تونس.. ولادة «الجمهورية الثانية»

توقيع الدستور.. هل يخرج البلاد من «عنق الزجاجة» ويوقف «حوار الطرشان»؟

الرئيس التونسي المنصف المرزوقي يرفح نسخة من الدستور بعد التوقيع عليها (رويترز)
الرئيس التونسي المنصف المرزوقي يرفح نسخة من الدستور بعد التوقيع عليها (رويترز)
TT

تونس.. ولادة «الجمهورية الثانية»

الرئيس التونسي المنصف المرزوقي يرفح نسخة من الدستور بعد التوقيع عليها (رويترز)
الرئيس التونسي المنصف المرزوقي يرفح نسخة من الدستور بعد التوقيع عليها (رويترز)

يوم 26 يناير (كانون الثاني) يرمز في تونس لتلك الانتفاضة الاجتماعية السياسية التي وقعت فصولها في عام 1978، وهي ذكرى المواجهات الدامية بين قوات الجيش والأمن التونسيين مع الجماهير الغاضبة والنقابات العمالية، مما تسبب في سقوط أكثر من ألف قتيل وآلاف الجرحى. لكنه سيرمز مستقبلا إلى يوم «ميلاد الجمهورية الثانية» بعد المصادقة على نص الدستور الجديد بحضور شخصيات عربية ودولية ووسط ترحيب عالمي بـ«المعجزة السياسية التونسية». وأشاد غالبية رؤساء الدول والحكومات في أوروبا وأميركا بمسار «الانتقال السلمي للسلطة» في تونس التي «فجرت الربيع العربي» قبل ثلاث سنوات.
وكانت تونس التي تتميز بقوة نخبها العلمانية والليبرالية واليسارية شهدت خلال الأشهر الماضية أزمات سياسية وأمنية حادة ومواجهات بين تلك النخب والأغلبية الجديدة، التي أفرزتها انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) 2011 بزعامة حركة النهضة الإسلامية.
لكن خلافا لكل التوقعات لم تسفر تلك الأزمات والمواجهات عن «منعرج عسكري أمني» بل عن «توافق شبه كامل حول نص الدستور» بين مختلف الفرقاء.. الأمر الذي فاجأ جل المراقبين، إذ تجاوزت نسبة التصويت لفائدته 92 في المائة.
هل خرجت تونس نهائيا من «عنق الزجاجة» بعد إقرار «دستور الجمهورية الثانية» منذ «القراءة الأولى» ودون اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي عليه؟ أم أن تناقضات جديدة ستنفجر في المرحلة المقبلة رغم الإعلان عن «التوافق الشامل» حوله وحول «حكومة التكنوقراط» التي ستعوض فريق «الترويكا» بزعامة علي العريض ورفاقه في حزب النهضة الإسلامي؟
لعل من أبرز ما ينبغي تسجيله أولا أن «الأقلية» التي اعترضت على الصيغة النهائية للدستور التونسي الجديد (12 عضوا) أو تلك التي تحفظت عليه (8 أعضاء) لا تضم بينها الزعامات اليسارية والإسلامية «المثيرة للجدل» التي خطفت الأضواء طوال السنتين الماضيتين وتميزت بإعلان معارضتها الشديدة لمشروع الدستور الجديد.

* «الانقلابيون» صوتوا للتوافق مع النهضة
* وسيسجل التاريخ أن البرلمانيين من «أقصى اليسار»، مثل المنجي الرحوي ومراد العمدوني، الذين عارضوا مشروع الدستور طوال أشهر في وسائل الإعلام التونسية والعالمية ووصفوه بـ«الدستور الإسلامي» كانوا من أبرز من صوت عليه ودافع عنه.. بعد «التعديلات والتوافقات» في جلسات ماراثونية خلال الأسابيع والأيام القليلة التي سبقت موعد المصادقة.
وقد سار في هذا التوجه زعماء «المعارضة اليسارية المعتدلة» مثل السادة أحمد نجيب الشابي ومية الجريبي وعصام الشابي (الحزب الجمهوري) ومحمد الحامدي وسمير الطيب وأحمد إبراهيم (حزب المسار - الحزب الشيوعي سابقا)، رغم سلسلة انسحاباتهم السابقة من الجلسات العامة وجلسات اللجان في المجلس التأسيسي، احتجاجا على ما وصفوه بـ«تغول أنصار تيار الإسلام السياسي بين نشطاء حركة النهضة الإسلامية وحلفائها». وقد تسببت انسحاباتهم في شل عمل المجلس الوطني التأسيسي لمدة خمسة أشهر توقع خلالها كثير من المراقبين للشأن التونسي أن تسفر عن «تدخل الجيش» وعن انتصار «الانقلابيين على الشرعية».
لكن تطورات الأحداث وماراثون المفاوضات والوساطات دفعت إلى «تنازلات سياسية متبادلة» جعلت «الانقلابيين» يتوافقون مع قيادة حركة النهضة وشركائها العلمانيين.. مما أدى إلى انهيار مشاريع «جبهة الإنقاذ» و«حركة تمرد» التونسيتين المتأثرتين بمسار فصائل من المعارضة المصرية قبل «حركة 30 يونيو (حزيران) 2013».

