بقاء أندريه دودا في رئاسة بولندا يُكرِّس الانقسام الداخلي

نتيجة الانتخابات تشير إلى أن المعركة مستمرة مع الاتحاد الأوروبي لخمس سنوات إضافية

بقاء أندريه دودا في رئاسة بولندا يُكرِّس الانقسام الداخلي
TT

بقاء أندريه دودا في رئاسة بولندا يُكرِّس الانقسام الداخلي

بقاء أندريه دودا في رئاسة بولندا يُكرِّس الانقسام الداخلي

لم تنتج الانتخابات الرئاسية في بولندا خياراً مفاجئاً، بل أبقت على الرئيس اليميني الحالي أندريه دودا في السلطة. إلا أن نتيجتها المتقاربة جداً أظهرت أن بولندا باتت منقسمة (بالتساوي تقريباً) بين مسنّيها وشبابها، وبين سكان المدن وأولئك الذي يقطنون في الريف، وبين المحافظين والليبراليين.
كذلك أكدت حصيلة الانتخابات أن المعركة مستمرة مع الاتحاد الأوروبي لخمس سنوات إضافية على الأقل، وهي مدة الفترة الرئاسية الجديدة لدودا. وكانت هذه المعركة قد بدأها الرئيس المنتمي لحزب «القانون والعدالة» اليميني المتشدد عندما فاز بالانتخابات الرئاسية للمرة الأولى قبل 5 سنوات.

نجح الرئيس أندريه دودا بانتشال فوز بفارق ضئيل في الجولة الثانية من الانتخابات، متقدماً بفارق بسيط جداً على منافسه عمدة مدينة وارسو الليبرالي رافال تجاشكوفسكي، إذ حصل على 50.2 في المائة من الأصوات مقابل 48.8 في المائة نالها تجاشكوفسكي.
والملاحظ أنه بينما حصل تجاشكوفسكي على 65 في المائة من أصوات من هم دون سن الثلاثين، كسب دودا أصوات نحو الـ62 في المائة من أصوات من هم فوق سن الستين. كذلك حصل المرشح الليبرالي الخاسر على غالبية أصوات سكان المدن مثل وارسو التي صوّت 67 في المائة من الناخبين فيها لصالحه، وغدانسك – ميناء البلاد الرئيسي – حيث حصل على 70 في المائة من الأصوات. وفي المقابل، في النهاية نجح دودا بفضل الأرياف وكبار السن في السباق الذي شهد أعلى نسبة مشاركة في أي انتخابات رئاسية أجرت في بولندا حتى اليوم، إذ زادت على الـ68 في المائة.
وبينما احتفل مؤيدو دودا، الذين صوّتوا له بالأساس لنجاحه في تقليص نسبة الفقر خلال السنوات الخمس الماضية - لا سيما في المناطق الريفية - وكذلك لأجندته الانتخابية المحافظة التي بناها على مهاجمة المثليين، فقد بدأت المخاوف تتزايد ليس فقط لدى معارضيه، بل أيضاً لدى المنظمات الحقوقية والاتحاد الأوروبي، حول مستقبل حكم القانون في البلاد.

