سنوات السينما: النادي اللبناني للصواريخ

جوانا حجي توما وخليل جريج
جوانا حجي توما وخليل جريج
TT

سنوات السينما: النادي اللبناني للصواريخ

جوانا حجي توما وخليل جريج
جوانا حجي توما وخليل جريج

النادي اللبناني للصواريخ
(2012) (ممتاز)
طموحات الوصول إلى القمر
«النادي اللبناني للصواريخ» فيلم تسجيلي جيّد الصنع والفكرة. يكشف ما قد لا يُـصدق: لبنان في أواخر الخمسينات وحتى منتصف الستينات أطلق صواريخ فضائية! في فيلمهما الجديد، يعالج المخرجان المتميّـزان بمواضيعهما، جوانا حجي توما وخليل جريج، هذا الحدث بسعي لمعرفة كيف يمكن لأمر في هذه الأهمية أن يمضي من دون أن يبقى خالداً في البال؟ ثم لماذا بوشر بهذه النقلة العلمية في بلد صغير ولماذا توقّـف. هذا وسواه في طرح حثيث ومخلص للفكرة في سياق رغبته الإحاطة بظروف الفترة أيضاً.
يروي الفيلم بأسلوب شيّـق ورشيق أن الفكرة وردت في أواخر الخمسينات. إنها الفترة التي لم يألف بها اللبناني أن باستطاعة هذا البلد الصغير أن ينافس الدولتين الكبيرتين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة مشاريعهما لغزو الفضاء. لكن أساتذة علوم أرمن في جامعة هايكازيان في بيروت أقدموا على تحقيق فكرة مستحيلة. حلموا وأنجزوا. يتابع الفيلم المراحل والنمو ومع كل مرحلة كيف كان الوضع في لبنان والظروف الخارجية.
يلحظ كيف ارتبط هذا التقدم بآخر كان مصدره حركة وعي سياسية شاملة، ثم كيف قام بعض المتحمّـسين من أفراد الجيش اللبناني، الذي تدخّـل عندما فشل إطلاق الصاروخ الأول فحط في قبرص، ليساعد في توجيه دفّـة الإطلاق. لم يكن هناك غازاً مناسباً لعمليات إطلاق الصواريخ، كان ذلك ممنوعاً إلا على الدول الكبرى، مما دعا إلى استنباط طريقة كيماوية لصنع النفط الخاص المطلوب ولشحن الصواريخ بتلك الطاقة.
محلياً، أثار المسألة سخرية متوقعة من قبل الناس العاديين منهم والمثقفين، هذا قبل أن يتغير هذا الوضع فيصبح المشروع تأكيداً على أنه لا شيء مستحيل، إذا ما توفرت الإرادة وعندما استمرت التجارب لبعض الوقت وتحسّن مستوى أدائها مرّة بعد مرّة. يستعين المخرجان بالأرشيف جيّداً. كذلك يقوم الفيلم بإجراء مقابلات مع بعض العلماء وبعض العسكريين. قبل أن يوضح لماذا توقّـف ذلك المشروع وهو في أوج نموّه لنكتشف أن إسرائيل، في ذلك الحين، سعت لدى فرنسا لإقناع اللبنانيين بإيقاف العمل على برنامجهم الصاروخي خشية أن يتم تحويل غايته فيصبح سبيلاً لضرب أهداف داخل إسرائيل.
بعيداً عن هذه الملامح السياسية، وقبل أن يصل الفيلم إلى الاحتفاء بالصاروخ اللبناني على طريقته وذلك عبر صنع رمز للصاروخ ووضعه عند مدخل الجامعة، يكون الفيلم قد قابل بعض العلماء الذين صرفوا عليه الوقت والآمال. هم الآن يعيشون في الولايات المتحدة ويعملون هناك. في ذلك رسالة أخرى لكيف تولّدت القناعة لدى عديدين بأن الهجرة هي الأفضل سبيلاً لتحقيق الذات وتأمين المستقبل، بصرف النظر عن طبيعة العمل الذي يمارسه كل فرد. إذ بدأت تلك الهجرة فردياً، انتقلت جماعياً خلال الحرب الأهلية اللبنانية وتتكرر اليوم، للأسف الشديد، بسبب الوضع الاقتصادي والمعيشي والسياسي لبلد فقد الإيمان بهويّته الخاصة. الفيلم هنا يشعل نار الأسى في القلب، والمقارنة بين كيف كنا وكيف أصبحنا. تلك الأحلام التي لم تعترف بالمعجزات، والأوضاع الحالية التي تحتاج لها اليوم أكثر من أي يوم مضى.
أحد أهم اللفتات التي لا يتوقّـعها المرء لكنه يجدها ويسعد بها هو دخول الكاميرا إلى «مركز السينما اللبنانية» في وزارة الأعلام باحثاً عن ملفّـات وأرشيفات مصوّرة، ليجد أن العلب التي من المفترض أن تحتوي على أفلام محفوظة باتت خاوية بعدما اهترأت تلك الأفلام نتيجة الإهمال. بين الأفلام المفقودة أحد أعمال المخرجين نفسيهما!
المخرجان جحي توما وجريج متزوّجان يحققان أفلامهما معاً ودائماً ما ينجحان في توفير مواضيع غير مطروقة لأفلامهما التسجيلية. وهما حققا أفلاماً روائية أيضاً بدأت بفيلم دارت أحداثه في الحرب اللبنانية بعنوان «البيت الزهر».


مقالات ذات صلة

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.