احتدام «حرب العقوبات» وموسكو تنتقد «قانون قيصر»

TT
20

احتدام «حرب العقوبات» وموسكو تنتقد «قانون قيصر»

تصاعدت حدة النقاشات بين موسكو والغرب حول ملف العقوبات المفروضة على سوريا. وفي مقابل تأكيد مسؤولين في الولايات المتحدة وأوروبا على تحميل الحكومة السورية مسؤولية تدهور الأوضاع المعيشية، وتأكيد عدم التوجه لرفع العقوبات قبل تثبيت تسوية سياسية نهائية، صعدت موسكو من لهجتها حيال «قانون قيصر» الأميركي، وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن البلدان الأوروبية «مرعوبة» من هذا القانون لأنه يغلق أي طريق أمام فتح مجالات للتعاون مع دمشق. وتزامنت التطورات مع إعلان دمشق تحديث لائحتها الخاصة بالعقوبات، وضمت النسخة المحدثة 700 شخصية، بينهم مسؤولون عرب وأجانب وكيانات معارضة.
وفي الأثناء، شهدت موسكو تطوراً غير مسبوق مع إصدار منظمات حقوقية غير قانونية تقريراً نادراً يكشف انتهاكات قام بها الجيش الروسي على الأراضي السورية.
وقال لافروف، في حديث تلفزيوني مساء الجمعة، إن «كثيراً من المحاورين الأوروبيين (مرعوبون) بسبب لائحة العقوبات الأميركية المفروضة على الحكومة السورية بموجب قانون (قيصر)»، مشيراً إلى أن القانون يضع عراقيل أمام توجه أي طرف إقليمي أو دولي للتعاون مع دمشق لتحسين الظروف المعيشية أو إدارة الشؤون الاقتصادية في سوريا. وأوضح الوزير الروسي أن «محاورين في أوروبا، وفي المنطقة أيضاً، يقولون همساً إنهم مرعوبون من أن هذا القانون منع أي فرصة بطريقة ما للتعاون الاقتصادي مع سوريا».
وأضاف أن الهدف من القيود المفروضة على دمشق قد تم الإعلان عنه، وهو «خنق الشعب السوري حتى ينهض، ويسقط بشار الأسد». وكرر الموقف الروسي الذي يحذر من تأثير العقوبات على السكان المدنيين، وقال لمحاوريه: «انظروا ماذا يحدث الآن في سوريا نتيجة قانون قيصر».
وحملت عبارات لافروف رداً مباشراً على تصريحات مسؤولين غربيين حول هذا الموضوع. وكان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، قد قال قبل يومين إن «الفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية على أيدي نظام (الرئيس بشار) الأسد أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الرهيبة التي تزايدت أكثر بفعل التحدي المتمثل في فيروس (كورونا)».
وأكد المفوض الأعلى لشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، أن «تصرفات النظام هي المسؤول الأول عن اندلاع الأزمة الإنسانية، وليس عقوبات الاتحاد الأوروبي».
وفي غضون ذلك، نشرت دمشق، أمس، النسخة المعدلة من لائحة عقوباتها على شخصيات وكيانات سورية وأجنبية، وفقاً لقوانين مكافحة الإرهاب المحلية.
وشملت اللائحة المحدثة التي أقرتها «هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب» التابعة للنظام السوري أسماء أكثر من 600 شخصية سياسية وطبية وإعلامية وأكاديمية ودينية وغيرها، من السوريين والعرب والأجانب، إضافة إلى أكثر من 100 جمعية وهيئة وكيان.
ومن أبرز المدرجين على القائمة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ورئيس «الائتلاف الوطني السوري» المعارض نصر الحريري، وأول سفير منشق عن النظام نواف الشيخ فارس، ورئيس الوزراء التركي سابقاً أحمد داود أوغلو، والممثل السوري عبد الحكيم قطيفان، وشخصيات سورية معارضة.
وفي غضون ذلك، دعا تقرير نادر أصدرته منظمات حقوقية غير حكومية الروس إلى التعرف على «التجاوزات التي ارتكبتها» بلادهم منذ بدء التدخل العسكري في سوريا.
