كيف تحولت مياه المتوسط إلى منصة للرسائل واستعراض القوة؟ (تحليل إخباري)

تدريبات لمصر ودول أخرى لدعم «الاستقرار البحري»

سفن تركية تقوم بمناورات قرب مدينة إزمير الواقعة على سواحل بحر إيجه العام الماضي (رويترز)
سفن تركية تقوم بمناورات قرب مدينة إزمير الواقعة على سواحل بحر إيجه العام الماضي (رويترز)
TT

كيف تحولت مياه المتوسط إلى منصة للرسائل واستعراض القوة؟ (تحليل إخباري)

سفن تركية تقوم بمناورات قرب مدينة إزمير الواقعة على سواحل بحر إيجه العام الماضي (رويترز)
سفن تركية تقوم بمناورات قرب مدينة إزمير الواقعة على سواحل بحر إيجه العام الماضي (رويترز)

يكتسب نطاق الأمن القومي للدول جانباً من أهميته، بناءً على كمية الموارد والثروات الكامنة فيه، وكذلك التهديدات المحتملة عبره. ولعل معدل الاكتشافات القائم راهناً والمتوقع مستقبلاً لمكامن الطاقة، وأخصها الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، واحدة من نقاط أهميته الفائقة لمصر ودول الإقليم، فضلاً عن تنامي التحركات التي تنظر لها بعض الأطراف باعتبارها «تهديدات واستفزازات» صادرة عن أنقرة في المحيط نفسه.
وبينما ظلت مياه البحر المتوسط مساحة لعبور هادئ الصوت، وصاخب المخاطر لموجات المهاجرين بشكل غير مشروع إلى أوروبا؛ فإن تحولاً تدريجياً بات يسيطر على الحركة فيه خلال السنوات القليلة الماضية؛ حيث تحول إلى منصة لتبادل الرسائل بين القوى الإقليمية المختلفة، وساحة لاستعراض القوى العسكرية فيما بينها، فضلاً عن تعضيد وتعميق التحالفات القائمة بين بعض أطرافه في مواجهة جهات أخرى.
وتظهر نظرة إلى التدريبات البحرية المصرية التي أجريت خلال الشهور الثلاثة الماضية، جانباً من تلك الرسائل والتحالفات المشكلة في نطاق البحر المتوسط. فعلى المستوى الثنائي بين مصر وفرنسا - على سبيل المثال - نفذت القوات البحرية في البلدين ثلاثة تدريبات مشتركة في النطاق نفسه، كان أحدثها أول من أمس، وعرف مشاركة قطع متنوعة، وتقديم أنظمة مختلفة من التدريب تضمنت صد تهديدات جوية.
ولا يمكن عند رصد هذه الكثافة التدريبية استبعاد التقارب المصري- الفرنسي في الشأن الليبي، وكذلك موقف القاهرة وباريس المناوئ لسياسات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في المنطقة، والذي يظهر عبر مستويات عدة، وفي ملفات مختلفة.
وفي ظل كثافتها مؤخراً، فإنه يصعب اعتبار رسائل «استعراض القوة» وليدة اللحظة في البحر المتوسط، ففي عام 2018 أصدر الجيش المصري إفادة تتحدث عن «استمرار حماية الأهداف الاقتصادية بالبحر»، وكان ذلك مصحوباً بمقطع فيديو مصور بعنوان «عمالقة البحار» الذي يظهر قدرات وجاهزية «القوات البحرية المصرية»، وبدا لافتاً حينها «ظهور عدد من سفن التنقيب عن الغاز في وسط المياه، وانتشار وحدات عسكرية حولها لتأمينها». وقد اعترضت تركيا حينها علانية على «مناورات عسكرية مشتركة بين مصر واليونان، تضمنت تنفيذ عمليات الاعتراض البحري».
