معماري عمره 92 عاماً لم يتقاعد لأنه «مشغول»

المهندس المعماري فرانك جيري (نيويورك تايمز)
المهندس المعماري فرانك جيري (نيويورك تايمز)
TT

معماري عمره 92 عاماً لم يتقاعد لأنه «مشغول»

المهندس المعماري فرانك جيري (نيويورك تايمز)
المهندس المعماري فرانك جيري (نيويورك تايمز)

كان المهندس المعماري فرانك جيري (92 سنة)، الحائز على جائزة «بريتزكر» قد أكمل طابقه العلوي من مبنى «غراند أفينيو»، واستعد لعرض منحوتات جديدة في معرض «غاغوسيان»، ولم يكن لديه اهتمام كبير بالجلوس للتفكير في هذه اللحظة، التي يحتمل أن تكون ذات مغزى في حياته المهنية وحياته العامة، على حد سواء.
وبدلاً من التفكير بالتقاعد، كان جيري في حالة تنقُّل دائم، حيث قام بأول جولة له في شقته العلوية، منذ تفشي جائحة «كوفيد - 19»، وكان أكثر حماساً لمناقشة التصميمات التي لا تُعدّ ولا تُحصى التي لا يزال معظمها قيد التنفيذ.
تشمل المشاريع نسخة هذه المدينة من «هاي لاين» في نيويورك على طول نهر لوس أنجليس، والمباني المكتبية الجديدة لشركة «وارن بروز» في «بوربانك»، والتصميم الخلاب الذي يقوم به لأوبرا الجاز «أفغينيا» من تأليف واين شورتر وإسبيرانزا سبالدينج المقرر عرضها في ديسمبر (كانون الأول). وعلى بعد ما يقرب من 3000 ميل، من المقرر أن يكشف «متحف فيلادلفيا للفنون» عن أعمال التجديد والتوسع الداخلي التي صممها جيري في مايو (أيار)، وهو الحدث الذي يعتزم المهندس المعماري حضوره.
عندما سُئِل عما إذا كان فكر، بالنظر إلى عمره وإنجازاته، في أخذ قسط من الراحة أو تقليص حجم أعماله، رفض جيري الفكرة قائلاً: «لماذا؟ أنا أستمتع بكل هذه الأشياء».
وفيما كان يتنقل وسط مساحة عمله المترامية الأطراف، قال المهندس المعماري المخضرم إنّه وصل الآن إلى نقطة في حياته المهنية يتمتع فيها برفاهية التركيز على أكثر ما يهمه: المشاريع التي تعزز العدالة الاجتماعية.
يبدو أن تركيز جيري المتزايد على رد الجميل قد كثف من التزامه تجاه هذه المدينة؛ فهو، على سبيل المثال، يصمم مساكن في شارع «ويلشاير» لقدامى المحاربين المشردين. وقبل نحو ست سنوات أسس هو والناشطة ماليسا شرايفر منظمة «تيرن أراوند أرتس كاليفورنيا» وهي منظمة غير ربحية تعمل على تعليم الفنون لأكثر مدارس الولاية احتياجاً، وهو ما علق عليه جيري بقوله: «هذه أعمال تنم عن حب».
تطوع جيري بوقته لتصميم مقر جديد يُعدّ الذراع التعليمية لمؤسسة «لوس أنجليس فيلهارمونك» الذي يرتكز على الشباب والذي حمل اسم «يوث أوركسترا لوس أنجليس»، في «أنغيلوود سيفيك سنتر» جنوب المدينة والمقرر أن يكتمل في يونيو (حزيران).
قال جيري إنّه استوحى الفكرة من برنامج «السيستما» لتعليم الموسيقي الفنزويلي الممول من القطاع العام، الذي يمنح الأطفال المحرومين من الخدمات فرصة العزف في فرق الأوركسترا. كان من نتاج هذا البرنامج ما أطلق عليه غوستافو دودمال، المدير الموسيقي والفني لفريق «لوس أنجليس فيلاهارمونك»، إبداع المهندس جيري الذي يرى أنّ «الجمال مهم».
