القطاع المصرفي السعودي يدخل العام الجديد بكفاءة مؤشرات السلامة المالية

متحدث البنوك لـ«الشرق الأوسط» : تقديرات نمو الناتج المحلي تعزز استمرارية قوة الأداء المصرفي

تقديرات مشجعة لنمو الناتج المحلي السعودي (الشرق الأوسط)
تقديرات مشجعة لنمو الناتج المحلي السعودي (الشرق الأوسط)
TT

القطاع المصرفي السعودي يدخل العام الجديد بكفاءة مؤشرات السلامة المالية

تقديرات مشجعة لنمو الناتج المحلي السعودي (الشرق الأوسط)
تقديرات مشجعة لنمو الناتج المحلي السعودي (الشرق الأوسط)

رغم صعوبات عام 2020، فإن القطاع المصرفي السعودي ظل صامداً، وسط تأكيدات مصرفية عن دخول البنوك السعودية العام الجديد بكفاءة مؤشرات السلامة المالية، حيث أظهرت مؤشرات السلامة المالية للقطاع مؤشرات جيدة، بمعدل كفاية رأس المال 19.6 في المائة بنهاية الربع الثالث من العام الماضي، بالإضافة إلى أصول سائلة إلى إجمالي الأصول بنسبة 25.2 في المائة.
وتوقع متحدث البنوك السعودية الأمين العام للتوعية المصرفية، حافظ طلعت، لـ«الشرق الأوسط» استمرار أداء القطاع المصرفي السعودي الجيد خلال العام الحالي، انسجاماً مع التحسن المتوقع في أداء الاقتصاد الوطني، مرجعاً ذلك إلى التقديرات الأولية لنمو الناتج المحلي الإجمالي السعودي بنحو 3.2 في المائة، مدفوعاً بافتراض استمرار تعافي الأنشطة الاقتصادية.

- الموجودات البنكية
وبحسب حافظ «بلغ إجمالي الموجودات لدى البنوك بالسعودية نحو 3 تريليونات ريال (800 مليار دولار) بنهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، بزيادة نسبتها 15.24 في المائة، في مقابل الفترة نفسها من عام 2019»، مضيفاً: «بلغ إجمالي الودائع لدى البنوك بالسعودية نحو 1.9 تريليون ريال (507 مليارات دولار)، بزيادة نسبتها 11.95 في المائة، في مقابل الفترة ذاتها من عام 2019».
ووفق حافظ، تظهر المؤشرات ارتفاع حجم مطلوبات المصارف من القطاع الخاص إلى 1.755 تريليون ريال (468 مليار دولار) بنهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تمثل ارتفاعاً بنسبة 15 في المائة، في حين ارتفعت القروض العقارية الممنوحة من البنوك التجارية للأفراد والشركات إلى 392.1 مليار ريال (104.6 مليار دولار) بنهاية الربع الثالث من عام 2020، بزيادة نسبتها 42 في المائة، في مقابل الفترة نفسها من عام 2019.
ولفت الأمين العام للتوعية المصرفية إلى أن إجمالي حجم التسهيلات المقدمة للمنشآت الصغـيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر بلغ نحو 176 مليار ريال (47 مليار دولار) بنهاية الربع الثالث من عام 2020، بزيادة نسبتها 52.41 في المائة، في مقابل الفترة نفسها من عام 2019.

