البرلمان بديل عن حكومة تصريف الأعمال لحل أزمات اللبنانيين

TT

البرلمان بديل عن حكومة تصريف الأعمال لحل أزمات اللبنانيين

تحول مجلس النواب اللبناني مقصداً للقوى السياسية لحل مشكلات اللبنانيين، بما يحمله من مسؤوليات تتخطى وظيفته التشريعية، في ظل حكومة تصريف الأعمال التي يقول سياسيون إنها لا تقوم بالمطلوب منها، وسط دعوات لها «بحل المشكلات سريعاً».
وتفاقمت الأزمات بعد استقالة حكومة الرئيس حسان دياب في أغسطس (آب) المنصرم، وفشلت القوى السياسية بالتوصل إلى توافق حول تشكيل حكومة جديدة، ما وضع اللبنانيين بمواجهة عاصفة التغييرات التي تفرض على الحكومة التحرك لتنفيذ برنامج إنقاذي، حتى لو كانت مقيدة بشروط «تصريف الأعمال». وهو ما دفع المؤسسات للتوجه إلى البرلمان لمناقشة قرارات، والبحث عن منافذ للتطورات، علماً بأن البرلمان، دستورياً، يسن القوانين ولا يتخذ القرارات المناطة بالسلطة الإجرائية.
وكانت اللجان النيابية ناقشت يوم الأربعاء الماضي دعم المواد الأساسية (الدواء والمحروقات والقمح) وخيار المس بالاحتياطي الإلزامي من العملات الأجنبية لمصرف لبنان وذلك بعد إعلان الأخير أنه غير قادر على الاستمرار في الدعم بعد نهاية العام إثر نفاد احتياطه (غير الإلزامي) من العملات الأجنبية، وهو ما دفع قوى سياسية للتأكيد أن هذا الأمر من اختصاص الحكومة، فاتُخذ قرار بإعادته إلى الحكومة للبتّ به.
ويرى عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب ياسين جابر أن المجلس النيابي «لا يمكن أن يتعاطى بموضوع ترشيد الدعم، أقله لأنه ليست لديه المعطيات»، مضيفاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «من المفروض على الحكومة أن تضع بالتعاون مع مصرف لبنان وخبراء تصوراً لترشيد الدعم انطلاقاً من المعلومات والبيانات التي تملكها ومن ثم يمكن أن يعرض التصور على المجلس وتتم مناقشته».
ويُشدد جابر على أن موضوع الدعم مسؤولية الحكومة وأنها لا تستطيع التهرب من مسؤولياتها طالما لا يوجد بديل وطالما هي مكلفة بتصريف الأعمال، والأهم أن الموضوع يرتبط بحياة الناس المعيشية ولا يحتمل التأخر.
أما في موضوع التدقيق الجنائي، فيقول جابر إنه كان من المفترض أن «تقوم الحكومة مع الإقدام على خطوة التدقيق بتقديم اقتراح قانون للمجلس النيابي، يتعلق بتعديل المواد التي كانت عقبة في وجه استكمال إجراءات التدقيق، والتي تتعلق بالتكتم على المعلومات والمادة المتعلقة بسرية المصارف. والملفان جزء من مهام السلطة الإجرائية».
ويسأل عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب بلال عبد الله عن علاقة مجلس النواب بالتدقيق الجنائي، قائلاً: «هذا موضوع إجرائي اتخذت فيه الحكومة قراراً»، فضلاً عن أن رئيس الجمهورية ميشال عون الذي وجّه الرسالة إلى المجلس النيابي «يملك الأكثرية في الحكومة»، مضيفاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «مع ذلك قام المجلس النيابي بما عليه، وأصبح الموضوع عند الحكومة لتقوم بعملها».
ويرى عبد الله أن الحكومة المستقيلة حالياً «لا تقوم بتصريف الأعمال بالحجم المطلوب، ولا سيما في ظل الأزمة التي يعيشها لبنان»، مضيفاً: «أهم ما كان مطلوباً منها عدم التوقف عن التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وأن تجتمع، أقله لتأخذ قراراً بموضوع ترشيد الدعم الذي تعرف أنه ملحّ».
وبعيداً من موضوع تصريف الأعمال، يضع عبد الله كل ما يجري، ولا سيما موضوع التدقيق الجنائي المالي، «في إطار تقاذف المسؤوليات ومحاولة كل طرف تبرئة نفسه على قاعدة؛ لم يسمح لنا بالعمل أو جربنا ولم نستطع»، مشيراً إلى أن «المهم حالياً تأليف حكومة بأسرع وقت ممكن والتوقف عن الشروط والشروط المضادة، لأن لبنان لم يعد يملك ترف الوقت».
وينصّ الدستور اللبناني على أنه يجب ألا يخرج تصريف الأعمال عن المعنى الضيق، أي ما يعني تطبيقياً عدم أخذ أي قرار جديد له تبعات على المواطن أو مالية الدولة. ويقول الخبير الدستوري صلاح حنين: «إن أي قرار يترافق مع تبعات أو عبء أو مسؤوليات على المواطن لا يمكن اتخاذه من قبل حكومة مستقيلة»، مشيراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن مسؤولية حكومة تصريف الأعمال «متابعة الأجور والرواتب وسير عمل الإدارات، وفق القرارات السابقة التي اتخذتها».
وانطلاقاً من هذا التحديد، يرى حنين أن متابعة موضوع التدقيق الجنائي، الذي أخذت فيه الحكومة قراراً قبل استقالتها، «يدخل في إطار تصريف الأعمال دستورياً، فمن مسؤوليات الحكومة المستقيلة السير بالخطوات والإجراءات لتطبيق هذا القرار الذي اتخذته يوم كانت تحظى بثقة المجلس، أي بثقة المواطن».
ويختلف الأمر بحسب حنين في موضوع ترشيد أو وقف الدعم عن المواد الأساسية، إذ يرى أن هذا الأمر لا يدخل في إطار تصريف الأعمال، لأن أي قرار جديد في هذا الصدد تترتب عليه تبعات على المواطن.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.