توقعات روسية بفشل جولة اللجنة الدستورية السورية

موسكو تدعو إلى وقف «التحقيقات المكتبية» حول «الكيماوي»

المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون يتحدث إلى الصحافيين في مقر الأمم المتحدة بجنيف الأحد (إ.ب.أ)
المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون يتحدث إلى الصحافيين في مقر الأمم المتحدة بجنيف الأحد (إ.ب.أ)
TT

توقعات روسية بفشل جولة اللجنة الدستورية السورية

المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون يتحدث إلى الصحافيين في مقر الأمم المتحدة بجنيف الأحد (إ.ب.أ)
المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون يتحدث إلى الصحافيين في مقر الأمم المتحدة بجنيف الأحد (إ.ب.أ)

برزت مواقف متشائمة في موسكو حيال فرص إحراز تقدم في جولة المفاوضات الجديدة حول الإصلاح الدستوري في سوريا، على خلفية تفاقم الوضع في منطقة الجنوب السوري، وتزايد معدلات انتهاكات وقف النار في منطقة إدلب. ورغم التزام المستوى الرسمي الصمت بانتظار ما ستسفر عنه جولات الحوار، لكن معلقين روسا رجحوا أن ينعكس الوضع الداخلي على أجواء الحوار في إطار «مساعي أطراف خارجية للتأثير وإفشال العملية السياسية».
ولم تعلق موسكو التي أكدت في وقت سابق دعمها لجهود المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، لإنجاح الحوارات السورية في هذه الجولة، التي وصفها الأخير بأنها «يمكن أن تشكل فرصة للتركيز بشكل أكبر على إيجاد حل سياسي سلمي للأزمة السورية المستمرة منذ سنوات».
ولفت إلى أن الجولة قد تستمر أسبوعا، وأوضح أن الرئيسين المشاركين اتفقا على مناقشة الأسس والمبادئ الوطنية، بينما تكون المسائل الدستورية على جدول الأعمال في جولة خامسة تعقد في العام القادم.
لكن أوساط الخبراء الروس لفتت إلى «مساع خارجية لتعطيل المفاوضات»، ونقلت صحيفة «إزفيستيا» عن خبراء، أن «تأجيج الوضع الجاري حاليا في منطقة الجنوب السوري وخصوصا في درعا التي شهدت احتجاجات أخيرة، تقف وراءها أطراف خارجية تسعى إلى عرقلة مجالات تحقيق تقدم في مفاوضات «الدستورية». ولفتت الصحيفة إلى أن محافظة درعا باتت تشهد احتجاجات أكثر تواترا. ويتهم السكان المحليون، النظام في دمشق، بعدم الوفاء باتفاق المصالحة للعام 2018 مع المعارضة. لكن اللافت أكثر، أن المظاهرات «تحولت عمليا إلى هجمات ضد الدوريات الروسية، وقبل أيام، كاد أفراد من عناصر الشرطة العسكرية الروسية يقعون ضحية تفجير عبوة ناسفة. وفي الشهر الماضي هاجم مسلحون في درعا الجيش الحكومي».
ورغم ذلك، نقلت «إزفيستيا» عن مصادر في البرلمان السوري، أن الوضع في المنطقة لا يزال تحت السيطرة، وأن «وراء الهجمات، تقف (خلايا نائمة) للإرهابيين، ولا يمكن الحديث عن احتجاجات جماهيرية واسعة».
ووفقا لكبير الباحثين في معهد الدراسات الشرقية، بوريس دولغوف، فإن أطرافا خارجية تقف وراء التصعيد، و«هناك المزيد من الأسئلة تطرح في هذا الموقف على قادة المعارضة الذين يحاولون زعزعة الوضع بشكل مصطنع». فيما قال المحلل السياسي فياتشيسلاف ماتوزوف، إن التناقضات الرئيسية بين المعارضة السورية والسلطات لا تزال قائمة. لذلك، بحسبه، لا يجدر انتظار انفراجة من اجتماع جنيف.