وسعياً لتحويل مبنى أحد البنوك في الستينات إلى قاعة حفلات موسيقية لأوركسترا الشباب، قال جيري إنّه دفع المنظمة لجمع القليل من المال الإضافي لإنشاء مسرح بطول 45 قدماً، وهو نفس حجم قاعة حفلات «والت ديزني» التي يرى أنّها ستكون «منارة للمجتمع».
جيري الذي صمم مركزاً لسيمفونية العالم الجديد في ميامي بالإضافة إلى مبنى متحف «غوغنهايم» في بلباو بإسبانيا وفرع المتحف المخطط له في أبوظبي، لا يزال نشطاً من خلال المشاريع الثقافية ذات المكون التعليمي.
ربما يكون جيري أكثر نشاطاً بشأن «مشروع النهر»، وهو جهد مُموّل من قبل دائرة الأشغال العامة في لوس أنجلس لتنشيط القناة التي يبلغ طولها 51 ميلاً، والتي تمتد من «كانوغا بارك» إلى «لونغ بيتش» وجرى تمهيدها في عام 1938 لمنع الفيضانات.
قامت مجموعة «ريفر لوس أنجلس» غير الربحية - بدعم من العمدة إريك إم غارسيتي - بالعمل مع جيري لوضع خطة رئيسية للموقع. ومن هذا المنطلق جاءت فكرة إنشاء حديقة أرضية حضرية فوق الخرسانة ذات المساحات العشبية ومركز ثقافي بقيمة 150 مليون دولار.
يُطلق على مشروع الحديقة أو المتنزه اسم «مركز سيلا الثقافي» (سمي على اسم موقعه في جنوب شرقي لوس أنجليس)، وسيُموّل من الأموال العامة والخاصة، وسيكون بمثابة مساحة للفنانين المحليين، وكذلك للمحترفين.
ومن المرجح أن يساهم في البرمجة كل من مايكل جوفان، مدير متحف مقاطعة لوس أنجليس للفنون، وبنيامين ميليبيد، مؤسس مشروع لا دانس بروجيكت.
لم يتخذ هذا المكون الثقافي شكلاً محدداً بعد، وأفاد ميليبيد بأنّه سيبدأ «بتحديد فرق الرقص المحلية الجيدة، وفهم أفضل طريقة للتعاون معها ودعمها».
لكن البعض انتقد مشاركة جيري في المشروع على اعتباره غير متخصص به، ويفتقر إلى الخبرة في المساحات الخارجية. وحذر مقال رأي نُشر مؤخراً في صحيفة «لوس أنجليس تايمز» من «احتمالية كبيرة لحدوث نتائج عكسية مأساوية. يمكننا ضخ ملايين الدولارات العامة في خطة تبدو مثيرة للإعجاب، ولكنّها لا تصل إلى جمهورها المستهدف، وهو المجتمعات التي واجهت صعوبة في البقاء في العقود الأخيرة».
حاول جيري معالجة مثل هذه المخاوف، وأكد في مقابلة أن تركيزه كان على إنشاء مساكن بأسعار معقولة ومساحات مفتوحة، مؤكداً: «نحن نعمل على توفير فرص الإسكان الاجتماعي لتعزيز ملكية المنازل بين السكان الحاليين».
ومع ذلك، لا يزال نشطاء غير راضين عن نهج جيري للمشروع، مفضلين إعادة النهر إلى حالته الأصلية. وقالت ماريسا كريستيانسن، المديرة التنفيذية لمجموعة «أصدقاء النهر»، وهي مجموعة مناصرة، «رغم شهرة جيري، وبقدر ما جذبت تلك الشهرة الانتباه إلى النهر، فلا يوجد مهندس معماري أفضل من الطبيعة الأم».
وأضافت أنّ اقتراح جيري الحالي «يظهر نقصاً في الابتكار والفهم الشامل لتجمعات المياه التي تغذي النهر، فهي لم تُدرس بالكامل حتى الآن لمعرفة ما إذا كانت هناك احتمالات أخرى».
لا يزال جيري، كوجه لشركته، هدفاً لمثل هذه الانتقادات، لكن مجموعة «غيرى بارتنرز» تتكون من أعضاء خدموا لفترة طويلة ويعملون معه عن كثب، بما في ذلك زوجته بيرتا، وميغان لويد، وديفيد نام، وكريغ ويب، وتينشو تاكيموري، ولورنس تيغ، وجون باورز، وجنيفر إيرمان.
أصبحت المهمة شأناً عائلياً، فبالإضافة إلى بيرتا جيري، رئيسة الشؤون المالية، فإنّ سام ابن جيري هو أيضاً مهندس معماري، وابنه الآخر، أليخاندرو، فنان يساهم في العمل في مشاريع والده.
ورغم انشغاله بمشروع النهر، فإنه منهمك أيضاً في المزيد من النشاطات المرحة.
استوحي جيري فكرة إقامة حفل شاي من قصة «أليس في بلاد العجائب» من حفيدته البالغة من العمر 5 سنوات، التي تطلق عليه اسم «نانو» وصنع من الحدث منحوتة ستوضع جنباً إلى جنب مع مصابيح الأسماك العمودية الضخمة المصنوعة من البولي فينيل والنحاس المعلقة من السقف لتعرض في معرض غيري للمنحوتات، الذي سيفتتح في 24 يونيو (حزيران) في ساحة بيفرلي هيلز في «غوغسيان».
في هذا السياق، قالت ديبورا ماكليود، مديرة المعرض «هو حر في هذه المرحلة المتأخرة من حياته في أن يكون مبدعاً من دون تنازلات أو تعاون من أحد. كم هو ممتع لفرانك جيري أن يصنع ما يريد».
كان جيري يرتدي قميصاً أزرق اللون وسروالاً قصيراً بني اللون، ويضع نظارات القراءة فوق رأسه، وتحدث عن مدى استمتاعه بالأخذ والعطاء مع جيفري وورث، مطور «مشروع وارنر براذرز»، الذي عمل جيري له أيضاً تصميم مجمع فندقي في «أوشن أفينيو» في «سانتا مونيكا»، مؤكداً أنّه «يهتم بالهندسة المعمارية».
من جانبه، قال وارث إنه فوجئ بانفتاح جيري على المدخلات وتوفير التكاليف «فهو لم يكن يؤمن بذلك». وفي حديثه عن متحف الفن المعاصر الشهير الذي صممه لمؤسسة «لوي فيتون» في عام 2014. قال المهندس المعماري: «أعتقد أنّنا اقتصدنا فيه جيداً».
ومن الواضح كذلك أنه يفخر بتصميم منازل خاصة لعملاء بارزين، مثل المجمع العائلي الأنيق في «كابو سان لوكاس» بالمكسيك لصالح حسن منصور من «مجموعة سورمان للسيارات».
ولعل أبرز ما في الأمر هو أن مشروع متحف «غوغنهايم بلباو» قد سلط الضوء على أنّ جيري يركز على التحديات المقبلة، وليس ما أنجزه بالفعل، حين قال: «أنا فخور بما قمت به، ولكن يمكنني أن أنظر إلى المشاريع، وأرى كل الأشياء التي كان ينبغي أن أفعلها بشكل مختلف».
ويقول جيري: «يوجد في نيويورك مركز روكفلر، فهو قطعة معمارية متماسكة وستدوم»، مضيفا أنّه يأمل أن تدوم جهوده في شارع كينغ ستريت بنفس الصورة». ويختتم أنّ «شارع جدتي موجود هناك»، مشيراً إلى رسم على الحائط. «كان متجر أدوات جدي هنا. لذلك توقفت في هذا الشارع».

- خدمة «نيويورك تايمز»



أيقونة السينما أنتوني هوبكنز في «البحر الأحمر»: حياتي تتجاوز ما توقعته

الممثل البريطاني أنتوني هوبكنز على مسرح المهرجان (تصوير: إيمان الخطاف)
الممثل البريطاني أنتوني هوبكنز على مسرح المهرجان (تصوير: إيمان الخطاف)
TT

أيقونة السينما أنتوني هوبكنز في «البحر الأحمر»: حياتي تتجاوز ما توقعته

الممثل البريطاني أنتوني هوبكنز على مسرح المهرجان (تصوير: إيمان الخطاف)
الممثل البريطاني أنتوني هوبكنز على مسرح المهرجان (تصوير: إيمان الخطاف)

بعد مسيرة سينمائية حافلة ناهزت الـ6 عقود، اعتلى أسطورة التمثيل العالمي أنتوني هوبكنز خشبة مسرح مهرجان البحر الأحمر السينمائي بجدة، مساء الأربعاء؛ ليقدّم حواراً ممتداً حمل مزيجاً من الفكاهة، والفلسفة، والذكريات المهنية النادرة، وعلى امتداد ساعة كاملة، بدا هوبكنز الذي تجاوز الثمانين من العمر حاضر الذهن؛ ومستعداً لمراجعة مسيرته، وكشف عن نظرته الخاصة للتمثيل والكتابة والموسيقى، وعن تفاصيل شخصيات خالدّة صنعت ذاكرة السينما العالمية.

هوبكنز، الفائز بجائزتي أوسكار أفضل ممثل عن دوريه في «صمت الحملان» (1991) و«الأب» (2020)، وضع إطاراً واضحاً لرحلته الفنية، قائلاً إن «حياته جاءت أبعد بكثير من توقعاته»، وإنه لا يزال يشعر بأن «شخصاً آخر كتب له هذه المسيرة»، وبدت لغة الاندهاش هذه مفتاحاً لفهم علاقته بالفن، وباختياراته التمثيلية، بل وحتى بحياته الشخصية.

شخصية «هانيبال ليكتر» إحدى أقوى الشخصيات التي قدمها هوبكنز في مسيرته (إي إم دي بي)

هانيبال ليكتر... عبقرية الشر

تحدث هوبكنز بإسهاب عن شخصية «هانيبال ليكتر»، أحد أكثر الأدوار حضوراً في ذاكرة السينما والتي قدمها في فيلمه «صمت الحملان»، وأعطى قراءة مختلفة لطريقة بناء الشخصية، مبيناً أنه «لم يحاول فهم الشر بقدر ما حاول تجسيد آلة تعمل دون مشاعر». ورأى أن جاذبية ليكتر تكمن في أنه مثل مفيستوفيليس (اسم للشيطان)، يعرف نقاط ضعف الإنسان، ويدرك عمق هشاشته. كما كشف عن أن مشهد النظرة الثابتة الشهيرة في الفيلم بُني على ملاحظة بسيطة، وهي «إذا حدّقت في كلب أو قط دون أن ترمش... يشعر بالخوف... إنها قوة العين».

بين التاريخ والخيال

وحين سُئل إن كان يفضل أداء شخصيات مستندة إلى مصادر تاريخية أو الشخصيات الخيالية، قال جملة لافتة: «كل الشخصيات خيالية... ونحن أيضاً خياليون!». وأوضح أنه لا يغوص في الأبحاث المطوّلة عند تحضير أدواره، حتى في شخصية معقدة مثل الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون. وأضاف: «أقوم بالقليل من البحث فقط؛ لأن كثرة المعرفة تربك العقل.. يجب أن يكون الدماغ حراً من الفوضى».

ويرى هوبكنز أن أداء الشخصيات التاريخية هو عملية إعادة اختراع، وليست محاولة لمحاكاة الواقع، قائلاً: «نيكسون الذي لعبته ليس الرجل الحقيقي. إنه نسخة أوليفر ستون». وفي إحدى قصصه الطريفة، تحدث عن يوم اختبار المكياج لدور نيكسون، حين وضع فريق العمل أنفاً اصطناعياً له، فوجد نفسه بعد إزالة الأنف يرى في المرآة ملامح الشخصية تظهر فجأة. قائلاً: «قبعة أو حذاء أو لمسة مكياج... شيء صغير ينقلك فجأة إلى روح الشخصية».