- دور تعزيزي
وكان للبنوك السعودية، وفقاً لحافظ، بدعم من البنك المركزي السعودي (ساما)، جهود واضحة ملموسة في دعم شركات القطاع الخاص، خاصة الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر منها، بما في ذلك الأفراد من العملاء، حيث أُعلن في شهر مارس (آذار) من العام الماضي، انطلاقاً من دور «ساما» في تفعيل أدوات السياسة النقدية وتعزيز الاستقرار المالي، بما في ذلك تمكين القطاع المالي من دعم نمو القطاع الخاص.
وتابع: «في إطار دعم جهود الدولة في مكافحة فيروس كورونا، وتخفيف آثاره المالية والاقتصادية المتوقعة على القطاع الخاص، خصوصاً على قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، عمل البنك المركزي على إعداد برنامج بقيمة 50 مليار ريال (13.33 مليار دولار)».
وأوضح حافظ أن «ساما» استهدف دعم القطاع الخاص، وتمكينه من القيام بدوره في تعزيز النمو الاقتصادي من خلال حزمة من الإجراءات، تضمنت إيداع مبلغ يصل إلى 30 مليار ريال (8 مليارات دولار) لصالح البنوك وشركات التمويل، مقابل تأجيل دفع مستحقات القطاع المالي (البنوك وشركات التمويل) لمدة 6 أشهر على قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بدءاً من تاريخ انطلاقة البرنامج في 14 مارس (آذار) 2020.
وبين أنه بلغ عدد العقود المستفيدة من البرنامج منذ انطلاقته حتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أكثر من 87 ألف عقد، في حين بلغت قيمة تأجيل الدفعات نحو 77.3 مليار ريال (20.61 مليار دولار)، بينما تم تمديد فترة البرنامج لفترة إضافية حتى نهاية الربع الأول من العام الحالي (2021).
ومن برامج «ساما»، وفق حافظ، برنامج التمويل المضمون الذي أطلقه البنك المركزي، بالتعاون مع برنامج ضمان التمويل للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (كفالة)، والذي يُمكن المنشآت الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر من الحصول على تمويل من «البنوك وشركات التمويل» بضمان نسبته 95 في المائة من قيمة التمويل، مقدم من برنامج «كفالة» وفق آليات البرنامج، وبتكلفة لا تتجاوز 4 في المائة.

- الجدارة الائتمانية
يهدف التمويل منخفض التكلفة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، حسب حافظ، إلى تقديم دعم إضافي، وتعزيز الجدارة الائتمانية للمنشآت المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، والتغلب على تحديات تمويل المنشآت الذي بدوره ساهم في التخفيف من أثر الانخفاض بالتدفقات النقدية، ومكنها من خدمة عملائها، وسداد رواتب ومستحقات موظفيها.
وبلغت الميزانية المخصصة لهذا البرنامج 13.2 مليار ريال (3.52 مليار دولار). ووفقاً لآخر إحصائية في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، بلغ عدد العقود المستفيدة أكثر من 3.300 عقد، بقيمة تمويلية تجاوزت 3.35 مليار ريال (0.89 مليار دولار).
وتضمنت البرامج أيضاً، وفق الأمين العام للتوعية المصرفية، إيداع مبلغ يصل إلى 6 مليارات ريال (1.6 مليار دولار) لصالح البنوك وشركات التمويل، لتمكين جهات التمويل (البنوك وشركات التمويل) من إعفاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من تكاليف برنامج ضمانات تمويل قروض المنشآت الصغيرة والمتوسطة (كفالة)، بغرض المساهمة في تخفيض تكلفة الإقراض للمنشآت المستفيدة من هذه الضمانات خلال العام المالي 2020، ودعم التوسع في التمويل.
ولفت إلى أنه بلغ عدد الكفالات التي أُصدرت أكثر من 8 آلاف كفالة، فيما بلغت الرسوم المدعومة أكثر من 124 مليون ريال (33.1 مليار دولار)، حسب آخر إحصائية في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي 2020.
ودعم «ساما» رسوم المدفوعات لجميع المتاجر ومنشآت القطاع الخاص لمدة 3 أشهر، وذلك بقيمة إجمالية تفوق 800 مليون ريال سعودي (213.3 مليون دولار)، من خلال تحمل الرسوم لصالح مقدمي خدمات المدفوعات المشاركين في المنظومة الوطنية للمدفوعات، حيث بلغ عدد العمليات المعفاة ضمن البرنامج 1.1 مليار عملية، فيما بلغت قيمة رسوم تلك العمليات نحو 270 مليون ريال (72 مليون دولار).

