أقر مختصون في أعمال القطاع الخاص بسهولة الحصول على بدائل للمنتجات التركية مؤكدين أن لدى السعودية قيمة صناعية كبرى تغطي قطاعات الأغذية ومواد البناء والمعدات وصناعة السلع والمنتجات الاستهلاكية قادرة على تعزيز القيمة المحلية وتغطية أي عجز من الواردات لأي أسباب قد تحدث أو خلافات مستقبلية ناتجة عن تغير في توجهات السياسة الاقتصادية.
وتبعث، بحسب المختصين، على ثبات السوق المحلية برسائل مطمئنة للمستهلك في الداخل، خاصة بعد مرور تجربة فعلية إبان جائحة فيروس كورونا وكيف استطاعت الحكومة والقطاع الخاص على مواجهة الأزمة وتوفير كافة السلع وتحديدا الرئيسية مع ثبات الأسعار في السوق دون نقص في المعروض، ما يعزز قوة السوق على مواجهة نتائج الحملة الشعبية الأخيرة لمقاطعة المنتجات التركية في السعودية والتي شهدت تفاعلا من مختلف المؤسسات والشركات العاملة في قطاعات تجارية وصناعية مختلفة.
وتدرك هذه الشركات والمؤسسات قيمة الاقتصاد السعودي وقوته في إيجاد البدائل للمنتجات المحددة القادمة من تركيا والتي تعرضت بحسب مسؤول في الغرف السعودية، لخسائر منتظرة تقدر بنحو 20 مليار دولار جراء المقاطعة الشعبية في المنطقة العربية، كما تدرك هذه الشركات نمو القدرة الصناعية المحلية في مختلف القطاعات ومنها قطاع الصناعات الغذائية الذي ارتفع الطلب المحلي والإقليمي والدولي على المنتجات الغذائية السعودية خاصة مع انتشار المأكولات البحرية والتمور والأطعمة الحلال.
تزايد المصانع
من المؤشرات الجيدة في أي اقتصاد نمو الصناعة في قطاعات مختلفة، بما ينعكس على السوق المحلية في توفير المنتجات المنافسة لمجمل البضائع الواردة، في الحال السلع التركية وما تبعه من مقاطعة كبيرة، إذ يمكن لهذه المنتوجات المحلية أن تصبح البديل الأنسب خاصة أن المنتجات فرضت تواجدها في الأسواق العالمية منها الأطعمة المختلفة.
وهنا تشير الإحصائيات الحديثة أن عدد المنشآت الصناعية القائمة وتحت الإنشاء حتى نهاية يونيو (حزيران) الماضي بلغ 9211 منشأة، بينها تسعة مصانع للمواد الكيميائية والمنتجات الكيميائية، و9 لصناعة المنتجات الغذائية، وأخرى لصناعة المعدات الكهربائية، وصناعة الملبوسات، ومثلهم لصناعة الأثاث وأيضا للصناعات التحويلية الأخرى، فيما بلغ عدد مصانع الخشب ومنتجاته والفلين باستثناء الأثاث وصنع أصناف من القش أربعة مصانع كبرى، ومثلهم للفلزات القاعدية وأيضا أربعة مصانع للمشروبات، ومصانع لصناعة الحواسيب والمنتجات الإلكترونية والبصرية، وطباعة المركبات ذات المحركات والمركبات المقطورة ونصف المقطورة.
ويعزز النمو الجاري في إنشاء المصانع قدرة السعودية في ضبط السوق المحلية وتوفير المنتجات اللازمة، مع اقتحام الأسواق العالمية وتحديدا في الأطعمة الحلال التي تقدر قيمته 1.3 تريليون دولار عالميا.
ويمتاز قطاع الصناعات الغذائية المحلي بنظام بيئي متطور جاهز يفي بالمعايير العالية والمتطلبات المتزايدة للسوق الآخذة في التوسع، ما يؤكد ثقة المستثمر السعودي بالثقة تجاه قطاع الصناعات الغذائية نظراً لتميزها وإمكاناتها المثمرة.
الوجهات الأخرى
من ناحيته، يقول الدكتور لؤي الطيار، المختص في قطاع الأعمال، إن وقف الاستيراد من تركيا يؤثر وبشكل مباشر على الاقتصاد التركي، لأن السوق السعودية للمنتجات التركية هو الأكبر في قطاعات مختلفة تشمل «الملابس، المفروشات» وغيرها من المنتجات، وهذه الخسائر، بحسب الطيار، ستشكل عبئاً ثقيلاً على القادة السياسيين في مواجهة المجتمع المحلي.
