لقاء الحريري ـ لافروف يضيّق على عون هامش المناورة

الرئيس اللبناني مطالب بـ{وقف توزيع الأدوار} وتسهيل ولادة الحكومة

TT

لقاء الحريري ـ لافروف يضيّق على عون هامش المناورة

لم يعد في وسع الرئيس ميشال عون ووريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الذهاب بعيداً في مناوراتهما التي تؤخر تشكيل حكومة مهمة بعد أن تكشّفت المواقف الدولية والإقليمية والمحلية على حقيقتها وحالت دون استمرارهما - كما يقول مصدر نيابي بارز لـ«الشرق الأوسط» - في توزيع الأدوار لعلهما يستطيعان تحسين شروطهما في التشكيلة الوزارية العتيدة رغم أن حليفهما «حزب الله» أتاح لهما تمديد مشاورات التأليف بلا طائل، وهذا ما تبين من خلال اللقاء الذي عقده الرئيس المكلف سعد الحريري مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في أبوظبي.
وكشفت مصادر مواكبة للقاء الحريري - لافروف في حضور الممثل الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف ومستشار الحريري للشؤون الروسية جورج شعبان بأن موسكو تدعم بلا شروط تشكيل حكومة مهمة من التكنوقراط من 18 وزيراً من دون حصول أي طرف على الثلث الضامن، وقالت إن وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف كان أكد لنظيره الروسي رفض «حزب الله» إعطاء هذا الثلث لأي طرف سياسي.
ولفتت إلى أن موسكو تتبنى المبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان، وقالت إنها تتواصل عبر قنواتها الدبلوماسية مع الأطراف اللبنانيين وتنصحهم بضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة، وإنه لا مصلحة لأحد في الداخل بتأخير تشكيلها لما يترتّب عليها من ارتدادات سلبية ستُلحق الضرر بالجميع وستؤثر سلباً على الوجود المسيحي.
وقالت المصادر نفسها إن موسكو أبلغت موقفها لمستشار عون للشؤون الروسية النائب السابق أمل أبو زيد لقطع الطريق على من يراهن على دخول روسيا على خط الأزمة اللبنانية بطرحها مبادرة تتعارض مع المبادرة الفرنسية، وأكدت أن بوغدانوف أحاط سفير لبنان في موسكو شوقي بو نصّار بتفاصيل الموقف الروسي الذي نقله إلى الخارجية اللبنانية ليكون في مقدورها أن تبني على الشيء مقتضاه بدلاً من جنوح البعض للترويج لموقف روسي لا أساس له ويراد منه الهروب إلى الأمام.
ورأت أن الحريري أبدى ارتياحه للموقف الروسي وإن كان سأل لافروف عن الأسباب التي تمنع إيران من ترجمة موقفها بالطلب من حليفها «حزب الله» بالضغط على عون - باسيل لإخراج التشكيلة الوزارية من التأزُّم السياسي، وقالت إن الأعباء المالية والاقتصادية التي يتحمّلها لبنان باستضافته الأعداد الكبيرة من النازحين السوريين حضرت بامتياز في اجتماع الحريري - لافروف الذي أبدى تفهُّماً لموقفه كاشفاً بأن موسكو تحضّر حالياً لاستضافة اجتماع أممي موسع لهذا الغرض يُعقد في مايو (أيار) المقبل تشارك فيه دول الجوار السوري التي تستضيف النازحين.
وفي سياق متصل، أكدت مصادر أوروبية في بيروت إصرار باريس على التمسُّك بمبادرتها الإنقاذية، وأنها تواصل اتصالاتها بالأطراف اللبنانيين وبالمجتمع الدولي وتحديداً الولايات المتحدة وروسيا، وبالتالي فهي تضغط على عون - باسيل للسير قدماً إلى الأمام لتسريع ولادة حكومة مهمة من 18 وزيراً، فيما تلقّت قيادة «حزب الله» أكثر من نصيحة - بحسب المصادر النيابية - للعب دور إيجابي وضاغط انطلاقاً من تبنّيها لمبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
وغمزت المصادر النيابية من قناة عون لجهة استمراره في لعبة توزيع الأدوار مع باسيل الذي يرفض، حتى لو أُتيح لرئيس الجمهورية تسمية 6 وزراء في الحكومة من بينهم الوزير المحسوب على حزب «الطاشناق»، أن يمنح الثقة للحكومة، وهذا ما يسمح له فور ولادتها للجوء للمزايدة الشعبوية بذريعة أنها فاقدة للميثاقية بامتناع حزب «القوات اللبنانية» عن منحها الثقة بغياب حزب «الكتائب» عن البرلمان باستقالة نوابه منه.
وقالت إن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم يتحرك تحت سقف المبادرة التي طرحها بري، وأكدت أن عون يصرّ على تسمية الوزير الذي سيشغل وزارة الداخلية، وهذا ما يلقى معارضة داخلية ودولية وإقليمية، خصوصاً أن الحملة المبرمجة التي تستهدف المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان هي من إعداد الفريق المحسوب على عون وتياره السياسي عزّزت الاعتقاد السائد بعدم إعطائه الداخلية، خصوصاً أن إسنادها إلى مقرّب منه سيتيح له ملاحقة عثمان بخلاف الوزير الحالي العميد محمد فهمي الرافض ملاحقته التي تنطوي على كيدية سياسية.
لذلك، فإن حل العقدة المتمثلة بوزارة الداخلية يمهّد الطريق أمام ولادة الحكومة التي أصبحت أكثر من ضرورة، إلا إذا سارع عون وفريقه السياسي إلى ابتداع عقدة جديدة غير مرئية من شأنها أن تعيق تشكيلها.
وعليه، فإن تأخير تشكيل الحكومة لن يقف عائقاً أمام انعقاد جلسة تشريعية مقررة غداً الجمعة تُخصّص للتصديق على القرض الدولي للبنان وقدره 246 مليون دولار، على أن يصار إلى زيادة المبلغ المقرّر للعام الحالي بـ29 مليون دولار، وهذا ما بحثه الرئيس بري مع النائبين في «اللقاء الديمقراطي» هادي أبو الحسن وبلال عبد الله اللذين ناقشا أيضاً احتمال عقد جلسة لمجلس الوزراء تأتي تحت بند الضرورة في حال أن الحكومة الجديدة لن ترى النور قريباً وتُخصَّص لإقرار الموازنة وترشيد الدعم.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».