- دعم البنك المركزي
ضخ البنك المركزي السعودي، وفق حافظ، مبلغ 50 مليار ريال (13.3 مليار دولار) أخرى لتعزيز السيولة في القطاع المصرفي، وتمكينه من الاستمرار في دوره في تقديم التسهيلات الائتمانية لعملائه كافة من القطاع الخاص، في حين دعمت البنوك السعودية القطاع الخاص من خلال تعديل أو إعادة هيكلة تمويلاتهم، دون أي رسوم إضافية، إلى جانب دعم خطط المحافظة على مستويات التوظيف في القطاع الخاص.
وكانت البنوك السعودية قد اتخذت خلال الجائحة سلسلة واسعة من الإجراءات النوعية، وفاء لالتزاماتها المجتمعية والوطنية، كان من بينها المبادرة إلى تأجيل أقساط التسهيلات الائتمانية العقارية والاستهلاكية، وعقود التمويل التأجيري للعاملين في القطاع الصحي الحكومي والخاص، لثلاثة أشهر.
يُضاف إلى ذلك، بحسب حافظ، مساهمات البنوك لدعم صندوق الوقف المجتمعي بمبلغ 100 مليون ريال (26.7 مليون دولار)، وصندوق الوقف الصحي بمبالغ تجاوزت قيمتها 160 مليون ريال (42.7 مليون دولار)، ومركز التميز للتوحد بمبلغ 286 مليون ريال (76.3 مليون دولار).


مقالات ذات صلة

العقار السعودي ينتقل من الانتعاش «الظرفي» إلى النضج التشغيلي

خاص مشاريع عقارية في الرياض (واس)

العقار السعودي ينتقل من الانتعاش «الظرفي» إلى النضج التشغيلي

شهد القطاع العقاري المُدرج في السوق المالية السعودية (تداول) تحولاً استثنائياً وغير مسبوق في الربع الثالث من عام 2025.

محمد المطيري (الرياض)
الاقتصاد العاصمة السعودية (الرياض)

البنك الدولي: 4.3 % نمواً متوقعاً لاقتصاد السعودية في 2026 معززاً بالأنشطة غير النفطية

أكَّد البنك الدولي أن زخم الاقتصاد السعودي مستمر بقوة في عامي 2026-2027، مدفوعاً بشكل رئيسي بالأنشطة غير النفطية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن - الرياض)
الاقتصاد وزير المالية السعودي محمد الجدعان ووزير الاقتصاد فيصل الإبراهيم في «ملتقى الميزانية السعودية» (الملتقى) play-circle 02:29

«ملتقى الميزانية»: الإنفاق الحكومي السعودي «يتحرر» من «الدورة الاقتصادية»

شكّل «ملتقى الميزانية السعودية 2026» منصة حكومية استراتيجية لتحليل مستهدفات الميزانية التي أقرّها مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد وزيرا «النقل» و«الإسكان» في «ملتقى الميزانية السعودية» (الملتقى)

«ملتقى الميزانية»: مبادرات تطوير البنية التحتية تدعم «النقل» و«الإسكان» وتوسع فرص الاستثمار

أكد وزيرا «النقل» و«الإسكان» أن القطاعين شهدا نهضة كبيرة، مع استثمارات ضخمة توسع الوظائف وتوفر وحدات سكنية للأسر المستفيدة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد الإبراهيم يتحدث وإلى جانبه وزير المالية في ملتقى «ميزانية السعودية 2026»... (الشرق الأوسط)

السعودية: لدى «هيوماين» فرصة لقيادة الاقتصاد الوطني مثل «أرامكو»

أعلن وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي، فيصل الإبراهيم، أن المملكة تستعد لدخول مرحلة جديدة سيكون فيها الذكاء الاصطناعي المحرك الأكبر للنمو غير النفطي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

الأسواق الخليجية تترقب تحركات «الفيدرالي» وسط موجة صعود متقلبة

مستثمر يراقب تحركات الأسهم في السوق السعودية (أ.ف.ب)
مستثمر يراقب تحركات الأسهم في السوق السعودية (أ.ف.ب)
TT

الأسواق الخليجية تترقب تحركات «الفيدرالي» وسط موجة صعود متقلبة

مستثمر يراقب تحركات الأسهم في السوق السعودية (أ.ف.ب)
مستثمر يراقب تحركات الأسهم في السوق السعودية (أ.ف.ب)