* «دستور ولد ميتا»
* كما سيسجل التاريخ أن أبرز «الصقور» في حركة النهضة، مثل رئيسيها الأسبقين الصادق شورو والداعية الحبيب اللوز، كانا من بين من صوت لفائدة الدستور.. وبرزوا في البرلمان التونسي في صورة تذكارية جماعية مع زعيم الحركة راشد الغنوشي، رغم انتقاداتهم السابقة له ولـ«تنازلاته» عن الفصول الخاصة باعتماد الشريعة الإسلامية وبتجريم النيل من المقدسات الإسلامية. ورغم استعمالهما مع آخرين من «الصقور» لصيغة «هذا الدستور ولد ميتا وهو مخالف للإسلام».
ورغم تسجيل استقالات في قيادة حركة النهضة، بينها رياض الشعيبي الذي لوح بتأسيس حزب جديد، وفي كتلتها البرلمانية، فقد صوت ضد الصيغة التوافقية الختامية للدستور قيادي واحد في حركة النهضة هو النائب نجيب مراد ممثل محافظة المنستير موطن الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، الذي عرف بتصريحاته «النارية» المعارضة لسيناريو ما وصفه بـ«تقديم التنازلات المجانية للشيوعيين ورموز النظام السابق والعلمانيين المتطرفين».
وبذلك وجد النائب نجيب مراد نفسه في حلف مع مجموعة من نواب حزب «تيار المحبة» الذي يتزعمه التونسي المقيم في لندن محمد الهاشمي الحامدي. وهي مجموعة تقدم منذ سنتين انتقادات لحركة النهضة ونوابها في البرلمان الانتقالي من منطلقات دينية، بل ذهب الدكتور محمد الهاشمي الحامدي إلى حد تشبيه وثيقة الدستور التونسي الجديد بعد تنازل النهضة عن الفصل الخاص بـ«الشريعة الإسلامية» بمن يتنازل عن «شرط الوضوء قبل الصلاة».

* تنازل الإسلاميين عن الشريعة
* وقد صدرت انتقادات مماثلة للنهضة بسبب هذه «التنازلات عن أسس شرعية» من مجموعات إسلامية سلفية ومن قيادة حزب التحرير الإسلامي بتونس، لا سيما زعيمه رضا بلحاج، الذي اتهم قيادة النهضة بالمشاركة في صياغة دستور «ليست له مرجعيات عقائدية إسلامية وشرعية».
لكن زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي رد على تلك الاتهامات وأورد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «اكتفينا بالفصل الأول من دستور 1959 الذي تبناه الدستور الجديد لأنه ينص بوضوح على أن تونس دولة مستقلة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها.. ونحن لا نريد أن نقسم تونس بين أنصار الهوية الإسلامية للدولة والداعين إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في بلد يخلط غالبية ساسته ونخبه بين الشريعة ومقاصد التشريع الإسلامي من جهة وتطبيق القضاء للحدود الشرعية مثل قطع أيدي السارق وجلد الزاني».
الجدير بالذكر هو تمسك «صقور» حركة النهضة، مثل الصادق شورو، وحلفائهم من «تيار الهوية»، بكون الدستور الحالي «يتضمن بعض النقائص من ناحية تجذير المرجعية الإسلامية، لكن فيه الكثير من نقاط القوة، مثل أن الحريات هي من الإسلام، والفصل الأول يعد مرجعية إسلامية».