أنتوني هوبكنز في لقطة من فيلمه «صمت الحملان» الذي تحدث عنه في الجلسة (إي إم دي بي)

الخوف... ظل الممثل ووقوده

والمحور الأكثر قوة في حديث هوبكنز كان عن الخوف، حيث بدا لافتاً أن الأسطورة حامل وسام الإمبراطورية البريطانية «سي بي إي» يقول: «إن خوفه من الفشل رافقه طوال حياته، لكن مواجهته تكوّنت عبر سلسلة من الدفعات التي تلقّاها من مخرجين وممثلين وقفوا بجانبه». وروى هوبكنز قصة مؤثرة عن أحد الممثلين الأميركيين الذي حاول تحطيمه أثناء تدريبات فيلم «نيكسون»، وكيف ذهب إلى أوليفر ستون يطلب أن يُستبعد من الفيلم لأنه لا يشعر بالقدرة على أداء الدور. فجاء رد ستون صارماً: «أنت لن تذهب إلى أي مكان. ستقوم بالدور... سواء كان نجاحاً أو فشلاً ذريعاً».

وفي سؤال من إحدى الحاضرات عن كيفية التحرر من الخوف في الثقافات المحافظة، قدّم هوبكنز الذي يُعدّ أكثر الممثلين البريطانيين شهرة وغزارة في الإنتاج، واحدة من أكثر إجاباته صراحة، قائلاً: «عندما نكون أطفالاً، نحن دائماً نبدو حمقى.. ثم نكبر، ونخوض تجارب غبية وخطرة... هذه هي الحياة!». وتابع: «لا يمكن أن تطلبوا من الطفل ألا يتحرك أو ألا يتحدث... يجب أن تجرؤوا على فعل الأشياء... حتى لو ضحك الناس عليكم».

أنتوني هوبكنز (المهرجان)

الموسيقى... الحب الأول

وفي محور آخر، تحدث هوبكنز عن شغفه بالموسيقى، وبأنها الفن الأقرب إلى روحه، وأن زوجته كانت الدافع الأول خلف دخوله هذا المجال، وأخبر الجمهور أن زوجته دفعته للكتابة والتأليف والرسم، رغم أنه لم يكن يؤمن بقدرته على أي من هذه المهارات، حتى عزفت أوركسترات عالمية أعماله في الرياض عام 2023، وقال مستشهداً بشوبنهاو:ر «الموسيقى تتجاوز التجربة الإنسانية... لا يمكن وصفها بالكلمات».

وخرج الجمهور من الجلسة وفي ذهنه صورة جديدة لهوبكنز: ليس فقط الممثل العبقري الذي قدّم «هانيبال ليكتر»، و«نيكسون»، و«أودين»، بل حكيمٌ يتأمل الحياة والفن والموسيقى بشفافية مدهشة، في جلسة حملت مزيجاً من الدعابة، والفلسفة، والتمرد، وانتهت بتصفيق طويل لرجل تجاوز الشهرة ليصل إلى مرحلة أكثر هدوءاً وعمقاً... مرحلة يسميها هو «معجزة الوجود».


حسين المطلق: اعتمدت على المفارقات النفسية في فيلم «حفل افتتاح»

من كواليس تصوير الفيلم (الشرق الأوسط)
من كواليس تصوير الفيلم (الشرق الأوسط)
TT

حسين المطلق: اعتمدت على المفارقات النفسية في فيلم «حفل افتتاح»

من كواليس تصوير الفيلم (الشرق الأوسط)
من كواليس تصوير الفيلم (الشرق الأوسط)

قال المخرج السعودي حسين المطلق إن فيلمه القصير «حفل افتتاح» لم يكن مجرد تجربة فنية يسعى من خلالها لتقديم عمل جديد، بل محاولة لالتقاط لحظة رمزية تعيشها السينما السعودية اليوم، حيث تتسارع التحولات وتتراكم البدايات التي تشبه، في رأيه، حفلات افتتاح متتالية تتجدد مع كل مشروع جديد.

وأضاف المطلق لـ«الشرق الأوسط» أن الفيلم ولد من مراقبة دقيقة لهذه اللحظة، ومن رغبة في صناعة عمل صغير في حجمه، لكنه قادر على حمل أسئلة تتجاوز زمنه القصير، موضحاً أن الفكرة الأساسية تشكلت من انشغال طويل باللحظات التي تسبق أي حدث احتفالي، وهي لحظات يعتبر أنها تكشف الكثير من طبيعة التوتر المواكب للبدايات الجديدة.

وتدور قصة «حفل افتتاح» حول طفل في التاسعة من عمره يدعى «سالم» يُمنح شرف قص شريط افتتاح مركز ثقافي ضخم، ليجد نفسه في قلب حدث رسمي إلى جانب معلمه المبجل. وبينما يستعد للحظة المجد، تكلفه والدته سراً بمهمة عاجلة تتمثل في إيصال ظرف غامض إلى مدير المركز دون علم المعلم.

تضع هذه المهمة «سالم» في صراع بين رغبته في تنفيذ تكليف والدته وخوفه من خذلان معلمه، فيحاول إتمام مهمته وسط فوضى الاحتفال، لكنه يتعثر ويفشل مراراً قبل أن يكتشف أن الأوامر البسيطة قد تخفي خلفها عوالم معقدة يعجز عن استيعابها.

المخرج السعودي حسين المطلق (مهرجان البحر الأحمر)

ويؤكد المطلق أن الفيلم يعتمد على هذه المفارقة النفسية التي يعيشها الطفل، وينسج حولها رؤية بصرية مكثفة تبتعد عن الحوار المباشر لصالح الصورة وإيقاع الحركة، مشيراً إلى أن السينما، في جوهرها، فن بصري يسمح بالتلميح أكثر من التصريح، ولذلك اعتمد الفيلم على التكوينات البصرية والضوء والصمت ليكشف التوتر الداخلي الذي يعيشه بطله.

ويشير إلى أن بناء فيلم قصير يقوم على هذا النوع من التكثيف يحتاج إلى ضبط شديد للإيقاع، لأن كل حركة وكل نظرة تحمل معنى يجب ألا يضيع داخل التفاصيل، مؤكداً أن عملية التصوير كانت دقيقة للغاية، خاصة أن الفيلم يتحرك داخل مساحة مغلقة تستعد لحفل رسمي، ما استدعى معالجة خاصة للإضاءة والصوت ولتوزيع الحركة داخل الكادر.

ورغم أن فريق العمل كان صغيراً، فإن الروح الجماعية والحماس مكنا الفريق من تجاوز التحديات التي ظهرت خلال الأيام الأولى للتصوير، وصولاً إلى صياغة المشهد البصري بالشكل الذي يتناسب مع الحالة النفسية التي يقدمها الفيلم، وفق المطلق.

أما اختيار الممثلين فجاء وفق رؤية واعية لطبيعة الفيلم، واعتمد المطلق على مجموعة من ممثلين قادرين على التعبير من خلال الإيماءة والنظرة أكثر من الحوار، مؤكداً قناعته بأن نجاح الفيلم مرتبط بقدرة هؤلاء الممثلين على حمل الجانب النفسي للشخصيات من دون اللجوء إلى الأداء الخطابي؛ لأن العمل يقوم كله على ما يدور تحت السطح.

وعن مشاركة «حفل افتتاح» في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة ضمن الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، يصف المطلق التجربة بأنها محطة مهمة في مساره المهني، لافتاً إلى أن «المهرجان بات اليوم منصة مركزية في المنطقة تتيح للمخرجين فرصة للتواصل مع صناع السينما والمنتجين والمبرمجين، وتوفر فضاء حقيقياً لتطوير المشاريع واستكشاف اتجاهات جديدة في السرد العربي والعالمي».