قلق أوروبي من تشدد اليمين

منذ عام 2015، أي منذ أن أصبح دودا رئيساً، وسيطر حزبه كذلك على البرلمان منذ ذلك الحين، تسارع تقويض الديمقراطية في بولندا، خصوصاً لجهة محاولة السيطرة على الإعلام والقضاء، أهم أعمدة الدول الديمقراطية. وخلال أشهر قليلة من تسلمه منصبه، بدأ دودا العمل على «تغييرات» تستهدف النظام القضائي، تحوّلت إلى معركة مع السلك القضائي ثم إلى معركة مع الاتحاد الأوروبي... وتسببت بخروج مظاهرات كبيرة ضد الحزب الحاكم.
دودا، هذا الزعيم اليميني الشعبوي - ومن خلفه رعاته من قادة اليمين المتشدد - يرى منذ وصوله إلى السلطة في أغسطس (آب) 2005، السلك القضائي بأنه «من مخلفات الحقبة السوفياتية» وأن «الفساد ينخره»، وهو بالتالي، يحتاج إلى تغيير.
ومن ثم، دفعت عدة خطوات اتخذتها حكومتها منذ ذلك الحين بحجة «إصلاح» النظام القضائي، بالاتحاد الأوروبي إلى اعتماد خطوة غير مسبوقة وتحريك البند السابع من «اتفاقية دبلن» للمرة الأولى ضد دولة في الاتحاد الأوروبي. ويتعلق هذا البند بإطلاق إجراءات تأديبية بحق إحدى دول الاتحاد في حال ارتأت المفوضية أن هناك تهديداً للمبادئ والأسس التي يقوم عليها الاتحاد الأوروبي.
عندما اتخذت المفوضية قرار بدء إجراءات تأديبية ضد بولندا في ديسمبر (كانون الأول) 2017. فهي برّرت القرار يومذاك بأنها حاولت على مدى سنتين «إطلاق حوار بنّاء» مع الحكومة البولندية، بهدف «حماية حكم القانون في أوروبا»، لكنها لم تتوصل لأي نتيجة. وأضافت أنه «في غياب قضاء مستقل، فإن أسئلة جدّية تُطرح حول تطبيق القانون الأوروبي». وفي تبريرها لتحريك البند السابع، قالت المفوضية الأوروبية أن الحكومة البولندية تبنّت 13 قانونا ً خلال سنتين تؤثر على «التركيبة الكاملة للجسم القضائي في بولندا، وتؤثر على المحاكم الدستورية والمحكمة العليا والمحاكم العادية والمجلس الوطني للقضاة وغيرها».

التلاعب باستقلالية القضاء

والحال أنه يمكن لهذه الآلية أن تؤدي إلى عقوبات ضد الدولة المستهدفة في حال لم تتعاون مع المفوضية الأوروبية، وإلى تجريد هذه الدولة من حقها في التصويت، وصولاً إلى تعليق عضويتها. ومن بين ما يقلق المفوضية الأوروبية، تخفيض سن التقاعد للقضاة إلى 65 سنة للرجال و60 سنة للنساء بدلاً من 67 سنة في السابق للرجال والنساء. وهذا الأمر يسمح عملياً للحكومة بالتخلص من قضاة سابقين وتعيين آخرين تنتقيهم بنفسها.
أيضاً، من الخطوات الأخرى التي اتخذها حزب «القانون والعدالة» تأسيس هيئة تأديبية للقضاة، تمكّن الحكومة من قتح تحقيقات ضد القضاة بسبب أحكام واتخاذ إجراءات تأديبية بحقهم. ولقد دفعت هذه الخطوة، بالذات، الاتحاد الأوروبي إلى إطلاق عملية قانونية جديدة ضد بولندا لإجبارها على التراجع عن سياسة قال عنها نائب رئيس المفوضية الأوروبية (آنذاك) فرانس تيمرمانز إن هدفها «إخضاع القضاة بشكل ممنهج للسيطرة السياسية للسلطة التنفيذية».
وحقاً، خلال العام الماضي لفّت بولندا فضيحة كبرى، بعد كشف صحافية في موقع محلي عن تورّط وزارة العدل بحملات لتشويه سمعة القضاة. وكتبت الصحافية الأميركية أنا أبلباوم المتزوجة من سياسي بولندي معارض، في موقع «أتلانتيك»، أن الحكومة البولندية تشن حملات تشويه سمعة ضد القضاة. وأردفت الكاتبة أنها التقت أحد هؤلاء في «محكمة العدل الأوروبية» بستراسبورغ كان يخضع لتدقيق مالي منذ 18 شهراً، ويواجه خمسة إجراءات تأديبية بحقه. وتقول أبلباوم إن محاولات حزب دودا تصوير القضاة على أنهم من مخلفات العهد السوفياتي أمر غير منطقي «لأن معدل عمر القاضي 42 سنة، بينما سقط (جدار برلين) قبل 30 سنة، ما يعني أن الغالبية العظمى من القضاة ما كانوا في سن يسمح لهم بأن يكونوا شيوعيين».

المعركة ضد الإعلام
لم يكتف دودا بشن معركته ضد القضاء، بل فتح أيضاً معركة أخرى مع الإعلام. وفي مطلع العام 2016 - أي بعد أشهر قليلة على وصوله للرئاسة - وقّع دودا على قانون يعطي الحكومة الحق بالإشراف المباشر على المؤسسات الإعلامية التابعة للدولة. وفي الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كتب كريستوف بوبينسكي، من جمعية الصحافيين في وارسو، أن التلفزيون الرسمي في بولندا يدعم بشكل مستمر مرشحي حزب «القانون والعدالة» منذ وصول هذا الحزب اليميني إلى السلطة عام 2015. وأضاف أن هذا «يتعارض مع قانون الإعلام في بولندا الذي ينص على ضرورة أن يكون الإعلام الرسمي منصة حيادية مهمتها تغطية الأخبار للمواطنين».
وفي العام الماضي، نقلت مجلة «فورين بوليسي» عن صحافيين يعملون في الإعلام الرسمي البولندي قولهم إنه قبل عام 2015 «ما كان للساسة الموجودين في الحكم التأثير الذي يتمتعون به اليوم». وذكر بعض الصحافيين الذين لم يسمّهم التقرير، أنه «ما عاد ممكناً أن تجد الحقيقة في قناتنا». وحتى إن منظمة «صحافيين بلا حدود» وصفت الإعلام الرسمي في بولندا بأنه «تحوّل إلى أداة دعائية للحكومة».

موضوع اللاجئين

من جانب آخر، لا تقتصر خلافات الاتحاد الأوروبي مع بولندا على التغييرات التي تدخلها حكومة دودا في مجالي القضاء والإعلام، بل تتصل أيضاً برفض بولندا استقبال لاجئين بخلاف «الكوتا» (ترتيبات الحصص) التي تم الاتفاق عليها لتوزيع اللاجئين بين دول الاتحاد بعد أزمة اللجوء الكبيرة عام 2015. وفي أبريل (نيسان) الماضي، استنتجت المحكمة الأوروبية العليا أن بولندا، إضافة إلى المجر والتشيك، خرقت القانون الأوروبي عندما رفضت استقبال لاجئين، معظمهم من سوريا والعراق. وراهناً تواجه بولندا و«جارتاها» عقوبات أوروبية محتملة لرفضها الالتزام بـ«الكوتا» الأوروبية الخاصة بها من اللاجئين. ورفضت المحكمة الأوروبية دفاع بولندا عن قرار رفضها استقبال لاجئين، وادعاءها بأنه «يحق لها التغاضي عن قوانين أوروبية إذا كانت تعرّض الأمن والسلم القومي البولنديين للخطر».

التقارب مع واشنطن

ولكن مقابل دخول دودا في صراع مع الاتحاد الأوروبي يُتوقّع أن يستمر طوال فترة حكمه المقبلة، فإنه نجح بنسج علاقات ودية مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي كانت بولندا الدولة الأوروبية الأولى التي زارها بعد انتخابه رئيساً. وفي يوليو (تموز) من عام 2017، توقف ترمب في العاصمة البولندية وارسو عندما كان في طريقه إلى هامبورغ بألمانيا للمشاركة في «قمة العشرين». وفي حينه أزعجت تلك الزيارة الدول الأوروبية الأخرى التي كانت دخلت في مواجهة في بولندا بسبب أزمة اللاجئين.
أيضاً، كان دودا الرئيس الأجنبي الأول الذي يزور البيت الأبيض في خضم أزمة جائحة «كوفيد - 19» في نهاية الشهر الماضي، قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية في بولندا. ولقد وُصفت هذه الخطوة كذلك بأنها دعم مباشر من ترمب لدودا الذي يتشارك معه في سياساته وقناعاته اليمينية. وبالفعل، هذه العلاقة بين الرجلين انعكست كذلك في تصريحات ترمب الأخيرة حول سحب جزء من القوات الأميركية المتمركزة في ألمانيا، وإعادة نشرها في بولندا، وهو ما لاقى ترحيبا كبيراً من دودا.