ولفت الطيار إلى أن المقاطعة ستفتح السوق السعودية على وجهات أخرى مثل الهند، ماليزيا، مصر، التي لديها ذات المواصفات في تلك المنتجات، ما يجعل المنتج التركي من ضمن المنافسين وليس الوحيد، موضحا أن هذا التوجه الشعبي في المقاطعة سيفتح صناعات جديدة في الداخل تشمل «المفروشات والأثاث»، كما سيولد مشاريع جديدة ينتظرها المستثمرون لإنشاء صناعات حديثة واليوم الفرصة سانحة لذلك.
وأكد الطيار، أن السعودية من أكثر الدول التي تحافظ على قوة اقتصادها رغم التأثيرات الخارجية من انخفاض في أسعار النفط في الأسواق العالمية، وجائحة كورونا أثبتت أنها قادرة على مواجهة التحديدات دون أي انعكاسات سلبية، الأمر الذي ينعكس على قوة الصناعات المتخصصة في مواجهة أي تغيرات وتوفير ما تحتاجه السوق السعودية من سلع تحت أي ظرف.
واستطرد «الفرصة متاحة لفرصة لاستثمار إضافي ونوعي... كما سيفتح آفاقا جديدة للاستهلاك المحلي القائم على الجودة وعلى ثبات الأسعار وأيضا يفتج مجالات استثمار عكسية في تلك البلدان خصوصا أن المستثمرين السعوديين في تركيا قد أحجموا عن الاستثمار هناك بسبب تعنت حكومة تركيا وتعاملاتها المعقدة».
الثروة الغذائية
من جهة أخرى، تتنوع مصادر الأغذية في السعودية بدءاً من البحار المطلة حيث تحيا قرابة خمسة ملايين طن من الأسماك بشكل دائم، والذي جعل السعودية مصدرا دائما للمأكولات البحرية للاتحاد الأوروبي، ولديها القدرة على زيادة الإنتاج وإشباع نهم سوق التصدير الخارجية، ما يمثل مؤشرا على ضمان سلامة السوق من أي تأثيرات خارجية.
ويأتي «الروبيان» و«الماكريل» و«السرطان» البحري في مقدمة الطلب على المأكولات البحرية، إضافة إلى ارتفاع الطلب المحلي الذي يتوقع أن ينمو بنحو 8 في المائة سنوياً حتى العام 2030. بارتفاع من 310 أطنان إلى 865 طناً. ويعود ذلك إلى النمو السكاني بمعدل مركب يبلغ 2 في المائة وزيادة معدل نمو سنوي مركب للفرد يبلغ 5 في المائة.
وتعد صناعة وتغليف التمور من الصناعات المتطورة ويقدر محصول التمر السنوي على المستوى العالمي بأكثر من 6 ملايين طن، تنتج السعودية منه أكثر من 1.1 مليون طن في السنة، وهذا يضعها بين أفضل 3 منتجين عالميين للتمور بحصة سوقية تبلغ 18 في المائة.
ويقدر عدد النخل في السعودية بحوالي 25 مليون نخلة تغطي مساحة 157 ألف هكتار من أراضي المملكة، ومع ما يزيد عن 300 نوع من التمور، الأمر الذي يجعل تزايد معدلات الإنتاج تواكب ارتفاع الطلب العالمي بالتوازي.
وفي الجانب الزراعي، حققت السعودية ما تسعى إليه من الوصول إلى معدلات كبيرة في الاكتفاء الذاتي إذ حققت فائضا في محاصيل متنوعة منها البطاطس، الباذنجان، الخيار، الباميا، وأنواع مختلفة من الفاكهة إضافة إلى البيض والألبان وبلغ عدد الأشجار الدائمة (عدا النخيل) نحو 26 مليون شجرة منها أكثر من 18 مليون شجرة مثمرة تجاوز إنتاجها 600 ألف طن.
صناعات واعدة
وهنا، يقول مروان الشريف اقتصادي سعودي، أن المتغيرات على الخارطة الاقتصادية في الجانب التركي، بعد الحملة الشعبية في مقاطعة المنتجات الاستهلاكية سيعزز من قدرة الصناعات المحلية المتخصصة في الأثاث والكماليات وهي قادرة على تغطية أي عجز في المرحلة المقبلة، كما أن السوق المحلية ستفتح أبوابها لمنتجات ذات جودة عالية وبأسعار منافسة للمنتج التركي.
وأضاف الشريف أن تنوع الاقتصاد السعودي وتحديدا في جانب الصناعات الرئيسية والتحويلية عامل مهم وقوة اعتمدت عليها في جميع الأزمات التي كان آخرها أزمة جائحة كورونا، مضيفا أن المنتج المحلي في الغذاء والصناعة الأخرى كسب الرهان في الأسواق العالمية، نتيجة الجودة المعيارية العالية.
وزاد الشريف «هذه المؤشرات تؤكد على قوة المصانع المحلية لتوفير كافة السلع، كما أن للتجار دور في هذه المرحلة لتوجيه بوصلة استثماراتهم إلى دول أخرى تقدم المنتج بأسعار تفضيلية».