* «أول دستور تقدمي» عربيا
* إلا أن رموز تيار «الحداثة» وزعامات «اليسار» داخل البرلمان الانتقالي الذي صاغ هذا الدستور، مثل أحمد نجيب الشابي، والمنجي الرحوي، وسمير الطيب، فقد قالوا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «النخب التونسية الحاكمة والمعارضة والمستقلة نجحت، عبر الصيغة النهائية التي جرت المصادقة عليها، في أن تقدم للوطن العربي وللعالم (أول دستور تقدمي) في كامل المنطقة العربية.. لا سيما بعد استبعاد التنصيص على الشريعة والموافقة على الفصل السادس الذي أقر مجموعة من القيم الكونية منصوصا عليها في دساتير الدول المتقدمة، مثل حرية الضمير.. بما يعني منع الدولة والحكومات المقبلة من التدخل في الخصوصيات الشخصية، سواء كانت سلوكية أو عقائدية أو فكرية».
وقد عد ممثل «أقصى اليسار» (الجبهة الشعبية) في المجلس التأسيسي، المنجي الرحوي، «الدستور الجديد لا يخلو من النقائص، لكنه في مجمله كرس مبادئ الديمقراطية والحريات والانفتاح».

* تناقضات وأجندات جديدة
* هل سيعني التوافق الذي يشبه الإجماع «تجميد كل التناقضات السياسية» حتى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي يرجح أن تنظم مطلع الخريف المقبل؟ هذا ما يرجحه سياسيون وإعلاميون وكتاب مستقلون، مثل خالد حداد الإعلامي في صحيفة «الشروق» اليومية، الذي لفت النظر إلى «تأثير الورقة الدولية فيما يجري في تونس وبقية بلدان الربيع العربي». وسجل أن بعض السفراء الأوروبيين والغربيين لعبوا دورا في دفع قيادات الأحزاب السياسية نحو التوافق حول الدستور وحول الحكومة «غير الحزبية» بزعامة المهندس المستقل المهدي جمعة.
في المقابل حذر المحلل السياسي والإعلامي محسن بن عبد الله في تصريح لـ«الشرق الأوسط» من «سيناريوهات تفجير سياسيين أجانب لتناقضات جديدة داخل الطبقة السياسية بهدف إجهاض المسار الانتقالي السلمي والتأثير في الانتخابات المقبلة.. بعد أن نجحت الضغوط الخارجية في إقناع قيادات النهضة وحلفائها بالاستقالة من الحكومة ومن مواقع مهمة في الدولة.

* جبهة الإنقاذ المقبلة
* في هذا السياق أعرب السيد حمه الهمامي زعيم «حزب العمال الشيوعي» و«الجبهة الشعبية» (التي ينتمي إليها شكري بلعيد ومحمد البراهمي اللذان اغتيلا أخيرا) عن أن المصادقة على الدستور «لن تؤدي إلى تنازل المعارضة عن مطالبها بمحاسبة قيادات النهضة وحلفائها».
وبعد أن أسندت «استطلاعات الرأي» إلى «الجبهة الشعبية» نحو عشرة في المائة من أصوات الناخبين بدا زعيمها أكثر تفاؤلا بأجندة «الثوريين المعادين للمتجرين بالدين». وقال إن الصراع المقبل سيحسم لصالح كتلته السياسية، وأورد أن «لا حزب يعلو على جبهة الإنقاذ؛ فهي الإطار الأوسع ومصير البلاد مرتبط بها». واتهم حمه الهمامي زعامات تيار الإسلام السياسي بالتحايل، وتعهد بمتابعة النضال ضدهم، مشيرا إلى أن «الإسلام أكبر من هذا التحايل.. هم يتاجرون بالإسلام ولا يدافعون عنه، فشلوا في كل المجالات ولم يبق لهم إلا المتاجرة بالدين».