العداء لألمانيا

ثم إن الرئيسين يتفقان على «كُره» ألمانيا. فترمب لا يوفر فرصة لانتقاد برلين حول كثير من القضايا، مثل إحجامها عن إنفاق 2 في المائة من ناتجها الإجمالي على الدفاع، وكذلك الفائض التجاري مع الولايات المتحدة، وخط أنابيب الغاز مع روسيا «نورد ستريم 2». ودودا كذلك لا يتردد في تكرار اتهاماته لألمانيا بمحاولة التدخُّل بشؤون بلاده، أو محاولة التأثير على الانتخابات فيها، كما حصل خلال الحملة الانتخابية الرئاسية الأخيرة عندما تهجّم دودا على صحافي ألماني واتهم برلين بأنها تريد التأثير على نتائج الانتخابات. وجاء كلام دودا بعد خبر نشرته أكثر الصحف الشعبية انتشاراً في البلاد (وتملك دار نشر ألمانية جزءاً منها) يتعلق بعفو الرئيس عن مجرم، ما أثار ردود فعل غاضبة ضده. ورد دودا بالسؤال: «هل يريد الألمان أن ينتخبوا رئيس بولندا؟»... وهاجم مراسل صحيفة «دي فيلت» الألمانية المحترمة، الذي سماه بالاسم، واتهمه بالترويج لمنافسه.
بل حتى إن وزير العدل البولندي دخل على خط الجدل ملمّحاً إلى إمكانية إجراء «إصلاحات» تتعلق بالملكية الأجنبية للإعلام في بولندا. وقال قبل الانتخابات «علينا أن نفكّر بوضع الإعلام في بولندا بسبب ما يحدث. لا يمكننا أن نغض النظر ببساطة، وآمل أن نتوصل لبعض الاستنتاجات بعد الانتخابات».
ولكن، رغم كل هذه الخلافات بين حكام وارسو والاتحاد الأوروبي، تبقى بولندا من أكثر الدول استفادة من مساعدات الاتحاد وتسهيلاته. وحتى في المفاوضات الجارية حول الحزمة المالية الضخمة التي اتفقت عليها فرنسا وألمانيا لإنقاذ الدول الأوروبية التي تعاني اقتصادياً من جائحة «كوفيد - 19» من المفترض أن تتلقى بولندا حصة كبيرة من هذه المساعدات، رغم أنها كانت من أقل الدول تأثراً بالجائحة، وفق صحيفة «غارديان» البريطانية التي قالت إنها اطلعت على بيانات داخلية في بروكسل. وحسبما نقلت الصحيفة، يُفترض أن تتلقى بولندا مساعدات بقيمة 37 مليار يورو من هذه الحزمة الطارئة التي تصل قيمتها الإجمالية إلى 750 مليار يورو.
كذلك، نقلت «الغارديان» عن دبلوماسيين أوروبيين «انزعاجهم» الشديد من هذا الواقع، وقال أحدهم إن «بولندا تهزأ بقيَمنا وتُكافأ على ذلك. هذا أمر غير مقبول». وذهب البعض إلى حد اشتراط منح الأموال بالتزام وارسو بالقيم الأوروبية. وقال داكيان كيولوس، النائب الأوروبي من كتلة حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: «يجب تقوية آلية حكم القانون عند توزيع أموال الاتحاد الأوروبي»، وأضاف: «إن الاتحاد ليس صرافاً آلياً... ولا بد من ربط الوحدة الأوروبية بالقيم الأوروبية واحترام الحقوق الأساسية».

رافال تجاشكوفسكي... العمدة الليبرالي الطموح

> رافال تجاشكوفسكي، المرشّح الخاسر في الانتخابات الرئاسية في بولندا، مثل دودا، يبلغ من العمر 48 سنة. وهو العمدة الحالي للعاصمة وارسو منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2018. وهو يحمل شهادة دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة وارسو.
عمل منذ عام 1995 مترجماً فورياً لفترة، لإتقانه اللغة الإنجليزية. وهو يتقن كذلك اللغات الفرنسية والإسبانية والإيطالية.
عام 2000 بدأ تجاشكوفسكي العمل في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، بداية مع مكتب بولندا في لجنة الاندماج الأوروبي، ثم مستشاراً لحزب «المنصة المدنية» البولندي في البرلمان الأوروبي. وفي عام 2009، انتُخب عضواً في البرلمان الأوروبي عن حزب «المنصة المدنية» التي هي جزء من كتلة «حزب الشعب الأوروبي»، التي تضم الأحزاب الأوروبية الليبرالية اليمينية الوسطية.
كذلك قبل أن يصبح عمدة وارسو، شغل تجاشكوفسكي منصباً وزارياً في حكومة الرئيس برونيسلاف كوموروفسكي عام 2013. إذ عُين وزيراً للإدارة والرقمنة، وكان من ضمن مهامه الأمن السيبراني والتطوير التقني للمعلومات. وفي عام 2014، تسلّم منصب نائب وزير خارجية بولندا، وكان مسؤولاً عن التنسيق مع الاتحاد الأوروبي.
ثم في عام 2015، فاز بمقعد في البرلمان البولندية، وعُيّن وزير خارجية في «حكومة الظل» المعارضة. وأثناء وجوه في البرلمان، كان عضواً في لجنة الشؤون الأوروبية ولجنة الشؤون الخارجية والرقمنة من بين غيرها. وفي عام 2018، فاز بمنصب عمدة مدينة وارسو ليصبح أيضاً في عام 2020 نائباً لحزبه «المنصة المدنية».
يعتقد تجاشكوفسكي أن الديمقراطية في بولندا مهددة. وقال في إحدى المقابلات الصحافية إنه لن يسمح بتقويض القضاء أكثر، وبأنه سيحاول إعادة استقلالية مكتب الادعاء العام، وهو ما فقدها خلال حكم حزب «القانون والعدالة»، خلال السنوات الخمس الماضية، كون وزير العدل هو نفسه المدعي العام.

أندريه دودا... الرئيس وحامل راية اليمين المتشدد

> بدأ الرئيس البولندي أندريه دودا (48 سنة) فترته الرئاسية الثانية التي تنتهي في عام 2025، ومن المفترض أن تكون الأخيرة بحسب الدستور البولندي. وكان قد انتخب للمنصب في المرة الأولى في أغسطس (آب) 2015، وهو ينتمي لحزب «القانون والعدالة» اليميني المتشدد.
وُلد دودا ونشأ في مدينة كراكوف، عاصمة بولندا الثقافية في جنوب البلاد. ودرس المحاماة في الجامعة، وحاز على شهادة دكتوراه في القانون من الجامعة الياغييلونية العريقة عام 2005. وكان قد دخل الحياة السياسية في عام 2000 مع حزب الحرية الذي حُلّ لاحقاً. وبعد عام 2005، بات عضواً في حزب «القانون والعدالة»، وشغل عدة مناصب في الحكومة منذ عام 2006، من بينها نائب وزير العدل، ثم مساعداً للرئيس اليميني ليخ كاجينسكي الذي قتل في حادث طائرة في أبريل (نيسان) 2010.
بعدها، نجح بدخول البرلمان البولندي في عام 2011، ثم البرلمان الأوروبي عام 2014. ورغم تنقله في كثير من المناصب بسرعة كبيرة، ما كان دودا معروفاً كثيراً داخل حزب «القانون والعدالة».
وفي عام 2014، تسبب إعلان أمين عام الحزب باروسلاف كاجينسكي، وهو الشقيق التوأم للرئيس الراحل، بأن دودا سيترشح عن الحزب في الانتخابات الرئاسية بمفاجأة لكثيرين. وأعلن حينها دودا بأنه يريد أن يترشح كـ«الوريث الروحي» لليش كاجينسكي. وللعلم، كان الأخوان كاجينسكي مؤسسا حزب «القانون والعدالة» عام 2001. ويصوّر الحزب نفسه منذ البداية على أنه الحزب الذي يحافظ «على قيم بولندا»، انطلاقاً من 3 مبادئ هي العائلة والوظائف والأمن.
دودا متزوج من أغاتا التي تدرس اللغة الألمانية، ولديهما ابنة تُدعى «كينغا» تبلغ من العمر 25 سنة، تلعب أحياناً دوراً شبيهاً بالدور الذي تلعبه إيفانكا ترمب، ابنة الرئيس الأميركي، لجهة تلطيف صورة والدها؛ فبعد فوز والدها بالانتخابات، خرجت كينغا لتقول إنه «يجب ألا يشعر أحد في بلدنا بالخوف من مغادرة منزله، لأنه بغضّ النظر عما نؤمن به، وما هو لوننا، وما هي الأفكار التي نحملها، وأي مرشح مؤيد، فنحن كلنا متساوون ونستحق الاحترام». وقال البعض إن كلماتها جاءت لطمأنة فئات كثيرة تهجّم عليها والدها خلال الحملة الانتخابية، خاصة المثليين الذين وصفهم بأنهم «ليسوا بشراً».


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».