في المقابل، برزت إشارات مماثلة على المستوى العسكري الروسي، الذي تحدث عن تزايد معدلات الانتهاكات لوقف النار في منطقة إدلب خلال الأيام الأخيرة، وقال نائب رئيس مركز المصالحة الروسي في سوريا، فياتشيسلاف سيتنيك، إن مسلحي «جبهة النصرة» قصفوا منطقة خفض التصعيد في إدلب 30 مرة خلال اليوم الأخير. وأضاف في إيجاز صحافي، مساء أول من أمس: «شهدت منطقة خفض التصعيد في إدلب 30 حادثة إطلاق نيران من جانب مواقع جماعة جبهة النصرة الإرهابية، ومن بينها 13 هجوما في محافظة إدلب، وفي محافظة اللاذقية - 6 هجمات، وفي محافظة حماة - 8 هجمات، وفي محافظة حلب 3 هجمات». في الوقت ذاته، أشار الضابط الروسي، إلى أنه لم يتم تسجيل أي قصف من جانب الجماعات المسلحة الموالية لتركيا في تلك المنطقة.
على صعيد آخر، أعلن وفد روسيا المشارك في أعمال الدورة الخامسة والعشرين لمؤتمر الدول الأعضاء في منظمة حظر السلاح الكيماوي، أن موسكو تطالب بوقف كل «التحقيقات المكتبية» التي تجريها بعثة المنظمة في سوريا. وزاد في بيان، أن روسيا «كررت التأكيد على الحاجة إلى إصلاح شامل لآليات عمل بعثة تقصي الحقائق تواصل تأكيد مطالبتها بوضع حد للتحقيقات المكتبية التي تجري عن بعد، ومن دون الذهاب إلى مسرح الأحداث وأخذ العينات مباشرة من المواقع، فضلا عن الاعتماد على معطيات منظمات غير حكومية متحيزة يمولها خصوم دمشق».
وأشار الوفد الروسي إلى أن «قضية التزوير الصارخة مع إعداد نتائج التحقيق في أحداث منطقة دوما السورية التي تم الكشف عنها، ستبقى إلى الأبد بقعة سوداء في تاريخ المنظمة». وأضاف الوفد أن «التقرير الذي قدمته المنظمة حول الحادث تم تفصيله سياسيا لتبرير الضربة الصاروخية التي شنتها واشنطن ولندن وباريس على سوريا، من دون أي محاكمة وفي انتهاك لميثاق الأمم المتحدة تسبب في إلحاق ضرر جسيم بسمعة المنظمة» على حد تعبير الوفد.
إلى ذلك، بدا أن موسكو تعمل على معاقبة المنظمة الدولية، إذ قال ألكسندر شولجين، الممثل الدائم للاتحاد الروسي لدى المنظمة، إن روسيا «لن تدعم» مشروع موازنتها لعام 2021، وزاد: «لدينا الكثير من الملاحظات بشأن البرنامج والموازنة لعام 2021، للأسف، يجب أن نلاحظ أن منظمتنا ليس لديها توافق في الآراء بشأن هذه القضايا، وهذا معروف جيدا». موضحا أنه «لم ننجح في التوصل إلى تفاهم متبادل خلال اجتماع المجلس التنفيذي للمنظمة في أكتوبر من هذا العام. ولم تؤخذ ملاحظاتنا في الاعتبار، بل تم تجاهلها. لا يمكننا دعم مشروع الموازنة».
يذكر أن روسيا كانت عارضت العام الماضي أيضا، دعم موازنة المنظمة الدولية، خلال التصويت في الدورة الرابعة والعشرين لمؤتمر الدول الأطراف على موازنة العام 2020. وفضلا عن روسيا، عارضت الصين وسوريا وإيران وكوبا، اعتماد الموازنة التي صوتت لصالحها غالبية البلدان الأعضاء في المنظمة.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.