بعد أن كان الاتحاد الأوروبي قد خصص قمته الاستثنائية الأخيرة لـ«كوفيد – 19»، لم يكن بند الجائحة مدرجاً في الدعوة الأولى التي وجهها رئيس المجلس شارل ميشال إلى القادة الأوروبيين لعقد القمة التي بدأت ظهر أمس (الخميس) افتراضياً، والتي كان من المقرر أن تقتصر على بحث العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي، خاصة مع الاتحاد الروسي والوضع في منطقة شرقي البحر المتوسط.
لكن التفاقم المتسارع للمشهد الوبائي الأوروبي منذ أسابيع، والتعثر الذي يواجه حملات التلقيح في جميع بلدان الاتحاد التي أفاقت حكوماتها أمس على التأكيدات التي حملها التقرير الشهري الأخير للمصرف المركزي الأوروبي بأن الانتعاش الاقتصادي يبقى مرهوناً بنسبة التغطية اللقاحية لاستئناف النشاط التجاري وحركة النقل الطبيعية، كل ذلك أعاد الأزمة الصحية والصعوبات التي تعترض الخروج منها إلى صدارة الهواجس والاهتمامات الأوروبية، وكان بند «كوفيد» هو الأول مرة أخرى على مائدة القمة الافتراضية التي حل عليها الرئيس الأميركي جو بايدن ضيف شرف في ساعة متأخرة من مساء البارحة.
ورغم أن مشاركة بايدن في هذه القمة كانت المناسبة التي أرادها الطرفان للتأكيد على «عودة الحرارة والوئام إلى العلاقات بين ضفتي الأطلسي»، كما قال مسؤول السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل، فقد تحولت منذ الإعلان عنها يوم الأربعاء من المحور الرئيسي إلى ما يشبه «خشبة الخلاص» التي تتطلع إليها أوروبا للخروج من محنة النقص في اللقاحات عن طريق مساعدة مرتقبة من الولايات المتحدة وتعزيز التعاون مع الشركات الأميركية المصنعة لمعظم اللقاحات المتداولة في بلدان الاتحاد.
لم يكن وارداً أن يدخل القادة الأوروبيون خلال استضافتهم «الحليف الأميركي» في التفاصيل التقنية للمساعدة التي يأملون في الحصول عليها من إدارة بايدن لنفض كابوس اللقاحات عنهم، لكن لقاء الأمس كان فرصة مهدت للتوصل إلى نتائج ملموسة في الأسابيع المقبلة، خاصة أن الطرفين أكدا أن «الأولوية المطلقة هي للخروج من الجائحة وتوزيع اللقاحات على أوسع نطاق».
ومنذ الإعلان عن «مشاركة» بايدن في القمة، سارعت عدة حكومات أوروبية، بالتنسيق مع المفوضية، إلى تسريب التطلعات التي ترمي إليها في التعاون مع واشنطن لمعالجة أزمة اللقاحات، وفي طليعتها دفع الشركات الرئيسية المنتجة، مثل «فايزر» و«مودرنا» و«جونسون آند جونسون»، إلى القبول بتقاسم براءات اختراع اللقاحات مع المصانع الأوروبية للأدوية لزيادة الإمدادات في بلدان الاتحاد. كما يأمل الأوروبيون في مساعدة الإدارة الأميركية لضمان الحصول على الكميات الموعودة من لقاح «جونسون آند جونسون» والمقرر أن يتسلم الاتحاد منها 55 مليون جرعة قبل نهاية يونيو (حزيران) المقبل. ويتطلع الجانب الأوروبي أيضاً إلى الإسراع في إعادة فتح المصنع الأوروبي لشركة «ليدا» الأميركية في هولندا، وزيادة إمدادات المواد الأولية الأميركية اللازمة لتصنيع اللقاحات في بلدان الاتحاد الأوروبي.
ومن الأمور الأخرى التي يعول عليها الأوروبيون، أن تبادر الإدارة الأميركية بعد أن تكون حملة التلقيح اقتربت من خواتيمها في الولايات المتحدة، إلى وقف العمل بقانون الإنتاج الدفاعي والسماح بتصدير اللقاحات المنتجة في المصانع الأميركية لبلدان الاتحاد الأوروبي.