الملصق الدعائي للفيلم (مهرجان البحر الأحمر)

ويلفت المطلق إلى أن ردود الفعل التي تابعها بعد العرض الأول كانت مشجعة، سواء من الجمهور أو من صناع السينما الذين التقطوا تفاصيل العمل، معتبراً النقاشات التي تلت العرض أكدت له أن الفيلم استطاع أن يفتح مساحة للتأمل حول العلاقة بين الفرد والحدث العام، وحول كيفية تعامل الطفل مع عالم الكبار من موقع لا يزال غضاً وغير مكتمل.

ويعتبر المطلق أن المشهد السينمائي السعودي يعيش اليوم مرحلة ازدهار حقيقية، سواء على مستوى الإنتاج أو على مستوى تنوع الأصوات الفنية التي تقدم رؤى جديدة، ويربط بين هذا الازدهار وبين تطور البنية التحتية والدعم المؤسسي، مؤكداً أن البيئة الحالية أصبحت قادرة على احتضان تجارب تتسم بالجرأة والتنوع، وأن الجمهور بات أكثر استعداداً لمتابعة أعمال تحمل بصمات شخصية وتجريبية.

ويشير في ختام حديثه إلى أنه يعمل حالياً على تطوير مشروع سينمائي جديد، مستفيداً من الخبرة التي اكتسبها في «حفل افتتاح»، ومؤمناً بأن الفيلم القصير ليس مجرد محطة انتقال، بل مساحة إبداعية مستقلة يمكنها أن تؤسس لغة سينمائية متفردة.


جورج خباز لـ«الشرق الأوسط»: أميل للعزلة مثل بطل «يونان»

 الفنان اللبناني جورج خباز
الفنان اللبناني جورج خباز
TT

جورج خباز لـ«الشرق الأوسط»: أميل للعزلة مثل بطل «يونان»

 الفنان اللبناني جورج خباز
الفنان اللبناني جورج خباز

بينما يكتشف أن ذاكرة والدته العجوز تتلاشى شيئاً فشيئاً وهو يحادثها تليفونياً، يعاني الكاتب اللبناني المهاجر إلى ألمانيا من شعور بالاغتراب والإحباط والتعاسة يدفعه للهرب إلى جزيرة نائية ليتخذ قراراً جذرياً برغبة قوية في إنهاء حياته، ووسط أجواء مشحونة بالتوتر الذي يسيطر عليه بالجزيرة المعزولة وقسوة المناخ، يقترب من تحقيق رغبته، لكن مواقف عديدة تقوده لاتجاه آخر، ليتبدل الحال مع بطل فيلم «يونان» الذي يُعرض ضمن مسابقة الأفلام الطويلة بالدورة الخامسة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي، وهو من بطولة الفنان اللبناني جورج خباز والفنانة الألمانية هانا شيغولا، والفنان الفلسطيني علي سليمان إلى جانب نضال الأشقر وتوم بلاشيا. الفيلم من تأليف وإخراج المخرج السوري أمير فخر الدين، وتماهى الفنان اللبناني مع شخصية «منير» وحظي بتصفيق جمهور مهرجان البحر الأحمر الذي هتف باسمه، قائلاً: «بنحبك يا جورج». وكان الفيلم قد شارك بالمسابقة الرسمية لمهرجان برلين خلال دورته الـ75 وحظي باهتمام لافت.

ويتضمن فيلم «يونان» حوارات عديدة باللغة الألمانية يؤديها خباز، حيث تدور الأحداث بألمانيا، بعد هجرته إليها وزواجه بألمانية، وكشف جورج، في حواره لـ«الشرق الأوسط»، عن أنه لم يكن لديه أدنى فكرة عن اللغة الألمانية لكن المخرج أمير فخر الدين طمأنه، قائلاً: «لا تحمل هماً لذلك، سوف تتحدث بها لكن هذا يتطلب منك جهداً ووقتاً، ودرست اللغة الألمانية بشكل عام لمدة 3 أشهر مع التركيز على حوار الفيلم بشكل خاص».

