مع أسعار الذهب العالمية.
* خدمة «نيويورك تايمز»
الذهب المعاد تدويره... دعم للبيئة في عالم تصميم المجوهرات
الذهب المعاد تدويره... دعم للبيئة في عالم تصميم المجوهرات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة