ترحيب ليبي بلجنة أممية لتقصي حقائق «انتهاكات» 5 أعوام

TT

ترحيب ليبي بلجنة أممية لتقصي حقائق «انتهاكات» 5 أعوام

رحبت سلطات طرابلس، وجمعيات حقوقية ليبية أمس، بإعلان المفوضة السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة عن أسماء أعضاء البعثة المستقلة لتقصي الحقائق بشأن الانتهاكات التي ارتكبت في ليبيا منذ 5 أعوام، مشيرين إلى أن «هذه خطوة أولى تُمهّد لخطوات لاحقة لفتح جميع ملفات الجرائم التي لم يتم التحقيق فيها إلى الآن».
وكانت الأمم المتحدة أمرت بتشكيل لجنة تقص في انتهاكات حقوق الإنسان وتوثيق وحفظ الأدلة لضمان المحاسبة، عن الفترة من بداية عام 2016، بناء على قرار مجلس حقوق الإنسان التابع لها والصادر في ختام دورة المجلس الـ43 في 22 يونيو (حزيران) الماضي، بمقر المجلس في جنيف، وهو الأمر الذي رحب به الليبيون في حينه، وطالبوا بتوسيع الفترة الزمنية لتشمل الفترة منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011.
وقالت وزارة العدل بحكومة «الوفاق» في بيانها مساء أول من أمس، «إن هذه الآلية الدولية التي تهدف إلى جمع الأدلة حول انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا، وتحديد المسؤولين عنها تتفق وسياسة حكومة (الوفاق) الرامية إلى محاربة الإفلات من العقاب ودعم السلطة القضائية للقيام باختصاصاتها وتذليل الصعوبات أمامها»، مبدية ترحيبها بـ«جميع الجهود الدولية التي تهدف إلى إظهار الحقيقة وإنصاف الضحايا وإقامة العدالة».
في السياق ذاته، أكدت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، أن المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، أمر أساسي لتحقيق السلام والاستقرار بعد سنوات عديدة من الإفلات من العقاب في ليبيا، مبدية استعدادها الكامل للتعاون مع بعثة تقصي الحقائق في الانتهاكات التي شهدتها البلاد، «انطلاقا من أن هذه الجهود تأتي تتويجاً لدعوات ومطالب المؤسسات والمنظمات الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، المتكررة لإرسال بعثة دولية لتقصي الحقائق حول انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني المرتكبة في ليبيا».
وأعلنت ميشيل باشليه، المفوضة السامية لحقوق الإنسان، أن الأعضاء المعينين بفريق تقصي الحقائق في ليبيا، هم محمد أوجار من المغرب، وتريسي روبنسون من جامايكا، وشالوكا بياني «زامبيا والمملكة المتحدة»، معتبرة أن تدهور الوضع الأمني في ليبيا وغياب نظام قضائي فاعل يؤكدان أهمية عمل فريق من الخبراء المستقلين لتوثيق انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان.
واعتبرت اللجنة الوطنية أن تشكيل هذه البعثة يتناغم مع أهداف وسياسات (اللجنة الوطنية)، الرامية إلى حماية وصون حقوق الإنسان والحريات العامة والقانون الدولي الإنساني، وضمان إنهاء حالة الإفلات من العقاب، وبما يجعل من هذه البعثة الأممية رافدا قويا من الروافد الداعمة للقضاء الليبي والدولي في تحقيق العدالة وملاحقة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي ومن جميع الأطراف المتورطة في ارتكاب هذه الجرائم والانتهاكات.
وتجدد اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، مطالبتها للسلطات الليبية بأهمية التعاون الكامل مع البعثة الأممية لتقصي الحقائق، وتذليل جميع الصعاب أمامها ودعمها لإنجاح مهامها وأعمالها. وانتهت إلى أنه منذ تأسيسها عملت على ضمان حماية وتعزيز وصون حقوق الإنسان والحريات العامة وترسيخ سيادة القانون والعدالة في ليبيا.
وكانت مجموعة دول أفريقية قدمت مشروع القرار في مارس (آذار) الماضي في إطار الدورة الـ43 لمجلس حقوق الإنسان، لكن الدول المعنية لم تتمكن من مناقشته بسبب فيروس كورونا المستجد الذي أرغم الأمم المتحدة على تعليق الدورة.
واعتمد القرار أخيرا مساء أول من أمس، من دون تصويت بعد استئناف مناقشات مجلس حقوق الإنسان الأسبوع الماضي عمله عقب تخفيف القيود المفروضة للحد من تفشي وباء «كوفيد - 19». ويندد القرار «بشدة بكل أعمال العنف التي ارتكبت في ليبيا» ويبدي «قلقه» للمعلومات التي تتحدث عن عمليات تعذيب وتجاوزات أخرى في السجون الليبية، ويطلب من المفوضة العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشيل باشليه «أن تشكل فورا وترسل بعثة تحقيق إلى ليبيا».
وسيكلف الخبراء في هذه اللجنة لمدة عام «بتوثيق ادعاءات وقوع تجاوزات للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني المرتكبة في ليبيا منذ مطلع 2016».
وشهدت ليبيا وقوع جرائم كثيرة لم يتم التحقيق فيها، لعل آخرها العثور على 8 مقابر جماعية في مدينة ترهونة (90 كيلومتراً جنوب شرقي العاصمة طرابلس)؛ والبلدات المجاورة لها في مطلع يونيو الماضي. وسبق للبعثة الأممية والسفارة الأميركية لدى ليبيا المطالبة بـ«تحقيق سريع وشفاف» في هذه الجريمة، وسط اتهامات وجهتها سلطات طرابلس إلى ميليشيا «الكانيات» التي كانت تبسط قبضتها على المدينة.
وكان «الجيش الوطني» على لسان المتحدث باسمه اللواء أحمد المسماري، دعا بدوره إلى التحقيق في هذه الجرائم، رداً على اتهامات وجهتها حكومة «الوفاق» إلى قواته، وقال مقربون من الجيش إن «الميليشيات المسلحة ضالعة في مثل هذه الجرائم».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.