شهدت أسواق الأسهم الخليجية ارتفاعاً ملحوظاً في أولى جلسات الأسبوع، متأثرة بتوقعات دعم محتمل من خفض الفائدة الأميركية وصعود أسعار النفط، بعد موجة من التراجع الأسبوع الماضي. فقد واصل المؤشر الرئيسي للبورصة السعودية «تاسي» الصعود للجلسة الثالثة على التوالي، مسجلاً مكاسب طفيفة عند 0.3 في المائة، بعد أن كان أغلق الأسبوع الماضي بخسائر للأسبوع الخامس على التوالي، في أطول موجة هبوط منذ نهاية 2022.

ويترقب المستثمرون قرار اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي المزمع يومي الثلاثاء والأربعاء، الذي قد يشهد خفض الفائدة للمرة الثالثة هذا العام لدعم سوق العمل المتباطئة، أو الإبقاء عليها مرتفعة لمواجهة التضخم الذي لا يزال أعلى من المستهدف، البالغ 2 في المائة.

وسط هذه البيئة، تمرُّ الأسواق الخليجية بمرحلة توازن دقيقة بين الضغوط الخارجية والفرص الداخلية، مع متابعة دقيقة لتحركات أسعار النفط والقرارات الاقتصادية الكبرى في المنطقة والعالم.


البنك المركزي الصيني يواصل تكديس الذهب للشهر الـ13 على التوالي

عرض سبائك الذهب بمعرض الصين الدولي للمجوهرات في بكين (إ.ب.أ)
عرض سبائك الذهب بمعرض الصين الدولي للمجوهرات في بكين (إ.ب.أ)
TT

البنك المركزي الصيني يواصل تكديس الذهب للشهر الـ13 على التوالي

عرض سبائك الذهب بمعرض الصين الدولي للمجوهرات في بكين (إ.ب.أ)
عرض سبائك الذهب بمعرض الصين الدولي للمجوهرات في بكين (إ.ب.أ)

واصلت الصين سياستها الهادفة إلى تعزيز مخزونها من الذهب، بينما سجلت احتياطاتها من النقد الأجنبي ارتفاعاً أبطأ مما كان متوقعاً خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وحافظت الصين على وتيرة إضافة الذهب إلى احتياطاتها المعدنية الثمينة، لتمدد بذلك موجة الشراء للشهر الـ13 على التوالي. وقد أظهرت بيانات «بنك الشعب الصيني» أن إجمالي حيازات البلاد من الذهب بلغ 74.12 مليون أوقية تروي فاخرة في نهاية نوفمبر، ارتفاعاً من 74.09 مليون أوقية في نهاية أكتوبر (تشرين الأول).

كما ارتفعت قيمة احتياطات الصين من الذهب بشكل ملحوظ لتصل إلى 310.65 مليار دولار في نهاية الشهر الماضي، صعوداً من 297.21 مليار دولار كانت مسجلة في نهاية أكتوبر. ويُعد هذا التكديس المستمر للذهب جزءاً من استراتيجية التنويع في ظل تصاعد حالة عدم اليقين العالمي.

في المقابل، سجَّلت احتياطات الصين من النقد الأجنبي، وهي الأكبر في العالم، ارتفاعاً أقل من التوقعات خلال نوفمبر. فقد ارتفعت الاحتياطات بمقدار 3 مليارات دولار الشهر الماضي لتصل إلى 3.346 تريليون دولار، مقارنة بـ3.343 تريليون دولار في أكتوبر.

وكان استطلاع أجرته «رويترز » قد توقَّع ارتفاع الاحتياطات إلى 3.359 تريليون دولار، مما يشير إلى أن الارتفاع الفعلي جاء أقل من تقديرات السوق. وجاء هذا الارتفاع المتواضع في ظل استئناف ضعف الدولار، حيث تراجع اليوان الصيني بنسبة 0.65 في المائة مقابل الدولار الشهر الماضي، بينما انخفض الدولار بنسبة 0.24 في المائة مقابل سلة من العملات الرئيسية الأخرى.