* جبهة المستقلين والمجتمع المدني
* لكن هل يؤدي التصويت على الدستور وعلى «حكومة المستقلين» إلى إخراج تونس نهائيا من عنق الزجاجة بعد ثلاث سنوات من «إضاعة الوقت» في الصراعات الثانوية حول قضايا دستورية وقانونية وسياسية؟
الدكتور كمال الغربي رئيس شبكة العدالة الانتقالية وعدد من منظمات المجتمع المدني أورد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه يتابع انتقادات المتشددين من أقصى اليمين وأقصى اليسار، لكنه يعتقد أن «المسار الذي تمر به تونس إيجابي جدا في مجمله».. وأن تونس ستدخل «مرحلة تتويج حصيلة سنتين من الحوار العقلاني بين الفرقاء العقائديين والسياسيين». وأضاف: «أعتقد أن المسارين الدستوري والحكومي ماضيان، وأن الانتخابات المقبلة ستنظم على الأرجح في ظرف تسعة أشهر». وعد كمال الغربي دستور 1959 كان يعبر عن «توافق وطني معين في تلك الفترة.. لكن التعديلات التي طرأت عليه فيما بعد شوهت نسخته الأولى وأصبح غير ممكن اعتماده الآن. وقد أنجز الدستور الجديد بفضل تفاعل البرلمان الانتقالي مع اقتراحات المستقلين والخبراء ونشطاء المجتمع المدني، خاصة في ما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسة وحقوق الجيل الثالث التي لم تكن مضمنة في الدستور السابق».

* العلاقة بين الرئيس والحكومة والمؤسسات الأمنية

* لكن بين المتفائلين بالدستور الجديد والمتشائمين من انفجار «ألغام سياسية وأمنية جديدة» بسبب نقائص النص الذي وقعت المصادقة عليه، يتوقف بعض كبار خبراء العلوم القانونية والدستورية والسياسية، مثل الصادق بلعيد وأمين محفوظ، عند «مخاطر انفجار أزمة جديدة فور انطلاق مرحلة صياغة القانون الانتخابي المقبل من قبل المجلس التأسيسي».
في المقابل قدم الخبير الأمني والقانوني الدكتور هيكل بن محفوظ في حديث لـ«الشرق الأوسط» انتقادات بالجملة لما وصفه بـ«نقائص فادحة في الدستور فيما يتعلق بالحوكمة الرشيدة وطريقة إصلاح مؤسسات الأمن والجيش الوطنيين وتنظيم العلاقة بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، والعلاقة بين رئيسي الدولة والحكومة، والتناقضات بين تقييد صلاحيات رئيس الجمهورية والبرلمان والفصل الخاص بإمكانية إطاحة البرلمان برئيس الدولة». وتساءل د. هيكل بن محفوظ في حديثه لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «لماذا وقع ربط الحوكمة الرشيدة وحصرها في التنافس السياسي واختزالها في هذا الجانب المتعلق بالتنافس السياسي، في حين أنها أساس إصلاح سائر مؤسسات الدولة، بما فيها العسكرية والأمنية، ونظام التصرف فيها بشكل فعال بما يضمن جودة جميع المرافق العمومية وحسن أدائها، وفي مقدمتها مرفق عام الأمن؛ إذ الأمن خدمة قبل أن يكون وظيفة».

* المسار طويل.. والحكماء
* بين هؤلاء وأولئك تتقاطع المصالح والمواقف وتتباين التقييمات لدستور الجمهورية الثانية وانعكاساته على مستقبل المشهد السياسي والحزب المقبلين.. لا سيما بعد استطلاعات الرأي التي أكدت أن «أكثر من ثلثي التونسيين والتونسيات أصبحوا يراهنون أكثر على المستقلين وعلى الخبراء والشباب غير المنتمي للأحزاب والجماعات العقائدية».
لكل ذلك يعتقد المحامي عبد الفتاح مورو المحامي وأحد رموز التيار الإسلامي المعتدل أن «المصادقة على الدستور وعلى حكومة المستقلين وعلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إنجاز تاريخي وعظيم، لكنه منقوص؛ لأن كل الأحزاب والأطراف النقابية والسياسية في حاجة إلى أن تقوم بنقدها الذاتي وأن تراجع في هدوء أولوياتها، ثم تتبنى استراتيجية جديدة تكرس التعايش الحقيقي بين المجتمع التونسي بكل مكوناته، وإعلان مسار وطني للمصالحة؛ لأن السنوات الثلاث الماضية أثبتت أنه لا يمكن إقصاء أي طرف، وأنه لا يمكن لأي حزب مهما كانت قوته أن ينفرد بتسيير البلد وحده، بل لا بد من التعايش بين الأقلية والأغلبية».
في هذا السياق أورد الجامعي هيكل بن محفوظ أن «الدستور يتضمن مبادئ سامية، لكن لا بد أن تكرسها قوانين وسياسات توافقية، ينبغي التمهيد لها بإعلان مسار وطني للإنصاف والمصلحة تأجل إقراره أكثر من اللازم بسبب المزايدات بين «الثورجيين» وبعض الأحزاب.