وقدرت «هيئة المسح الجيولوجي الأميركي» في عام 2017 أن «احتياطيات الغاز الطبيعي الموجودة بالبحر المتوسط تتراوح بين 340 و360 تريليون قدم مكعبة من الغاز».
أما على الجانب السياسي والقانوني، فقد انخرطت القاهرة وأنقرة في مساجلات قانونية وسياسية عدة، بشأن التنقيب في مياه المتوسط. وأعلنت تركيا في فبراير (شباط) 2018 أنها لا تعترف بـ«قانونية اتفاق وقعته مصر وقبرص عام 2013 للتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط»، وتكرر الأمر لدى توقيع اتفاق بشأن المناطق الاقتصادية بين مصر واليونان، بينما شددت القاهرة على أن «اتفاقياتها لا يمكن لأي طرف أن ينازع في قانونيتها، وهي تتسق مع قواعد القانون الدولي». كما ترفض مصر واليونان وقبرص ودول عدة الاعتراف بمذكرات تفاهم وقعتها تركيا مع حكومة «الوفاق الوطني» الليبي، بشأن ترسيم الحدود البحرية.
وعبَّرت «البحرية المصرية» على لسان قائدها، الفريق أحمد خالد حسن، في تصريحات أدلى بها أخيراً، خلال احتفال سلاحه بعيده السنوي، عن جانب من فهم لدور التدريبات المشتركة في المتوسط بقوله: «إنها تتيح لمصر إمكانية دراسة مسارح العمليات المختلفة التي توجد بها مناطق حاكمة، ومناطق سيطرة قد تؤثر في المستقبل على الأمن القومي المصري».
كما تطرق حسن تحديداً للوضع الراهن، مبرزاً أن «تطوير إمكانيات القوات البحرية كان له الأثر على إحداث نقلة نوعية، وجعلها قادرة على استمرار وجود وحداتها البحرية بالمياه العميقة، وجعلها نقطة اتزان لاستقرار مسرحي البحر المتوسط والأحمر، ومسار لا يمكن تجاوزه عند وضع الترتيبات الأمنية بالمنطقة».
وليست فرنسا وحدها هي التي ارتبطت بتدريبات في نطاق المتوسط؛ بل إن إسبانيا أجرت هي أيضاً تدريباً بحرياً مع مصر في العاشر من الشهر الماضي، بهدف «دعم جهود الأمن والاستقرار البحري بالمنطقة»، وفق ما أفاد بيان عسكري مصري. وعلى الرغم من أن تلك التدريبات المصرية لم توجه إلى تركيا مباشرة؛ فإن التطورات السياسية وإنذارات التنقيب التي تصدرها أنقرة، تقاطعت مع نقاط تقول مصر إنها ضمن منطقتها الاقتصادية «الخالصة»، وفق ما حذرت القاهرة في أغسطس (آب) الماضي.
ورغم أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لم يسمِّ تركيا أو رئيسها، فإنه أكد «التصدي للسياسات التصعيدية» في نطاق شرق المتوسط، وكان ذلك خلال قمة ثلاثية جمعته ونظيره القبرصي نيكوس أناستاسيادس، ورئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس الشهر الماضي.