«الفيدرالي» محاصر بين ضغوط خفض الفائدة وتصاعد الانقسامات

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
TT

«الفيدرالي» محاصر بين ضغوط خفض الفائدة وتصاعد الانقسامات

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

يدخل مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» اجتماعه الأخير لعام 2025 وسط حالة من عدم اليقين الاقتصادي والسياسي. هذا الاجتماع لا يقتصر على تحديد مصير أسعار الفائدة في ظل انقسام حاد بين صانعي السياسة النقدية، بل يأتي قبل أشهر معدودة من تغيير رئاسة البنك المركزي الأميركي المقرر في مايو (أيار) المقبل، الأمر الذي يضع مصير السياسة النقدية الأميركية لعام 2026 وما بعده على المحك.

قرار صعب في ظل مؤشرات متضاربة

الاجتماع، الذي يستمر يومي الثلاثاء والأربعاء، يضع «الاحتياطي الفيدرالي» أمام خيارين متناقضين: إما خفض الفائدة للمرة الثالثة هذا العام لدعم سوق العمل المتباطئة، أم الإبقاء عليها مرتفعة لمواجهة التضخم المتصلب الذي لا يزال فوق المستهدف، البالغ 2 في المائة. الأمر الذي يتسبب بانقسام حاد بين صانعي السياسة النقدية.

كما أن هذا الاجتماع يأتي قبل كشف الرئيس الأميركي دونالد ترمب النقاب عن مرشحه لخلافة الرئيس الحالي لـ«الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول. إذ أعلن ترمب هذا الأسبوع، عن أنه سيكشف عن مرشحه لمنصب رئيس مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» القادم في أوائل عام 2026، ولمَّح إلى أنه يريد ترشيح كبير مستشاريه الاقتصاديين كيفن هاسيت (وهو من أكثر المطالبين بخفض الفائدة) ليحل مكان باول الذي تنتهي ولايته في مايو.

باول خلال مشاركته في سلسلة محاضرات جورج بي. شولتز التذكارية في جامعة ستانفورد (أ.ف.ب)

توقعات السوق

في الأسابيع الأخيرة، شهدت التوقعات حول قرار الفائدة في اجتماع اللجنة يومّي 9 و10 ديسمبر (كانون الأول)، تقلبات حادة، لكنها استقرت حالياً. وتشير أسواق السندات الآجلة، وتحديداً أداة «فيدووتش» من مجموعة «سي إم إيه»، إلى أن احتمالات خفض الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية تبلغ نحو 87 في المائة.

وفي حال إقرار هذا الخفض، سيكون الثالث على التوالي، ليصل نطاق سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى 3.50 في المائة - 3.75 في المائة.

معضلة الولاية المزدوجة

قرار اللجنة الفيدرالية يزداد تعقيداً؛ بسبب المهمة المزدوجة التي منحها الكونغرس للفيدرالي: تحقيق استقرار الأسعار، ومنع ارتفاع البطالة. البيانات الأخيرة التي أظهرت ارتفاع معدل البطالة إلى 4.4 في المائة ترجِّح كفة المطالبين بخفض الفائدة، لكن التضخم لا يزال أعلى من الهدف البالغ 2 في المائة.

الواضح أن الصورة الاقتصادية مشوشة بشكل غير عادي، فبعض المؤشرات تشير إلى نمو قوي ومخاطر تضخمية، بينما أخرى توحي ببداية تباطؤ اقتصادي. وزاد الإغلاق الحكومي في أكتوبر (تشرين الأول) التشويش على البيانات الرسمية، في الوقت الذي أثرت فيه السياسات التجارية والقيود على الهجرة سلباً على التوظيف، في حين دفعت التعريفات الجمركية الأسعار إلى الأعلى.

متداول في بورصة نيويورك (أ.ف.ب)

صراع الحمائم والصقور

هذا التضارب بين المؤشرات والضغوط المتنامية انعكس انقساماً حاداً داخل «الفيدرالي». ففي الخطابات العامة التي سبقت فترة الصمت المعتادة قبل الاجتماع، انقسم مسؤولو «الفيدرالي» إلى معسكرين رئيسيَّين:

فريق يرى أن التضخم هو الخطر الأكبر، ويجب الإبقاء على الأسعار مرتفعة.