جورج خباز والممثلة الألمانية هانا شيغولا في لقطة من فيلم يونان (إدارة المهرجان)

ويلفت خباز إلى أنه «خلال التصوير كان يحضر مدرباً ألمانياً، وكنت بصحبة النجمة الألمانية الرائعة هانا شيغولا التي تعد أيقونة السينما الأوروبية، وقد ساعدتني كثيراً في تصحيح بعض الألفاظ التي تعطي مصداقية لشخص قادم من الشرق الأوسط يعيش في هامبورغ، علاوة على أن المخرج أيضاً يقيم في ألمانيا، وقد كان الفيلم تجربة جيدة رغم صعوبتها لكنها عرفتني على لغة جديدة ومجتمع جديد».

وحول علاقته بالسيناريو يقول إنه عُرض عليه مكتملاً وأحبه كثيراً، وبالطبع طرأت عليه تعديلات وإضافات، مؤكداً ثقته الكاملة بالمخرج، لافتاً إلى أن اختيار المخرج له ليؤدي بطولة «يونان» جاء بعد مشاهدته لخباز في فيلم «أصحاب ولا أعز»، حيث كانت شخصيته بالفيلم تعتمد على رد الفعل أكثر من الفعل ورأى فيه عيون «منير» بطل «يونان».

ويشير خباز إلى تحمسه كثيراً لهذه التجربة التي تعتمد على الحوار الصامت واللغة الشعرية الفلسفية لإيمانه بأن السينما لغة الصورة، مثلما يقول: «حين تعجز الصورة عن التعبير يبدأ الكلام»، لا سيما مع هذا النوع من السينما الذي يعطي المتلقي الحرية والفضاء الواسع للتلقي وتحليل العمل والاعتناء باللغة الشعرية والرؤية الفلسفية لتعكس الصراعات بطريقة رائعة.

خباز يعبّر عن اعتزازه بالعمل مع المخرج أمير فخر الدين (الشرق الأوسط)

ولم يجد الفنان جورج خباز في مساحات الصمت بالسيناريو التي طالت بالفيلم أي مشكلة، مؤكداً أنها سينما تطرح الأسئلة والصراعات الداخلية التي قد ترتبط بأسئلة ليس لها أجوبة لكن علينا أن نطرحها بشكل أو بآخر، وهي السينما التي يقدمها أمير فخر الدين وقد شاهدت أعماله الرائعة على غرار فيلم «الغريب».

ويلفت الفنان اللبناني إلى نقاط تماس بينه وبين بطل «يونان»، قائلاً: «نحن نتلاقى في نقاط عديدة، فأنا أصلاً أميل للعزلة، لكن عزلة (منير) أكبر وأعمق وعائلته كلها مآسٍ، لكن مع تطور الشخصية نجده شيئاً فشيئاً يعود ليحب الحياة ويتماهى مع الطبيعة، هذا الشيء ساعدني على أن أخرج من الشخصية في النهاية، ولدي شعور بالراحة بعدما بقيت مع الشخصية لوقت طويل وكلما عدت للفيلم تذكرت هذه التجربة بكل حلاوتها وقسوتها في مشاهد الجزيرة، حيث رمزية الموت والميلاد الجديد الذي عاشه مثل النبي يونان (سيدنا يونس) الذي بقي في بطن الحوت، وهذا الشيء أثر فيّ وعلمني الكثير في حياتي».

وعبّر جورج خباز عن سعادته لاستقبال الجمهور له، وأشار إلى أن من المهم الانتقاء للفنان، مؤكداً أن «اختياراته ترتبط بالقيمة الفنية والإنسانية التي عَدّها دستوراً يحكم اختياره للأعمال الفنية للعمل سواء في السينما أو المسرح أو التلفزيون، مشدداً على أهمية أن نحترم عقل المشاهد ولا نستحف به، أو نتعالى عليه، مثلما يقول: «أفتش عن التواصل الإنساني المشترك العابر للقارات والمعتقدات وأطرح الموضوعات لكي نتحد جميعا كأرواح».