توتر طائفي في جبيل على خلفية نزاعات عقارية

إحدى الحاويات التي أثار وجودها إشكالاً في السابق بمنطقة جبيل وعليها علم «حزب الله» وصور أمينه العام (الشرق الأوسط)
إحدى الحاويات التي أثار وجودها إشكالاً في السابق بمنطقة جبيل وعليها علم «حزب الله» وصور أمينه العام (الشرق الأوسط)
TT

توتر طائفي في جبيل على خلفية نزاعات عقارية

إحدى الحاويات التي أثار وجودها إشكالاً في السابق بمنطقة جبيل وعليها علم «حزب الله» وصور أمينه العام (الشرق الأوسط)
إحدى الحاويات التي أثار وجودها إشكالاً في السابق بمنطقة جبيل وعليها علم «حزب الله» وصور أمينه العام (الشرق الأوسط)

جدّد إشكال فردي بين شخصين، أحدهما مسيحي، والآخر شيعي، على خلفية نزاع عقاري، المخاوف من توتر مذهبي في قضاء جبيل بجبل لبنان، ما دفع أحد رجال الدين الشيعة في المنطقة إلى مطالبة البطريرك الماروني بشارة الراعي بالتدخل وإصدار «موقف أبويّ» منعاً للانجرار إلى توترات طائفية.
ويضم قضاء جبيل خليطاً طائفياً من الموارنة والشيعة، وغالباً ما تشهد بلدات المنطقة نزاعات عقارية بين مالكين للأراضي من الطائفتين، أو من قبل مزارعين شيعة، تتداخل أراضيهم مع عقارات تملكها الكنيسة المارونية. ويتدخل الجيش اللبناني والقوى الأمنية بشكل دائم عندما تتكرر تلك الإشكالات لفض النزاعات التي لا يزال بعضها أمام القضاء بانتظار البتّ بها.
واندلع الثلاثاء إشكال فردي في بلدة أفقا في منطقة عقارية متداخلة بين أملاك سكان مسيحيين وآخرين من الشيعة من آل زعيتر، على خلفية تقدم مسافة 300 متر في أملاك خاصة، ما تسبب بإشكال محدود.
واللافت بعد الإشكال أن المفتي الشيعي عباس زغيب أصدر بياناً شديد اللهجة، قال فيه: «كنا ولا زلنا وسنبقى في لبنان، ندافع عن التعايش الإسلامي المسيحي، ونحن لا نقبل أبداً بالاعتداء على أملاك الكنيسة، وفي الوقت نفسه لن نقبل بالاعتداء على أملاك أهلنا في منطقة جبيل، ولن نقبل أن يتعاطى الجيش والقوى الأمنية معهم بطريقة سلبية».
ولم تتطور الإشكالات طوال الفترة الماضية إلى توتر طائفي؛ حيث جرى على الدوام احتواؤها بسرعة من قبل الجيش اللبناني، وبمشاركة الفعاليات السياسية والمحلية في المنطقة، منعاً لأي تدهور يطال العيش المشترك في المنطقة. وتشير مصادر أخرى مطلعة على جهود البطريركية المارونية لحل الخلافات، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «لا مشكلات تُذكر» في المنطقة، موضحة أن مطران جبيل، ميشال عون، يتابع كل التفاصيل ويتواصل مع الجميع بسلاسة لحل جذور الخلافات والتفاهم على حلها بهدوء منعاً لأن تتكرر التوترات.
واعتبر المفتي زغيب أن تصريحه يتضمن تنبيهاً بهدف إنصاف الجميع، منعاً لأي تدهور في العلاقات بين السكان من الطائفتين في المنطقة. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «إننا نعول على القوى الأمنية والجيش اللبناني للتعاطي بإنصاف، وليكونوا السد في وجه أي إشكالية، ويعملوا على تحصيل حقوق الناس من الطائفتين». وقال: «إننا ننبه من التعاطي بمكيالين، ونرفضه، فمنطقة جبيل يجب أن تبقى نموذجاً للعيش المشترك بطريقة قائمة على قواعد أخلاقية، ونحن لا نقبل باعتداء أي طرف على الآخر، ومثلما نرفض اعتداءات الشيعة على أملاك المسيحيين، نرفض في المقابل أي اعتداء مسيحي على أملاك الشيعة». وقال: «نطالب البطريرك الراعي أن يتعاطى مع جميع السكان هنا من مختلف الطوائف على أنهم رعيته».
من جهة أخرى، قال عضو تكتل «لبنان القوي» النائب سيمون أبي رميا (نائب عن جبيل) إنه اتصل بقائد الجيش العماد جوزف عون، ورئيس مخابرات جبيل، وآمر فصيلة قرطبا، بعد الحادثة التي حصلت في مجدل العاقورة مع أشخاص من أفقا. وأكد أنه «لا تهاون مع المعتدين على الأملاك، والنزاع، إذا وُجد، يحل في القضاء»، وشدد على أن «استعمال السلاح ممنوع، والقانون هو الحكم». وقال إن «إزالة التشنج أولوية وكل الثقة في الجيش».
وأحيل كثير من النزاعات العقارية التي حصلت في السابق في المنطقة التي يسكنها أفراد ينتمون إلى عشائر لبنانية، إلى القضاء للبتّ بها، وهناك حوار مفتوح بين جميع الفعاليات والمؤسسات الدينية منعاً للوصول إلى تصادم، بحسب ما يقول السكان ومطلعون على واقع الخلافات في المنطقة.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.