فريق لديه ثقة أكبر بأن التعريفات الجمركية تمثل زيادة في الأسعار لمرة واحدة، وليست مصدراً للتضخم المستدام (وهو التعريف الحقيقي للتضخم).

هذا الانقسام يعني أن السوق قد تبالغ في توقعات الخفض، رغم أن تقرير التضخم الأخير الصادر يوم الجمعة، والذي أظهر ارتفاعاً أقل من المتوقع في سبتمبر (أيلول) عزَّز احتمالات الخفض.

باول يلقي كلمةً خلال سلسلة محاضرات جورج بي. شولتز التذكارية في جامعة ستانفورد (أ.ف.ب)

ترجيح كفة «الحمائم»

رغم أن باول كان واضحاً في أن خفض ديسمبر ليس «أمراً مُسلّماً به»، فإن كثيراً من المحللين يتوقعون أن تسود كفة «الحمائم» وأن يتم إقرار الخفض، مدعومين بارتفاع معدل البطالة، وضعف مقاييس نمو الوظائف الخاصة.

ويتوقَّع الخبراء أن يتمكَّن باول من إقناع الأعضاء المترددين بالتصويت لصالح الخفض، مقابل الإشارة القوية إلى أن التخفيضات المستقبلية ستكون محدودة، مما يعني فترة توقف طويلة بعد خفض ديسمبر.

ومن المقرر أن يصدر الفيدرالي «مخطط النقاط» (Dot Plot) لتوقعات أسعار الفائدة والاقتصاد، لكن لا يُتوقع تغييرات مادية عن توقعات سبتمبر.

تركيبة المجلس

يذكر أنه رغم أنه من المقرر أن يرأس باول 3 اجتماعات للجنة الفيدرالية في يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار) وأبريل (نيسان) قبل انتهاء ولايته، فإن ولايته محافظاً لبنك الاحتياطي الفيدرالي لن تنتهي حتى يناير 2028. وهو ما يعني أنه قد يكسر التقاليد ويبقى في بنك الاحتياطي الفيدرالي لسنوات أخرى عدة، وهو ما قد يثير استياء المكتب البيضاوي على الأرجح.

لكن ترمب قد يستفيد من مقاعد في اللجنة ليسمي موالين له. إذ من المقرر أن يتقاعد رئيس بنك أتلانتا الفيدرالي رفائيل بوستيك في فبراير (شباط) 2026، مما يمثل فراغاً إضافياً في اللجنة. في حين لا تزال هناك قضية المحافظة ليزا كوك، التي حاول ترمب عزلها، ومن المقرر أن تنظر المحكمة العليا في قضيتها في يناير، ما قد يفتح الباب لتعيين آخر يختاره البيت الأبيض.

آفاق عام 2026

رغم التوقعات الحالية التي تشير إلى فترة توقف طويلة بعد خفض ديسمبر، فإن المشهد قد يتغير جذرياً في منتصف العام المقبل إذا تولى كيفن هاسيت رئاسة «الاحتياطي الفيدرالي» خلفاً لجيروم باول. فهاسيت معروف بمواقفه الداعمة لخفض أسعار الفائدة بشكل أسرع، وهو ما يتماشى مع توجهات ترمب.

وبالتالي، في حال فوزه، فمن المرجح أن يدفع «الاحتياطي الفيدرالي» نحو مزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة، حتى مع وجود مؤشرات على تحسن سوق العمل أو استمرار التضخم فوق المستهدف.

إذا تحقق هذا السيناريو، فإن التوقعات التي تشير حالياً إلى تخفيضين فقط في صيف 2026 قد تصبح متحفظة للغاية، إذ قد نشهد دورة جديدة من التيسير النقدي أكثر جرأة، ما سيؤثر على عوائد السندات، وأسواق الأسهم، وحتى الدولار الأميركي.