مقالات ذات صلة

تركيا تندد باتفاق دفاعي بين واشنطن ونيقوسيا يتجاهل القبارصة الأتراك

شؤون إقليمية قبرص كشفت في يوليو الماضي عن إنشاء قاعدة جوية أميركية قرب لارنكا (وسائل إعلام تركية)

تركيا تندد باتفاق دفاعي بين واشنطن ونيقوسيا يتجاهل القبارصة الأتراك

نددت تركيا بتوقيع الولايات المتحدة اتفاقية خريطة طريق لتعزيز التعاون الدفاعي مع جمهورية قبرص، ورأت أنه يُخلّ بالاستقرار الإقليمي ويُصعِّب حل القضية القبرصية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية إردوغان استقبل السيسي بحفاوة خلال زيارته أنقرة الأربعاء (الرئاسة التركية)

أصداء واسعة لزيارة السيسي الأولى لتركيا

تتواصل أصداء الزيارة الأولى للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لأنقرة، في وسائل الإعلام وعبر منصات التواصل الاجتماعي في تركيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الاقتصاد حقل «أفروديت» البحري للغاز (أ.ف.ب)

خطة لتطوير حقل الغاز القبرصي «أفروديت» بـ4 مليارات دولار

قالت شركة «نيوميد إنرجي» الإسرائيلية، إن الشركاء بحقل «أفروديت» البحري للغاز الطبيعي، قدموا خطة للحكومة القبرصية لتطوير المشروع بتكلفة تبلغ 4 مليارات دولار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية ترقب واسع في تركيا لزيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (أ.ف.ب)

لماذا استبقت «الإخوان» زيارة السيسي لتركيا بمبادرة جديدة لطلب العفو؟

استبقت جماعة «الإخوان المسلمين»، المحظورة، زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المرتقبة لتركيا بمبادرة جديدة للتصالح وطلب العفو من الدولة المصرية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)
المشرق العربي مسؤولون لبنانيون على متن منصة الحفر «ترانس أوشن بارنتس» خلال عملها في البلوك رقم 9... أغسطس 2023 (رويترز)

حرب الجنوب تُعلّق النشاط الاستكشافي للنفط بمياه لبنان الاقتصادية

تضافر عاملان أسهما في تعليق نشاط التنقيب عن النفط والغاز في لبنان؛ تَمثّل الأول في حرب غزة وتداعياتها على جبهة الجنوب، والآخر بنتائج الحفر في «بلوك 9».

نذير رضا (بيروت)

ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
TT

ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)

أعربت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل عن «حزنها» لعودة دونالد ترمب إلى السلطة وتذكرت أن كل اجتماع معه كان بمثابة «منافسة: أنت أو أنا».

وفي مقابلة مع مجلة «دير شبيغل» الألمانية الأسبوعية، نشرتها اليوم الجمعة، قالت ميركل إن ترمب «تحد للعالم، خاصة للتعددية».

وقالت: «في الحقيقة، الذي ينتظرنا الآن ليس سهلا»، لأن «أقوى اقتصاد في العالم يقف خلف هذا الرئيس»، حيث إن الدولار عملة مهيمنة، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

وعملت ميركل مع أربعة رؤساء أميركيين عندما كانت تشغل منصب مستشار ألمانيا. وكانت في السلطة طوال ولاية ترمب الأولى، والتي كانت بسهولة أكثر فترة متوترة للعلاقات الألمانية الأمريكية خلال 16 عاما، قضتها في المنصب، والتي انتهت أواخر 2021.

وتذكرت ميركل لحظة «غريبة» عندما التقت ترمب للمرة الأولى، في البيت الأبيض خلال شهر مارس (آذار) 2017، وردد المصورون: «مصافحة»، وسألت ميركل ترمب بهدوء: «هل تريد أن نتصافح؟» ولكنه لم يرد وكان ينظر إلى الأمام وهو مشبك اليدين.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والمستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل يحضران حلقة نقاشية في اليوم الثاني من قمة مجموعة العشرين في هامبورغ بألمانيا... 8 يوليو 2017 (أ.ف.ب)

ونقلت المجلة عن ميركل القول: «حاولت إقناعه بالمصافحة بناء على طلب من المصورين لأنني اعتقدت أنه ربما لم يلحظ أنهم يريدون التقاط مثل تلك الصورة... بالطبع، رفضه كان محسوبا».

ولكن الاثنان تصافحا في لقاءات أخرى خلال الزيارة.

ولدى سؤالها ما الذي يجب أن يعرفه أي مستشار ألماني بشأن التعامل مع ترمب، قالت ميركل إنه كان فضوليا للغاية وأراد معرفة التفاصيل، «ولكن فقط لقراءتها وإيجاد الحجج التي تقويه وتضعف الآخرين».

وأضافت: «كلما كان هناك أشخاص في الغرفة، زاد دافعه في أن يكون الفائز... لا يمكنك الدردشة معه. كان كل اجتماع بمثابة منافسة: أنت أو أنا».

وقالت ميركل إنها «حزينة» لفوز ترمب على كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني). وقالت: «لقد كانت خيبة أمل لي بالفعل لعدم فوز هيلاري كلينتون في 2016. كنت سأفضل نتيجة مختلفة».