ونشر التقرير، وهو الأول لمنظمات غير حكومية روسية المخصص للنزاع السوري، بمناسبة الذكرى العاشرة للحرب في هذا البلد، وهدف إلى تسليط الضوء على ضحايا العمليات العسكرية الروسية، وهو موضوع لا تتطرق إليه عادة وسائل الإعلام الموالية للكرملين.
وتناقض نتائج التقرير الخطاب الرسمي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يقول إن جيشه خاض معركة لإنقاذ نظام الرئيس السوري بشار الأسد من «إرهابيين».
ورأى التقرير الذي أعدته أبرز منظمة غير حكومية روسية (ميموريال)، مع عدة منظمات أخرى، أن التدخل الروسي في سوريا «أدى إلى تغيير مسار الحرب، لكن الثمن كان سقوط كثير من الضحايا المدنيين».
واستند التقرير الواقع في مائتي صفحة إلى شهادات أكثر من 150 شاهداً على الأحداث في سوريا. وقال معدو التقرير إن «الغالبية الساحقة ممن تحدثنا معهم لا يرون أن روسيا منقذة، وإنما قوة أجنبية مدمرة ساهم تدخلها العسكري والسياسي في تقوية مجرم الحرب على رأس بلادهم».
وأضافت الوثيقة أن «بعض الذين ردوا على الأسئلة كشفوا أنهم هم أو أقاربهم كانوا ضحايا القصف الروسي». وحث التقرير موسكو على إجراء تحقيقات مستقلة في عمليات القصف التي قام بها جيشها في سوريا، ودفع تعويضات للضحايا.
ولم يتمكن معدو التقرير من دخول سوريا، لكنهم استجوبوا سوريين فروا من الحرب، في لبنان والأردن وتركيا وألمانيا أو داخل روسيا.
وتتهم الوثيقة التي استغرق إعدادها عامين موسكو بارتكاب تجاوزات عبر قصف مدنيين بشكل عشوائي، أو مساندة نظام متهم بارتكاب فظاعات، مثل استخدام أسلحة كيماوية أو استخدام سلاح التجويع ضد مدن محاصرة.
وقالت سيدة من سكان حي الوعر الذي كان معقلاً للمعارضة في حمص (شرق)، وخضع لحصار بين 2013 و2016، إنه «بعد ستة أشهر من بدء القصف الروسي، كان هناك عدد ضحايا أكثر مما سجل خلال عامين من القصف السوري».
وقال معدو التقرير إنهم يريدون أن يقرأ أكبر عدد ممكن من الروس تقريرهم، وأن «يدركوا مسؤولياتهم فيما حصل باسمهم في سوريا». وأضافوا: «نشعر بالمرارة والخجل في الوقت نفسه من الطريقة التي ينظر بها السوريون الذين قابلناهم إلى الروس».
وشكل هذا التطور ثاني حلقة في تحركات منظمات حقوقية معارضة في روسيا في الفترة الأخيرة، بعدما كانت هذه المنظمات قد تجاهلت الغوص في تطورات الوضع في سوريا خلال السنوات الماضية.
وجاء التطور الأول في 11 مارس (آذار)، عبر تقديم شكوى جنائية في العاصمة الروسية ضد مقاتلي مجموعات «فاغنر» شبه العسكرية. ولعبت صحيفة «نوفايا غازيتا» المعارضة التي كانت بين الأطراف التي أثارت ملف مشاركة المرتزقة الروس في المناطق الساخنة دوراً حاسماً في تجميع المعلومات اللازمة لتقديم الدعوى الجنائية، بالتعاون مع «المركز السوري للإعلام وحرية التعبير» و«الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان»، ومركز «ميموريال» لحقوق الإنسان في موسكو.
وتم تقديم الشكوى نيابة عن شقيق أحد الضحايا الذين لقوا مصرعهم على أيدي مقاتلي «فاغنر»، وهو شاب أقدم مسلحو المجموعة على تعذيبه وقتله والتمثيل بجثته في يونيو (حزيران) 2017 في بادية حمص.
وعلى الرغم من تضاؤل الآمال في وصول الشكوى القضائية إلى ساحات المحاكم في روسيا، قال المركز السوري للإعلام وحرية التعبير بعد تقديم الشكوى، في بيان، إن هذه الدعوى تعد المحاولة الأولى من نوعها من قبل عائلة ضحية سورية لمحاسبة المشتبه بهم الروس على الجرائم الجسيمة المرتكبة في سوريا.



خدمة التوصيل تزدهر في صنعاء رغم تردي المعيشة

بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)
بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)
TT
20

خدمة التوصيل تزدهر في صنعاء رغم تردي المعيشة

بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)
بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)

برغم فشل غالبية مشاريع خدمة التوصيل في العاصمة اليمنية صنعاء بسبب غلاء المعيشة، فإن الطلب عليها لم يتوقف، ويستمر مئات الشباب في تقديمها خصوصاً في شهر رمضان، وتشهد الشوارع المزدحمة قبيل مغرب كل يوم سباقاً مع الوقت يخوضه الشباب العاملون في هذه الخدمة، معرضين حياتهم للخطر.

وغالباً ما تتسبب الدراجات النارية بالكثير من الحوادث المرورية في شوارع صنعاء، ويرفع العاملون في خدمة التوصيل منسوب هذه الحوادث نتيجة رغبتهم في توصيل أكبر عدد من الطلبات لزيادة مداخيلهم، والاستجابة لإلحاح زبائنهم المطالبين بسرعة وصول الوجبات من المطاعم ومستلزمات الوجبات المنزلية من الأسواق.

ويذكر عمار سعيد، وهو عامل توصيل على دراجة هوائية، أن عمله في هذه المهنة يتطلب هدوء أعصاب وتركيزاً شديداً وقدرة على الصبر والتحمل.

ويبين سعيد لـ«الشرق الأوسط» أن غالبية زبائنه يطلبون وصول الطعام بأقصى سرعة، ويستعجلونه خلال تنقلاته بإلحاح شديد وتذمر، ما قد يفقده التركيز أثناء قيادة دراجته، وكثيراً ما يكون مضطراً لتوصيل أكثر من طلب في الوقت نفسه في اتجاهات مختلفة.

عمال في شركة توصيل في صنعاء خلال حفل تكريم لهم (فيسبوك)
عمال في شركة توصيل في صنعاء خلال حفل تكريم لهم (فيسبوك)

وكانت خدمة التوصيل في العاصمة صنعاء ومدن أخرى قد شهدت ازدهاراً كبيراً منذ 5 أعوام بسبب حائجة كورونا (كوفيد 19) وما تسببت به من عزوف عن الاختلاط والخروج من المنازل، وهو ما دفع بعدد من المستثمرين إلى إنشاء شركات توصيل تستخدم تطبيقات على الهواتف المحمولة.

ويكشف مقيمون في العاصمة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أنه، وبرغم إيقاف العديد من شركات التوصيل نشاطها وتسريح العاملين فيها خلال الأعوام الماضية، فإن الخدمة ذاتها لم تتوقف، بل تشهد تزايداً نسبياً من خلال طلب العائلات والأفراد لها من شبان يتعاملون معهم باستمرار، إلى جانب توظيف المطاعم الكبيرة لعمال توصيل.

ثراء غير متوقع

يستغرب الكثير من المتابعين للوضع في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرة الجماعة الحوثية من ظهور وانتشار خدمة التوصيل، في حين يعاني غالبية السكان من أوضاع معيشية صعبة ومعقدة، ولا يملكون القدرة على شراء الطعام من المطاعم، ناهيك عن دفع المزيد من الأموال مقابل خدمة توصيله.

المطاعم والكافتيريات الشعبية تنتشر في غالبية شوارع وأحياء العاصمة صنعاء (خرائط جوجل)
المطاعم والكافتيريات الشعبية تنتشر في غالبية شوارع وأحياء العاصمة صنعاء (خرائط جوجل)

وبحسب هؤلاء، فإن العاصمة صنعاء تشهد اتساع رقعة البطالة وإغلاق العديد من الشركات التجارية وهروب أصحاب الأموال والاستثمارات، ولم يتبقَّ فيها إلا من لا يستطيع المغادرة لعدم مقدرته على ذلك، أو من لا يخشى على نفسه وممتلكاته من ممارسات الجماعة الحوثية.

إلا أن الباحث الاقتصادي اليمني عادل شمسان يشير إلى أن الإقبال على طلب خدمة التوصيل يأتي بسبب نشوء فئة واسعة تمكنت من الإثراء مستفيدة من الانقلاب والحرب، وهي الفئة التي تسيطر مظاهر ثرائها على المشهد في صنعاء من خلال ظهور أنواع جديدة من السيارات الفارهة والقصور الكبيرة وزيادة النشاط العمراني، مقابل اتساع دائرة الفقر والفاقة.

ويوضح شمسان لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الفئة الجديدة نشأت من خلال أعمال النهب المنظم، أو العشوائي، لموارد المؤسسات العامة وأعمال الجباية والإتاوات المفروضة على غالبية السكان، وابتزاز الشركات التجارية ورجال الأعمال والمستثمرين، وتكوين طبقة من المستثمرين الطفيليين الذين سعوا للإثراء من خلال الأموال المنهوبة أو بالشراكة الإجبارية مع أصحاب رؤوس الأموال.

شركة توصيل في صنعاء استخدمت الخيول قبل ثلاث سنوات للفت الانتباه (إكس)
شركة توصيل في صنعاء استخدمت الخيول قبل ثلاث سنوات للفت الانتباه (إكس)

ويرى مراقبون للشأن اليمني في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية أن هناك فئة أخرى تمكنت من الإثراء من خلال العمل أو النشاط في تقديم المساعدات الإغاثية، سواء مع المنظمات الدولية والأممية أو المحلية، وهو النشاط الذي يشهد فساداً واسعاً بحسب العديد من التقارير.

أطعمة جديدة

يعدّ انتشار خدمة التوصيل في صنعاء أمراً لافتاً، كون الأوضاع المعيشية فيها لا تؤهل لذلك، إلى جانب أن المطاعم الشعبية منتشرة في كل الشوارع والأحياء وبالقرب من جميع المساكن تقريباً، في حين يفضل غالبية السكان إعداد الطعام في المنازل.

تقول لبنى عقلان، وهي طبيبة أسنان، إنها وحتى سنوات قليلة مضت، لم تكن تطلب هذه الخدمة كما هي عليها الآن، وكانت تكتفي بالاتصال الهاتفي إلى الكافتيريا الموجودة في نفس البناية التي تقع فيها عيادتها لطلب الطعام، فيقوم أحد العاملين بإيصاله خلال دقائق معدودة.

انتشار مشاريع الطبخ في المنازل ساعد في انتشار خدمة التوصيل (الأمم المتحدة)
انتشار مشاريع الطبخ في المنازل ساعد في انتشار خدمة التوصيل (الأمم المتحدة)

لكن الأعوام الأخيرة شهدت، بحسب حديث عقلان لـ«الشرق الأوسط»، افتتاح مطاعم تقدم وجبات جديدة ومميزة، وهو ما يغري بطلب إيصالها بسبب ازدحام أوقات العمل وعدم القدرة على التنقل إليها والعودة بسرعة.

أما عصام شرف، وهو اسم مستعار لمعلم فيزياء في إحدى كبريات مدارس العاصمة صنعاء، فيلفت إلى أن طلبات توصيل الطعام تعدّ رفاهية لا يحصل عليها سوى من يملكون القدرة على ذلك، وقد حظي بها بسبب عملها في تقديم الدروس الخصوصية.

الإثراء بسبب الحرب والانقلاب والفساد أدى إلى انتشار واسع لمطاعم فارهة في صنعاء (خرائط جوجل)
الإثراء بسبب الحرب والانقلاب والفساد أدى إلى انتشار واسع لمطاعم فارهة في صنعاء (خرائط جوجل)

ووفق حديثه لـ«الشرق الأوسط»، فإن الطلاب الذين يقدم لهم الدروس الخصوصية، وغالبيتهم من عائلات ثرية، يطلبون الطعام لهم وله خلال جلسات الدراسة، فيحصل على وجبات لم يكن يفكر حتى بها بسبب أسعارها المرتفعة، وأحياناً يأخذ ما تبقى منها لعائلته في المنزل.

وتساعد مشاريع إعداد الطعام بالمنازل في استمرار خدمة التوصيل، حيث يعتمد أصحاب هذه المشاريع، وأغلبهم من النساء، على شبان يعملون على دراجات نارية أو هوائية في توصيل الطعام إلى الزبائن.