مواجهات عنيفة في نابلس تعمّق مشكلات السلطة

«السلاح المنفلت» يثير قلق الفلسطينيين من «فوضى»... وخشية إسرائيلية من «ثمن أكبر»

انتشار أمني فلسطيني خلال الاشتباكات التي شهدها مخيم بلاطة قرب نابلس أمس (أ.ف.ب)
انتشار أمني فلسطيني خلال الاشتباكات التي شهدها مخيم بلاطة قرب نابلس أمس (أ.ف.ب)
TT

مواجهات عنيفة في نابلس تعمّق مشكلات السلطة

انتشار أمني فلسطيني خلال الاشتباكات التي شهدها مخيم بلاطة قرب نابلس أمس (أ.ف.ب)
انتشار أمني فلسطيني خلال الاشتباكات التي شهدها مخيم بلاطة قرب نابلس أمس (أ.ف.ب)

خلفت مواجهات بالرصاص بين عائلتين في مخيم بلاطة في نابلس شمال الضفة الغربية قتيلاً وعدداً من الجرحى، لكنها وجهت ضربة كذلك لجهود السلطة الفلسطينية في ضبط «الحالة الأمنية» في الضفة ومحاربة «فوضى السلاح».
وأعلن مسؤولون في محافظة نابلس، أمس، وفاة حاتم أبو رزق من مخيم بلاطة متأثراً بإصابته في الاشتباكات التي جرت في المخيم، وذلك نتيجة إصابة ذاتية أثناء محاولة أبو رزق إلقاء عبوة متفجرة أثناء الشجار.
وإلقاء قنابل يدوية كان جزءاً من «الحرب المصغرة» التي استخدمت فيها الأسلحة الأوتوماتيكية بين عائلتين يحلو لمجموعات تنظيمية على «واتساب» تسمية إحداها بـ«الشرعية» والثانية بـ«المتجنحة»، في إشارة إلى أن عائلة تتبع حركة «فتح»، والأخرى تتبع تياراً معارضاً مفصولاً من الحركة، وهي مزاعم لم تؤكدها الجهات الرسمية.
لكن المؤكد أن شجاراً قديماً في مخيم بلاطة تطوّر مرة أخرى يوم الجمعة، وتحول إلى حرب داخلية، وخلّف قتيلاً وقرابة خمسة جرحى، في وقت وجدت فيه السلطة صعوبة كبيرة في ضبط الشجار الذي استمر حتى أمس.
ووقع الشجار بين مجموعتين من المسلحين داخل المخيم الذي تحول منذ الانتفاضة الثانية مثل مخيمات أخرى ومدن إلى مراكز لنشاط المسلحين الذين عادة يتبعون فصائل فلسطينية.
وجاءت الاشتباكات في وقت يشن فيه رجال أمن من أجهزة فلسطينية مختلفة (شرطة وأمن وطني وأمن وقائي ومخابرات واستخبارات) غارات على تجّار أسلحة ومخدرات في الضفة الغربية. ويتهم مسؤولون فلسطينيون أطرافاً خارجية وداخلية بمحاولة نشر الفوضى، لأهداف سياسية.
بدأت السلطة هذه الحملة بداية الشهر الماضي بعد مراسيم من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عدّل بموجبها قانون الأسلحة النارية والذخائر رقم 2 لعام 1998، حيث غلّظ العقوبات السالبة للحرية والغرامات المالية المفروضة على الجرائم المتعلقة بحيازة واستعمال الأسلحة النارية والاتجار بها، وتصنيعها، وتهريبها بصورة مخالفة للقانون.
وحملت هذه القرارات أهمية استثنائية، لأنها جاءت في وقت يبدو فيه رسم سيناريو للمرحلة المقبلة في الأراضي الفلسطينية مسألة معقدة إلى حد كبير، في ظل غياب أفق سياسي في المدى المنظور، ومشكلات أمنية واقتصادية ومالية متفاقمة، وتغييرات إقليمية كبيرة، قد تقود إلى تدهور أمني محتمل.
وتسعى السلطة إلى فرض هيبتها بعدما اهتزت صورتها بسبب تسجيل مزيد من أحداث إطلاق نار في مدن الضفة الغربية، على صيغة استعراض قوى أو احتفالات في الأعراس والمناسبات وفي بعض الجنازات، أو بسبب خلافات شخصية أو مع السلطة الفلسطينية نفسها.وهذه الفوضى تترافق مع تخوفات واتهامات لجهات خارجية وداخلية بمحاولة نشر الفوضى لإضعاف السلطة واستبدال القيادة الفلسطينية.