وكان بادياً من جولة مداخلات القادة الأوروبيين في أولى جلسات القمة بعد ظهر أمس، مدى القلق الذي يتملك العواصم الأوروبية إزاء تفاقم المشهد الوبائي وصعوبة تأمين اللقاحات الكافية لتسريع حملات التلقيح، والذي لخصته رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين بقولها: «نشهد تراكم عدد متزايد من الظروف التي تبعث على القلق، والتي تستدعي اتخاذ كل التدابير اللازمة لتأمين اللقاحات وتسريع حملات التطعيم». ويذكر أن المفوضية كانت قد شددت تدابير الرقابة على تصدير اللقاحات خارج الاتحاد، الأمر الذي اعتبرته ألمانيا وفرنسا وإيطاليا خطوة في الاتجاه الصحيح.
وشهدت الجلسة الأولى التي خُصصت لـ«كوفيد – 19» تصعيداً واضحاً في الضغوط التي تمارسها برلين وباريس وروما على رئيسة المفوضية لدفعها إلى تطبيق القيود الصارمة على تصدير اللقاحات خارج الاتحاد، وإلى إبرام المزيد من العقود لشراء وتصنيع اللقاحات مع الشركات الكبرى للأدوية. وتحسباً لهذه الضغوط التي ظهرت بوادرها الأولى مع بداية هذا الأسبوع، سربت أوساط فون دير لاين تنبيهات إلى أن تعزيز التعاون بين الشركات الأميركية الكبرى والمصانع الأوروبية القادرة على إنتاج اللقاحات تحكمه الاعتبارات التجارية، وليس السياسية، وأن المساعدة المنشودة من إدارة بايدن لا تتعدى كونها تيسير مثل هذا التعاون.
وذكرت أوساط رئيسة المفوضية أن المساعدة المحتملة من الإدارة الأميركية الجديدة تبقى مرهونة بعامل الوقت من جهة، بعد أن حدد جو بايدن الرابع من يوليو (تموز) المقبل موعداً لإنهاء تلقيح جميع الأميركيين، ومن جهة أخرى محكومة باعتبارات اقتصادية واستراتيجية متشابكة.
وكان لافتاً في مداخلات عدد من القادة الأوروبيين استخدام مصطلح جديد هو «استقلالية اللقاحات الاستراتيجية» التي تطالب دول عدة بجعلها الأولوية المطلقة للمفوضية، وإعداد خطة لتفعليها وتحديد الموارد اللازمة لتحقيقها في أقرب الآجال.
وفيما تبقى الشركات الثلاث؛ «فايزر» و«مودرنا» و«جونسون آند جونسون»، هي التي يعول عليها الأوروبيون بشكل رئيسي لتأمين الإمدادات اللقاحية وزيادة القدرة الإنتاجية الذاتية في المستقبل، أفادت مصادر بأن مفاوضات متقدمة تجري مع «جونسون آند جونسون» لإبرام عقد شراء كمية إضافية كبيرة من لقاح الجرعة الواحدة الذي تنتجه هذه الشركة، رغم أنها ما زالت متأخرة في تسليم الكميات الموعودة من الدفعة الأولى.
وعاد رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي ليحذر من أن بلاده، في حال المزيد من التأخير في تسلم اللقاحات، ستلجأ إلى شراء لقاح «سبوتنيك في»، علماً بأن هذا اللقاح ما زال يثير جدلاً بين السلطات الروسية والأوروبية حول فاعليته وسلامته، ورغم أن روسيا لم تتقدم بعد بطلب إلى الوكالة الأوروبية للأدوية للموافقة على استخدامه.
تعويل أوروبي على واشنطن للخروج من أزمة اللقاحات
تحديات التطعيم هيمنت على أول قمة للاتحاد يشارك فيها بايدن
تعويل أوروبي على واشنطن للخروج من أزمة اللقاحات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة