ماكرون يصب غضبه على «الخيانة الجماعية» لسياسيي لبنان

انتقد «حزب الله» و«أمل» بشدة لعرقلة تشكيل الحكومة ووصف وضع البلد بـ«الدقيق سياسياً واقتصادياً واجتماعياً»

ماكرون في مؤتمره الصحافي (إ.ب.أ)
ماكرون في مؤتمره الصحافي (إ.ب.أ)
TT

ماكرون يصب غضبه على «الخيانة الجماعية» لسياسيي لبنان

ماكرون في مؤتمره الصحافي (إ.ب.أ)
ماكرون في مؤتمره الصحافي (إ.ب.أ)

السؤال الذي ساد الوسط الدبلوماسي والسياسي في باريس منذ استقالة رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب ظهيرة السبت الماضي، بعد 26 يوما من تعيينه، تمت صياغته كالتالي: ما هي الأوراق الإضافية التي يمتلكها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والتي لم يستخدمها في مبادرته «الأولى» من أجل دفع الطبقة السياسية اللبنانية، عهدا وأحزابا، للتوافق على تسمية بديل عن أديب والسير في تشكيل حكومة وفق المعايير الفرنسية أي حكومة إنقاذ أو حكومة مهمة؟ وأهمية السؤال أن ماكرون أصيب في بيروت «بخيبة» إن لم تكن «انكسارا» وهو الذي أعلن لصحيفة «أتلنتيكو» الأميركية أنه «يقامر برصيده السياسي»، كما أنه وضع في الميزان صورة فرنسا وقيمتها وهيبتها ورصد من وقته الكثير للملف اللبناني. تضاف إلى ذلك أسئلة رديفة: أين أخطأ ماكرون؟ هل أدوات الإغراء والتهديد لم تكن كافية؟ هل ضخم قدرته في التأثير على السياسيين اللبنانيين الذين هشموا الدينامية السياسية التي أطلقها في زواريب السياسة اللبنانية؟ أم أنه لم يأخذ في الاعتبار واقعا متحجرا ومتأصلا يقوم على المحاصصة واقتسام المغانم الوزارية؟ أم أن سوء التقدير تناول الأطراف المؤثرة خارجيا، إقليميا ودوليا، التي وعدته بالدعم والمساندة ثم أخلفت بوعودها؟
جميع هذه الأسئلة كانت حاضرة في الأذهان قبل مؤتمر ماكرون الصحافي الذي خصص بكليته للوضع السياسي اللبناني أمس (الأحد)، وكان الجميع ينتظر منه توضيحات وإجابات لأن موجة الأمل التي أثارتها مبادرته الإنقاذية لدى الشعب اللبناني لا تضاهيها سوى خيبته من فشلها.
كل هذه الأسئلة أجاب عنها ماكرون في مؤتمر صحافي في قصر الإليزيه قارب الساعة. إلا أنه بداية، صب جام غضبه على الطبقة السياسية اللبناني التي اتهمها بـ«الخيانة الجماعية» ليس فقط بالنسبة للتعهدات التي التزمت بها تجاهه ولم تعمل بها بل إزاء لبنان قبله وفي ظل الأوضاع التي وصفها بكثير من الدقة. وفي عبارة لافتة حمالة الكثير من المعاني، أكد ماكرون أنه «أخذ علما بهذه الخيانة» التي وصفها بـ«الجماعية». لكن ما حرص الرئيس الفرنسي على التشديد عليه أن اعتذار رئيس الحكومة المكلف والعجز عن التوصل إلى حكومة جديدة ليس فشلا له بل هو فشل الطبقة السياسية اللبنانية، مسؤولين وسياسيين، الذين «يفضلون مصالحهم الشخصية والحزبية على المصلحة الوطنية وتسليم لبنان إلى قوى خارجية، وبالتالي فإنهم يتحملون كامل المسؤولية عن هذا الفشل». ولم يتردد في القول: «إنني أدين كل الطبقة السياسية، وإنني أخجل من هكذا مسؤولين». كذلك اتهم هذه الطبقة بالرهان على السيناريو «الأسوأ» رغبة من السياسيين في استعادة المبادرة والوصول إلى حكومة تشبه الحكومات السابقة. وفي رأيه، أن «لا أحد كان على مستوى المسؤولية». وأكد ماكرون أن «المسؤوليات واضحة وعلينا أن نستخلص النتائج وأن نسمي الأمور بأسمائها». ولم يوفر في انتقاداته أحدا. وفي هذا السياق، وجه بشكل خاص انتقادات حادة إلى «حزب الله» الذي اتهمه بفرض مناخ من «التخويف» على الآخرين.
وقال ماكرون إن «حزب الله لا يمكن أن يكون في الوقت نفسه جيشا يحارب إسرائيل وميليشيا تحارب المدنيين في سوريا وحزبا يحظى باحترام في لبنان. عليه أن يثبت أنه يحترم جميع اللبنانيين. وفي الأيام الأخيرة، أظهر بوضوح عكس ذلك».
وتوقف ماكرون عند بعض تفاصيل ما حصل في مساعي تشكيل الحكومة والتي أوصلت إلى الطريق المسدود موجها الاتهام لحزب الله. وقال إن حزب الله وحركة أمل قررا أنه «لا يتعين أن يتغير شيء» في طريقة تعيين الوزراء، مضيفا أن الرئيس نبيه بري، رئيس البرلمان، «اعترف أنه شرط لحزب الله». وبحسب ماكرون، فإنه حان الوقت بالنسبة إلى «حزب الله» و«أمل» أن يجيبا على سؤال مركزي: هل يريدان الانخراط في الخط اللبناني أنم أنهما يريدان العمل لمصلحة قوة أجنبية؟ (في إشارة إلى إيران)، وإذا كان هذا هو الوضع، فإن هناك خطرا كبيرا». وفي أي حال، فقد حذره من أن «يعتقد أنه أقوى مما هو».
وبهذا الخصوص، كشف ماكرون عن بعض ما جرى بينه وبين الرئيس الإيراني عقب طرح مبادرته. ونفى أن يكون قد طلب منه الضغط على حزب الله بل إن طلبه أن تمتنع إيران عن أي عمل من شأنه «إعاقة» المبادرة الفرنسية.
وبدا الرئيس الفرنسي غاضبا ومتأثرا من المصير الذي آلت إليه مبادرته في لبنان التي وصفها أكثر من مرة بأنها «مبادرة إنقاذية» عمادها خريطة طريق وافق عليها الجميع. إلا أن الانتكاسة التي مني بها شخصيا في لبنان لن تثنيه عن الاستمرار في مهمته. وقال الرئيس الفرنسي إن بلاده «ستبقى دائما إلى جانب لبنان واللبنانيين ولن نتخلى عنهم أبدا»، معتبرا أنه لا خيارات أخرى ومحذرا من أن الأمور في لبنان يمكن أن تقود إلى حرب أهلية إذا استمرت الأمور على هذا المنوال وبقيت الطريق مقفلة أمام الوصول إلى حلول. والأهم من ذلك، فقد أكد ماكرون أن «خريطة الطريق» التي طرحها على المسؤولين وعلى السياسيين في الأول من سبتمبر (أيلول) ما زالت على الطاولة وأنها «المبادرة الوحيدة التي اتخذت على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي ولم يتم سحبها»، مضيفا أنها «الفرصة الأخيرة» وأنه «يتعين على المسؤولين اللبنانيين تلقفها». إلا أن ماكرون خص رئيس الجمهورية ميشال عون بأن «مسؤوليته أن يعود ويأخذ المبادرة» من أجل الدفع باتجاه تشكيل حكومة المهمة التي تتبنى «خريطة الطريق» يسير وراءه الجميع وأنه ليس لديه الرغبة في الحلول محل المسؤولين اللبنانيين.
ونفى ماكرون نفيا قاطعا ردا على سؤال أي رغبة في إبعاد الطائفة الشيعية عن الحكومة، مضيفا أن تعامله مع حزب الله «لأنه موجود على الساحة».
أكثر من مرة، جاء الكلام على تهديد ماكرون السابق باللجوء إلى فرض عقوبات على المعرقلين للخطة التي طرحها بما فيها الإصلاحات وفق ما قاله في مؤتمره الصحافي في بيروت بداية الشهر الجاري. وبهذا الخصوص، استبعد ماكرون اللجوء، في المرحلة الراهنة، إلى فرض عقوبات باعتبارها «ليست الأنفع اليوم»، مقيما مقارنة بين تلك التي يفضها الأميركيون وتلك التي يمكن أن يسعى إليها الأوروبيون.
لا يكتفي الرئيس الفرنسي بالتقريع، بل إنه وعد بإجراء اتصالات واسعة سريعا مع أطراف مجموعة الدعم الدولية للبنان وشركاء في المنطقة ومع آخرين وحدد القسم الثاني من شهر أكتوبر (تشرين الأول) من أجل إعادة تقويم خريطة الطريق التي طرحها. كذلك وعد بالدعوة سريعا وبشكل غير مشروط، إلى اجتماع دولي «غير مشروط من أجل توفير مزيد من الدعم المالي والمادي للبنان لمساعدته في إعادة بناء ما تهدم ودعم القطاعات الصحية والتربوية».
ومن غير تحديد مهل زمنية دقيقة بشأن تعيين رئيس حكومة جديد وتشكيل الوزارة العتيدة، فقد أعطى مهلة أربعة إلى ستة أسابيع لـ«تقويم ما يكون قد تحقق» في الداخل والخارج. وإذ وصف وضع لبنان الراهن بأنه «دقيق سياسيا واقتصاديا واجتماعيا» فقد أعاد التذكير بأن لا أحد في الخارج مستعد لمد يد العون للبنان من غير الإصلاحات المطلوبة. وباعتباره مصرفيا سابقا، فقد شرح ماكرون الآلية التي أوصلت لبنان إلى حافة الإفلاس، معتبرا أنه من الضروري والملح إعادة تقويم النظام المصرفي والمالي. وخلاصته: «في الأشهر القادمة سنستمر في تجريب السير بخريطة الطريق وإذا لم ننجح سيكون علينا النظر في سبل أخرى» لم يوضحها.



حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.


العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
TT

العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)

حذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد محمد العليمي، من أن أي إجراءات أحادية أو صراعات جانبية داخل المناطق المحررة من شأنها أن تقوّض وحدة القرار السيادي للدولة، وتمنح الجماعة الحوثية المدعومة من إيران فرصة لمراكمة المكاسب على حساب الاستقرار الوطني.

وجاءت تصريحات رئيس مجلس القيادة اليمني قبل مغادرته العاصمة المؤقتة عدن، الجمعة، متوجهاً إلى السعودية لإجراء مشاورات رفيعة مع شركاء إقليميين ودوليين، في ظل تطورات حساسة تشهدها المحافظات الشرقية، وعلى رأسها حضرموت.

وأكّد العليمي في تصريحات رسمية التزام المجلس والحكومة بنهج الشراكة الوطنية، والمسؤولية الجماعية في استكمال مهام المرحلة الانتقالية، بموجب مرجعياتها المتفق عليها، وفي المقدمة إعلان نقل السلطة، واتفاق الرياض.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)

كما أكّد مسؤولية الدولة وحدها عن حماية مؤسساتها الوطنية، وصون مصالح المواطنين، والحفاظ على وحدة القرار السيادي، ورفض أي إجراءات أحادية من شأنها منازعة الحكومة، والسلطات المحلية صلاحياتها الحصرية، والإضرار بالأمن والاستقرار، وتعميق المعاناة الإنسانية، أو تقويض فرص التعافي الاقتصادي، والثقة المتنامية مع المجتمع الدولي.

وقال رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني: «إن معركة استعادة مؤسسات الدولة، وإنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية الإرهابية، وتنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية، ستظل في صدارة الأولويات الوطنية». وحذّر من أن أي انشغال بصراعات جانبية، لا يخدم سوى المشروع الإيراني، وأدواته التخريبية، ومضاعفة معاناة اليمنيين، وفق ما نقلته عنه وكالة «سبأ» الرسمية.

تغليب مصلحة حضرموت

وأشاد العليمي في تصريحاته بجهود السعودية التي قادت إلى التوصل لاتفاق التهدئة الأخير في محافظة حضرموت (شرق)، مؤكداً أهمية الالتزام الكامل ببنود الاتفاق، والبناء على هذه الجهود الحميدة، وتغليب مصلحة حضرموت وأبنائها، بوصفها ركيزة أساسية للاستقرار في اليمن، والمنطقة.

كما جدد دعمه الكامل لقيادة السلطة المحلية والشخصيات والوجاهات القبلية في قيادة مساعي الوساطة، والتسريع بإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها، وتمكين أبناء حضرموت من إدارة شؤونهم المحلية، إنفاذاً لتعهدات مجلس القيادة، وخطته لتطبيع الأوضاع في المحافظة.

مظاهرة في صنعاء حيث العاصمة اليمنية المختطفة دعا إليها زعيم الجماعة الحوثية (أ.ب)

ووجّه العليمي في هذا السياق، قيادة السلطة المحلية في محافظة حضرموت، والجهات المعنية في الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والأضرار التي طالت المواطنين، والممتلكات العامة والخاصة، خصوصاً في مديريات الوادي والصحراء، واتخاذ ما يلزم لجبر الضرر، وعدم إفلات المتورطين من العقاب.

كما دعا رئيس مجلس القيادة اليمني جميع المكونات الوطنية إلى نبذ الخلافات، والتحلي بأعلى درجات المسؤولية، وتوحيد الصف في مواجهة التحديات، وإسناد الحكومة للوفاء بالتزاماتها الحتمية، وجعل مصلحة المواطنين، وكرامتهم الإنسانية، فوق كل اعتبار.