ولا يخفي المسؤولون الفلسطينيون تخوفهم من وجود «خطة أميركية - إسرائيلية» تساندها جهات فلسطينية لاستبدال القيادة الحالية عبر نشر الفوضى أولاً. وتقول السلطة إن السلاح المنفلت في الضفة يشكل الأداة الأساسية لمثل هذه الخطط، إضافة إلى نشر الإشاعات والتقارير المضللة.
ويوجد في السوق الفلسطينية سلاح السلطة نفسه وكذلك سلاح التنظيمات والعائلات والمعارضة أيضاً. والاشتباكات في بلاطة كانت جزءاً من سلسلة مواجهات حدثت في مخيم الأمعري واشتباكات أخرى في مدينة الخليل، كبرى مدن الضفة، وفي رام الله، حيث قتل أحد ناشطي حركة «فتح»، وفي بيت لحم ومناطق أخرى، إذ سجل ارتفاع ملحوظ في حوادث إطلاق النار والقتل في غضون فترة قصيرة.
لكن على الرغم من ذلك لا تنوي السلطة التسليم بالفوضى هذه. وأكد محافظ نابلس إبراهيم رمضان، أمس، أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية انتشرت في المخيم وطوقته لمنع تفاقم الاشتباكات.
وجاء في بيان صادر عن المحافظة: «تقوم الأجهزة الأمنية في هذه الأثناء بتطويق المخيم ومحيط المستشفى لمنع تفاقم الأحداث، أو تسجيل مزيد من الإصابات إثر حالة الاحتقان والاشتباك الأخيرة، كما تشيد محافظة نابلس بالجهود التي تبذلها فصائل العمل الوطني ولجنة الخدمات داخل المخيم لمساندة الأمن، ومن أجل بذل ما يلزم لاحتواء الأحداث المقلقة، التي أسفرت عن بث مشاعر الخوف والرعب في صفوف المواطنين، خصوصاً الأطفال والنساء والشيوخ».
وتعهدت المحافظة بـ«تكثيف العمل من أجل التحقيق في ملابسات هذه الأحداث بهدف ملاحقة مطلقي النار ومستخدمي السلاح غير الشرعي في ترهيب المواطنين، ومن ثم تقديمهم للقضاء بما يتماشى مع القانون وقرارات فخامة الرئيس (عباس) المشددة والقاضية بملاحقة هذا السلاح، وتغليظ العقوبات المفروضة على الجرائم المتعلقة بحيازة واستعمال الأسلحة النارية والاتجار بها، وتصنيعها، وتهريبها بصورة مخالفة للقانون».
ومثل هذا الوضع لا يثير قلق الفلسطينيين وحسب، بل أيضاً قلق الإسرائيليين من «ثمن أكبر» يترتب على أي انهيار أمني للأوضاع في الأراضي الفلسطينية.
وعبّرت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية مراراً عن قلقها بشأن انهيار مرتقب للسلطة الفلسطينية في ظل أن الوضع الداخلي حالياً هو الأسوأ، حيث تواجه السلطة صعوبة في فرض النظام والقانون، كما أن هناك ارتفاعاً كبيراً في حجم بيع صفقات المخدرات والسلاح، بالإضافة إلى وضع اقتصادي متدهور، وانتشار واسع لفيروس «كورونا»، ما يجعل الصورة أكثر تعقيداً وإحباطاً.
وبذلت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية مجهوداً لاستئناف التنسيق الأمني بين الجانبين، والتقى مسؤولون إسرائيليون بمسؤولين فلسطينيين، بعضهم مقرب من الرئيس محمود عباس، في محاولة لاستئناف العلاقات - أو على الأقل التنسيق الأمني. لكن ذلك لم ينجح حتى الآن.
وتخشى إسرائيل من أن ضعف السلطة سيعني فوضى في المنطقة ستؤذيها بشكل أو بآخر، وهو هاجس إقليمي في كل الأحوال.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.