* فصول دار حولها جدل طويل في دستور تونس الجديد
* الفصل 1
تونس دولة حرة مستقلة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها. (لا يجوز تعديل هذا الفصل)
* الفصل 2
تونس دولة مدنية تقوم على إرادة الشعب وعلوية القانون. (لا يجوز تعديل هذا الفصل)
* الفصل 3
الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطات ويمارسها بواسطة ممثليه المنتخبين أو عبر الاستفتاء.
* الفصل 6
الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي.
تلتزم الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح وبحماية المقدسات ومنع النيل منها، كما تلتزم بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف وبالتصدي لها.
* الفصل 73
الترشح لمنصب رئيس الجمهورية حق لكل ناخبة أو ناخب تونسي الجنسية منذ الولادة، دينه الإسلام.
يشترط في المترشح يوم تقديم ترشحه أن يكون غير حامل لجنسية أخرى وبالغا من العمر أربعين سنة على الأقل وخمسا وسبعين سنة على الأكثر.
تشترط تزكية المترشح من قبل عدد من أعضاء مجلس نواب الشعب أو رؤساء مجالس الجماعات المحلية المنتخبة أو الناخبين المرسمين حسبما يضبطه القانون الانتخابي.
* الفصل 86
يتمتع رئيس الجمهورية بحصانة قضائية طيلة توليه الرئاسة، وتعلق في حقه كافة آجال التقادم والسقوط، ويمكن استئناف الإجراءات بعد انتهاء مهامه.
لا يُسأل رئيس الجمهورية عن الأعمال التي قام بها في إطار أدائه لمهامه.
* الفصل 87
يمكن لأغلبية أعضاء مجلس نواب الشعب المبادرة بلائحة معللة لإعفاء رئيس الجمهورية من أجل الخرق الجسيم للدستور ويوافق عليها المجلس بأغلبية الثلثين من أعضائه، وفي هذه الصورة تقع الإحالة إلى المحكمة الدستورية للبت في ذلك. ولا يمكن للمحكمة الدستورية أن تحكم في صورة الإدانة إلا بالعزل. ولا يعفي ذلك من التتبعات الجزائية عند الاقتضاء. ويترتب على الحكم بالعزل فقدانه لحق الترشح لأي انتخابات أخرى.
* الفصل 88
تتكون الحكومة من رئيس ووزراء وكتاب دولة يختارهم رئيس الحكومة وبالتشاور مع رئيس الجمهورية بالنسبة لوزارتي الخارجية والدفاع.
في أجل أسبوع من الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات، يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الحزب أو الائتلاف الانتخابي المتحصل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب، بتكوين الحكومة خلال شهر يجدد مرة واحدة. وفي صورة التساوي في عدد المقاعد يعتمد للتكليف عدد الأصوات المتحصل عليها.
عند تجاوز الأجل المحدد دون تكوين الحكومة، أو في حالة عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، يقوم رئيس الجمهورية في أجل عشرة أيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر.
إذا مرت أربعة أشهر على التكليف الأول، ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة، لرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما.
تعرض الحكومة موجز برنامج عملها على مجلس نواب الشعب لنيل ثقة المجلس بالأغلبية المطلقة لأعضائه. عند نيل الحكومة ثقة المجلس يتولى رئيس الجمهورية فورا تسمية رئيس الحكومة وأعضائها.
يؤدي رئيس الحكومة وأعضاؤها أمام رئيس الجمهورية اليمين التالية:
«أقسم بالله العظيم أن أعمل بإخلاص لخير تونس، وأن أحترم دستورها وتشريعها، وأن أرعى مصالحها، وأن ألتزم بالولاء لها».



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».